الثلاثاء، 9 مايو 2023

 

  


 

 

                                     عَقَائِدنَا        

الشيخ عادل الزركان


                                                                                      المقدمة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

الحمـد لله الذي أضاء الأرض والسماء بنور النبـوّة المحمّـدية، وزيّنهما بنجوم أهل بيته الأطهار، حجج الله الأبرار، الأئمّـة المعصومين الأخيار b، ولا سـيّما بقـيّة الله في الأرضين، الحجّة بن الحسـن العسكري، المهديّ المنتظر f.

  الحمد لله الواحد الأحد، المنزه عن الشريك، والشبيه والولد، الصمد المتفرد الذي لا من شيء كان، ولا من شيء، قدرة بان بها الأشياء وبانت الأشياء منه، فليست له صفة تنال ولا حد تضرب يه الأمثال، تحيرت دون صفاته اللغات وضل هناك تصاريف الصفات وحار في ملكوته عميقات مذاهب التفكير، وانقطع دون الرسوخ في علمه جوامع التفسير وحال دون غيبه المكنون حجب من الغيوب، تاهت في أدنى أدانيها طامحات العقول في لطيفات الأمور.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أوّل ما خلق قبل الأشياء من نوره، يدور بالقدرة ، ولم يكن لوحٌ ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جني ولا إنسي  ، خير من صلى وتعبّد، وقام وتهجّد، واشهد ان عليّا إمام الأمّة والصدّيق الأكبر، والفاروق الأعظم وصي رسول الله ، خلق من طينته وجعله وزيره، وابناه الحسن والحسين الشجرة التي خلقها من نوره ، ومحمد أصلها، وعليٌّ غصنها، والحسن والحسين ثمارها، خلقهم من طينة علِّيين، الذين اختارهم على علم على العالمين , اول الخلق انوار يسبحون تحت العرش والطينة  التي اختارتها واصطفاها الذين أوجب على الخلق الإيمان بهم والاقرار بولايتهم الحصن الحصين وسرّ من أسراره جل جلاله والتي تشرّف بها أنبيائه ورسله , وجعلهم صلواتنا عليهم وذكرنا لهم وما خصّنا به من ولايتهم وعرفناه من فضلهم طيباً لخلقنا وطهارة لأنفسنا ، الذين عرّفونا الشيء النزير عن بعض مقاماتهم النورانيّة ، ووجود اتم القدسية ، وأنّ ولايتهم جوهرة كنهها الربوبيّة.

المشهور لايجوز التقليد في العقائد لأنّها أُمور عقلية تفتقر إلى تصديق وإذعان، ولا ينفع معها مجرّد التقليد، فالمعرفة التفصيلية بأُصول الاعتقادات هي المقوّمة لحصول الإيمان، ولهذا الامر ألف علمائنا الكثير من الكتب في العقائد حسب النصوص الصحيحة  الواردة عن  أهل البيتb حتى يأخذ منهم اتباع هذه المدرسة ولا يتعدوها، أو يعتمدوا على ما ضعف ووهن منها، أو يقلد من يقول فيها برأي، اعتمادا على الظن والاستحسان , ومن خلال هذا البحث والذي اخذناه من منابر الدرس والمباحثة وعن اساتذتنا الافاضل الذين لهم بحوث مكتوبة ودروس معمقة خاصة وعامة نحاول بيان شيء في هذا المضمار الواسع .

 وأسألک يارب بمواقع العزّ من رحمتک وبمقاماتک وعلاماتک أن تصلّي على محمد وآله وأن تزيدنا إيمانآ وتثبيتآ.

                                                                         محمد رضا الزركاني

 

      مقدمة المؤلف

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمد وآله الطّاهرين المعصومين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين من الأوّلين والآخرين.

   قال رسول الله kـ في الحديث المتّفق عليه: من مات ولم يعرف إمام زمانه فقد مات ميتة جاهليّة، وقال تعالى: (اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ. مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ، الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ، يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ، يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِئُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ. يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شيء عَلِيمٌ)([1]) والنبي وآله k المعصومون نور الله في أرضه ، والرابط بينه وبين خلقه ، لا يقاس بهم احد ،وليس من علم وصل الى مراد قول المعصوم التام او معرفته ويحتاج الى إشراقة روح , وهذا الاشراقة تكون بها المعرفة والايمان ومن الواجب معرفة العقائد والتأكد من صحتها لأنها ستكون حلقة وصل بين المخلوق وخالقه، في نفس الوقت حلقة وصل بين المخلوقين أنفسهم، وهل لنا القدرة على معرفة اهل البيت b قطعا لا يمكننا إلا من خلالهم , لان الأئمّةb اعرف من غيرهم بأنفسهم، وأصدق من حدّث عن خصائصهم ومنازلهم, ونعرف كل هذا من خلال الاحاديث الشريفة والروايات والزيارات الواردة عنهمb التي هي منجم من العلم والمعرفة ومعين غنيّ يوفّر لنا الفهم الأوسع لمقاماتهم وصفاتهم.

 ومن خلال النقاشات المعمقة في هذه البحوث العقائدية طلب منّي استاذي الذي كان له الفضل والجهد الكبير في اثراء هذه البحوث وغيرها سماحة الشيخ الأستاذ فاضل الربيعي (حفظه الله) وشرح هذه المطالب وكان لي شخصيا الفائدة  الكبيرة وسأبقى مدين له والى كل اساتذتي اهل الفضل ، كان بحث الإمامة مهم جدا  لحاجة الناس إليها في عصر ظهر فيه أفراد يشكّكون أما لجهل او عدم ادراك ذلك البحث  لتقصير أ و تعمّد , فانتهزت فرصة العطلة في الحوزة العلميّة في شهر رمضان المبارك، وشرعت في كتابة هذا البحث بالاستعانة بالمصادر المهمة من مصادر علمائنا وكذلك من أحاديث الجمهور المتعلّقة بالموضوع وبما روي في كتب التفسير والحديث والفقه، وبهذه المناسبة، ندعو الباحثين عن مثل هذه الأُمور الجليلة، في حوزاتنا العلميّة وخارجها، إلى اعتماد منهج فهم المعصومين وما يتعلّق بهمb من خلال كلماتهم النورانيّة ومراجعة سلوكهم الربّاني، والابتعاد عن التفسير بالرأي والترجيح بالظنون.

وأسأل الله أن يعرّفنا نفسه عزّ وجلّ ويعرّفنا نبيّه k والأئمّة المعصومينb من بعده، وأن يجعل هذا الكتاب فيها نفع وفائدة لنا.

                                                                           عادل الزركاني

                                                                                                 ٧ ربيع الآخر ١٤٤٤ هـ


 

الأصل الأول: التّوحيد

التوحيد، هو الإيمان بالله ووحدانيته، وهو أهم الاعتقادات التي لها صلة بالدين ([2])، يعتقد المسلمون وبحسب القرآن أن العالم ليس له أكثر من خالق واحد، وأنه ليس لغير الله أي دور في إنشاء العالم وخلقه، ولن يكون لأي عامل نصيب في تحقق عالم الخلق ([3])بحسب الآيات والأحاديث المروية عن الرسول وأهل بيتهb التوحيد هو الشهادة بمضمون عبارة "لا إله إلا الله وحده لا شريكه له" وما شابه هذه العبارة ([4]).

فالتوحيد الموحَد واحد لا تعدد ولا تكثر فيه بوجهٍ ولا مغايرة لا حقيقة ولا اعتبار، لا في الواقع ولا في نفس الأمر، ولا كيف لذلك؛ لأنه هو، وهو سبحانه لا كيف له، لأنه مكيِّف الكيف، ولا يجري عليه ما هو أجراه، ولا يعود إليه ما هو أبداه. والحاصل: أن الإدراك الأزلي الذاتي متعذر على من سواه من جميع الوجود.

التوحيد في اللغة هو الحكم بأن الشيء واحدٌ، والعلم بأنه واحدٌ، وفي الاصطلاح هو تجريد الذات الإلهية عن كل ما يتصور في الأوهام والأذهان. وللتوحيد معنيان:

 الأول: هو القول إن الله تعالى واحدٌ لا يوجد في ذاته تغيُّرٌ ولا كثرةٌ وليس له أجزاء تجتمع فيتقوم منها، بل هو واحدٌ من جميع الوجوه.

 الثاني: هو القول بإلهٍ واحدٍ لا شريك له مباينٍ للعالم، ومدبرٍ له، لأن الوجود الذي يوصف به لا يمكن أن يكون لغيره، خلافاً للثنوية القائلين بإلهين أو لأصحاب التكثير بتعدد الآلهة، لذلك قيل إن التوحيد هو معرفة الله بالربوبية والإقرار له بالوحدانية، ونفي الأنداد عنه جملةً.

وقدكان الأئمة b على علمٍ بأهمية التوحيد كونه المنطلق الأساس في الأيمان وترسيخ عقيدة الإنسان، فضلاً عن كونه يمثل أصلاً من أصول الدين.

ومن اول اهتمامات علماء الشيعة الأصل الأول (التوحيد) في مؤلفاتهم في ابحاثهم ومحاضراتهم ومجالسهم العلمية  لان التوحيد هو أهم الأصول الاعتقادية وان حاول بعض علماء أهل السنة التشكيل بهذا الاعتقاد امثال ابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وعبد العزيز بن باز ومن تبعهم بأن الشيعة لديهم التوحيد مختلف او ان لديهم شرك به جل اسمه لا شريك له , وجاء هذا الامر بسبب الجهل أولا والعداء المبطن لأهل البيت b، وأن الاعتقاد بالشفاعة والتوسل بالأنبياء والأولياء b من مصاديق الشرك وفي مقابل الإيمان بالتوحيد العبادي , وهذا وذاك يصنع الفكرة من واقع مختلف ويضع حكم عليها , والعبادة امر شخصي للعبد هو أعلم به من الخصم او من يضع عليه الاتهامات , لو طرح السؤال على ابسط شيعي عن التوحيد يقول :"أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله" وأما الشفاعة والتوسل هذه استنادا للآيات القرآنية والاحاديث الشريفة عن النبي الكريم k ويكون هذا الاتهام لا معنى له وهو تطرف مذهبي ، وان الأنبياء واهل البيت b هم الهدف الأول من الاتهام والاقوال المزعومة وما هم إلا عباد الله المقربون ويقصدون التقرب لله من خلالهم ,  والشفاعة بإذنه عز وجل فهي ثابتة من قوله تعالى : ﴿يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن من وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا([5]) ومن افضل من محمد kوال b والانبياء والمرسلين b مَنْ أَذِنَ لَهُم الرحمن جل وعلا  بالشفاعة , وكل الأفعال والاقوال من القران والسنة النبي kوما نقله اهل البيتb

.اقول :  لا شك ولا ريب ان غاية الانسان المعرفة وادراك الكمالات والوصول الى الكمال المطلق لتتم استقامة حياته بجميع اشكالها واحوالها الدينية والدنيوية والاخروية , ولا يكون ذلك إلا من خلال ما انعم عليه المولى تعالى من عقل والحصول على الطرق او الواسطة للوصول , وقد يخطأ البعض في تشخيص الطرق الموصلة وادواته المعرفية ويذهب خلاف الحقيقة ويمكن ان يكون بالضد منها , ويكفر ويكون متطرف لما وصل , في هذا المقام لا بد من التأمل والدراسة المستفيضة والمعرفة الصحيحة وهي ادراك الشيء عن دليل، سواء كانت معرفة عقلية او نقلية .

 أول معرفة يجب ان تكون معرفة الله تعالى، وتعيّن علينا بيانُ كيفية تلك المعرفة، وقد جعل أهل البيتb معرفة الله تعالى أول الدّين، وأوليّة الشيء تدل على شرفه؛ حيث روي عن أمير المؤمنينg: "أوّل الدين معرفته"([6])، ولا عبادة لمن لا معرفة له بالله تعالى، وكما روي عن الإمام الباقر g: إنّما يعبد الله مَن عرف الله، فأمّا مَن لا يعرف الله كأنّما يعبد غيره هكذا ضالاً"([7]).

 معرفة  الله تعالى اشرف موضوع واقدس حقيقة وأجل معرفة وما يبحث بالأشرف أشرف فذات الباري تعالى اشرف المعلومات وأقدسها فهذه جهة شرفية على سائر المعارف والعلم بها مقدم على بقية العلوم والرتبة على غيرها من جهة تنتهي العلوم الشرعية اليها كلها ولذا سمي هذا العلم بالعلم الاعلى وعلم اصول الدين فهو ما يبتني عليه غيره، اذن انه اصل العلوم الشرعية وعليه ابتنائها ولهذا ان من اراد الوصول الى معرفة الكمال لا بد من ان يعرف ان للعالم خالق قادر عليم حكيم، فهذه المعرفة يتكفل ببيانها العقل فهو يدرك وجود الباري تعالى معرفة فطرية من انه يوجد خالق لهذا النظام وما عليه من انظمة تدل على وجود المنظم ومن الاثار على وجود المؤثر قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ([8]) وسُئل مولانا امير المؤمنين g على اثبات الصانع فقال : (البعرة تدل على البعير، والروثة تدل على الحمير، وآثار القدم تدل على المسير، فهيكل علوي بهذه اللطافة ومركز سفلي بهذه الكثافة كيف لا يدلان على اللطيف الخبير) اشار g ،على انه كل اثر لا بد له من مؤثر وكل مصنوع يحتاج الى صانع وهذا واضح بالوجدان ,ويجب معرفة الله تعالى معرفة يقينية جازمة ثابتة بالدليل العقلي الصحيح، لقوله عز وجل: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ([9])، ومعرفة الله تعالى واجبة والإيمان به تعالى بمقتضى تلك المعرفة  والتسليم والإذعان والطاعة , ولا تكون المعرفة بالشكّ أو الظنّ والتخمين , ومعرفة الله تعالى ليس ممتنعةً، بل هي أمر اعتقادي ممكن الحصول، بل حاصل بالفعل بالأدلة العقلية، وقد تختلف المعرفة كما سنبين ذلك .

 ووجب المعرفة ليس على نحو التفصيل بل توجب النظر الإجمالي فقط، وبحسب مستواه وقدرته،  وعلى المؤمن أن يصدّق بالله تعالى عن جزم ويقين، ولا يقبل منه مجرد تخمين ظني قلبي أو وجداني لا يقوم على أساس معرفي مجرد اخلاقيات وافعال حسنة في الظاهر , يعتمد علماء الكلام في إثبات وجوب معرفة الله تعالى على أدلة عقلية عديدة: ذكر العلامة الحليH: اتّفق أهل الحلّ والعقد من أمّة محمّدk على وجوب هذه المعارف ، وإجماعهم حجّة اتّفاقا أما عندنا فلدخول المعصوم فيهم ، وأما عند الغير ، فلقوله k: لا تجتمع أمّتى على خطأ والدليل على وجوب المعرفة سندا للأجماع على وجهين : عقلي وسمعيّ.

الدليل الأول وجهين: الوجه الاوّل دفع الضرر: انّها دافعة للخوف الحاصل للإنسان من الاختلاف، ودفع الخوف واجب، لأنه ألم نفساني يمكن دفعه، فيحكم العقل بوجوب دفعه، فيجب دفعه.

الوجه الثاني شكر المنعم: انّ شكر المنعم واجب، ولا يتمّ الا بالمعرفة، أما انّه واجب، فلاستحقاق الذّمّ عند العقلاء بتركه، وأما انه لا يتمّ الا بالمعرفة، فلان الشّكر انّما يكون بما يناسب حال المشكور، فهو مسبوق بمعرفته، والّا لم يكن شكرا، الباري تعالى منعم، فيجب شكره، فيجب معرفته، وامّا الدليل السّمعي فلوجهين:

 الاوّل، قوله تعالى: ﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ والامر للوجوب.

الدليل الثاني: لما نزل قوله تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ قال النبيk: ويل لمن لاكها بين لحييه ثمّ لم يتدبّرها رتّب الذّم على تقدير عدم تدبّرها، أي عدم الاستدلال بما تضمّنه الآية عن ذكر الاجرام السّماوية والأرضيّة، بما فيها من آثار الصّنع والقدرة والعلم بذلك الدّالة على وجود صانعها، وقدرته وعلمه، فيكون النّظر والاستدلال واجبا وهو المطلوب.

ولا يجوز معرفة الله بالتّقليد. والتّقليد هو قبول قول الغير من غير دليل. وانّما قلنا ذلك لوجهين: الاوّل، انّه إذا تساوى النّاس في العلم، واختلفوا في المعتقدات، فإمّا أن يعتقد المكلّف جميع ما يعتقدونه، فيلزم اجتماع المتنافيات، أو البعض دون بعض، فأما أن يكون لمرجّح أولا، فإن كان الاوّل، فالمرجّح هو الدليل. وان كان الثّاني، فيلزم الترجيح بلا مرجّح، وهو باطل.

الثاني: انه تعالى ذمّ التّقليد بقوله: ﴿قَالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهتَدُونَ ([10])، وحثّ على النّظر والاستدلال قوله تعالى: ﴿ائْتُونِي بِكِتابٍ مِنْ قَبْلِ هذا أَوْ أَثارَةٍ مِنْ عِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ ([11]) فلا بدّ من ذكر ما لا يمكن جهله على أحد من المسلمين، ومن جهل شيئا من ذلك خرج عن ربقة المؤمنين، واستحقّ العقاب الدّائم. ([12]).

 نقول : أساس العبادة معرفة الله تعالى وهل يمكن لنا معرفة الله تعالى سرّ ذات الله عز ّوجلّ لا يمكن الوصول إلى كنه ذات الله تعالى ومعرفته حتّى للأنبياء والرسل والأئمة b، وقد ورد عن الأئمة b  ، جاء في دعاء المشلول عن أمير المؤمنين g : « يا مَنْ لا يَعْلَمُ ما هُوَ وَلا كَيْفَ هُوَ وَلا أين هُوَ وَلا حَيْثُ هُوَ اِلاّ هُوَ » ([13]) وقال أمير المؤمنين g : « سبحان من إذا اتناهت العقول في وصفه كانت حائرة دون الوصول إليه ، وتبارك مَن اذا غرقت الفطن في تكيّفه لم يكن لها طريق إليه غير الدلالة عليه» وجاء دعاء الإمام السجاد g : « وَلَمْ تَجْعَلْ لِلْخَلْقِ طَريقاً اِلى مَعْرِفَتِكَ اِلاّ بِالْعَجْزِ عَنْ مَعْرِفَتِكَ»([14])  .

وقال تعالى :(يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) ([15]) وقوله تعالى  : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) ([16]) نعم يمكن معرفة الله تعالى من آثاره ، وآيات عظمته ، وحكمته وقدرته ، ومظاهر صفاته ، وأسمائه الحسنى ، ولكن درجة هذه المعرفة تختلف من شخص الى اخر العالم معرفته تختلف عن غيره والانبياء والرسل واهل البيت b أكثر علماً ومعرفة بالله تعالى أعظم وأكثر من غيرهم ، ورد عن أمير المؤمنينg  قوله : « ولو كشف لي الغطاء ما ازدت يقيناً »  وعن رسول اللهk قوله لعليّ : « يا عليّ ما عرف الله إلّا أنا وأنت ، وما عرفني إلّا الله وأنت ، وما عرفك إلّا الله وأنا » ([17]) .

 بيان هذه المعرفة وهذا التفضيل إنما هو اختيار ألهى يختص بكمال المعرفة ومطلق، الادراك الذي لا يكون لاحد من البشر إلا ان يكون معصوما منصوصا عليه من الله تعالى، وهذا المعرفة الكلية انما تكون بالوحي الالهي لا بالتعلم التدريجي، وهذه المعرفة في الرسول الخاتم k(المنذر) والامام على g (الهادي).

قال أمير المؤمنين g حينما سئل هل رأيت ربّك؟

قال: «وكيف أعبد ربّاً لم أره، لم تره العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان»، وحتى هذه المعرفة هناك درجات في المعرفة وكما في حديث النبيk «يا عليّ ما عرف الله إلّا أنا وأنت ....» اكثر الخلق معرفة بالله تعالى محمد وعلي b عن الإمام علي قال : ((لم أعبده خوفا ولا طمعا، لكني وجدته أهلا للعبادة فعبدته))([18]) ورد في كثير من الكتب ان الإمام علي بن الحسين السجادg كان يصلي الف ركعة في اليوم والليلة، ان هذا عمل ثقيل جداً, كان لديه 500 نخلة كان يصلي الى جنب كل واحدة منها ركعتين، فكان في حالة العبادة دائماً بحيث روى من كان يخدم في بيت الإمام g وقد ثبت ان بعضهم يقول: نحن لم نتمكن ان نقدم له طعاما في النهار ولا ان نقدم له في ليل فراشاً ليستريح عليه , لكن في المقابل  قيل له اg : أين عبادتك من عبادة جدك؟

قال: عبادتي عند عبادة جدي كعبادة جدي عند عبادة رسول الله k).

 معرفة الله تعالى ليس في العبادة فقط بل هي علم ومعرفة وفضل للأولياء من الأنبياء والرسل والائمةbكانوا في أعلى مراتب المعرفة الممكنة للبشر تجاه الخالق العظيم.

التوحيد هو أهم الأصول الاعتقادية في الإسلام، ويشير إلى أن الله واحد وليس له مثيل، وأنه لا شريك له خلق العالم , واحد أحد، ليس كمثله شيء قديم لم يزال سميع بصير عليم حكيم حي قيوم عزيز قدوس قادر غني لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ولا خط ولا سطح ولا ثقل ولا خفة ولا سكون ولا حركة ولا مكان ولا زمان([19]) وأنه تعالى متعال عن جميع صفات خلقه خارج من الحدين حد الإبطال وحد التشبيه , وأنه تعالى شيء لا كالأشياء أحد صمد لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك ولم يكن له كفء أحد ولا ند ولا ضد ولا شبه ولا صاحبة ولا مثل ولا نظير ولا شريك لا تدركه الأبصار والأوهام وهو يدركها لا تأخذه سنة ولا نوم وهو اللطيف الخبير خالق كل شيء لا إله إلا هو له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ([20]).

فأول ما قاله النبي محمدk في بداية دعوته إلى الإسلام كان الشهادة على أحادية الله ونفي الشرك، وللتوحيد مكانة خاصة في القرآن الكريم وروايات أهل البيت b فمضمون سورة الإخلاص أيضاً هو التوحيد.

وعقيدتنا بالتوحيد ان الله سبحانه واحد في ذاته يعني ليس له شريك في القدم ولا في الوجوب ولا في الوجود، وتوحيده الذاتي عين ذاته سبحانه , وهو تعالى واحد في صفاته بمعني انه لا شريك له في صفة من صفاته: في علمه و في قدرته و في حياته و في سمعه وفي بصره و سائر صفاته الذاتية، وهذه الصفات هي عين ذاته بلا فرق بحال من الاحوال، فعلمه ذاته وقدرته ذاته وسمعه وبصره ذاته وحياته ذاته، بلا فرق لا في المعنى ولا في المفهوم ولا في المصداق، وهو احدي المعنى لا كثرة في ذاته ولا في صفاته يعلم بما يسمع به ويسمع بما يبصر به ويبصر بما يقدر عليه من غير , هو الذي أين الأين فلا أين له، والذي كيف الكيف فلا كيف له ,  فقال عبد الله g : سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو ، ليس كمثله شيء ، وهو السميع البصير ، لا يحد ، ولا يحس ، ولا يجس ولا يمس ، ولا تدركه الحواس ، لا يحيط به شيء ، لا جسم ، ولا صورة ، ولا تخطيط ، ولا تحديد.([21])

التوحيد توحيدان: الأول: توحيد الحق للحق هو توحيده سبحانه ذاته المقدسة بذاته المقدسة، وشهادته بالوحدانية لنفسه بنفسه، وشهادته سبحانه بها لنفسه عين ذاته وعين نفسه، وهو معنى قوله: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وهذا مخصوص به سبحانه، لا يدانيه فيه أحد سواه، ولا يشاركه أحد غيره، لأن ما سواه سبحانه في الإمكان وهو تعالى في أزل الأزال، (الطريق إليه مسدود والطلب مردود، دليله آياته ووجوده إثباته). فإذاً لا يبلغ أحد من الموجودات مطلقاً كنه ذاته المقدسة قطعاً، إمكانية كانت أو كونية، لأن ما عداه سبحانه ممتنع الذكر والوجود هناك (في الأزل). فلا يكون إذاً لأحد في هذا التوحيد نصيب، فإن الممكن لا يصل إلى القديم بحال من الأحوال، وهو لم يهبط إليه، والشيء لا يدرك ما وراء مبدأه، لأن الإدراك فرع الوجود، فإذا انقطع الوجود انقطع الإدراك، قال الإمام موسى الكاظم g: (كان الله ولم يكن معه شيء، وهو الآن على ما كان).  

الثاني: توحيد الخلق للخالق، فلما كانت المعرفة بحقيقة ذات الخالق تبارك وتعالى صعبة المنال وعين المحال خلق الله الخلق لأجل معرفته، قال تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ أي ليرفون، وقال في الحديث القدسي: ﴿كنت كنزاً مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف فتجلى بفعله من وراء حجب الأسماء والصفات وظهر بتجليه في مظاهر الجمال والجلال فظهر سبحانه بصفاته لخلقه فعرفوه وأدركوه بصفاته، فلما تجلى ظهر بكل تجل من تجلياته الفعلية إثم .وبكل ظهور إشراق فتجلى لكل نفس من الأنفاس بظهور خاص على حسب ما أثر فيهما اسمه سبحانه لأن الأسماء هي المربيات للأنفاس بقدر قابليتها واستعدادها ولذا كانت الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق ففي كل مظهر ظهر بطور وفي كل قابلية تجلى بظهور.

روايات في الوحدانية والأحد: جاء في كتاب التوحيد لأبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي _ حدثنا أبي²، قال: حدثنا محمد بن يحيى العطار، عن أحمد ابن محمد بن عيسى، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر محمد بن علي الثاني b، ما معنى الواحد؟ فقالg: المجتمع عليه بجميع الألسن بالوحدانية ([22]).

حدثنا محمد بن محمد بن عصام الكليني، وعلي بن أحمد بن محمد بن عمران الدقاق ?، قالا: حدثنا محمد بن يعقوب الكليني، عن علي بن محمد، ومحمد بن الحسن جميعا، عن سهل بن زياد، عن أبي هاشم الجعفري، قال: سألت أبا جعفر الثانيg ما معنى الواحد؟ قال g: الذي اجتماع الألسن عليه بالتوحيد، كما قال الله عزوجل: ﴿ولئن سئلتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله) ([23]).

عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه محمد بن علي الباقر b في قول الله تبارك وتعالى : ( قل هو الله أحد ) قال : ( قل ) أي أظهر ما أوحينا إليك ونبأناك به بتأليف الحروف التي قرأناها لك ليهتدي بها من ألقى السمع وهو شهيد ، وهو اسم مكنى مشار إلى غائب ، فالهاء تنبيه على معنى ثابت ، والواو إشارة إلى الغائب عن الحواس ، كما أن قولك ( هذا إشارة إلى الشاهد عند الحواس ([24]) وذلك أن الكفار نبهوا عن آلهتهم بحرف إشارة الشاهد المدرك ([25]) فقالوا : هذه آلهتنا المحسوسة المدركة بالأبصار ، فأشر أنت يا محمد إلى إلهك الذي تدعو إليه حتى نراه وندركه ولا نأله فيه ، فأنزل الله تبارك وتعالى قل هو الله أحد ، فالهاء تثبيت للثابت ([26]) والواو إشارة

  وذكر أيضا اهل العلم مراتب أخرى للتوحيد.

 1- التوحيد في وجوب الوجود: وتتحقّق هذه المرتبة من التوحيد في الاعتقاد بأنّ وجود الله تبارك وتعالى فقط ضروري بصورة ذاتية، وأمّا سائر الموجودات فوجودها مكتسَب منه، وهذا ما استُدِلّ عليه في الدرس السابق من خلال الأدلّة على توحيد الله تعالى.

2- التوحيد في الخالقية: وتتحقّق هذه المرتبة في الاعتقاد بعدم وجود خالق سوى الله، وهي نتيجة طبيعية للمرتبة السابقة وقد استُفيدت من دليل وحدة النظام.

3- التوحيد في الربوبية التكوينية: الموحّد بهذا المعنى يُطلَق على من يعتقد بأنّ الله غير محتاج إلى أحد في تدبير العالم وإدارته، كما لم يكن محتاجاً إلى أحد في خلقه، وربوبيته التكوينية منحصرة به تعالى ولا يمكن لأيّ موجود أنْ يتصرّف في العالم إلا بحول الله وقوّته، وهذا نتيجة طبيعية للإيمان بأنّ كلّ الموجودات خلقها الله تعالى ووجودها بيده.

4- التوحيد في الربوبية التشريعية: ويعني أنّ ولاية الأمر والنهي هي لله تعالى؛ لأنّه هو الذي أوجد الإنسان ولا يحقّ لأحد غيره تعالى وضع القوانين وإصدار الأوامر، فشرعية أيّ قانون تتوقّف على الإمضاء الإلهي، وليس لأيّ إنسان أنْ يضع قانوناً للناس، وليس له أنْ يأمر أو ينهى إلا بإذن الله.

5- التوحيد في الألوهية: وهناك مرحلة أخرى من مراتب التوحيد وهي "التوحيد في الألوهية والمعبودية"، أي ليس لدينا معبود سوى الله، وهذا أيضاً نتيجة طبيعية للمعتقدات السابقة، وهو مفاد لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فعندما نعتقد بأنّ وجودنا من الله واختيار وجودنا بيده، ولا يؤثّر في العالم شيء بصورة مستقلّة إلّا هو، وحقّ وضع القوانين منحصر به، فإنّه لا يبقى حينئذٍ مجال لعبادة غيره. لأنّه وبسبب ما ذكر يكون هو المستحقّ للعبادة وحده. وبالتالي أنْ نعبده هو فقط لأنّ العبادة في الواقع إظهار للعبودية، وجعل النفس تحت تصرّف المعبود المستحقّ للعبادة من دون شرط.

فهناك أمران: أحدهما يرجع إلى القلب، وهو الاعتقاد بأنّ الله تعالى هو اللائق والمستحقّ للعبادة وحده، وثانيهما يعود إلى العمل، وهو أنْ لا يعبد عملياً غير الله سبحانه، والثاني من مظاهر الأوّل ويسمّى بـ "التوحيد في العبادة". والآيات تعتبر الشرك في العبادة من الذنوب الكبيرة، ومعنى الشرك أنْ يقوم الإنسان بعبادة غير الله في مقام العمل، حتّى ولو لم يكن معتقداً بأهليته للعبادة، ولكنه يقوم بهذا الأمر من أجل مصالحه، هذا هو الشرك في العبادة: ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًاَ ([27]), قال تعالى : ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ([28])  ومن آثار ونتائج مراتب التوحيد التي ذُكرت هي أنْ لا يستعين الإنسان المؤمن بشكل مستقلّ إلا بالله تعالى كما قال تعالى ﴿إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ([29]) ، ولا يخاف المؤمن إلا من الله كما قال تعالى ﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللهَ وَكَفَى بِاللهِ حَسِيبًاَ([30]) ويبقى أمله منحصراً بالله، ولا يحبّ أصالة واستقلالاً إلا الله تعالى لأنّ الكمال والجمال أصالة لله، وأمّا غيره تعالى فكماله وجماله مستمدّ منه تعالى.

قال الشيخ أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه H في التوحيد أن الله تعالى واحد أحد، ليس كمثله شيء قديم لم يزال سميع بصير عليم حكيم حي قيوم عزيز قدوس قادر غني، لا يوصف بجوهر ولا جسم ولا صورة ولا عرض ولا خط ولا سطح ولا ثقل ولا خفة ولا سكون ولا حركة ولا مكان ولا زمان ([31]).

 وأنه تعالى متعال عن جميع صفات خلقه خارج من الحدين حد الإبطال وحد التشبيه، وأنه تعالى شيء لا كالأشياء أحد صمد لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك ولم يكن له كفء أحد ولا ند ولا ضد ولا شبه ولا صاحبة ولا مثل ولا نظير ولا شريك لا تدركه الأبصار والأوهام وهو يدركها لا تأخذه سنة ولا نوم وهو اللطيف الخبير خالق كل شيء لا إله إلا هو له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين ([32]).

يقول الشيخ المفيدH في كتابه أوائل المقالات: إن الله عز وجل واحد في الإلهية والأزلية لا يشبهه شيء، ولا يجوز أن يماثله شيء، وأنه فرد في المعبودية لا ثاني له فيها على الوجوه كلها والأسباب، وعلى هذا إجماع أهل التوحيد إلا من شذ من أهل التشبيه فإنهم أطلقوا ألفاظه وخالفوا في معناه.

وأحدث رجل من أهل البصرة يعرف بالأشعري قولا خالف فيه ألفاظ جميع الموحدين ومعانيهم فيما وصفناه، وزعم أن لله عز وجل صفات قديمة وأنه لم يزل بمعان لا هي هو ولا غيره من أجلها كان مستحقا للوصف بأنه عالم حي قادر سميع بصير متكلم مريد، وزعم أن لله عز وجل وجها قديما وسمعا قديما وبصرا قديما ويدين قديمتين، وأن هذه كلها أزلية قدماء، وهذا قول لم يسبقه إليه أحد من منتحلي التوحيد فضلا عن أهل الإسلام ([33]).

قال الشيخ أبو صلاح الحلي w: وهو سبحانه واحد لا ثاني له في القدم والاختصاص بما ذكرناه من الصفات النفسية، لأنه لو جاز وجود قديمين قادرين لأنفسهما، لم يخل أن يكون مقدورهما واحدا من حيث كانا قادرين لأنفسهما، أو متغايرا من حيث كانا قادرين، وكون مقدورها واحدا يحيل كونهما قادرين، وتغاير مقدورهما يحيل كونهما قادرين لأنفسهما، فثبت أنه سبحانه واحد لا ثاني له. وقلنا: إن من حق القادرين أن يتغاير مقدورهما. ([34]).

قال الشيخ محمد رضا المظفر wنعتقد إن الله تعالى واحد أحد ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولا يزال، هو الأول والآخر، عليم حكيم عادل حي قادر غني سميع بصير.

ولا يوصف بما توصف به المخلوقات، فليس هو بجسم ولا صورة، وليس جوهرا ولا عرضا، وليس له ثقل أو خفة، ولا حركة أو سكون، ولا مكان ولا زمان، ولا يشار إليه. كما لا ند له، ولا شبه، ولا ضد، ولا صاحبة له ولا ولد، ولا شريك، ولم كين له كفوا أحد. لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار. ([35])

 كان لنا بحث موسع في كتاب (الروح والنفس والبدن) نذكر بعض منه للفائدة

: من هو الخالق(الصانع) نستخدم قواعد العقل، إلا انه وضع ضوابط وحدود لهذا التفكر في معرفة الله تعالى ممكنة، ولكن معرفة كنه ذاته المقدسة ممتنعة، لأن العقول لا تحيط بحقيقة ذاته، كيف يحيط العقل وهو مخلوق بكنه حقيقة خالقه والتفكير في ذاته مجازفة ومسلك خطر، المؤمن يتساءل عن طبيعة المخلوقات وكيفيّة خِلقتها، وكلّما زادت معرفته بحكمة صُنعتها زادت معرفته بحكمة صانعها وبارئها، وزاد إيمانه بالخالق العظيم اعتقاده به الواحد الاحد.

    وانا أقول الحقيقة الذي يريد ان يبحث في إثبات وجود الله تعالى دون حاجة ملحة أنه يجب أن يؤدب تأديبا بليغا ومن ابتلي بالخوض في ذلك فعليه أن يستشعر عظمة الله تعالى، وألا يخوض في هذه القضية الهائلة إلا بقدر الحاجة، والله المستعان ونعوذ بالله من وساوس الشيطان.

 في هذا البحث لا اريد إثبات وجود الله تعالى لا ابدا الله تعالى ثابت عندي بالعقل والفطرة أن الله تعالى لا يخفى على عباده فالعقل والكون كله وجميع المخلوقات من نام وجماد، وساكن ومتحرك، كلها تدل على وجود الله سبحانه وتعالى , وتشهد بقدرته وحكمته ولطفه وعظمته جميع ذرات هذا الكون , ولهذا فلسنا في حاجة إلى الإتيان بحشود الأدلة على وجوده فهو أمر فطري، و في كتاب الله تعالى وسنة نبيه المصطفى k واهل بيته الكرام b ما يشفي ويكفي لمن عنده أدنى شك في وجود المولى عز وجل، ومن العجيب أن يستدل الملاحدة على إنكار وجود الله تعالى بأدلة هي أقوى الأدلة على وجوده وخلقه لهذا الكون وتدبيره له، ولعل الذين جرءوا فنفوا وجود الله عز وجل إنما حملهم على هذا ما وجدوه من أوصاف الإله سبحانه في التوراة والأناجيل من أنه شاخ وكبر وينسى ويأكل ويشرب ويمشي ويجلس ويحزن ويندم ويهم بالشيء ثم لا يفعله.([36]) هذا النوع في كل زمان ومكان والمشككة والملحدين بكل اصنافهم والذي يقولون ان هذا الإله لا وجود له إلا في أذهان الرجعيين لأنه غير منظور وغير موجود , وهذا من الجهل طبعا , ليس كل موجود حتما يرى، كوجود الهواء الذي نحس به ولا نراه، ووجود العقل في الإنسان، إذ نفرق بين المجنون وبين العاقل، ووجود الروح إذ نفرق بين الحي والميت وأمثلة كثيرة , الله تعالى الحكيم القدير الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور إله يعلم السر وأخفى إله خلق فسوى وقدر فهدى وأخرج المرعى فجعله غثاء أحوى، يعرف بآياته وآثار صنعه، ويعرف بسبيل معرفة أوليائه الذين جعلهم حفظة لسره وعيبة لعلمه وساسة لعباده وأمناء على بلاده وخلفاء في أرضه وهم أهل البيت b الذين ورد عنهم (لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتنا)([37]) نتفكّر في خلق الله عزّ وجلّ عن رسول الله k: (تفكّروا في كلّ شيء, ولا تفكّروا في ذات الله) وعنه k: (تفكّروا في خلق الله, ولا تفكّروا في الله فتهلكوا) وعنهk: (تفكّروا في الخلق، ولا تفكّروا في الخالق، فإنّكم لا تقدرون قدره) وعن الإمام الصادقg: (إياكم والتفكّر في الله, فإنّ التفكّر في الله لا يزيد إلاّ تيها, إنّ الله عزّ وجلّ لا تدركه الأبصار ولا يوصف بمقدار) وعنهg: (من نظر في الله كيف هو  هلك) وعنهg : (يا سليمان! إنّ الله يقول: (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) ([38]) فإذا انتهى الكلام إلى الله فأمسكوا). تيقن كل إنسان أنه لم يخلق نفسه، ولا يمكن ان يخلق غيره وأن فاقد الشيء لا يعطيه فلا المادة ولا الطبيعة خلقت أحدا إذ هي مخلوقة مقهورة، نزلت التوراة لموسى g في القرن الخامس عشر ق.م. قبل الإسلام بأكثر من عشرين قرنا من الزمان.

وكما والانجيل على النبي عيسى g قبل الإسلام بستة قرون تقريبا واليهودية والمسيحية يؤمنان بنفس الإله , العهد الإلهي الجديد للمسيحية يتمم ويحقق العهد القديم لليهودية , ورسول الله محمد k، خاتم الأنبياء والرسل وكتابه القران الكريم أن إله الإسلام هو إله التوراة والإنجيل: قال تعالى : (وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)([39]) "وقوله تعالى : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ)([40]) بعد أنْ أثبتنا ان هناك خالق او ان الانسان لا يمكن له ان يخلق نفسه , وجوب علينا معرفته تعالى، بيانُ كيفية تلك المعرفة، من خلال الاتصال الحقيقي ومن جعلهم أبواب لمعرفته ورحمته وشفعاء للناس يوم الدين أهل البيت b ولدائرة معرفة الله تعالى حدودًا يقفُ عندها العقل والنقل، ولا يتجاوزها العقل ، ولا حتى النقل، فقد دلّ كلٌّ منهما على عدم إمكان وجواز اكتناه الذات الإلهية المقدسة.

      روايات اهل البيت b تبين لنا كيفية المعرفة ومن خلالها ندخل في افاق هذه المعرفة العظيمة , صورة من صور المعرفة روي عن الإمام الكاظم g: واعلم أنّ الله تعالى واحد، أحدٌ، صمدٌ، لم يلد فيورث، ولم يولد فيشارك، ولم يتخذ صاحبة ولا ولدًا ولا شريكًا، وأنّه الحي الذي لا يموت، والقادر الذي لا يعجز، والقاهر الذي لا يغلب، والحليم الذي لا يعجل، والدائم الذي لا يبيد، والباقي الذي لا يفنى، والثابت الذي لا يزول، والغني الذي لا يفتقر، والعزيز الذي لا يذل، والعالم الذي لا يجهل، والعدل الذي لا يجور، والجواد الذي لا يبخل، وانه لا تقدره العقول، ولا تقع عليه الأوهام، ولا تحيط به الاقطار، ولا يحويه مكان، ولا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير. (ما يكون من نجوى ثلاثة إلاّ هو رابعهم ولا خمسة إلاّ هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاّ هو معهم اينما كانوا) وهو الأوّل الذي لا شيء قبله، والآخر الذي لا شيء بعده، وهو القديم وما سواه مخلوق محدث، تعالى عن صفات المخلوقين علوًّا كبيرًا ([41])  .

فكيف نعرف الله سبحانه وتعالى حدود معرفة الله تعالى هنا يقفُ عندها العقل والنقل، ولا يتجاوزها العقل ولا حتى النقل، فقد دلّ كلٌّ منهما على عدم إمكان وجواز اكتناه الذات الإلهية المقدسة كما بينا في الاحاديث السابقة، والنقل فقد روي عن أبي جعفرg أنّه قال: "دعوا التفكر في الله فإنّ التفكر في الله لا يزيد إلا تيها لأن الله تبارك وتعالى لا تُدركه الأبصار ولا تبلغه الأخبار"([42]) والمعرفة درجات وليس معرفة الانسان العادي كالعالم والعالم ليس كالمعصوم قطعا هناك معرفة اكثر من الأخرى , وأعلى المعرفة هنا يتجلى الكمال المعرفي، ولا يناله إلاّ ذو حظٍ عظيم، وقد ناله نبي الله الخاتم محمد kوآله الميامين b وأيّ معرفةٍ أشرف من المعرفة بالواحد الأحد , روي عن الإمام الصادق g أنه قَالَ: لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي فَضْلِ مَعْرِفَةِ الله عَزَّ وَ جَلَّ مَا مَدُّوا أَعْيُنَهُمْ إِلَى مَا مَتَّعَ الله بِهِ الْأَعْدَاءَ مِنْ زَهْرَةِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَ نَعِيمِهَا، وَ كَانَتْ دُنْيَاهُمْ أَقَلَّ عِنْدَهُمْ مِمَّا يَطَئُونَهُ بِأَرْجُلِهِمْ، وَ لَنُعِّمُوا بِمَعْرِفَةِ الله جَلَّ وَ عَزَّ، وَ تَلَذَّذُوا بِهَا تَلَذُّذَ مَنْ لَمْ يَزَلْ فِي رَوْضَاتِ الْجِنَانِ مَعَ أَوْلِيَاءِ الله ([43]) وجب على كل عبد معرفة الخالق عز وجل  ولو ادنى معرفة , سُئل الإمام الهادي g عن أدنى المعرفة بالله تعالى، قال : الإقرار بأنّه لا إله غيره، ولا شبه له ولا نظير، و أنّه قديم مثبت موجود غير فقيد، وأنّه ليس كمثله شيء. ([44]) المعرفة العقل أدنى المعرفة , ما يستطيع العقل أنْ يحكم به كمعرفةٍ بالله تعالى هو وجود إله منظم لهذا الكون، وطبقًا لقاعدة: الأثر يدل على المؤثر يحكم بأنّ للخالق وجود فلابد من معرفته، لكن لا بالتقليد؛ بل بالبرهان القاطع , وأعلى المعرفة يتجلى هنا الكمال المعرفي ؛ فنفس القواعد العقلية لدينا ممكن الوغول في هذه العلوم، حسب إدراكات العارف ؛ لتنبهه على معرفة الله تعالى، بل وتزداد الدرجات بدراسة القواعد الفلسفية التي لا تتعارض مع الكتاب والسنة النبوية، فتكون عندئذٍ شعاعًا وهّاجًا للعقل، وأداةً لاستنباط نوعٍ من المعارف العليا التوحيدية , لقد أعطى رسول الله محمد k قاعدةً كليّة فيما روي عنه من حديث: كلُّ مولودٍ يولد على الفطرة"([45]) وبقرنِ مقدمةٍ صغرى وبعد النقل والعقل: النبي الاكرم k وآله b، الخالق (الصانع) هو الله سبحانه وتعالى واحد أحد ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولا يزال، هو الأول والآخر، عليم حكيم عادل حي قادر غني سميع بصير. ولا يوصف بما توصف به المخلوقات، فليس هو بجسم ولا صورة، وليس جوهرا ولا عرضا، وليس له ثقل أو خفة، ولا حركة أو سكون، ولا مكان ولا زمان، ولا يشار إليه.

       وسنبين وباختصار طرق معرفة الله تعالى وان كان وجوده تعالى أغنى من أن يحتاج إلى بيان أو يتوقّف على برهان، حيث أدركه كلّ ذي عقل، وأحسّ به كلّ ذي شعور، وفهمته كلّ فطرة، حتّى الذي ينكره بلسانه لا محالة يتوجّه إليه عند الاضطرار بقلبه وجَنانه، قال تعالى :( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ) ([46]) بل يمكن القول بأنّ وجوده تعالى فطري لا يحتاج في الحقيقة إلى دليل وهناك طق الى معرفته سبحانه تعالى.

    الطريق الأول الله تعالى: قال أمير المؤمنينg في دعائه: يا مَنْ دَلَّ عَلى ذاتِهِ بِذاتِهِ وَتَنَزَّهَ عَنْ مُجانَسَةِ مَخْلُوقاتِهِ وَجَلَّ عَنْ مُلاءَمَةِ كَيْفِيّاتِهِ، يا مَنْ قَرُبَ مِنْ خَطَراتِ الظُّنُونِ.

 الطريق الثاني الفطرة: هي عبارة عن قضية محسوسة للإنسان ومسلمة لديه كما يذكر في علم النفس ان الفطرة عبارة عن "الوظائف الاولية المستقلة ([47]) بعبارة أخرى ما جبل الله الإنسان عليه في أصل الخِلقة من الأشياء المادية والأمور المعنوية الظاهرة والباطنة، عن الإمام الباقر g: فطر الله الناس على المعرفة به ([48]) فينتج أنّ المعرفةَ طريقٌ لمعرفة الله تعالى، والإنسان لو تُرك من دون مؤثرات خارجية لاهتدى إلى وجود إله خالق للكون.

الطريق الثالث النبي وآله b: فعلٌ من أفعال الله تعالى؛ لخلقه إياهم هداةً، قادةً، ومن المعلوم أنّ الفاعل يمكن التعرف إلى صفاته عبر فعله، وعليه يمكن التعرف إلى الله تعالى عبرهم، يعضّد ذلك ما نقرأهُ في الزيارةِ الجامعةِ الكبيرةِ: مَن أراد الله بدأ بكم" المصطفى محمد واله bاول الخلق، نور محمّد وال محمّد قبل الخلق بأربعمائة ألف سنه واربعة وعشرين ألف سنة ([49]) وبحثتنا ذلك في كتاب الروح والنفس والجسم.

الطريق الرابع العلم: روي عن أمير المؤمنين g: "بالعلمِ يُعرف الله ([50]) العلم باب لمعرفة الله تعالى وكل ما زاد علم الانسان زادة معرفته بالله تعالى قرن سبحانه المعرفة بالعلم، لا المعرفة بالتقليد، فمن يعرف ربّه بالعلوم النقلية أو العقلية أفضل من الذي يعرف ربّه تقليدًا لأبويه مثلًا.

   الطريق الخامس العقل: روي عن الإمام عليّ g: "لم يُطلعِ الله تعالى العقول على تحديد صفته، ولم يحجبها عن واجب معرفته"([51]),اشارةً منه g إلى إمكان معرفته بصفاته وأفعاله.. ونضيف أيضا الأدلّة العقلية على وجود الله تعالى..

    الأوّل برهان النظم: أوضح الأدلّة على إثبات الله تعالى الذي يحكم به العقل، هو دليل النظم والتدبير، فالكلّ يرى العالم بسماواته وأراضيه وما بينهما من مخلوقات من الذرّة إلى المجرّة، فنرى أجزاءها وجزئيّاتها مخلوقة بأحسن نظام، وأتقن تدبير وأتمّ صنع وأبدع تصوير، فيحكم العقل أنّه لا بدّ لهذا التدبير من مدبّر، ولهذا التنظيم من منظّم، ولهذا السير المحكم من الحكيم وذلك هو الله تعالى.

       الثاني امتناع الصدفة: إنّا إذا لم نؤمن بوجود الخالق لهذا الكون العظيم، لا بدّ من القول بأنّ الصدفة هي التي أوجدته، وأنّ الطبيعة هي خالقة الحياة.

     الثالث برهان الاستقصاء: إنّ كلّا منّا إذا راجع نفسه يدرك ببداهة أنّه لم يكن موجوداً أزلياً، بل كان وجوده مسبوقاً بعدم، وقد وُجِد في زمانٍ خاصّ، إذاً فلنفحص ونبحث: هل أنّنا خلقنا أنفسنا؟ أم خلقنا أحد مثلنا؟ أم خلقنا قادر وهو الله تعالى؟

     الرابع برهان الحركة: إنّا نرى العالم بجميع ما فيه متحرّكاً، ومعلوم أنّ الحركة تحتاج إلى محرّك؛ لأنّ الحركة قوّة والقوّة لا توجد بغير علّة.

   الخامس برهان القاهرية : إنّ الطبيعة تنمو عادةً نحو البقاء، لولا إرادة من يفرض عليها الفناء، فالإنسان الذي يعيش، والأشجار التي تنمو، لا يعرض عليها الموت أو الزوال إلّا بعلّة فاعلة قاهرة , الله تعالى الخالق القادر الله، اسم عَلم دال على الذَّات المقدسة واجبة الوجود، وجامع لكل أوصاف الكمال الإلهي، ولذا لا يجوز أن يتسمَّى به أحد، وسائر الأسماء قد يتسمَّى بها غيرُه ، وهو أوّل أسمائه سبحانه وأعظمها، وينطق باللاّم المفخَّمة ما لم تسبقه الكسرة أو الياء، ويذكر عادة مقروناً بألفاظ تدلّ على الإجلال , ويُشار إليه اصطلاحًا بـ«لفظ الجلالة "في الديانات التوحيدية الربوبية(والنظم العقائدية الأخرى).يوصف "الله" وقد نسب أحد رجال الدين اليسوعيين إلى علماء اللّغات الساميّة أنّ هذا الاسم مشتق من أصل آرامي "ايل" (אל)، ومفخّم بزيادة الهاء في الكلدانيّة والسريانيّة على صورة آلها (אלהא) فقالوا بالعربيّة الله" بلام أصليّة مفّخمة.

     والإيمانَ بوجودِ خالقٍ لهـذا الكونِ قضيةٌ ضروريةٌ لا مساغَ للعقلِ في إنكارِها، فهي ليستْ قضيةً نظريةً تحتاجُ إلى دليلٍ وبُرهان، ذلك لأنَّ دلالةَ الأثرِ على المؤثِّرِ يدرِكُها العقلُ بداهةً، والعقلُ لا يمكنُ أن يتصوّر أثراً من غيرِ مؤثِّرٍ، أيَّ أثرٍ، ولو كانَ أثراً تافهاً، فكيف بهـذا الكون العظيم؟!  ولذلك لم يناقشِ القرآن الكريم هـذه القضية حتى حينما أوردَ إنكارَ فرعونَ لربِّ العالمين، يوم أن قال تعالى: ﴿وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ ([52])  :﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ([53]) قال تعالى :﴿يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الأَسْبَابَ , أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ كَاذِبًا ([54]) فكان موسىg لا يعيرُ اهتماماً لهـذه الإنكارات، وتعاملَ مع فرعونَ على أساسِ أنَّه مؤمنٌ بوجودِ الخالقِ، فتراه يقولُ له مثلاً: ﴿قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَٰؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُورًا ([55]) تتفاوت المفاهيم حول الله بين الأديان المختلفة مثل التوحيدية، الواحدية، الأديان الثنوية، والهينوثية وتمتد إلى مستويات مختلفة من التجريد، قد يعتبر أنه على هيئة الإنسان، لكنه قدير وخارق للطبيعة، أو كمفهوم مقصور على فئة معينة باطنية أو كيان لفلسفي، وقد يعتبر أنه مطلق الوجود"، الصالح الأعظم" والمطلق اللانهائي "،"المتعالي"، أو الوجود أو الكينونة نفسها، ويعتبر أنه أساس الوجود، الركيزة الوحدانية، التي لا يمكننا فهمها , وقد اعتمد العلماء على منطق بسيط الاستدلال بالأثر على المؤثر وعرفوا الكواكب البعيدة بآثارها لا بذاتها، وغيرهم من العلماء على نفس هذا المنهج منطق الاستدلال بالآثار، لكن هذا المنطق لا يستخدم في معرفة الخالق! ويستخدم في علوم الطبيعة والفلك وينكر في معرفة الخالق؟، الشيء الذي لا نشاهده في الواقع الحسي لا يلزم عقلاً أن يكون غير ممكن الوجود، فعدم الوجود فعلاً لا يدلُّ على استحالة الوجود، فما بالك بالحكم على الخالق بأنه غير موجود، وبأنه متناقض وجوده، لمجرد أننا لم نشاهده في دوائر حواسنا المحدودة!؟

الانسان يحس بالمحيط بالحواس والعقل يعجز عن معرفة الله تعالى، الانسان حسي يستشعر الأشياء بالحس، والحواس هي الباصرة والسامعة والذائقة واللامسة والشامة، وهذه الحواس هي المجسات او العوامل الوحيدة المدخلة للمعلومات لدى العقل وهذه الحواس لها امكانية محدودة وليس مطلقة وتتطبع مع البيئة المحيطة بها على حسب قوة رصد الحاسة , بمعنى ان العقل يختص بادراك العلّية - دون العلة والمعلول- فلولا الحواس لما وجد تصور في الذهن البشري يعني تخبره عن صفات , والنتيجة ان الحواس لا تدرك او تمتلك القدرة على رؤية الله تعالى او الاحساس به عن طريقها، اذ يتبين لنا ان للعقل الحكم الاخير بطريقة الاستنتاجات المنطقية التي يعتمد فيها على المقدمات - المعلومات الواردة من الحواس ليولد قواعد عامة ويكوّن قالبا فكريا رصينا لتشكيل منظومة استنتاجات يقينية مادية ومعنوية والتي من شانها اثبات وجود الله تعالى _ سئل أمير المؤمنين g: بم عرفت ربك؟  قالg: بما عرفني نفسه.

قيل: وكيف عرفك نفسه؟

قالg: لا يشبهه صورة، ولا يحس بالحواس، ولا يقاس بالناس. ([56])

الإمام الصادقg في تنزيهه سبحانه وتعالى: سبحان من لا يعلم أحد كيف هو إلا هو، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، لا يحد ولا يحس ولا يجس، ولا تدركه الأبصار ولا الحواس، ولا يحيط به شيء، ولا جسم ولا صورة ولا تخطيط ولا تحديد، كل شيء حسته الحواس أو لمسته الأيدي فهو مخلوق. ([57]) عنه g في مناظرته للطبيب الهندي: قلت: إنه لما عجزت حواسك عن إدراك الله أنكرته، وأنا لما عجزت حواسي عن إدراك الله تعالى صدقت به.. قال: وكيف ذلك؟

قلت: لان كل شيء جرى فيه أثر تركيب لجسم، أو وقع عليه بصر للون، فما أدركته الأبصار ونالته الحواس فهو غير الله سبحانه؛ لأنه لا يشبه الخلق، وأن هذا الخلق ينتقل بتغيير وزوال، وكل شيء أشبه التغيير والزوال فهو مثله، وليس المخلوق كالخالق، ولا المحدث كالمحدث. ([58])، ومن السبل الأولى لمعرفة الله تعالى معرفة النفس فقد ورد في الحديث: (من عرف نفسه فقد عرف ربه) وكيفية ذلك: أن تجرد نفسك عن سبحاتها اي عن الحجب المانعة لها عن إشراق فيضه سبحانه، فإن النفس الإنسانية تترقى بهذه المعرفة وتصير شيئا لا كالأشياء، وحينما تكون كذلك تصير آية معرفة الله لأنه عزوجل ليس كمثله شيء ([59]).

ملخص البحث هو قول لا إله إلا الله والإيمان والاعتقاد بان الله واحد لا شريك له، وأنه رب الكون الخالق الرزاق الحي القيوم، وليس بالقول فقط بل بالعمل والعبادة حيث ان الكفار في الجاهلية كانوا يعتقدون أن الله هو خالق الكون وحده ولكنهم كانوا لا يعتقدون بمسألة الألوهية والتوحيد.

وعقيدنا في التوحيد: ان الله سبحانه واحد في ذاته يعني ليس له شريك في القدم ولا في الوجوب ولا في الوجود، وتوحيده الذاتي عين ذاته سبحانه. وهو تعالى واحد في صفاته بمعني انه لا شريك له في صفة من صفاته: في علمه و في قدرته و في حياته و في سمعه و في بصره و سائر صفاته الذاتية، وهذه الصفات هي عين ذاته بلا فرق بحال من الاحوال، فعلمه ذاته وقدرته ذاته وسمعه وبصره ذاته وحياته ذاته، بلا فرق لا في المعنى ولا في المفهوم ولا في المصداق، وهو احدي المعنى لا كثرة في ذاته ولا في صفاته يعلم بما يسمع به ويسمع بما يبصر به ويبصر بما يقدر عليه من غير اختلاف جهة وجهة وكيف وكيف وحيث وحيث , توحيده في الذات وأنه واحد في ذاته وصفاته عين ذاته، لا شبه له في صفاته الذاتية، فهو في العلم والقدرة لا نظير له وفي الخلق والرزق لا شريك له وفي كل كمال لا ند له., ولا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه، وإشراكه في العبادة في أي نوع من أنواع العبادة، واجبة أو غير واجبة، في الصلاة وغيرها من العبادات , ومن أشرك في العبادة غيره فهو مشرك كمن يرائي في عبادته ويتقرب إلى غير الله تعالى.

ومحاولات البعض الطعن بالإمامية من خلال زيارة القبور وإقامة المآتم العزاء على سيد الشهداءg وباقي الائمةb والصالحين في ذكرى شهادتهم على انها من المنكرات والبدع والشركيات، والحق ان هذه الزيارات وإقامة الشعائر هي من أنواع التقرب إلى الله تعالى بالأعمال الصالحة كالتقرب إليه بعيادة المريض وتشييع الجنائز وزيارة الأخوان في الدين ومواساة الفقير، فإن عيادة المريض - مثلا - في نفسها عمل صالح يتقرب به العبد إلى الله تعالى. وليس هو تقربا إلى المريض يوجب أن يجعل عمله عبادة لغير الله تعالى أو الشرك في عبادته.

    وأنّ الزائر المؤمن عندما يحضر لزيارة الرسول الكريم k والأئمّة b سواء كان هذا الحضور بالجسم والروح بمعنى حضوراً او من خلال الزيارة عن بعد ويقول السلام عليك يا رسول الله والسلام عليه وبالزيارة المعروفة او فقط التوجه والسلام وكذلك اهل البيت b ويتأكد أئمة اهل البيت b على زيارة المراقد والتزود منهم والتواصل معهم لان الأنبياء والأوصياء والشهداء احياء عند الله، وأنّهم يعرفون زوّارهم ويعلمون بأُمورهم، وينظرون إليهم , في رواية حنان بن سدير عن أبيه قال: قال لي أبو عبد اللهg :يا سدير تزور قبر الحسين g في كل يوم؟

 قلت: جعلت فداك لا، قال: ما أجفاكم فتزوره في كل شهر؟

قلت: لا، قال: فتزوره، في كل سنة؟

قلت: قد يكون ذلك، قال: يا سدير ما أجفاكم للحسين g أما علمت أن الله تبارك وتعالى ألف ألف ملك شعث غبر، يبكون ويزورون ولا يفترون، وما عليك يا سدير أن تزور قبر الحسينg في كل جمعة خمس مرات أو في كل يوم مرة، قلت: جعلت فداك بيننا وبينه فراسخ كثيرة، فقال لي: اصعد فوق سطحك ثم التفت يمنة ويسرة، ثم ارفع رأسك إلى السماء ثم تنحو نحو القبر فتقول: السلام عليك يا أبا عبد الله، السلام عليك ورحمة الله وبركاته " تكتب لك بذلك، زورة الزورة حجة وعمرة، قال سدير: فربما فعلت ذلك في الشهر أكثر من عشرين مرة ".([60]) وإن زيارة المعصومينb زيارة لله عزّ وجلّ، وزيارة الأئمّةb ومحبتهم أو عشقهم لله تعالى ولا غير».

ملخصة التوحيد: الإقرار بوحدانية الله تعالى وعدم الإشراك به، وذلك بالاعتقاد الراسخ بأن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، والعمل بمقتضاها _ توحيد الربوبية: الإقرار بأنه الخالق المدبر_ توحيد الألوهية: إقرار العبودية له وحده سبحانه_ توحيد الصفات والأسماء: الإيمان بما أثبته سبحانه لنفسه من صفات وأسماء، والتفكر في ملكوت السماوات والأرض والإقبال على الطاعات والإدبار عن المنكرات وتطهير القلب من الأمراض النفسية (العجب، الكبر، الحقد، الحسد ومرافقة الأخيار وربط الصلة بالله.

 من أدلة نقلية: قال تعالى: ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالارْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّه ([61]) ومن العقلية خضوع الكون لنظام له. (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا) ([62]) والفطرة قال تعالى: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ([63])


الأصل الثاني: العَدْل

العدالة مفردة إنسانية مثالية، يطمح كلّ إنسان إلى تحقيقها وتجسيدها في المجتمع وقد ثبت في الفلسفة وعلم الكلام أنّ الله سبحانه وتعالى يتصف بجميع الصفات الكمالية المطلقة، ولازم ذلك أن يتصف الله تعالى بصفة العدل أيضاً , وبالفعل فقد وصفه المؤمنون بهذه الصفة، وعبدوا الله العادل ومن صفاته تعالى الثبوتية الفعلية ، فإنّه عادل غير ظالم ، فلا يجور في قضائه ، ولا يحيف في حكمه ، يثيب المطيعين ، وله أن يجازي العاصين ، ولا يكلّف عباده ما لا يطيقون ، ولا يعاقبهم زيادة على ما يستحقّون ، وهو منزّه عن الظلم وفعل ما هو قبيح , والعدل ضدّ الظلم .

 مفهوم العدالة عند الفلاسفة أشكالاً كثيرة، فكان لكل منهم رؤيته وتأطيره لمفهوم العدالة وفقاً للمرحلة والظرف الذي عاشه، يقوم مفهوم العدالة في الفلسفة غالباً على العلاقة مع الحق، فمن الفلاسفة من قال إن العدالة أساس للحق، كقول أرسطو: «العدل هو أن يأخذ كل إنسان ما يستحق» وأفلاطون: «العدالة إنصاف، فالمساواة في الحق ظلم وجور»، وفي الزمن الحديث (ڤون هايك) الذي خرج من مفهوم الفرد العادل إلى مسؤولية الدولة في تحصيل الحقوق.  

العدل لغة: جاء في لسان العرب" لابن منظور، مادة (عدل): العدل ما قام في النفوس أنه مستقيم، وهو ضد الجور، عَدَل الحاكِمُ في الحكم يَعْدِلُ عَدْلًا وهو عادِلٌ من قوم عُدُولٍ، ([64]) وجاء أيضا بمعنى وضع الشيء في موضعه، أو الحدّ الوسط بين الإفراط والتفريط، أي الحكمة.

العدل اصطلاحا: العدل في الإصطلاح العقائدي يعني: تنزيه الله تعالى عن فعل القبيح والإخلال بالواجب. ([65]) وجاء بعبارة اخرى: إنّ الله عادل لا يظلم أحدا، ولا يخلّ بواجب، وكلّ ما يصدر منه فهو على حكمة ربّانية وعدالة إلهية، والعدالة الاجتماعية مظهر من مظاهر العدل الإلهي، والعدل صفةٌ كريمةٌ من صفات الباري جل وعلا، يقول الإمام g: «العدل الذي لا يجور» ([66])

والعدل هو من أميز صفات الله سبحانه وتعالى فلا يصدر عنه ما يتنافى وعدله وإنصافه، بل كل ما في الوجود ينم عن ذلك لمكان اتقائه وكونه على مقتضى العدل ونواميس الصلاح والحكمة والأغراض السامية، فضلاً عن أن العبث يقدح في عدل الله تعالى، واللطف بعباده يلزم عليه عقلاً، إذ لا سبيل إلى الامتثال بأوامره ونواهيه ما لم يعمل على إزالة مختلف العوائق والحواجز المانعة من ذلك حتى لا يكون للعبد حجةً في ترك الامتثال له علماً بأن وضع القوانين والأنظمة من الله ضروريٌّ لمصلحة العباد في الدارين، إذ لا يعقل من الله الخبير اللطيف أن يترك عباده بلا دليل يرشدهم إلى طريق الحق والصواب، فالتكليف حاصل بدليل قول الإمام عليg «الذي خلق الخلق لعبادته، وأقدرهم على طاعته، بما جعل فيهم» وهذا المعنى يدخل ضمن باب نظرية المصلحة، القائمة على أساس أن الباري جل شأنه لم يخلق الخلق عبثاً على وجه يخلو من الحكمة، ولم يتركه متخبطاً في معمياته، بل خلق ما خلق على وفق النظام الكلي ومصلحة العباد فضبط أعمالهم وكتب آجالهم في كتابه المبين إلى يوم الدين ([67]) .

وقد أشار أمير المؤمنينg بقوله «الذي صدق في ميعاده وارتفع عن ظلم عباده وقام بالقسط في خلقه، وعدل عليهم في حكمه» ([68])

اتفق المسلمون بجميع طوائفهم ومذاهبهم على أن الله سبحانه عادل لا يجور، غير أنهم يختلفون في تحديد معنى العدل، وهذا نتيجة اختلافهم حول الحسن والقبح العقليَّين والشرعيَّين، الإمامية والمعتزلة أجمعت على أن العدل له مفهوم واحد اتفق عليه قاطبة العقلاء، يمكن لهم ادراكه وتحديده. وأما الأشاعرة فهم وإن وصفوا الله سبحانه بالعدل، لكنهم لا يحددون العدل، بمفهوم واضح، بل يوكلون ذلك إلى فعل الله سبحانه، وأن كل ما صدر منه فهو عدل، وكل ما نهى عنه فهو ظلم.

بيان مسألة (العدل الإلهي) والتي هي من الصفات الكمالية , بل حتى الفلاسفة قد وصفوا واجب الوجود بصفة الكمال في البحث عن الحكمة والنظام الأحسن في الفلسفة، وأشبعوا هذه الموضوع بحثاً وتحليلاً , وهذا البحث اغلب الديانات والمناهج الفكرية تخضعُ  للتفكير والنقاش وكان ولا يزال من أكثر المواضيع التي انشغل بها الوعي الديني تعقيدا، وتنوّعت التفسيرات الفلسفيّة وانقسمت المدارس الفكريّة حولها، فترى من يرمي عدل الله في مخلوقاته وكونه بالشكوك والأسئلة، يسددون من براهينهم الكلاميّة ، ويلقون بأسئلة عمرها آلاف السنين لم ولن يجيبها إلّا من حاز العلم المطلق وهي من أقدم المسائل التي فكّر فيها الإنسان وتحدث بها منذ أن بدأ بالبحث عن الخالق .

  قام علماء الإمامية والمعتزلة بشرح مفهوم العدل الإلهي ، وأثبتوا ضرورة اتصاف الله بهذه الصفة الكمالية، وجعلوها واحدة من أصول مذهبهم , وحاصل كلامهم: إنّ الفعل لا يصدر منه تعالى إلّا بعلل غائية ، تسمّى بالأغراض ، وهي  : المنافع العائدة إلى الخلق ، ولا يفعل ما لا نفع لهم فيه ، أو ما فيه ضرر عليهم ، والعذاب بهم يوم القيامة أو في الدنيا، وإن كن من فعله سبحانه ، إلّا أنّه تابع لسوء اختيارهم ، بحسب وعيده ، وليس ذلک ظلمآ منه تعالى قال تعالى : ﴿أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ([69]) ، بل الناس أنفسهم يظلمون قال تعالى : ﴿وَمَا ظَـلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ([70])ويذمّ الظالمين ويندّد بهم ، فكيف يكون سبحانه وتعالى ظالمآ : قال تعالى ﴿يُدْخِلُ مَنْ يَشَاءُ فِي رَحْمَـتِهِ وَالظَّالِمِينَ أعَدَّ لَهُمْ عَذَابآ ألِيمآ ([71])وقال تعالى ﴿وَقِيلَ بُعْدآ لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ([72]) , ويأمر بالعدل قال تعالى : ﴿إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدْلِ ([73]) وأما الأشاعرة فحيث أنكروا الحسن والقبح العقلي، فقد قدّموا تعريفهم الخاص عن العدل يدعون الحرّية الإلهية ونفي الحسن والقبح الذاتيين العقليين وهذا وهم.

مضمون العدل هو ما يقرره الله سبحانه وتعالى، فالحَسَن ما يُحسّنه الله سبحانه تعالى، والقبيح ما يُقبّحه الله سبحانه تعالى , فأفعال الإنسان تصدر منه بالاختيار، ولا جبر ولا تفويض ، بل أمرٌ بين الأمرين ، وهي تتّصف بالحسن والقبح الذاتيين العقليين , والله تعالى منزّه عن القبائح وإن كان قادرا عليها، فلا يفعل القبيح ولا يريده ؛ إذ لا يكون ذلک إلّا من العاجز الجاهل الغافل , والله تعالى هو القادر العالم ، لا تأخذه سِنة ولا نوم ، ويفعل لحكمة وغرض ، وهو تعريض العباد للثواب فيكلّفهم ، ويريد الطاعات ويكره المعاصي من العباد كلّهم بالإرادة والكراهة التشريعيتين سواء وقعت بإرادة العباد أم لم تقع ، فإرادته : أمره تعالى ، أو ربما يتخلّف المأمور به عن الأمر فهو ممكن ، فإرادته لفعل العبد طاعة كان أو معصية ، لا تكون إلّا بأسباب ومنها إرادة العبد، وهو مخيّر في إرادته وأفعاله وليس مسيرا ولا ملجأً ولا ممنوعا، فهداه الله النجدين ، وهداه السبيل إمّا شاكرا وإمّا كفورا، ليس للإنسان إلّا ما سعى , ولا منافاة بين الحرّية الإلهية وبين العدل الإلهي عقلا وسمعا، فإنّ الله سبحانه وتعالى عادل غير ظالم بصريح البراهين العقلية والأدلّة النقلية , وهو تعالى عادل حكيم ، لا يخلّ بواجب ولا يفعل القبيح ، ولا يظلم العباد ، ولو فعل القبيح يرتفع الوثوق بوعده ووعيده ، فترتفع الأحكام الشرعية .

واختلفت الأشاعرة من الفرق الإسلامية عن بقية المسلمين وقالوا يصح أن يدخل الله عز وجل المطيع النار ولا يوجد قبح في ذلك ؛ لأن المخلوقات كلها ملك لله عز وجل ، ومن حق المالك أن يفعل بملكه ما يشاء , كما قال أبو الحسن الأشعري ([74]): " الدليل على أن كل ما فعله ( تعالى ) فله فعله : أنه المالك القاهر الذي ليس بمملوك ... فإذا كان هذا هكذا  لم يقبح منه شيء ", ولكن فات الأشعري وغيره أن ملكية الشيء لا تعني امتلاك حق التصرف به خلاف الموازين والحكمة ؛ ومن هنا تجد العقلاء يذمون من يلقي أمواله في البحر بلا سبب ، ويعتبرونه سفيها مع علمهم بمالكيته لهذه الأموال , والله سبحانه رغم مالكيته لكل شيء وقدرته على كل شيء ، إلا أن أفعاله لا تخرج عن إطار الحكمة والموازين الصحيحة ، لهذا تراه سبحانه ينزه ساحته عن فعل القبيح الذي يكون على خلاف الموازين : قال تعالى ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ ٱلْقُرَى بِظُلْمٍ  وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ.([75]) لهذا السبب - أي بسبب تفسير الأشاعرة للعدل بصورة منافية لواقعه - وقف أتباع أهل البيت b بقوة أمام هذا التفسير ودافعوا عن " العدل الالهي " بمنهجية علمية عالية ، حتى سموا  هم والمعتزلة بالعدلية ، وجعلوا العدل أصلا من أصول مذهبهم  , وهناك سبب آخر لجعل العدل أصلا من الأصول عند الشيعة الإمامية ، وهو : أنه بالعدل يتم التوحيد  ، ومن دون العدل  لا يمكن إثبات النبوة والإمامة والمعاد .

قال العلامة الحلي H: اعلم أن هذا الأصل (العدل) عظيم تبتني عليه القواعد الإسلامية، بل الأحكام الدينية مطلقا، وبدونه لا يتم شيء من الأديان ([76]) "فينتقض الغرض المقصود من بعثة الأنبياء والرسل، يتجلى للعدل الإلهي بثلاثة مظاهر:  

الأول : العدل التكويني: ويُسمّى العدل في الخلق وتدبير العالم، ومعناه: أنّ الله سبحانه وتعالى خلق جميع الكائنات وأعطاها كل ما هي مستعدّة له، وجعلها بشكل يتناسب مع الهدف الذي خلقها من أجله، وهيأ لها جميع الظروف والوسائل التي تحتاجها في حياتها , وقد دلت عليه جملة من الآيات مثل: قوله تعالى: ﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى.([77])  قوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ([78]) قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى , وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى.([79]) وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ , الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ([80]).

الثاني العدل التشريعي: وهو أن الله تعالى لا يُهمل تكليفاً فيه كمال الإنسان وسعادته، وبه قوام حياته المادّية والمعنوية والدنيوية والأخرويّة، كما أنه لا يُكلف نفساً فوق طاقتها، وقد أشار الله عز وجل. إلى هذا النوع من العدل في جملة من آياته، كما في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ. ([81]) وقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ. ([82]) وقوله تعالى: ﴿قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ ([83]).

الثالث العدل الجزائي: أي أنّ الله عز وجل. لا يساوي بين المؤمن والكافر في مقام الجزاء، بل يجزي كل إنسان بما كسب، فيجزي المحسن بالإحسان والثواب، والمسيء بالعقاب، كما أنه تعالى لا يعاقب عبداً على مخالفة التكاليف إلا بعد الإبلاغ، وقد أشار الباري سبحانه إلى هذا النوع من العادل في آيات كثيرة، منها: قوله تعالى: ﴿وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ([84]) ،أي: إنّ عملهم لا يضيع، وأجرهم لا يتخلف، فهم في أمن من الظلم بنسيان أجرهم أو بترك إعطائه أو بنقصه أو تغييره، كما أنهم في أمن من أن لا يحفظ أعمالهم أو تُنسى بعد الحفظ أو تتغير بوجه من وجوه التغير, قوله تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ([85]) أي: لا يُنقص من إحسان محسن ولا يُزاد في إساءة مسيء , والى جانب هذا الاختلاف أيضا هناك شبهات كلامية تطرح في الماضي والحاضر  من بعض المدارس وهذه الشبهات تعتبر من أهمّ وأعقد الإشكالات التي شغلت البشرية بجميع أديانها وفلسفاتها، وهذا عند بعض المدارس  والفلسفات وجهات نظر وعقائد اخذت من ديانات قديمة , حيث قسَّم الإنسانُ منذ القدم الكونَ إلى قطبين أساسيّين، الخير والشر، ثمّ جعل من نفسه المقياس والمحور للتشخيص، فاعتبر أنّ النور والمطر والشمس والأرض مصاديق للخير، وأنّ القحط والسيول والزلازل والأمراض في قائمة الشر، ثمّ بدأ بالتساؤل عن مبدأ الخير ومبدأ الشر، هل هو واحدٌ؟ أو أنّ لهما مبدأين مختلفين؟ ذهبت الثنوية إلى أنّ للكون مبدأين (خالقين)، إله للخير يخلق الخير دون الشر، وإله للشر لا يخلق إلا الشر، واعتقد الإيرانيون القدامى بذلك، وسموا إله الخير: (يزدان) وإله الشر: (أهريمن)، إلى أن ظهر زرادشت بشريعة المجوسيّة، التي يبدو من خلال اعتقاد بعض علماء المسلمين بأنّ المجوسَ من أهل الكتاب، أنها عقيدة توحيديّة. إلا أنّ هذه الشريعة لم تستطع أن تقاوم الثنويّة وتقلع الشرك من قلوب الإيرانيين القدامى، فتحوّل الزرادشتيون أنفسُهم إلى الثنوية من جديدٍ، حتى جاء الإسلام العظيم الذي استطاع أن يجعلهم موحّدين، وأن يجتثّ جذور الثنوية والشرك من أفكارهم.

ولعلّ أهل الحديث نحَوا هذا المنحى في الإجابة على مسألة الشرور، لأنهم يتعبّدون بما ورد في الأخبار ولا يبدون آراءهم , وقد أضفى الفلاسفة على هذا الاستدلال التعبدي صبغةً برهانية، وقالوا إنّه كلامٌ يعتمد على التمسك بالعلّة وكمالها ليثبت كمال المعلول، حيث نستدل بصفات الخالق وكماله على كمال ما خلق , وهذا الاستدلال ينطلق من العلّة إلى المعلول ومن السبب إلى المسبب، وهو المعبّر عنه في الفلسفة بـ (البرهان اللميّ)، وبهذا الاستدلال من الأعلى إلى الأسفل تنحلّ المشكلة وتنمحي كلّ الأخطاء المتوهمة والشبهات المطروحة , وأمّا مَن يسير إلى الله عبرَ النظام الكوني، ومن المعلول إلى العلّة (البرهان الإنّي)، ويرى الله عبرَ الكون، وكذلك أتباع الأسلوب الحسيّ في الإلهيات، فسوف توجِب هذه الإشكالات المطروحة والأمور غير المفهومة في الكون تشويشاً في الرؤية لديهم , وسنحاول في هذا البحث المختصر بيان هذه الشبهات وما قاله اهل الفضل في هذا الموضوع , هناك من يفكر بحكمة الخالق او افعاله كما يفكر هو وهذا ابتعاد عن الحق والذهاب الى خيال , وبمجرد أن يغادر صاحبه ميدان الجدل والفكر المجرد ليدخل ميدان التطبيق والواقع ويصحو من خيالاته وتهويماته فإنه يرى البون واسعاً بين الخيال الذي يتوهمه والواقع الذي يمارسه ويعيشه وهذه الشبهات ام عدم فهمه للعقيدة , لذا سنعرض في هذا الملف الحجج التي قدموها و وسنرى تهافت الشبهات التي هي بالحقيقة تخاصم المنطق السليم وتبدد كل المحاولات البائسة للتشكيك بالعدل الإلهي , وهذه جملة من الشبهات : لماذا هذا الترجيح والإختلاف في العالم , ولماذا تكون بشرة أحدنا بيضاء والآخر سوداء , و لماذا أحدنا قبيحٌ والآخر جميلٌ, لماذا أحدنا معافى والآخر عليلٌ , ولماذا لم يخلق الله الحكيم العادل المخلوقات جميعاً بصورةٍ متساوية , وإذا كان لا بدّ من الإختلاف، فلماذا لا يحصل العكس بأن يكون الأبيض أسودَ والأسود أبيضَ، والجميل قبيحاً والقبيح جميلاً , وأسباب انتشار الشرور في العالم المادي، وعلة عدم خلق العالم خالياً من الشرور والنقص، وفلسفة الشرور والبلايا الطبيعية، وشبهة فلسفة خلق الضواري والكواسر، وتغذية بعض الحيوانات على بعضها الآخر، وشبهة فلسفة خلق الشيطان، وإعطاء المهلة له في إغواء الناس وإضلالهم , وفلسفة الشرور والظلم في العالم الإنساني.

  الجواب : أقام الفلاسفة الأدلة العقلية المحكمة على وجود النظام الأحسن ولا يوجد أحسن وأتقن منه , قال تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)([86]) وقال تعالى: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) ([87]) : (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ)([88]) وهذه الشبهات تطرح سابقا وحاليا مرة من ناحية صفة العدل وأخرى من ناحية حكمته , وهذا جواب إجمالي مشترك عن كل الشبهات شائعٌ عند أهل الإيمان، نابعٌ من إيمانهم من خلال الأدلة القاطعة بأنّ الخالق سبحانه وتعالى قادرٌ عليمٌ حكيمٌ، وهو إذ يتّصف بهذه الصفات فلا يُعقل ولا يتصوّر في حقّه الظلم والعدوان، لأنّ الذي يبعث على الظلم أحد أمرين مستحيلين في حقّه تعالى , إما عقدة نفسيّة وحبّ الاعتداء، وهذا يرجع إلى الضعف النفسيّ ووجود أعداء, وإما حاجة معيّنة مهما كان نوعها سواء كان سببها الفقر، أم العجز , والأمران مستحيلان في حقّ الله عزّ وجل، لأنّه الكمال المطلق فلا يتصف بالضعف، والغنيّ عن العالمين لا يتصوّر في حقّه الحاجة , والعالم بالنظام الأصلح والأمثل قادر على إيجاد أفضل وأصلح نظام ممكن , وكلّ ما هو شرّ محض وضدّ النظام الأصلح لا يخلقه الله سبحانه , وأمّا ما يحدث في الكون من ظواهر أو في حياة الإنسان، سواء كان بإرادة الإنسان أو دون إرادته، ممّا لا يمكن إيجاد تفسير له وتوجيهه، فذلك لا يوجب نسبة الظلم إلى الله، بل نقول إنّ لتلك الأشياء لوناً من المصلحة المجهولة بالنسبة للإنسان، ولذا يطلق الناس عليها اسم (سرّ القدر)، فهم يُرجعون ما لا يجدون تفسيراً له إلى قصور فهم الإنسان عن الوصول إلى أسرار الكون , واقتضت حكمةُ الباري جلَّ وعلا ومصلحة البشر النوعيّة أن يكون الإنسان خليفة الله في هذا الكوكب المكوَّن من اليابسة والماء والمؤلِّف من طبقاتٍ تشتدّ حرارةً كلّما أوغلَتْ في العمق، وذلك من أجل أن تكون صالحةً لحياة هذا المخلوق من طينٍ، وهو (آدمg وذرّيّته) إذن لا بُدَّ من الانطلاق من هذه الفكرة، بل الحقيقة، وهي أنّ الحياة الدنيا للإنسان لا تنفكّ عن ارتباطٍ ما بالمادّة، وهذا هو أفضلُ نظامٍ لحياة كائنٍ بالخصائص التي يتوافر عليها هذا المخلوق , وبما أنّ للعلاقة بالمادّة ضريبتها لا بُدَّ للإنسان أن يؤدّي هذه الضريبة من راحته، وأمنه، ورخائه، وسعادته , ومن هذه المسألة نبين مسألةٍ في غاية الأهمّية لبيان حقيقة ما يصيب الإنسان في هذه الحياة الدنيا، ألا وهي القضاء والقَدَر الإلهيّين , وبيان ذلك من قصّةً حصلَتْ مع أمير المؤمنين عليٍّg، حيث رُوي أنّهg مرَّ يوماً تحت حائطٍ مائل، فأسرع في المَشْي، فقيل له: أتفرّ، يا أمير المؤمنين، من قضاء الله تعالى؟ فقالg: «نعم، أفرُّ من قضاء الله إلى قَدَره» ([89]) وهنا نقول: لقد أراد أمير المؤمنينg أن يميِّز بين دائرتين: دائرة النتيجة (المعلول)؛ ودائرة المقتضِيات والشروط والموانع (العلّة التامّة)، والعلّة التامّة تتشكَّل من ثلاثة أجزاء: المقتضي؛ والشرط؛ وعدم المانع، وكلام أمير المؤمنينg: «أفِرُّ من قضاءِ الله»، أي من دائرة النتيجة. فالإنسان إذا بقي واقفاً تحت الحائط المائل المتهالِك الواقِع لا محالة فهذا يعني أنّه سيلقى المصير المحتوم، وهو الموتُ المسبَّب عن سقوط الجدار، فهل يمكن للإنسان أن يخرج من هذه الدائرة؟، ليس للإنسان أن يخرج من دائرة القضاء المحتوم، أي أن يقف تحت الجدار، ثمّ يسقط عليه، ولا يموت، ولكنْ بوُسْع الإنسان ألا يدخُلَ في تلك الدائرة من الأساس، بل يبقى في دائرة المقتضِيات والشروط والموانع، ويعمل على عدمِ توفير الشروط، وإحداثِ الموانع، وعليه نقول: دائرة المقتضِيات والشروط والموانع هي دائرةُ (القَدَر). ومن هنا فهي ليست دائرةَ الحَتْم والإبرام، وإنّما هي قابلةٌ للتبدُّل والتغيُّر، بحسب ما يختاره الإنسان ويقوم به، أو بحسب ما يجتمع من شروطٍ وموانع تقتضيها علاقة المادّيات ببعضها.

 وإن اختلاف المخلوقات في المعطيات الوجودية أمرٌ لازم لنظام الخلق، وخاضع لقوانين العلّية والمعلولية الحاكمة على ذلك النظام , وافتراضُ تساويها هو افتراضٌ ساذج , وهذا الافتراض  معناه ترك الخلق؛ لأنّه لو كان أفراد البشر رجالاً أو نساءً لما تحقَّق التوالد والتناسل أبداً، ولأنقرض النوع الإنساني , ولو كانت المخلوقات جميعاً من نوع الإنسان لما وَجَد شيئاً للغذاء، أو ما يوفِّر له سائر متطلَّباته وحاجاته , وكذلك لو كانت جميع الحيوانات والنباتات نوعاً واحداً، وبلونٍ واحد، ولها صفات وخصائص واحدة، لما وجدت كلّ هذه الفوائد والمعطيات التي لا تحصى، والمناظر الخلاّبة الجميلة , وظهور هذا النوع أو ذاك من الظواهر بهذا الشكل أو ذاك، وهذه الصفات أو تلك، خاضعٌ للعوامل والظروف والشروط المتوفِّرة في مسيرة حركة المادّة وتبدُّلها، وليس لأحدٍ قبل خلقه حقٌّ على خالقه، يفرض عليه تعالى طريقة خلقه، بأن يخلقه بهذه الصورة أو تلك، وفي هذا المكان أو ذاك، أو في هذا الزمان أو ذاك؛ ليكون هناك مجالٌ للعدل والظلم.  

والسؤال: إذا كانت الحكمة الإلهية مقتضية لحياة الإنسان في هذا العالم إذن لماذا يُميته بعد ذلك، ويُنهي حياته؟

والجواب: أوّلاً: إن حياة الموجودات أو موتها في هذا العالم خاضعٌ أيضاً للقوانين التكوينية، وعلاقات العلّية والمعلولية، وهي لازمةٌ لنظام الخلق.

ثانيا: إذا لم تمُتْ الموجودات الحيّة فسوف لن تتوفَّر الأرضية لوجود الموجودات اللاحقة، وبذلك يُحرم القادمون والأجيال اللاحقة من نعمة الوجود والحياة.

ثالثا: إذا افترضنا استمرارية الحياة للبشر جميعاً فسوف لن يمضي زمان طويل إلاّ ونرى الأرض كلَّها قد امتلأت بالناس، وتضيق عليهم الأرض برحبها، ليتمنّى كلُّ واحدٍ منهم الموت؛ لما يشعر به من متاعب وألمٍ وجوع، وبعبارةٍ أخرى: سؤالٌ يطرح نفسه بقوّةٍ هاهنا: الموت نعمةٌ أو نقمة؟ قد يُقال بتسرُّعٍ: الموت نقمة، وهو فراقُ الأحبّة، ولكن من جوانب أخرى عدة لو شاخ هذا الإنسان وبلغ أرذل العمر، وأصبح لا يقوى على قضاء حوائجه بنفسه، وتراكمت الأجيال إلى جانب بعضها البعض، وكلُّها تحتاج إلى مَنْ يخدمها ويرعاها، وتحول الحياة عندئذٍ نقمة ويكون الموت رحمة , وسيقول بعضهم المفروض يعيش الإنسان في صحّةٍ وعافية، ونفس الاشكال توالت الأجيال في وفرة من النِّعَم الإلهيّة، فهل ستسعهم الأرض جميعاً والان وبكل هذه المساحة والرزق الوفير هناك من يموت جوعا وغيرها من الأمور  والمشاكل والصراعات والاستئثار بالأموال والممتلكات والثروات الطبيعيّة بحكم الأسبقيّة والأقدميّة وهل ستكون الحياة هي السعادة الدائمة ؟ وأيضا لو بقيت الأجيال الأولى بدائيّةٌ، حيّةً إلى يومنا هذا، وأصرَّتْ على الحياة كما اعتادوا عليها هل يناسب ت الأجيال الحديثة ذلك الوضع وهل سيصل الانسان الى ما وصل له اليوم من تطور وتقدم علمي , والاهم في هذا كله فهمهم للموت غير صحيح لانهم يعتقدون ان الموت يعني العدم والتلاشي ولا فائدة من كل افعاله واقواله لا معنى لها إلا في وقتها وفي الواقع التي كانت فيها , لكن نحن نعتقد إضافة الى الأسباب التي ذكرنا ان الموت تطور وتحول، غروب عن نشأة ما وبدء نشأة أخرى، إن الذي يتحلل ويتلاشى بالموت هو البدن أمّا الروح فتبقى وسوف تحشر ويلتحق بها البدن في حياة ثانية يكون فيها المقياس هو عمل الإنسان ومقدار ما قدمه في الحياة الدنيا , قال تعالى : ﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) ([90])وقال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ([91]).

رابعا: إن الهدف الأصلي من خلق الإنسان هو الوصول إلى السعادة الأبدية، وإذا لم ينتقل الناس من هذا العالم إلى الحياة الأخرى بالموت فلا يمكنهم الوصول إلى ذلك الهدف النهائي , ولعلّ هذا ما تشير إليه الآية الكريمة، حيث تقول: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ([92])  الكون بأسره من بدايته إلى نهايته تعلّقت به إرادة إلهية بسيطة واحدة، قال تعالى:﴿إِنَّا كلّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر وَمَا أَمْرُنا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمحٍ بالبَصَرِ([93]).

شهبة الشفاعة: والقول بالشفاعة يتنافى مع العدل الإلهي لأن الشفاعة ترجيح بلا مرجح ولأنها لا تعم كل المذنبين ([94])؟، هذا من جانب والأخر قوله تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ([95]). وقبول الشفاعة تعني أن الله يخضع لتأثير الشفعاء، وأن شفاعتهم توجب المغفرة، وهي فعل إلهي، وبهذه الشفاعة يكون الشفعاء أكثر رحمة وشفقة من الله تعالى حيث لولا شفاعتهم لنالهم العذاب وهذه فيها مخالفة للعدل الإلهي.

الجواب : الشفاعة هي عن المغفرة الإلهية وهذه المغفرة نسبت إلى وسائط الرحمة سميت «بالشفاعة» وكل ذنب او معصية تشملها المغفرة والشفاعة أيضا وهناك من يحرم من رحمة الله تعالى بسبب عدم قابليته الذاتية وليس بسبب ضيق (معاذ الله) في رحمة الله، فرحمته لا حدود لها، ولكن القابليات تختلف ومن الممكن أن يوجد شخص قد فقد القابلية نهائياً للاستفادة من رحمة الله كما في الكفر والشرك بالله، قال تعالى: ﴿إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)([96]) , وهذه الآية  وأمثالها ردت في مقام نفي الشفاعة الباطلة والعشوائية والتي لا تخضع لضابطة، وقبول الشفاعة بإذن اللَّه، والخاضعة لضوابط وبشروط ولا يمكن للعاصي أن يتيقن بحصولها ومن جملتها قبول الشفاعة لأحد احتفاظ المشفوع له بإيمانه حتى آخر لحظات عمره وإن سعي الشخص وجهده من أجل الوصول إلى الهدف المنشود يمكن ان يتم بصورة مباشرة بعبادته وطاعته ، ويستمر حتى نهاية الطريق، وآخر بصورة غير مباشرة ومع توفير المقدمات الوسائط، فالشخص الذي تشمله الشفاعة، يبذل أيضاً جهداً وسعياً في سبيل تحصيل مقدمات ، الإيمان، وتحصيل الشروط اللازمة لاستحقاق الشفاعة، يعتبر جهداً وسعياً في طريق الوصول لمرضاته تعالى من خلال شفاعة  الشفعاء ، وإن كان سعياً ناقصاً وقاصراً ولذلك سيبتلى لفترة بمتاعب البرزخ وأهواله، ومواقف بدايات القيامة، ولكنه على كل حال قد غرس بنفسه جذور السعادة في قلبه وهي الإيمان، وربما سقاها أحياناً بالأعمال الصالحة , ونحن نعلم أن أي احد لا يمكنه أن يتيقن بتحقق هذا الشرط . ومن جانب آخر إن من ارتكب معصية، لو فقد كل امل ورجاء بالعفو والمغفرة، فإنه سوف يصاب باليأس والقنوط، ومثل هذا اليأس يؤدي إلى ضعف الباعث له على اجتناب المعصية ويدفعه أكثر إلى مواصلة الخطأ والانحراف والتمادي فيه.

 ومن هنا، فان طريقة التربية عند المربين الإلهيين إبقاء الناس دائما بين حالتي الخوف والرجاء، فلا يبعثون فيهم الرجاء بالرحمة الإلهية إلى درجة يصابون معها بحالة (الأمن من المكر الإلهي) كما لا يثيرون فيهم الخوف من عذاب الله إلى درجة يبتلون معها بحالة (اليأس من الرحمة الإلهية)، ونحن نعلم أن هاتين الحالتين تعتبران من الكبائر , وهنا يظهر الفرق بين الشفاعة الحقيقية والشفاعة المنحرفة، ففي الشفاعة الحقيقية يكون المشفوع عنده أي الله قد أقر الوسيلة في الشفيع، وفي الشفاعة المنحرفة يكتسب الشفيع صفة الشفاعة من المجرم نفسه لأنه هو الذي يدفعه نحو الشفاعة، وهو الذي يجعل هذه الوسيلة وسيلة، أمّا الشفاعة الحقيقية التي تنسب الى الأنبياء والأولياء والمقربين لدى الله سبحانه، فالشفيع فيها يكتسب صفة الشفاعة من قبل الله تعالى، أي الذي يجعل الوسيلة وسيلة هو الله تعالى، وشفاعة الشافعين تشملُ أُولئك الذين لم يقطعوا صِلتهم بالله تعالى ، وبالدين بصورةٍ كاملة، فصاروا صالحين لشمولِ الرحمةِ الاِلَهيّةِ لهم بواسطة شفاعةِ الشافعين، رغم تورُّطِهم في بعض المعاصي والذنوب , وهذا الاِعتقاد مأخوذ من القرآن الكريم قال تعالى :﴿وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَن ارْتَضَى([97]) ومن السنة الشريفة قال النبي k: «إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل ([98]) وقال أيضا k: ("إنَّما شَفاعَتي لأهل الكَبائِر مِن أُمَّتِي)([99]) وقال أيضا : ﴿أُعْطِيْتُ خَمْساً... وأُعطِيتُ الشَفاعَة، فَادّخَرْتُها لاَمّتي فهيَ لِمَن لا يُشْرك بِاللهِ) ([100]) قال k : ﴿شفاعتي نائلة إن شاء الله من مات ولا يشرك بالله شيئا ([101]) ومِن هنا يتضح أنّ الشَفاعة في يَوم القيامة في إطار الاِذن الاِلَهيّ ولمن ارتضى لهم ونحن نطلب من الشافعين المأذون لهم في الشفاعة يوم الحساب، ولا يوجد في الكون افضل من محمد k وال محمد والانبياءb للشفاعة , يا رسولَ الله يا وجيهاً عند الله إشفع لنا عند الله؟ .

 والمغفرة قانون كلي مستنتج من غلبة الرحمة في نظام الوجود، ومن هنا يظهر أن المغفرة الإلهية شاملة تظلل جميع الموجودات في حدود قابليتها وامكانياتها وأصل الفوز بالسعادة والنجاح من العذاب شامل لكل الناجين ولهذا يقول القرآن: ﴿مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ([102]) والآية :﴿وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ ([103]) وهذه وردت في مقام نفي الشفاعة الباطلة والعشوائية كما بينا والتي لا تخضع لضابطة وقاعدة، والتي اعتقد بعض الناس بها، بالإضافة إلى ان هذه الآيات عامة، وتخصص بتلك الآيات التي تدل على قبول الشفاعة بإذن الله، والخاضعة لضوابط معينة , وقبول الشفاعة لا يعني الخضوع لتأثير مؤثر ،كما أن قبول التوبة وإستجابة الدعاء لا يلزم منه هذا اللازم الباطل، وذلك لأنه في جميع هذه الأمور تكون أفعال العباد موجبة لحصول القابلية لتقبل الرحمة الإلهية، وكما يعبر عنه إصطلاحا (أنها شرط لقابلية القابل وليست شرطا لفاعلية الفاعل) وشفقة الشفعاء ورحمتهم مقتبسة من الرحمة الإلهية اللامتناهية، وبعبارة أخرى: إن الشفاعة وسيلة وطريق جعله الله تعالى نفسه للعفو عن عبادة المذنبين. وفي الواقع، إنها تعبر عن أسمى مراتب الرحمة الالهية والتي تظهر وتتجلى في عباده الصالحين والمنتجبين، كما أن الدعاء والتوبة وسائل وطرق أخرى جعلها الله لقضاء الحوائج، أو العفو عن الذنوب , ولا يختلف المسلمون على أن النبيk هو الشافع المشفَّع يوم القيامة، الشفاعة ثابته لكن خالف المعتزلة والخوارج فيهم وقالوا: إن الشفاعة المذكورة هي رفع الدرجات وزيادة ثواب المشفوع فيهم من المؤمنين، أما أصحاب الكبائر فهم كفار في نار واستدلوا بظواهر آيات قال تعالى : ﴿فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ([104])  وبقوله: ﴿وَٱتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ هُمْ يُنْصَرُونَ ([105])  الشفاعة لله في هذه النصوص لله تعالى وكما بينا سابقا وبينا انها تثبت بقيود وشروط تنفي الشفاعة بإطلاق، بل تنفي انتفاع الكافرين بالشفاعة , : « وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللَّهِ ([106]) وهم يبعدون غير الله تعالى , وقال تعالى : ﴿وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى ([107]) وقال تعالى ﴿فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ ([108]) وقال تعالى «وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى ([109]) ولا شفعة لهم , وشفاعة قد أذن اللّه‏ بها فهي مأخوذة منه، عائدة إليه : قال تعالي: ﴿ لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا ([110]) و الشفاعة مشروطة بوجود مؤهلات في المشفوع وكما يستفاد من الآيات القرآنية يجب عليهم أن تكون أعمالهم مرضية عند الله تعالى ومن الواضح أنه ليس المراد بأن تكون أعماله كلها مرضية، فانه لو كان كذلك لما احتاج للشفاعة بل الواضح أن يكون الشخص نفسه مرضيا من حيث دينه وإيمانه , وموافق للشروط ويجب على المشفوع أن يكون مسلما ومومنا، وأن يكون محبّاً لأهل البيتb ولا ناصباً لهم العداء، وهو لا يعتقد بهم بل عدو لهم بطبيعة الحال , وأن لا يكون مستخفاً للصلاة وإلى ذلك , والشفاعة من ولا تكون إلا بإذن اللّه تعالى: حسب قوله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ([111]) وهي بإذن اللّه تعالى‏ وأفاضة  بعض هذه القابليات على بعض مخلوقاته وهم أفراد رضي اللّه‏ عنهم وعيّنهم للشفاعة اولهم رسول اللهk وأهل بيتهb وسائر الأنبياء b ومن بعدهم العلماء والشهداء والمؤمنون الصالحون , ولصالح أفراد رضي اللّه‏ عز وجل وحسب الشروط كما بينا ومذكرة أيضا في مظانها , إضافة الآيات القرآنية الدالة على الشفاعة وردت الروايات : وروى ابن شهر آشوب: قال رسول الله k: إنّي لأشفع يوم القيامة وأُشفّع. ويشفع عليٌّ فيُشفّع، ويشفع أهل بيتي فيشفّعون , وعن ابن عباس قال: أول من يشفع يوم القيامة في أمته رسول اللهg، وأول من يشفع في أهل بيته وولده أمير المؤمنين، وأول من يشفع في الروم المسلمين صهيب ، وأول من يشفع في مؤمني الحبشة بلال , وروى الشيخ الصدوق: قال عليg : لنا شفاعة ولأهل مودّتنا شفاعة ",  روى الكليني: قال موسى بن جعفر الكاظم g: لمّا حضر أبي (جعفر بن محمد) الوفاة قال لي: يا بني انّه لا ينال شفاعتنا من استخفّ بالصلاة ومثال قرآني نختم به : النبي يعقوب g يشفع لأولاده: ﴿قَالُواْ يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا([112]) فاستشفع أولاد يعقوب بأبيهم ، وطلبوا منه الاستغفار ، مع انّ الله تعالى يقبل التوبة عن عباده ؛ فلماذا لم يردهم يعقوب g  ، ولم يقل لهم : توبوا الى الله بأنفسكم ، بل قرّرهم على الاستشفاع والتوسّل به ، وقال : ﴿ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ ([113]) .

الأصل الثالث: النبوة

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله k.

الإيمان بالنبوة الصلة بين الله تعالى ومجتمع الإنسان عن طريق الأنبياء- من خصائص الدين الحق، والنبي هو الإنسان الذي يختاره الله ليقوم بأداء رسالة معينة،

النبوة لغة: النبوة مشتقةٌ من النبأ الخبر، أنبأه اياه به: أخبره، والنبيء: المخبر عن الله تعالى، ونبأ كمنع نبأً ونبواً: ارتفع، وعليهم: طلع، ومن أرض إلى أرض: خرج... ([114]).

قال السيد الطباطبائي: (والنبي على وزن فعيل مأخوذ من النبأ، سمي به النبي؛ لأنّه عنده نبأ الغيب، بوحي من الله، وقيل: هو مأخوذ من النبوة بمعنى الرفعة سمي به لرفعة قدره) ([115]) والنبوة في اللغة يراد بها: الرفعة وعلو المنزلة ([116]).

النبوة في الاصطلاح: النبوة: منزلة خاصة فُضّل النبي بها بما آتاه الله تعالى من العلم وقرب المنزلة من الله تعالى، وعليه فإن النبي من أوتي تلك المنزلة ([117])، قوله الله تعالى: ﴿قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ ([118])، وسُمِّي النبيّ بذلك؛ لأنَّه أنبأ عن الله تعالى؛ أي أخبر عنه، وقيل النبيّ من النبوّ أي العُلوّ، وسُمِّيَ النبيّ بذلك لمنزلته ومكانته العالية بين النّاس.

وقد عرّفه أهل الكلام، بأنّه الإنسان المخبر عن الله تعالى بغير واسطة أحد من البشر. قال في شرح الباب الحادي عشر: (فبقيد الإنسان يخرج الملك، وبقيد المخبر عن الله يخرج المخبر عن غيره، وبقيد عدم واسطة بشر يخرج الإمام والعالم فإنهما مخبران عن الله تعالى بواسطة النبي)([119]), ويقول الشيخ محمد رضا المظفرH: (النبوة وظيفة إلهية وسفارة ربانية يجعلها الله تعالى لمن ينتجبه ويختاره من عباده الصالحين وأوليائه الكاملين في انسانيتهم)([120]) وشاء الله أن يجعل عمارة الأرض من البشر ، فاقتضت حكمته أن يرسل إليهم رسولاً من أنفسهم ، بل اقتضت حكمته ما هو أخص من ذلك ليكون أقرب إلي الوصول للغاية وتحصيل المقصود من الرسالة ,فكتب على نفسه أن يرسل كل رسول بلسان قومه.

الله تعالى  بعث الانبياء و أرسل الرسل رحمة منه بعباده, وله الحكمة البالغة والقدرة الشاملة والإرادة النافذة، لم يخلق عباده عبثاً، ولم يتركهم سدى، بل بعدله قامت السماوات والأرض، وبحكمته وتشريعه وإرسال رسله قامت الحجة، وسعد من اتبعهم وسلك طريقهم في الدنيا والآخرة وخاب وخسر من سلك غير سبيلهم، واتبع هواه بغير هدى من الله، قال تعالى ﴿أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً ([121]) و من واسع حكمته وعدله خلق الانسان في احسن تقويم : ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ([122]) في الشكل وجعله سيد المخلوقات إعطاءه عنصرًا يتميز به عن غيره من المخلوقات، فإنه إذا تميز على غيره من المخلوقات بعنصر من العناصر أصبح مكرّمًا، وهذا العنصر الذي يفصل الإنسان عن بقية الموجودات الأخرى ليس هو الإدراك؛ فإن المخلوقات الأخرى تمتلك نصيبًا من الإدراك، فالحيوان مثلاً يمتلك نصيبًا من الإدراك والتخطيط والوعي، وأما الذي يميّز الإنسان عن غيره فهي قدرته على التغيير قال تعالى ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا([123]) أعطيناه قدرة عقلية يستطيع بها تغيير وضعه وكذلك المعرفة والوصول للحقيقة , الإنسان بذاته ليس أفضل المخلوقات بل الملائكة افضل منه لان ذاتهم نورانية خالصة ليست مكدرة ولا معكرة بأي عنصر ناري أرضي واما الانسان هو مركب مزيج بين عنصر نوري يرفعه عن الأرض، وعنصر ناري يجره نحو الأرض , وقد يقال بأن ذوات أهل البيت b هي أفضل الذوات من كل الخلق بل افضل من كل الأنبياء والملائكة ؟

 نعم وهذا في الامر الخاص ولهذا بحثٌ مفصل في مظانها، الكلام في الإنسان بصفة عامة، الأفضلية هنا من الجانب العملي يستطيع أن يكون أرقى الموجودات وسيدها، ويكون اقل منها في العمل، يرتقي الانسان إلى قيم الفضيلة والكمال بعمله باختياره، عن الإمام أمير المؤمنين g: إن الله خلق الملائكة عقلاً بلا شهوة، وخلق البهائم شهوة بلا عقل، وركّب في الإنسان عقلاً وشهوةً، فمن غلبه عقلُه شهوتَه فهو خيرٌ من الملائكة، ومن غلبت شهوتُه عقلَه فهو أدنى من البهائم“... ولذلك عبر عمن غلبت شهوته هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا.

 الله تعالى خلق الانسان بهذه الكيفية ومجموع هذا التركيب الخاصّ من الجسم والروح والنفس يعتبر منسجماً مع درجة الكمال التي ينبغي للإنسان الوصول إليها من خلال هذه التركيبة الخاصّة المكوّنة من الجسم والروح والنفس ومن حكمة تعالى اقتضت بخلق الظروف المناسبة لوصول الإنسان إلى الكمال ، بل إلى ذروته و قمته , ولأن الكمال الحقيقي لا يحصل إلا إذا كان و صوله إليه عن طريق الاختيار و الانتخاب ، لا الجبر و الاضطرار ، وذلك إنما يتحقق إذا كان أمام الإنسان أكثر من خَيار , والحكمة الإلهية عندما تقتضي بان يصل الإنسان إلى كماله ، لا بد و إن يكون الله تعالى قد هيأ الوسائل و الشروط الكفيلة بخلق الأجواء المساعدة على حصول هذا الأمر ، و إلا لكان ذلك مخالفاً للعدالة والحكمة الإلهية ، و يكون كما لو دعا الإنسانُ الضَّيفَ و لم يُعرِّفه عنوان محل الضيافة ، و لم يُرشده إلى الطريق الذي يؤدي إلى المكان المقصود .

ذلك لأن الإنسان يفتقر إلى معرفة أخرى ينكشف بها ما خفي على حسّه و عقله ، وهذا النوع من المعرفة غير موجودة لديه , الله تعالى بصفته خالقاً للإنسان ولكل ما في الوجود و محيطا بكل تفاصيل الحياة و الخلق , الانسان مهما كان لديه من المعرفة والوصول لا يمكن ان يحيط بكل شيء لان عقله محدود و لا يتيسر له الوصول إلى هذا الكم الهائل من المعلومات ، وان عرف بعض الأشياء تكون ناقصة , وهذه المعرفة تهتم بالجانب المادي للإنسان والأمور الحسية التجريبية أما الجانب الروحي فهو متروك لأنه خارج عن نطاق فهم الإنسان و قدرته , ومن هنا يُفهم أنه لا بد و إن يكون أول إنسان يبدأ حياته و تجربته نبياً حتى يستطيع بمساعدة الوحي التوصل إلى الطريق الصحيح للحياة كي يتحقق هدف الخلق بالنسبة إليه و يصبح واسطة لإرشاد غيره من أفراد البشر , حيث ان الانسان الاول بدون الوحي لا يستطيع أن يصل إلى عبادة الله وحده لا شريك له , وكان سيدنا ادمg نبيا وله شريعة وقانون عمل وعبادة , وخلق الله تعالى من ذريته في كل امة الأنبياء والمرسلين يدلون الناس على خالقهم ويعلمون الناس كيفية عبادة ربهم عز وجل، وقد يعتري الناس الشك فيمن جاءهم فلذلك أيد الله تعالى رسله وأنبياءه بمعجزات تدل على صدقهم، وأنهم مرسلون من قبل ربهم عز وجل، ولم تعد مسألة إثبات وجود الله سبحانه وتعالى بالمشكلة الدينية؛ وكذا وحدانيته، فاطراد التقدم العلمي يزيد ذلك إثباتاً كل يوم قال تعالى: ﴿سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ([124]) .

نعتقد أن قاعدة اللطف متجذّرة في صفة حكمة الله تعالى، حيث إنَّ الحكيم لا يفعل خلاف الغرض؛ لأنّه تعالى أراد من المكلّف الطاعة، فإذا علم أنّه لا يختار الطاعة أو لا يكون أقرب إليها إلا عند فعل يفعله به لا مشقة عليه فيه ولا غضاضة، وجب في الحكمة أن يفعله، إذ لو أخلّ به لكشف ذلك عن عدم إرادته لهذا الفعل , والله تعالى حكيم والحكيم لا يفعل ما ينقض الغرض وأراد الله تعالى منه الطاعة ولا يمكن أن تحصل طاعة الإنسان لله بدون اللطف وتكليف الإنسان بدون اللطف يعتبر نقض للغرض , فاللطف واجب على الله تعالى ([125]) فوجب أن يبعث الخالق اللطيف بعباده رسله لهداية البشر وأداء الرسالة الإصلاحية وليكونوا سفراء الله وخلفاءه .

ومن حِكمة تعالى بعث الأنبياء والرُّسلb ودعوة النَّاس لعبادة ربهم سبحانه وتعالى ونهيهم عن عبادة كلّ ما سواه , وبيان الطريق الموصل له جل وعلا , وإقامة الحجة على الناس والرحمة قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ([126]) بهم وبيان حال الناس بعد الوصول إلى ربهم يوم القيامة , فلم تخل أمة من رسول يبعثه الله تعالى بشريعة مستقلة إلى قومه، أو نبي يوحي إليه بشريعة مَنْ قبله ليجددها قال تعالى :﴿وَلَقَد بَعَثنا في كُلِّ أُمَّةٍ رَسولًا أَنِ اعبُدُوا اللَّـهَ وَاجتَنِبُوا الطّاغوتَ)([127]) وقال تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ ([128]) وقوله تعالى :﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَا ([129]) , وقد بين الإمام الصادقg  الحكمة من بعثة الرسل، وقد سأله رجل فقال: (لأي شيء بعث الله الأنبياء والرسل إلى الناس؟ فقال g: لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، ولئلا يقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير، ولتكون حجة الله عليهم)([130]) ولولا ذلك لأدى إلى نقض الغرض، الذي خلق الإنسان لأجله، كان إرسال الأنبياء واجبا عقلا، ومما يدل على وجوب اللطف عليه تعالى، وأنه عقلي خلافا لما زعمه الأشاعرة، وأنه لا بد من أن يقطع الحجة على الناس، قوله تعالى: ﴿ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى([131]) وقد ورد عن الإمام الصادقg أنه سأله زنديق فقال له: (من أين أثبت أنبياء ورسلا؟) فقال g: إنا لما أثبتنا أن لنا خالقا صانعا متعاليا عنا وعن جميع ما خلق، وكان ذلك الصانع حكيما، لم يجز أن يشاهده خلقه ولا يلامسوه، ولا يباشرهم ويباشروه، ويحاجهم ويحاجوه، فثبت أن له سفراء في خلقه يدلونهم على مصالحهم ومنافعهم، وما به بقاؤهم، وفي تركه فناؤهم، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه، وثبت عند ذلك أن له معبرين وهم الأنبياء) ([132]) وعن الإمام الرضاg، مبينا الحكمة في وجوب معرفة النبي وطاعته، فإن قال: فلم وجب عليهم معرفة الرسل، والإقرار بهم، والإذعان لهم بالطاعة؟ قيل: لأنه لما لم يكن في خلقتهم وقواهم ما يكملوا لمصالحهم، وكان الصانع متعاليا عن أن يرى، وكان ضعفهم وعجزهم عن إدراكه ظاهرا، لم يكن بد من رسول بينه وبينهم، معصوم، يؤدي إليهم أمره ونهيه وأدبه، ويقفهم على ما يكون به إحراز منافعهم، ودفع مضارهم، إذ لم يكن في خلقهم ما يعرفون به ما يحتاجون إليه، منافعهم ومضارهم، فلو لم يجب عليهم معرفته وطاعته، لم يكن لهم في مجيء الرسول منفعة ولا سد حاجة، ولكان يكون إتيانه عبثا لغير منفعة وصلاح، وليس هذا من صفة الحكيم الذي أتقن كل شيء)([133])   لان اللطف الله تعالى بالعباد، أرسل الأنبياء، الذين يدلّون الناس على الطريق الصحيح، في نظم حياتهم الاجتماعية، والسياسية، والتربوية، والاقتصادية، وتوجيههم نحو العبادة الحقة له تعالى ، وارسل سبحانه تعالى(124000) نبياً ومنهم المرسلين (330) رسولاً ، أولو العزم من الرسل خمسة وهم: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسىb، ومحمد k، وقد ذكرهم الله بقوله تعالى: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ([134]) .

ويتبين ان الفرق بين النبي والرسول بالعموم والخصوص المطلق, فالرسول هو الذي يبعث فيؤمر بالتبليغ ويحمل الرسالة, والنبي هو الذي يبعث سواء أمر بالتبليغ أم لم يؤمر , ولكن هذا الفرق لا يؤيده كلامه تعالى كقوله تعالى: ﴿ وَٱذْكُرْ في ٱلْكِتَبِ مُوسَى إِنَّهُۥ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ([135]), والآية في مقام المدح والتعظيم ولا يناسب هذا المقام التدرج من الخاص إلى العام كما لا يخفى , وقوله تعالى: ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِىٍّ ([136]), حيث جمع في الكلام بين الرسول والنبي ثم جعل كلا منهما مرسلاً.

ومقام النبوة غير مقام الرسالة وأن المفهومين متغايران، والنبي والرسول كليهما مرسلان الى الناس، غير أن النبي بعث لينبئ الناس بما عنده من نبأ الغيب لكونه خبيراً بما عند الله، والرسول هو المرسل برسالة خاصة زائدة على أصل نباء النبوة، كما يشعر به أمثال قوله تعالى: ﴿وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ([137]) والرسول بالمعنى الاصطلاحي أما بالمعنى للغوي أعم.

والرسول اعلى رتبة وفضل من النبي وساداتهم أولو العزم أصحاب الجد والثبات على العهود والميثاق في حد أعلى، وهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ونبينا محمد بن عبد اللهk ، قال تعالى: ﴿ وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ ... وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ([138]) وهم أصحاب الكتب والشرائع، كما قال الله تعالى: ﴿ شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ ([139])

«الرسول»: من رَسَل، وأرسل رسولًا أي بعثه بأمرٍ أو بشيءٍ يؤديه، ومنه قول الله تعالى: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ([140]) وهذه الآية تدل على الرسول بالمعنى اللغوي وهو مطلق المرسل , واما المعنى الاصطلاحي فالمقصود به النبي صاحب الشريعة ، وسمي الرّسول بهذا لأنّه مَبعوثٌ من الله تعالى برِسالةٍ مُكلّفٌ بتبليغها, وقد يخلط البعض بين الرّسول والنبيّ او ان لا فرق بينهما، وهذا غير صحيح وتوهم , نعم كل رسول نبي ولا كل نبي رسول , النبي هو الذي يوحى إليه بشرع ولكن لا يؤمر بتبليغ الناس، يوحى إليه أن يفعل ولا يفعل كذا، لكن لا يؤمر بالتبليغ , إذا أُمر بالتبليغ فيبلغ الناس، ينذر الناس، صار نبيًا رسولًا صاحب شريعة وهذا الامر ليس عاما يمكن ان يكون رسول ويبلغ شريعة رسول غيره كما النبي إسماعيل والنبي يوسف g يبلغون رسالة إبراهيمb .

  الرسول الذي يُبعث ويُؤمر بالتبليغ ولديه شريعة وإن كان تابعًا لنبي قبله كما جرى من داود وسليمان وغيرهما من الأنبياء بعد موسى، فإنهم دعوا إلى ما دعا إليه موسى وهم أنبياء ورسل bعليهم الصلاة والسلام. والرسول هو الذي يُؤمر بالتبليغ مطلقًا وإن كان تابعًا لنبي قبله، كمن كان على شريعة التوراة، والنبي هو الذي لا يُؤمر بالتبليغ الذي يُوحى إليه بصيام أو بصلاة أو نحو ذلك، يقول الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا ([141]) يتلقّى أخبار الغيب ليوصلها إلى الناس، يوحى إليه وهو أرفع مكانةً من النبيّ.

 اختلف في التعريف الاصطلاحي بين النبي والرسول نبين ان شاء الله، قيل إن الفرق بين النبي والرسول أن الرسول هو الذي ينزل عليه الوحي من قبل الله تعالى برسالته أو بكتاب أو صحيفة أو أمر أو نهي أو غير ذلك ويكون بسبب ذلك مبلغاً عن الله تعالى ويهديه وينكت في قلبه ما يهديه الله تعالى منه على صفة اليقين من غير شك ولا حدس ولا خيال في هذا الأمور _ وهناك اقوال ذكر منها:

     القول الأول: قول من قال: إنه لا فرق بين الرسول والنبي؛ فكل نبيٍّ رسولٌ، وكل رسولٍ نبيٌّ، ويستدل بقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ([142]) وأنَّ الإرسال وهو فعل (أَرْسَلْنَا) وقع على الرسول وعلى النبي، فإذاً الرسول مرسل والنبي مرسل؛ لأنّ هذا وقع على الجميع.

الفرق الثاني:  ان الرسول غير النبي وجه الاستدلال أنه عطف بالواو فقال ﴿مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ) ، والعطف بالواو يقتضي المغايرة؛ مغايرة الذات أو مغايرة الصفات، وهنا المقصود منه أنَّ الصفة التي صار بها رسولاَ غير النعت الذي صار به نبياَ، وهو المقصود مع تحقق أنَّ الجميع وقع عليهم الإرسال , والوجه الثالث من الاستدلال أنه عطف ذلك بـ (لَا) أيضا في قوله ﴿ (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ ([143]) ، ومجيء (لَا) هنا في تأكيد النفي الأول؛ في أول الآية وهو قوله ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا ، فهي في تقدير تكرير الجملة مَنْفِيَّةً من أولها، كأنه قال: وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا أرسلنا من قبلك من نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته.

    القول الثاني : الرسول أعم من النبي، وبينهما عموم وخصوص من وجه فكل رسول نبي ولا عكس، والرسول: هو من أوحي إليه بشيء وأمر بتبليغه قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ([144]) والنبي هو من أوحي إليه بشيء ولم يؤمر بالتبليغ , بينهما فرق، وهو أنَّ النبي أدنى مرتبةً من الرسول فكل رسول نبيٌ وليس كل نبيٍ رسولاً كما تقدم , والنبوة ثبتت لآدم gوهناك أنبياء جاؤوا بعد آدم g كإدريس وشيث b وغيرهما، لم يحصلوا على صفة الرسالة، وأول الأنبياء ادم b ذكر في المجمع روي عن ابي ذر انه قال: قلت: يا رسول الله k كم الانبياء؟

قال: مائة ألف نبي واربعة وعشرين الفا، قلت: يا رسول الله كم المرسلون منهم؟ قال: ثلاث مائة وثلاثة عشر وبقيتهم أنبياء، قلت كان آدم نبيا؟

قال: نعم كلمة الله وخلقه بيده......الخ) ([145]) وجاء في الحديث قوله : ﴿آدم نبي مُكَلَّمْ، ووُصف نوح g بأنه رسول، ووُصف إدريس g بأنه نبي، فدل هذا على التفريق بين المقامين , الفرق بين الرسول والنبي، وهو أن النبيَّ أدنى مرتبةً من الرسول؛ فالرسول هو الذي أوحي إليه بشرع جديد ناسخ للشرع الذي قبله، أو ناسخ لبعض الشرع الذي قبله، وأمر بتبليغ هذا الشرع، أما النبي فهو الذي يأتي بعد رسول ولم يأتِ بشرع جديد، وإنما جاء بنفس الشرع الذي سبقه به الرسول الذي قبله؛ ليجدده للأمة، وبعض ما استدلوا به قول الله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ ([146])، قالوا: الإرسال لازمه البلاغ , وأشهر ما قيل في ذلك: أن النبي والرسول كلاهما أُوحي إليهما بوحي، إلا أن الرسول أمره الله بتبليغه، أما النبي فلم يؤمر بالتبليغ.

    كما قيل ان الفرق بين النبي والرسول , أن الرسول له شريعة خاصة والنبي الذي في زمانه والذي بعده يسير على نهج الرسول الذي قبله ويدعو الناس إليه، اول الأنبياء ادم g هل كانت له اول شريعة، والظاهر أنه هبط إلى الأرض وهو مبعوث من قبل الله تعالى إلى نسله، وكان آدم نبياً رسولاً أنزل الله تعالى عليه أول شريعة سماوية ويذكر أن عدد الصحف التي نزلت عليه كانت إحدى وعشرين صحيفة ([147]) ورغم ذلك لم يكن من أولي العزم , وذكر أيضا عند العامة أن آدم g لم يحصُل له وصف الرسالة، والدليل ما جاء في الحديث النبيk : (آدمُ نبيٌّ مكلَّمٌ)، ووُصِف نوحٌ بأنه رسول، ووصف إدريس بأنه نبي، فدل هذا على التفريق بين المقامين.

القول الثالث : أن النبي أرفعُ من الرسول، وهو قول غلاة الصوفية، وأن الرسول دون النبي وذكروا أصحاب هذا القول ما جاء في حديث أبي ذر من التفريق بين عدد الأنبياء وعدد المرسلين، فجعل عدد الأنبياء أكثر من مائة ألف؛ مائة وأربعة وعشرين ألفًا أو نحو ذلك، وجعل عدد الرسل أكثر من الثلاثة مائة بقليل؛ بضعة عشرة وثلاثمائة رسول. قال تعالى ﴿ وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ([148])،والله تعالى  قص علينا خبر بعض الرسل، وحجب عنا قصص البعض الآخر؛  أقوال بعض من قال في هذا المقام  قال البيضاوي: "الرسول: مَن بعثه الله بشريعة مجددة يدعو الناس إليها، والنبي يعمُّه ومن بعثه لتقرير شرع سابق؛ كأنبياء بني إسرائيل الذين كانوا بين موسى وعيسىb ؛ ولذلك شبَّه النبيُّk علماءَ أمته بهم؛ فالنبي أعمُّ من الرسول... وقيل: الرسول مَن جمع إلى المعجزة كتابًا منزلاً عليه، والنبي غير الرسول، مَن لا كتاب له، وقيل: الرسول من يأتيه الملَكُ بالوحي، والنبي: يقال له ولِمَن يوحَى إليه في المنام([149])" وقال القرطبي: "الرسول والنبي اسمان لمعنيَيْن؛ فإن الرسول أخصُّ من النبي، وقدِّم الرسول اهتمامًا بمعنى الرسالة، وإلا فمعنى النبوة هو المتقدم.  

وكان من يعلم الأنبياء جبرئيل يعلمهم وهم بدورهم يعلمون الناس بالإضافة إلى تعاليم دينهم من عقيدة وشريعة , وكانت شريعة آدمg بدائية حيث لم يكن بعد على وجه الأرض ذلك الكم الهائل من الإنس وكانت الأحكام تنزل على الأنبياء حسب حاجة الناس إليها ومواكبة التطور البشري إلى أن اكتملت صورتها الأولى في عهد نوح g وكانت شريعته من الشرائع التي يمكن تطبيقها في كل المجالات في تلك العهود ، ثم تطورت في عهد النبي إبراهيم g والذي أضيف إلى شخصه صفة أخرى بالإضافة إلى النبوة والرسالة ، وأنه إمام وسيأتي الكلام عنه إن شاء الله تعالى , نزلت على ادم g وقد بينت شريعة آدم معظم الأسس العقائدية والأخلاقية ومعاملة الناس فيما بينهم وهي في الحقيقة لا تعد شريعة مستقلة عن شريعة نوحg بل تمهيداً وأنزل الله تلك الألواح عليه ليلة الجمعة في السابع والعشرين من رمضان باللغة السريانية وأهم ما ورد فيها أبجدية الحياة وأسماء المسميات بالإضافة إلى فكرة التوحيد وضرورة العبادة لله ومن مظاهر العبادة آنذاك أداء الصلاة إليه جل وعلا ، ثم الطواف حول الكعبة سبعاً ، كما كلف بالصلاة على الميت ودفنه ، إلى غيرها من الأعمال والأحكام ، وكان في جملة ما نزل عليه بيان أسس العلاقات علاقة الفرد بخالقه وعلافة الفرد بنفسه وعلاقة الفرد بغيره, روى محمد بن قيس عن الإمام الباقرg قال : أوحى الله تبارك وتعالى إلى آدم g يا آدم إني أجمع لك الخير كله في أربع كلمات : واحدة منهن لي ، وواحدة لك ، وواحدة فيما بيني وبينك ، وواحدة فيما بينك وبين الناس ، فأما التي لي فتعبدني ولا تشرك بي شيئاً وأما التي لك فأجازيك بعملك أحوج ما تكون إليه ، وأما التي بيني وبينك فعليك الدعاء وعلي الإجابة ، وأما التي فيما بينك وبين الناس فترضى للناس ما ترضى لنفسك ولما دنى أجله أوحى الله له ببعض التعاليم وفيها : أن يا آدمg قد قُضيت نبوتك واستكملت أيامك ، فاجعل العلم الذي عندك والإيمان والاسم الأكبر وميراث العلم وآثار علم النبوة في العقب من ذريتك ، عند هبة الله فإني لن أقطع العلم والإيمان ، وآثار النبوة من العقب من ذريتك إلى يوم القيامة ولن ادع الأرض إلا وفيها عالم يعرف به ديني وتُعرفُ به طاعتي ويكون نجاة لمن يولد فيما بينك وبين نوح g وشريعة نوح نفس شريعة ادم  g ومن بعده الأنبياء والانبياء من بعد ادم g شيث بن آدم وإدريس ونوح وهود وصالح g،وبعدها جاءت الشريعة الحنيفية (الإبراهيمية) وهناك أبحاث كثير في هذه الباب ولكن نكتفي بهذا القدر .

       المعنى اللغوي للرسول: مأخوذٌ من البعث وهو الإرسال والتوجيه؛ فالرسول هو المبعوث المُوجَّه برسالة، والرسول والرسالة أيضا مفهومين لغوي واصطلاحي أحيانا يتحدون في مصداق واحد، موسى وعيسىg هم انبياء هم أصحاب شريعة وهم أصحاب كتاب وهم مبلغين وهادين ومهدين.

   المعنى اللغوي: المبلغ والهادي وهو رسول مطلق المبلغ أو المبعوث برسالة وسميه رسول لأنه يحمل رسالة ليبلغها قوله تعالى: ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِم بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ ([150]) سوى كان عاقلا او لا كما في قصه الغراب قوله تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ ([151]).

   المعنى الاصطلاحي: فخص بالعاقل المومن سوى كان بالمعنى الأخص او الاعم، بمعنى اصطلاحا شرعيا فالمعنى الاعم فيه هو خص به المومن سوى كان انس او جن او ملك فسبحانه وتعالى أرسل رسله الملائكة للأنبياء والاتقياء والجن كان فيهم رسل إلى قومهم وكذا البشر كمومن ال فرعون.

 الاصطلاح الثاني الذي هو اخص من الاول المقصود بالرسول هو رتبة أعلى من مرتبة الأنبياء خص الله به بعض انبياءه وعرفوه بأنه نبي صاحب رساله او شرعه او كتاب سماوي كما تقدم حتى نميز والا يكون خلط بين الرسول بالمعنى اللغوي بمعنى المبعوث او المبلغ مطلقاً كان انسياً او غيره فيصدق على العاقل وغيره , اما اصطلاحا فله معنيين الأول خص به المومن سوى كان ملكا او من الجن او من الأنس وهذا المعنى اخص من المعنى الاخير الذي هو اخصهما الذي خص فيه النبي صاحب الكتاب والشرعة كأولي العزم b ,والتفضيل بين الأنبياءb ثابت، وأفضلهم على الإطلاق نبيناً محمد k، واختصاص إبراهيم g بأنه خليل الله تعالى وهذه مزية له، ولكنها لا تدل على أنه الأفضل على جميع الأنبياءb، وأصل النبوة لا تفاضل فيها بل هناك رتبة أخرى للنبي على النبي الاخر حيث ان النبوّة رتبة لمن يتلقّى أخبار الغيب ليوصلها إلى الناس, والرسول رتبة اعلى للنبيّ الذي يأتي بشريعة خاصّة بوحي يوحى إليه؛ فهو أرفع مكانةً من النبيّ.. هذا عند أهل الاصطلاح، وقد يستعمل كلّ منهما في مقام الآخر تسامحاً ومجازاً، وكل رتبة لا تعطى لنبي الا بعد الأوامر والامتحان الصعب مثال النبي إبراهيم g كان نبيّاً ورسولاً قبل هذه الامتحانات لتلقّيه الكلمات من ربّه وحياً، ويعقوبgكان نبيا ولكن ولده يوسفg نبيٌ ورسول، وفي سورة الأنعام بعد أن ذكر الله الأنبياء قال تعالى : ﴿أولئك الّذين آتيْناهم الْكتاب والْحكْم والنّبوّة ([152]) وفي سورة غافر، قال تعالى: ﴿ولقدْ جاءكمْ يوسف منْ قبْل بالْبيّنات فما زلْتمْ في شكٍّ ممّا جاءكمْ به حتّى إذا هلك قلْتمْ لنْ يبْعث اللّه منْ بعْده رسولاً كذلك يضلّ اللّه منْ هو مسْرفٌ مرْتابٌ ([153]) وكان يعقوب  g نبيّاً قبل يوسف g، ومن الطبيعي ان يُعدَّ يوسف من أمة يعقوب حينما لم يكن نبيّاً، فيكون ليعقوب ولاية عليه من حيث النبوة ,كما كان له ولاية عليه من حيث الأبوة، وهل كان يوسف  gنبيا ام رسولا؟ وكان الحجة على يعقوبg وعن الباقرgانه سئل: كم عاش يعقوب مع يوسف بمصر؟  

 قالg: عاش حولين. قيل: فمن كان الحجة لله في الأرض يعقوب أم يوسف؟  

 قال g: كان يعقوبg، وكان الملك ليوسفg، فلما مات يعقوب حمله يوسف في تابوت الى ارض الشام، فدفن في بيت المقدس، فكان يوسفg بعد يعقوب الحجة _ قيل: فكان يوسف رسولاً نبياً؟ قالg: نعم، أما تسمع قول الله تعالى: ﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ([154]) وقال تعالى ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلا جَعَلْنَا صَالِحِينَ, وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ([155]) وجعلنا إبراهيم وإسحاق ويعقوبb أئمة يؤتمّ بهم في الخير في طاعة الله في اتباع أمره ونهيه، ويقتدي بهم، ويُتَّبَعون عليه.

والتعريف الأول الذي ذكرناه في بداية البحث ليس في كل الأنبياء وهو ان الرسول هو الذي أوحي إليه بشرع جديد ناسخ للشرع الذي قبله، أو ناسخ لبعض الشرع الذي قبله، يوسف gكان على شريعة جده النبي إبراهيم g, وكذلك النبي إسماعيل g رسول في زمن رسول اخر والده النبي إبراهيم  g قال تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ([156]) رسول وصفه القران الكريم أنه "كان رسولا نبيا" بالرغم من أنه لم يؤت كتابا جديدا بل عمل بشريعة أبيه إبراهيمg ومعنى هذه الآية ان إسماعيل  gكان رسولًا إلى قبيلة جرهم، على شريعة أَبيه إِبراهيم g، فإن أولاد إِبراهيم g جميعًا كانوا على شريعته،  ومنهم أئمة كالنبي إسحاق ويعقوب bي  مبشير الطائعين وإنذار المفرطين، والجمع لإسماعيل g بين وصفى الرسالة والنبوة إشارة إِلى عظيم مكانته عند الله تعالى , وكان أخيه إسحاقg نبي وإمام بالنص القرآني وإسماعيلg وصف بالنبوة والرسالة , واذكر في الكتاب إسماعيلg إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا , وقيل : لم يكن إسماعيل ابن إبراهيمg، بل كان نبيا من الأنبياء بعثه الله عز وجل إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه، فأتاه ملك فقال: إن الله جل جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت، فقال: لي أسوة بما يصنع بالحسينg جاء في كامل الزيارة: أبي، عن سعد، عن ابن عيسى، وابن أبي الخطاب وابن يزيد جميعا، عن محمد ابن سنان مثله. ([157]) أجمع المسلمون على أن الأنبياء والرسل b ولاسيما خاتمهم محمدk معصومون من الذنب والخطأ تماماً , ولهذا القول أدلّة متعدّدة من الكتاب والسنّة والعقل والإجماع , واختلفوا في عصمتهم عن الخطايا في شؤونهم اليومية , وهؤلاء الأنبياء والرسل وجب على الناس التمسّك بهم والأخذ منهم ، فابتلاؤهم ـ والعياذ بالله ـ بالخطأ والغفلة والنسيان والسهو كابتلائهم ـ والعياذ بالله ـ بالذنوب والمعاصي ، كلّ ذلك يوجب سقوط أقوالهم وأفعالهم عن الحجيّة ، ويفقد الناس بسبب ذلك الوثوق بما يقولون ويفعلون ، لأنّ احتمال الخطأ والنسيان والسهو حينئذٍ يجري في كلّ فعل من أَفعالهم وكلّ قول من أقوالهم ، وهذا لا ينسجم مع تكليف الناس باتّباعهم والتمسّك بهم.

 تشترك جميع الشرائع السماوية في عصمة الأنبياء في تلقّي الوحي تُعتبر من الثوابت والاختلاف في ماهية العصمة، وكذلك هذا الاختلاف عند متكلمي المسلمين.

ومفهوم العصمة موجود منذ بداية الإسلام وفي القران إشارة واضحة لذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى , إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى([158]) على حجيَّة السنَّة؛ لأنَّ الآية في نظرهم عامَّة لكل ما يَنطق به الرسول k سواء كان قرآنًا أو غيـرَ قرآن، والأصل في العموم أن يبقى على عمومه ولا يُخصَّصَ إلا بدليل؛ قال الغزالي: "وقول رسول الله k حجَّة؛ لدلالة المعجزة على صدقه، ولأمر الله تعالى إيَّانا باتباعه، ولأنه لا يَنطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يُوحى، لكنَّ بعض الوحي يُتلى فيُسمَّى كتابًا، وبعضه لا يُتلى، وهو السنَّة"([159]) وقال القرطبي: "وفيها أيضًا دلالة على أن السنَّة كالوحي المنزَّل في العمل([160])".

وقال آخرون: إنَّ الآية خاصة بالقرآن، ولا علاقة لها بالسنَّة، قال القاسمي: والضمير للقرآن؛ لفهمِه مِن السياق، قال القاسمي: "والضمير للقرآن؛ لفهمِه مِن السياق، ولأنَّ كلام المُنكِرين كان في شأنه، وأرجَعَه بعضُهم إلى ما ينطق به مطلقًا، واستدلَّ على أن السنن القولية من الوحي". ثم قال: "والصواب هو الأول؛ أعني: كون مرجع الضمير للقرآن؛ لما ذكرنا، فإنه ردٌّ لقولهم: (افتراه)، والقرينة من أكبر المخصَّصات ([161])

ولو تنازلنا جدلا لرأي ثاني مُنكِرين لحجيَّة السنَّة وسلَّمنا بأن الآية خاصة بالقرآن الكريم دون السنَّة النبوية، فهل يَنطق رسول اللهk خارج القرآن عن الهوى؟! وهذا الكلام إساءة لمقام النبي k هو سيد الخلق لا تبَع هوى نفسهُ باتباع الهوى، والقرآن الكريم ينهى عن اتباع الهوى؛ لأنه يؤدِّي إلى الوقوع في الضلالة عن سبيل الله تعالى؛ قال تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ([162])..

عقيدنا في عصمة الأنبياء bلا يصدر عنهم الذنب لا صغيرة ولا كبيرة، لا عمداً ولا نسياناً، ولا يخطأ في التأويل، ولا للاسهاء من الله سبحانه، وذكر في مصادرنا أن الشيخ الصدوق H، وشيخه محمد بن الحسن بن الوليد H، فإنّهما قالوا بجوّز السهاء، لا السهو الذي يكون من الشيطان، وقد يكون هذا توهم من البعض في فهم المراد الشيخ الصدوقH، وسنبين ذلك مفصلا في شبهة سهو النبي k ان شاء الله تعالى ([163]).

 وكما ذكرنا مفهوم العصمة كان موجود في بداية ظهور الإسلام وخاصة عصمة الأنبياءb روي عن الإمام علي g عندما كان يتحدث عن مراتب الأنبياء عند الله، استخدم في حديثه مفردة العصمة ([164]) , وروي أنّ أبو بكر نعت النبي الأكرمk وهو في معرض إجلاله له k، بالمعصوم , لكن بعض المفكرين يعتقدون أنّ استخدام مصطلح العصمة شأنه شأن سائر المصطلحات الكلامية التي أخذت بالرّواج بعد نشوء علم الكلام وبالتزامن مع إمامة الإمام الصادق g ([165]) لم يرد موضوع عصمة الأنبياء في القرآن الكريم صراحة؛ ولكنّ المفسّرين تطرّقوا إلى موضوع العصمة بمناسبة بعض آيات القرآن، قوله تعالى: ﴿فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ([166]) وقوله تعالى : ﴿قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)([167]) فقال تعالى: ﴿فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ , إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ )([168]) وقوله تعالى : ﴿فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۚ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ)([169]) فيما لها علاقة بقصة آدمg وحواء ولقائهما بإبليس، وقوله تعالى ([170]) التي تُنبأ عن اصطفاء بعض الأنبياء لدى الباري عزّ وجل، وقال تعالى : (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى, إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى, عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى)([171]) التي تتحدث عن تلقي النبيk للوحي كما هو، دون نقصان وزيادة، وأنّ كلامه لا يصدر بدافع الهوى ولا عن ميوله الشخصية , والدليل الخاص في هذه الآية من أوضح معاني العصمة تمثلت بقوله تعالى في آية التطهير: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً([172])  فإذهاب الرجس وإرادته التطهير معناً جلياً عن العصمة , أضافة الى دليل النقلي أيضا هناك دليل عقلي قائم على ضرورة العصمة للأنبياء والرّسل هو عدم زعزعة ثقة الناس بهم , وبناء على هذا الدليل الذي أطلقوا عليه بـ "دليل الثقة"، إذا تضارب عمل الأنبياء مع ما يقولونه للناس، فلن يرضى الناس لزعامتهم.

الدليل العقلي الثاني، هو نقض الغرض من رسالة الأنبياء. فبما أنّ طاعة الأنبياء واجبة على الناس، فإذا ارتكبوا ذنباً أو خطأً، فهلّا يبقى وجوب الطاعة على حاله أو لا؟

 فإذا تَأسّى الناس بهم فذلك نقضاً للغرض؛ لأن الهدف من بعث الأنبياء هو هداية الناس إلى الصراط القويم، وإذا ما لم يتم اتباعهم فإنّ عدم متابعة الناس لهم يستلزم التقليل والاستخفاف من شأن الرسالة الإلهية.

 العصمة في اللغة هي بمعنى الحفظ والوقاية , واصطلاحا هي ملكة اجتناب المعاصي والخطأ , وذكر هذا في القرآن الكريم في ثلاثة عشر موضع منها قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)([173]) ، وفي موقف النبي يوسفg وامتناعه عن الاستجابة والامتثال لدعوة امرأة العزيز ومراودتها إيّاه يقول تعالى: ) قَالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فَاسْتَعْصَمَ وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ)([174]) فقد استعملت لفظة العصمة في الآية الأُولى في الإمساك والتحفّظ، وفي الثانية في المنع والامتناع، وكلاهما يرجعان إلى معنى واحد , في عقيدتنا  العصمة اعم واشمل وهي أن الأنبياء والائمة b معصومون من جميع المعاصي، صغيرها وكبيرها، من حين الولادة حتى الوفاة، فلا تصدر منهم المعصية حتى سهوا ونسيانا , ولا يكتمون منها شيئاً، ولا يزيدون عليه من عند أنفسهم وبذلك لا يضيع شيء من الوحي  , وهذه العصمة تشمل الملائكة جميعا لأن ليس لهم شأن إلاّ إجراء الأمر الإلهي في مجراه وتقريره في مستقرّه، فهم مجبورون على الطاعة .

وأراء علمائنا واضحة في هذا الباب وهذا ما ذهب إليه الشيخ المفيد والسيد المرتضى?في أنّ منشأ العصمة لدى الأنبياء والرسل b هو اللطف الإلهي بحقهم، وقد جارى السيد المرتضى رأي الشيخ الطوسي وابن ميثم البحراني ? في منشأ العصمة عند الأنبياءb بأنّها تنبعث من ملكة باطنية، أي ميزة يختص بها الأنبياء لاجتناب المعاصي مع التمكن منها، حيث لا ترتفع قدرة العمل بالمعصية، وبالرغم من القدرة على المعصية فإنّهم لا يرتكبون المعاصي أبداً، وذهب العلامة الطباطبائي إلى أنّ نشأة العصمة لدى الأنبياء هو علمهم الرّاسخ في وجوب الطاعة والبُعد عن المعصية الذي لا يزول عنهم أبداً، وهو ما لم يكن قابلاً للتحصيل هذا أولاً، وثانياً لا يقع صريع الشهوات.

 كما اتّفق المتكلّمون الشيعة والسنة على أنّ الأنبياءb مصونون من التقول والافتراء في تلقّيهم الوحي وإبلاغه إلى الناس، ولا يصدر عنهم شيئاً من ذلك بسهو أو خطأ، وكان القاضي عبد الجبار زعيم المعتزلة من معاصري القرن الخامس الهجري، يرى جواز الكذب سهواً في تبليغ الرسالة الإلهية وهناك اراء قريبة من هذا.

 وأقرّ معظم علماء الشيعة بعصمة الأنبياء b عن الخطأ في الأحداث العادية، واعتقدوا بأن الأنبياء مصونون عن الخطأ في القول والفعل في أمورهم الفردية والاجتماعية الشخصية؛ لكن اختلف البعض منهم  برواية ذي الشمالين، وبناء عليها ذهب إلى جواز سهو النبيk ، واعتبر أنّ من ادّعى عصمة الأنبياءb عن السّهو والإسهاء، فهو من الغلاة والمفوضة , وذكر العلامة الطباطبائي بأن الأمور التي هي خارجة عما ترتبط بالوحي أو فيما لها علاقة بهداية الناس، لا تنطوي تحت مظلة العصمة , ويردف قائلاً أنّ باستثناء النبي الأكرم k الذي فضّله الله على سائر الأنبياء والمرسلينb، فهناك آيات في القرآن تدلّ على أن الأنبياءb قد وقعوا في السهو والنسيان في شؤونهم الحياتية، فمنها: نسيان النبي آدمg  لعهده، وطلب النبي نوحg  من الله لنجاة ابنه العاصي من الغرق، وترك النبي يونسg قومه غاضباً عليهم، وعتاب موسىg  أخيه هارون g بعد اتّخاذ بني اسرائيل العجل ءالهة لهم , وذهب الملّا صدرا إلى أنّ العصمة لدى الأنبياء موهبة إلاهية، يختص بها الله بعض عباده المخلَصين في مواجهة القوى الشيطانية لا سيما الوهمية، بما عصم الله عباده المخلصين الذين أيّدهم بالعقل القويم والهداية إلى الصراط المستقيم.

 وما جاء في جميع الآيات التي لا تتوافق مع عصمة الأنبياء والرّسلb، على أنها ترك الأولى؛ لكن إذا لم نقل بجواز ترك الأولى لهمb ، فنقول أنّ تلك القضايا قد كمنت في نفسها مصلحة، لا ندركها نحن، كقصة النبي موسىg والنبي خضرg , ترك الاولى ليس معناه ترك المستحب أو فعل المكروه, وفيها أبحاث واسعة لبيان هذه الشبهات التي تطرح من قبل البعض , فرض الله تعالى على الناس إطاعة الأنبياء والرسل بصورة مطلقة قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ ([175]) وهناك الطاعة مطلقة فيما لو كانت في مسار إطاعة الله وعلى إمتدادها، بحيث لا تكون إطاعتهم منافية لإطاعة الله، وإلا فإن الأمر بالإطاعة المطلقة للّه تعالى، والأمر بالطاعة المطلقة لمن هم معرضون للخطأ والإنحراف سيكونان على طرفي نقيض , والله تعالى خصص المناصب الإلهية لهم وليس لديه أي ذنب ولا ظلم وجوابه تعالى لإبراهيم g الذي طلب منصب الإمامة لذريته : ﴿لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ([176]) كل معصية هي ظلم للنفس ولا ينال عهد الله ظالم , والمنصب الإلهي (النبوة والرسالة والإمامة ) لا بد وأن يكون منزه عن كل ظلم ومعصية.

جواز السهو على النبيk وعدمه؟!

  ما ورد عن جمهور المسلمين واجماع الشيعة يقتضي الحكم بنفي السهو عنه لان العصمة في القول والفعل واستحالة السهو عليه مطلقاً., وهناك ابحاث كثيرة في هذا الموضوع يمكن مراجعتها , وذكروا نظرية سهو النبيk من المسائل الكلامية الإسلامية التي كثير الكلام فيها , واتفق علماء الشيعة على نفي السهو والنسيان عن النبي k وهو معصوم في جميع أعماله واقواله في التبليغ وغيره , قال تعالى ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى , إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى([177]) , وهذه النظرية غير مقبولة عند الشيعة كافة , وقد ذكر عن الشيخ الصدوق والسيد المرتضى والطبرسيH، انهم ذهبوا إلى جوازه على النبيk في شؤونه الحياتية وأنه معصوم في مقام التبليغ فقط، واستدلوا برواية مفادها أن النبي    k سَهى في صلاته، واعتبر أكثر العلماء النافون للسهو عنه k أن هذه الرواية وأمثالها غير معتبرة، وهذه الرواية من أخبار الآحاد، وأنَّ السهو لا يجتمع مع النبوة , روى الشيخ الصدوقH في كتابه من لا يحضره الفقيه الحديث بسنده : إن الغلاة من المفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي k  يقولون: لو جاز أن يسهو k في الصلاة جاز أن يسهو في التبليغ، لأن الصلاة عليه فريضة... وقيل للإمام الرضاg (إن في الكوفة قوماً يزعمون أن النبي k لم يقع عليه السهو في صلاته, فقال: كذبوا ـ لعنهم الله ـ إن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو) وقال بعض العلماء هناك من يحاول أن ينسب إلى الشيخ الصدوقH : أنه يقول بجواز السهو على النبيk ، وأنه يسهو كما يسهو غيره من البشر.. والحقيقة هي أنه Hلم يقل بجواز السهو على النبي k، بل قال: إنه يجوز الإسهاء للنبيk, قال الشيخ محمد بن الحسن الحر العامليH : (ذكر السهو في هذا الحديث وأمثاله ـ يقصد حديث السهو  محمول على التقية في الرواية, كما أشار إليه الشيخ وغيره, لكثرة الادلة العقلية والنقلية على استحالة السهو عليه مطلقاً) فأن كل الروايات التي ظاهرها يوحي الى نسبة السهو للنبيk يجب ان تأول الى ما يتوافق مع الدليل القاطع، سواءاً كان ذلك الدليل القاطع عقلياً أو نقلياً وعلى هذا الأساس حمل الشيخ العامليH الروايات على التقية، وسنبين حقيقة قول الشيخ الصدوقH ومن تبعه من الاعلام والقصد من ذلك , لكن هناك الكثير من المسلمين من يفرق بين القول والفعل وليس كل قول هو من الوحي وتفسير هذه الآية انه ليس كل كلام ينطق به النبيk  ابتداء يكون وحيًا من عند الله، وإنما معناها أنه k معصوم من الخطأ فيما يبلغه عن الله، بخلاف غيره من الكلام الذي يحتمل الاجتهاد , وهذا الاجتهاد يمكن ان يصب او يكون خطأ وإذا اجتهد في حكم وكان صوابًا أُقر عليه، وإن كان خطأً لم يُقر عليه, ونزل الوحي مبينًا ذلك , ودليلهم في هذا الكلام قوله تعالى ﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ ([178]) عوتب على استبقاء أسرى بدر بالفداء، وعلى الإذن لمن ظهر نفاقهم في التخلف عن غزوة تبوك، والعتاب لا يكون فيما صدر عن وحي، فيكون عن اجتهاد , واجتهاده  k في الأمور الدنيوية وقصة تلقيح النخل وأنه  k مرَّ بقوم يلقحون نخلهم، (أنه مرَّ بقوم يلقحون نخلهم فقال: لو لم تفعلوا لصلح, فخرج شيصًا، فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا؟ قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم.

 فجواز السهو عليهk في أعماله مستلزم لجوز السهو عليه في التبليغ، ولا يشك أحد في أنه لو صدر منه عمل مرة واحدة في عمره لدل صدور ذلك الفعل منه على جوازه، كما تمسك المسلمون قاطبة في أمور كثيرة بعمل النبي k ولو صدر منه مرة واحدة "

أقول: إنما يتم هذا الاشكال إذا كان القائل بالإسهاء أو السهو يعتقد جواز السهو عليه مطلقا لا في موارد خاصة مع اعلامه بلا فصل فبعد أن أعلم - على فرض صحة الروايات - فلا مجال لهذا الاشكال , والصدوق لا يعتقد جواز السهو عليه مطلقا , وفي هذه المسألة كلام طويل , لكن نحاول قدر الإمكان بيان شيء منه , نحن الشيعة ندعي أن الأنبياء والأئمة معصومينb عن كل شيء قولا وفعلا , لكن هناك اشتباه عند البعض في قول الشيخ الصدوق H بإمكان سهو النبيk وهذا فهم خاطئ لكلامه طبعا, كلامه صحيح لكن الفهم خطأ , ونحن نقول تبعا لأساتذتنا والعلماء الإمكان على ثلاث أقسام هي مطالب فلسفية ومنطقية..

أولا: الإمكان الذاتي.. وكما عرفوه تساوي الطرفين طرف الوجود والعدم , وهناك مقدمة نمر عليها سريعاً الشيء بما هو شيء اما أن يكون موجود وعرف بالثابت العين الذي يخبر عنه , ويمكن أن يشار إليه , فهذا الذي يشاره اليه بهذه الهاذية سواء كان إشارة حسية للمكنات أو اشارة عقلية كما في واجب الوجود... هذا يقال له موجود , يقابله الذي لا يمكن أن يشار إليه هو العدم باعتبار أن العدم لا يشاره له لأنه معدم، ما بينهم هو الإمكان الذاتي الذي تساوي طرفيه ، لم يتصف بالوجود بعده ولم يتصف بالعدم بعده ، امكان أن يتصف بالوجود وامكان أن يتصف بالعدم، فالممكن الذاتي بما هو ممكن متساوي طرفاه الوجود والعدم ,هو لا موجود ولا معدم يقال له الإمكان الذاتي .

ثانيا : الامكان الاستعدادي: اصطلاحا هو امكان صيرورة الشيء شيء آخر  , مرتبة ثانية من مراتب الإمكان , وقلنا الإمكان الذاتي هو إمكان ان يوجد شيء أو إمكان ان يعدم الشيء ، الممكن بما هو ممكن الإنسان بما هو الإنسان , وزيد بما هو زيد ممكن ان يوجد وممكن أن لا يوجد وأن يكون معدوما , والامكان الاستعدادي هو مرحلة أشد ومرحلة ثانية من مراحل الإمكان ، وهو كذلك فيه احتمال الأمرين الوجود والعدم ، لكن هذه المرحلة يعبرون عنها بالإمكان الاستعدادي اي انه فيه استعداد بأن يتصف بالوجود ، فهذا الإمكان هو أقرب للوجود من الإمكان الذاتي ، لان الإمكان الذاتي بما هو إمكان والممكن بما هو ممكن لا يوصف بأنه موجود ولا يوصف بأنه معدوم، الإمكان الاستعدادي كذلك لا يوصف بكلاهما ، لكن وصف الوجود أقرب إليه فهو فيه الاستعداد أن يصف فيه الوجود يمثلون له بالنطفة، النطفة لم تصبح بعد أنسان لم تصبح بعد زيد، لكن فيها الإمكان الاستعدادي أن اتصف بالإنسانية وبالموجودية , كذلك العلقة قالوا الإمكان الاستعدادي يختلف عن الإمكان الذاتي بما يختلف بالشدة والضعف، الإمكان الاستعدادي فيه مراتب النطفة فيها الإمكان الاستعدادي أن تكون بشرا ، والعلقة فيها الإمكان الاستعداد أن تكون أيضا أنسان والعلقة أشد امكانية استعداديا من النطفة لتكون أنسانا ، والمضغة أشد استعداد من العلقة , وعموما كل هذا نطفة وثم علقة وثم مضغة ثم كسونه عظام هذا كله إمكان استعدادي لأن يوصف بالوجود، هذا كله غير موجود , لكن فيه الإمكان الاستعدادي ان يكون موجود ، ممكن ان يكون مضغة علقة عظام ثم يموت يعدم فلا يتصف بالوجود , الإمكان الاستعدادي هو تساوي طرفيه، لكن اتصافه بالوجود أقرب إليه من اتصافه بالعدم ، ففيه الاستعداد أن يفاض عليه بالوجود.

ثالثا: الإمكان الوقوعي: اصطلاحا هو ما لا يلزم منه فرض وجوده محال، هذا الممكن المحتاج إلى علة، بعد اتصافه بالوجود يكون ممكن وقوعا اي واقعا أي وقع هذا الإمكان النطفة ثم المضغة ثم وكسوناه لحما وعظاما هذا كله امكان استعدادي لأن يوجد بعد أن تفاض عليه الحياة ويخرج إلى الدنيا يكون واقعا ممكن واقعا..

     بعد هذه الأقسام الثلاثة نعود الى المطلب الأول كلام الشيخ الصدوق H وقوله في سهو النبي ماذا يقصد الشيخ بهذا السهو للأنبياء هل يقصد الإمكان الذاتي أو الإمكان الاستعدادي أم الإمكان الوقوعي، وهذا مبني على مطلب اختلط عند القوم، باعتبار: ﴿قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَىَّ.. ([179]) بما أنه بشر ممكن، والبشر يخطئ ويصيب ويسهو، وإلا أن لم يخطئ ولم يسهو خرج عن كونه ممكنا وصار واجب الوجود، وهم قالوا (نزهونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم) ([180]).

هم عباد الله مخلصون هم عباد الله صادقون.. النبي عيسي g يقول أني عبد الله نبينا g يقول : أني عبدا لله , أمامنا g يقول أني عبد الله عبد مخلص مطيع ، وهذا لا ينافي طهارتهم ونزاهتهم وعبادتهم ، كلما خلص الإنسان لمحض العبودية لله ارتقى وارتفع وهم لا ينكرون أنهم عبيد لله و هم من ممكناته ومخلوقاته ومعلولاته ، وهو علة الوجود والعلة الخلق وهو موجد الكون ، إذن في الإمكان الذاتي والامكان الاستعدادي نعم الأنبياء بشر ، والبشر لابد أن يخطئ ولابد أن يسهو في هذا القسم من هذه الإمكان ، إذا قلنا لا يمكن السهو ولا الخطأ عليهم ولا النوم والموت عليهم خرجوا من كونهم ممكنا , وكونهم واجب وجود وصار شريك للباري وهذا كفر.. 

ف بالتالي في الإمكان الذاتي والامكان الاستعدادي يجوز عليهم السهو، وهو أصل الممكن نقص، ونعبر عنه بالاحتياج والنقص، ويقسم الوجود إلى واجب الوجود المستغني في ذاته عن جميع الاشياء وممكن الوجود المفتقر والمحتاج في إمكانه الاستعدادي الذاتي..

النقاش في الإمكان الوقوعي هل من الممكن يقع منهم السهو والغفلة، هذا ما لا يلتزم به اي شيعي، أنه في الامكان الوقوعي لا يقع منهم السهو والغفلة لماذا لا يقع منهم ذلك لأنه يلزم عليه عدة إشكالات.

  اولا: لو قبلنا بذلك يلزم ترجيح بلا مرجح، معنى ذلك انه إذا كان يسهو ويخطئ ويغضب ما هو المرجح أن يكون هو النبي والحجة علينا دون غيره إذا كان يقع منه هذا الشيء.

   ثانيا: يلزم تغير أحكام الله تعالى، ويكون حلال الله حرام وحرامه حلال، لماذا لان قوله وفعله وتقريره حجة علينا، وإذا قال شيء مخالفا وخطأ فلزم ان يكون حلال الله حرام وحرام حلال، وهذا لا نقبله على البشر فضلا عن الأنبياء b.

    الثالث: انه لا يصح في هذا المقام الاحتجاج علينا بهم إذا قلنا بالسهو والنسيان أصلا لا يصح الاحتجاج بهم ، ولدينا قاعدة تقول يقبح العقاب بلا بيان , والله تعالى كونه عادل فأذا أراد ان يعاقب نحتج ونقول لما تعاقبنا انت لم تبين ، وهي العلة في بعث الأنبياءb في بيان والحكمة من بعثهم لهذا، ويقبح من العادل أن يعاقب بدون بيان، وهذا حتى في الممكنات مثلا ملك مقتدر واراد ان يعاقب بدون بيان ، العقلاء يعاتبوه لأنهُ يعاقب بدون بيان ، نعم انت قلت للعبد انا عطشان لما لا تأتي لي بالماء ، لكن لم تبين ذلك لم تقل له ذلك، أو انت قلت له عطشان ، لكن لم تقل بما يسد عطشك بالعصير باللبن لم تبين له، فكيف بالله هو سيد الحكماء وسيد العقلاء يعاقب بدون بيان.

    فلابد أن يرسل الأنبياء والرسل والأئمةb لبيان وإذا كانوا يخطئون وينسون ويسهون ويهمون ويغصبون لما صح الاحتجاج بهم عليه تعالى، لعل ما جاءوا به خطأ.. حتى يصح بها الاحتجاج علينا، إذا كان ممكن عليهم الخطأ والسهو، وقد يكون البيان خطأ وقد يكون الواجب ليس واجبا إذا كان يقع عليهم ذلك.

   فإن ثبتت العصمة صح الاحتجاج بهم علينا هم حجج الله علينا.. بالإمكان الوقوعي لا يمكن أن يسهو أو يخطئ..

   وهناك مطلب آخر في الإمكان الوقوعي كثر القول في استحالة الظلم على الله تعالى في كتاب الباب الحادي عشر في بداية الحكمة وعقائد المظفر يستحيل الظلم عليه، ما معنى يستحيل الظلم معنى الاستحالة في الاصطلاح بمعنى الامتناع، فهل يمتنع عليه ظلم العباد، وإذا قلنا يستحيل الظلم وكما تسالم عند الفقهاء والعلماء والفلاسفة وكما هو قال ليس الله بظلام للعباد، وهذه الآية ليست كاملة، بل هناك آيات تكمل هذا الكلام أن شاء يعذبكم وأن شاء يغفر لكم.

    ف بالتالي أنه لو قلنا يستحيل الظلم عليه بمعنى يمتنع الظلم عليه للزم سلب القدرة، ولزم خروج من أن يكون واجب الوجود إلى ممكن لأنه مسلوب القدرة ف بالتالي فيه نقص فهو ليس واجب الوجود، واجب الوجود كامل من جميع الجهات، إذن نفسر الاستحالة يستحيل الظلم عليه بالإمكان الوقوعي، نقول هو قادر على الظلم، لكن لا يقع منه ...

قال تعالى: ﴿مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ([181]) 

خاتمة الله تعالى  النبوة بالرسول محمد k بالإسلام قال تعالى: ﴿وخاتم النبيين، ولم يقل خاتم المرسلين ولا خاتم الائمة , وقول النبي k: "إنه لا نبي بعدي"، ولم يقل لا رسول بعدي ولا إمام , وقيل هذه الآية نص في أنه لا نبي بعده، وإذا كان لا نبي بعده فلا رسول بعده بالطريق الأولى والأحرى، لأن مقام الرسالة أخص من مقام النبوة. , وهذا يعارض وقوله تعالى : ﴿إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ  وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ([182]) ولكل قوم هاد من يدعوهم إلى الله ، عز وجل واستمرار الهداة في الخلق الى يوم القيامة  , وهذه الآية وغيرها من الآيات القرآنية تثبت وجوب إمام في كل عصر, فإثبات وجوب الإمامة لا يعني في وقت دون وقت, بل في كل زمان ونحتاج فيه الإمام لنفس الغرض الذي نثبته في كل عصر.

عن ابن عباس، قال: لما نزلت: ﴿إنما أنت منذر ولكل قوم هاد) قال: وضع رسول اللهk - يده على صدره، وقال: " أنا المنذر، ولكل قوم هاد. وأومأ بيده إلى منكب علي، فقال: أنت الهادي يا علي، بك يهتدي المهتدون من بعدي وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا عثمان بن أبي شيبة، حدثنا المطلب بن زياد، عن السدي، عن عبد خير، عن علي: ﴿ولكل قوم هاد قال: الهادي: رجل من بني هاشم. قال الجنيد هو علي بن أبي طالب ²)

السنة لا يذكرون مقام الإمامة وأنها ارفع من النبوة والرسالة، وان الامامة الاقتداء وجعل الله تعالى أئمة يُقتدى بهم في أمر الله لا منصب، والإمامة لديهم تكون بالمبايعة أو لسان الإمام من قبله، والاختيار والانتخاب من قبل الناس.

وان الإمامة من الفروع وبحث عنها في الكتب الفقهيّة , وتختلف حقيقتها عمّا هي عند الشيعة ، فالسُّنة ينظرون إلى الإمام كرئيس دولة ، ينتخبه الشعب أو نوّاب الأُمّة ، أو يتسلّط عليها بانقلاب عسكري ، وما شابه ذلك ، فإنّ مثل هذا لا يشترط فيه سوى بعض المواصفات المعروفة ومن الواضح جدا أنّ الإعتقاد بالحكام او برئاسة رئيس جمهوريّة ، أو رئيس وُزَراء ، ليس من الأصول , لديهم الإمامة أشبه بسياسة وقتيّة زَمَنِيّة ، يشغلها فرد من الأُمّة بأحد الطرق , والدليل ان الإمامة جعل الإلهي وهي على نوعين الائمة يهدون الى الأخير وائمة يهدون الى النار بحسب النصر القرآني , والنتيجة كلاهما جعل من الله تعالى , قال الطحاوي : « ولا نرى الخروج على أئمّتنا ووُلاة أُمورنا ، وإن جاروا ، ولا ندعوا عليهم ، ولا ننزع يداً من طاعتهم ، ونرى طاعتهم من طاعة الله عزّوجلّ فريضة ، ما لم يأمروا بمعصية ، وندعو لهم بالصلاح والمعافاة »([183]) وغيره الكثير على نفس كلامه وهذه الكلمات تبيّن موقع منصب الإمامة عند أهل الحديث والأشاعرة ، وكلّها تعرب عن أنّهم ينظرون إلى الإمامة كسياسة وقتيّة زمنيّة ، وإلى الإمام كسائس عاديّ يقود أُمّته في حياتهم الدنيويّة , لا الفسق ولا الجور ، ولا هتك الأستار ، قادحاً في إمامتهم.

اجتهد علماء السنة في إثبات هذا من خلال الأصول الأربعة (الكتاب والسنة والإجماع والقياس) تقرر (بعضها من قريب وبعضها من بعيد) وإن الإمامة أو الخلافة في الإسلام تكون بالاختيار وان النبي توفي ولم يوصِ لأحد بالإمامة من بعده، وإنما ترك الأمر شورى بين الناس، وان الصحابة سلكوا هذا المسلك أعنى مسلك الاختيار والشورى.

العودة الى أصل البحث الأنبياء بعضهم كانوا رسل واخرين كانوا رسل وائمة قال تعالى ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ و َجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ([184]) وان كانت هذه الآية نزلت في أئمة بني إسرائيل لكنها لا تحصر الإمامة فيه دون غيرهم، بل انها تذكر صفة الإمامة بصورة عامة _ الأبحاث مترابطة وسنبين ذلك ان شاء الله تعالى في مبحث الامامة مفصلا..

أرسل الله تعالى رسلا إلى كل أمة من الأمم، وقد ذكر أنهم متتابعون، الرسول يتبعه الرسول، قال تعالى (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَى كُلَّ مَا جَاءَ أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ ۚ فَأَتْبَعْنَا بَعْضَهُم بَعْضًا) ([185])  عدد الأنبياء والمرسلين 124 ألف نبي ورسول لم يذكر القرآن إلا خمساً وعشرين منهم نبي ورسول وإمام , كالنبي آدم وإدريسb انبياء فقط , والنبي نوح g نبي ورسول, والنبي هود g نبيا ورسول , والنبي صالحg نبيا ورسول , والنبي إبراهيم g نبيا ورسول وإمام قومه ,والنبي لوطg نبي ورسول الى قوم لوط , والنبي إسماعيلg نبيا ورسول إلى قبيلة جرهم ، على شريعة أَبيه إِبراهيمg ، فإن أولاد إِبراهيم g جميعًا كانوا على شريعته , والنبي إسحاقg  إمام ومُرسل إلى قوم كنعان في بلاد فلسطين والشام، وبالفعل عاش أعوامًا بينهم, ومن نسله يعقوب ومن يعقوب جاء يوسف والأسباط , والنبي يعقوبg نبي وإمام إلى أرض حرّان , والنبي يوسف g نبيا ورسول الى الأرض مصر , والنبي أيوبg, والنبي شعيب g  نبيا ورسولا أُرسل الى قومه , والنبي موسى g نبيا ورسول وإمام الى فرعون وهامان وقارون وبني إسرائيل , والنبي هارونg نبيا ورسول الى بني إسرائيل , والبني داودg نبيا ورسولا وإماما الى بني إسرائيل, البني سليمانg نبي الى بني إسرائيل , والنبي إلياسg  نبيا ورسولا الى بني إسرائيل , والنبي اليسعg  هو من  الأسباط بن عدي بن شوتلم بن أفرايم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليلb ويقال: هو ابن عم إلياس النبيg ، ويقال: كان مستخفيا معه جبل قاسيون من ملك بعلبك، ثم ذهب معه إليها، فلما رفع إلياس، خلفه اليسع في قومه , والنبي ذو الكفلg نبي ذكر انه هو ابن أيوب g ونسبه هو نسب أيوب وقد بعثه الله بعد أيوب إلى أهل دمشق وما حولها وسماه ذا الكفل لأنه تكفل ببعض الطاعات فوفى بها , والنبي يونسg  نبيا ورسولا ارسل الى نينوى , والنبي زكرياg نبي الى بني إسرائيل , والنبي يحيىg نبي الى بني إسرائيل, والبني عيسى بن مريم b  نبيا ورسولا وإماما , والنبي محمدk نبيا ورسولا وإماما لجميع الثقلين الإنس والجن, وإمام الأنبياء والرسل والملائكة جميعا وصلى بالأنبياء إمامًا: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ([186])

وفي هذا الباب يذكر جمهور المسلمين اصطلاح الإمام إلى عدة اقسام أو موارد

الأول: يُطلق على الأنبياء أنهم «أئمة» من حيث يجب على الخلق اتباعهم، قال الله عقب ذكر بعض الأنبياء: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ([187]) كما يطلق على الخلفاء او الحكام «أئمةً» لأنهم رتبوا في المحل الذي يجب على الناس اتباعهم وقبول قولهم وأحكامهم. وتوصف إمامتهم بالإمامة الكبرى.

الثاني: يُطلق أيضاً على الذين يصلون بالناس «وتقيد هذه الإمامة بأنها الإمامة الصغرى» لأن من دخل في صلاتهم لزمه الائتمام بهم، قال g: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وإِذَا سَجَدَ فَاسْجُدُوا، وإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وإِذَا قَالَ: سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ، وَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعودًا أَجْمَعُونَ».

كما هناك إطلاقات اصطلاحية أخرى لمصطلح «أئمة» عند العلماء تختلف من علم لآخر، وفي عقيدتنا الإمامة عامة وخاصة أو تصنيفها إلى امامة صغرى وكبرى، ومما تُطلق على فئة معينة من الفقهاء المجتهدين من نيلهم للقب الإمامة وعند غيرهم مجازاً.

 عند السنة والجماعة فهي امامة عامة وقد تكون لأمام صلاة أو ما شاكل ذَلك بحيث هذه الإمامة لا تنعصم عن الخطأ، وبالتالي يُمكن مخالفه امر صاحب هذه الصفة أو الرتبة مع وجود الدليل الذي يخرجه من الطاعة فمثلاً امام الصلاة لو كان فاسقً أو خالف في صلاته امراً كالوضوء فيجوز عندها ترك الصلاة خلفه أو تقليده فيها.

 ففي رواية أبي حمزة الثماليّ عن أبي عبد الله g: «...إيّاك أن تنصب رجلاً دون الحجّة، فتصدّقه في كلّ ما قال» ([188])ويقصد من 'دون الحجة' من دليل يُعينهم لهذه الطاعة المُطلقة التي لا يشوبها شك أو خطأ كالائمة الاثنا عشر b فالإمام منهم مفترض الطاعة كالإمام الحجة المنتظر المهدي فهم حجج الله على أهل الدنيا، فأما الإمامة الخاصة فهي لا تكون إلا للمعصوم كبعض الانبياءb لا كلهم واولياء الله تعالى كأئمة أهل البيتb، في الحديث المشهور الموجود لدى كلاً من الفريقين الشيعة والسنة، المروي عن النبيk : للحسن وللحسين هذان ابناي امامان قاما أو قعدا . ([189])

وحديث عن النبي k: هذا إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة تسعة ([190])

وغيرها من الأحاديث فهي امامة مقرونة مع امامة الانبياءb وطاعتها مُطلقة في كل جزئية، وكما في مدرسة اهل البيت b نلتزم بوجود الآثار التكوينية للأفعال حتى ترك الأولى ولا نمنع وقوع الأثر التكويني على الأنبياءb، والأمثلة كثيرة في ذلك، غير منافية للعصمة _ وسنبين انشاء الله مفصلا في مبحث الإمامة.     

 

 

من كلمات استاذنا سماحة الشيخ فاضل الربيعي (حفظه الله)

وهو المشرف على الكتاب وكان له الفضل الأول في إخراج هذا الكتاب الى النور من اول كلمة الى نهاية الكتاب فجراه الله عنا خيرا..

 

 

بسمه تعالى شأنه

أحسنت واجدت ونفع الله بك المؤمنين

وزاد من فظلك وفضيلتك ولله المنة والحمد...

الأقل فاضل الربيعي

 

 

                                                                                                                      15شوال 1444هجري

 

 

 

 

 

 

الأصل الرابع: الامامة

    هذا البحث يدور حول الإمامة وهذه المسألة تتّسم بأهمية استثنائية لدى الشيعة بخلاف باقي المسلمين , وهذا التفاوت يعود لاختلاف مفهوم الإمامة عند الشيعة عمّا هو عليه لدى بقيّة الفرق الإسلامية مع ان هناك جهات اشتراك , الشيعة  تعد الإمامة من أُصول الدين , والسنة جعلوها جزءاً من الفروع, وهم في الأساس لا يُنكرون الإمامة لكن لا يعتبرونها في مستوى أصول الدين، والنتيجة هم يقولون بنوع من الإمامة, تكون بالمبايعة أو لسان الإمام من قبله، وأكدت كُتب السنة على الإمامة، وضرورتها، واتباع الإمام (الخليفة)، واقترن مصطلح «الخلافة» في التراث السياسي الإسلامي بالتجربة العملية للحكم التي ظهرت فجأة بعد وفاة الرسول واستمرت حتى سقوط الدولة العثمانية، والتراث التاريخي منذ وفاة الرسولk  جاء بعده مصطلح الخلفاء الراشدين، ثم الخلفاء الأمويين، ثم الخلفاء العباسيين، ثم الخلفاء العثمانيين، فصار «الخليفة والخلافة» عنواناً لهذا الخط الذي حكم المسلمين وهذا الزمن الكبير رسخ هذا المفهوم في العقول وكتب جمهور المسلمين ، ومن خلال البحث ظهر لدي أن مصطلح الإمامة والخلافة فيهما خلاف , ووجدنا أنَّ الخلافة والإمامة عند البعض بمعنى واحد، وعند آخرين لكل منهما معنى خاصا به، فيما ظل مصطلح «الإمامة» عند الشيعة عنواناً لشكل الحكم الذي حدده رسول الله k بعد وفاته بنصه على الأئمة الأنثى عشرb من ذريته , ولا تكون خلافة رسول الله k إلا بالنص من الله على لسان النبيk أو لسان الإمام الذي قبله، وليست بالاختيار والانتخاب من قبل الناس ؛ إذ لابد أن يكون لكل عصر إمام وهادياٌ للناس، يخلف النبي محمدk في وظائفه ومسؤولياته، ويتمكن الناس من الرجوع إليه في أمور دينهم ودنياهم، بغية إرشادهم إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم. قال تعالى﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ([191]).

السؤال الذي يطرح نفسه لماذا الشيعة رفعوا الإمامة إلى مستوى أصلٍ من أصول الدين وأهل السُّنة من الفروع، تعود العلّة الى ان الشيعة جعلوا الإمامة من الأصول والتي انفردوا بها لما فهمه من الآيات والروايات الدالة على انها أصل يترتب عليه الايمان ، ولا يعني ذلك أن الإمامة أصبحت من الفروع، فكل ما في الأمر أن هذا المصطلح وضع لتمييز بين الأصل العام الذي يشترك فيه جميع المسلمين وبين الأصل الخاص الذي ينفرد به الشيعة عن غيرهم ، فالإمامة وإن كانت في منظور الشيعة من أصول الدين إلا انه اعتقاد خاص لا يشاركهم فيه بقية المسلمين، ولذلك لا تعد من هذه الناحية اصلاً عاماً وإنما تعد اصلاً خاص بالشيعة أهل البيتb ، فلا يمكن أن يصبح الإنسان شيعياً ما لم يتعقد بالإمامة كأصل من أصول الدين، و مفهوم الإمامة عند الشيعة يختلف عمّا هو عليه عند أهل السنّة، يؤمن أهل السنة ببعضها وإن اختلفوا مع الشيعة بالكيفية وفي شخص الإمام وينكرون بعضها من الأصل فيشتركون بالإيمان بها معنا ويختلفون فيها بالكيفية والشكل وشخص الإمام ، وقد ذُكرت في كتب قدماء المتكلمين بمثل هذا التعبير، أو عُبّر عنها بنظائر قريبة إليه هي التي تبرز بمعنى رئاسة الاجتماع .

وفي عقيدتنا الإمامة منصباً إلهياً، واستمراراً للنبوة في وظائفها (باستثناء ما يتعلق بالوحي) وهي بهذا المفهوم أسمى من مجرد القيادة والزعامة في أمور السياسة والحكم.

وقبل الخوض في بحث الامامة لابد من بيان وبشكل مختصر عن الإمامة والخلافة وأن هناك فرق بينهم في اللغة، وإنهما ليسا لفظين مترادفين لغويا، ومعناهما في اللغة هو أنَّ الإمامة تعني الاقتداء، بينما تعني الخلافة الإنابة، والفكر السنّي يستعملهما بمعنى واحد وكأنَّهما مترادفان، فيشير كل منهما إلى النظام الذي جعله الإسلام أساسا للحكم بين الناس بهدف اختيار القائد من المسلمين لتجتمع حوله كلمة الأمة , بخلاف الفكر الشيعي يفرق بين معنييهما اصطلاحا، إذ يرى أنَّ الإمامة هي منصب إلهي تتحدد وظيفتها في هداية الناس إليه تعالى، بينما يرتبط لفظ الخلافة بشؤون الحكم وإدارة الدولة.

ولا يقف الاختلاف في المعنى الاصطلاحي عند السنة بل هو مقدمة لواقع عملي وجعلوا لهذا الفكر اسس وشروط واجب توافرها فيمن يُنصّب خليفة او إمام للناس منها : الذكورة والحرية والتكليف والإسلام والعدالة وأن يكون قرشيا بالإضافة إلى الشجاعة والاجتهاد وأن يكون ذا كفاية، وطريقة تنصيب الخليفة لديهم في أربعة طرق هي البيعة والاستخلاف والاستيلاء (والقهر) والوراثة ، فاعتقدوا بخلافة من حكم بالفعل بعد وفاة رسول الله k بينا يرى الشيعة أنَّ الشروط هي العصمة والأفضلية والأعلمية ولا تكون الإمامة بعد رسول الله k إلّا بالنص، حيث أنَّ شاغل هذا المنصب لا يتم اختياره وانتخابه من الناس، بل يعينه الله تعالى ويتم تبليغ الناس بهذا التعيين على لسان النبيk أو على لسان الإمام السابق بالنسبة إلى الإمام اللاحق, فهم يمثلون أئمة الحق، حتى لو لم يتسن لهم الحكم والخلافة السياسية , والغريب أن أهل السنة رفضوا الإمامة، بوصفها وسيطاً معيناً من الله تعالى لتحقيق فهم صحيح للدين، لكن في الواقع العملي لم يلتزموا بهذا الرفض، وأوجدوا أئمة من بينهم وكلوا لهم فهم الدين، وتعبدوا بآرائهم، لأن الوسيط الذي يحقق لنا الفهم أمر لا مفر منه، فإما أن يتكفل الله بتعيينه واختياره وإما أن يختار الناس لأنفسهم من يتبعوه، فإن كان هناك احتمال أن الله تعالى قد عين لنا أئمة، ألا يكفي هذا الاحتمال لتحريك الأُمّة من أجل البحث عن هذا الإمام؟

فطالما هناك قاعدة تلزم الجاهل بالرجوع إلى العالم، لمعرفة مراد الله تعالى، فلا بد أن تكون لفكرة الإمامة من الوضوح بقدر دورها المحوري في عملية الفهم، أما أن تكون بدون محددات واضحة ومعايير منضبطة، فإنها ستؤدي إلى نتائج سلبية، بل قد تكون معوقاً أمام الحركة الطبيعية للأمة، كما أن الكلام عن مستقبل الرسالة ومسارها الطبيعي لا يستقيم إلا بالكلام عن الإمامة، لأن الإمام هو الشخص الذي يتحمل مسؤولية هذه الرسالة من بعد الرسول، وليس من الصحيح أن يوكل هذا الأمر إلى مجموع الأُمّة.

الإمامة " من أهم المسائل التي شغلت العالم الإسلامي قديما وحديثا وترتبت عليها العديد من النتائج الخطيرة يقول أبو الحسن الأشعري من اكابر علماء السنة ومؤسس المذهب المعروف باسمه، في كتابه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين)، بمقدمة : أن أول ما حدث من الاختلاف بين المسلمين بعد نبيهم kهو اختلافهم في الإمامة، وبهذا عُدَّ أول متكلم في الفكر السنّي في قضية الإمامة، وقد عمل الأشعري فعلا على تأسيس موقف للسنة من قضية الإمامة على الأصول الأربعة التي حددها الشافعي(الكتاب والسنة والإجماع والقياس) والإمامة أو الخلافة في الإسلام تكون بالاختيار وان النبيk توفي ولم يوصِ لأحد بالإمامة من بعده، وإنما  ترك الأمر شورى بين الناس، وان الصحابة سلكوا مسلك الاختيار والشورى، لان ذلك كان هو الموقف الذي يمليه الشرع، ولم يكن من الممكن أن يخالفوا الشرع في أهم مسألة تتعلق بحياة الإسلام والمسلمين، ولا أن يتواطئوا على إخفاء وصية النبيk أو تجاهلها، وأما الشيعة فكان ومازال موقفهم مخالف تماما، حيث قالوا ليست الإمامة قضية مصلحة دنيوية تناط باختيار العامة وينتصب الإمام بنصبهم، بل هي قضية تعتبر ركنا من أركان الدين، لا ينبغي للرسول k إغفاله وإهماله، ولا تفويضه إلى العامة وتركه مرسلا بدون تخصيص.

والخلافة ليست رئاسة السلطة التنفيذية فقط، بل تتعداها إلى الشؤون الدينية أيضا، فهي خلافة رسول الله k في إقامة الدين وحفظ حوزة الملّة , وربما إلى هذه المعاني يشير ابن خلدون، إذ يقول "الخلافة: حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها ([192]) وفي محاولة على اقتصارنا على مقدار  معين من هذه البحوث العميقة ولا ندعي إحاطتنا بجميع جوانب الأمور في هذا البحث ، وكما لا ندعي كمال بحثنا والذي اخذته من الأساتذة والفضلاء ونقاشاتهم والحضور في دروسهم إضافة الى المصادر والارث العلمي الكبير لعلماء المذهب .

 تعريف الإمامة: إن «الإمام» هو المؤتّمّ به، أيّ المتبّع والمقتدى ... قال تعالى لإبراهيم g: ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ([193]) وأمّا تعريف الإمامة فالظاهر أن لا خلاف فيه.

  قال العلّامة الحلّي Hبتعريف الإمامة: «الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخصٍ من الأشخاص نيابةً عن النبي k. وقال المقداد السيّوري w بشرحه: «الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخصٍ انساني. فالرياسة جنس قريب، والجنس البعيد هو النسبة، وكونها عامة فصل يفصلها عن ولاية القضاة والنواب، وفي أمور الدين والدنيا بيان لمتعلّقها، فإنّها كما تكون في الدين فكذا في الدنيا، وكونها لشخص إنساني فيه إشارة إلى أمرين:

 أحدهما: أن مستحقّها يكون شخصاً معيّناً معهوداً من الله تعالى ورسوله، لا أيّ شخص إتّفق.

 وثانيهما: إنّه لا يجوز أن يكون مستحقّها أكثر من واحد في عصر واحد، وزاد بعض الفضلاء في التعريف بحقّ الأصالة، وقال في تعريفها: الإمامة رياسة عامة في أمور الدين والدنيا لشخص إنساني بحقّ الأصالة، واحترز بهذا عن نائب يفوّض إليه الإمام عموم الولاية، فإنّ رياسته عامّة لكن ليست بالأصالة. والحقّ: أن ذلك يخرج بقيد العموم، فإنّ النائب المذكور لا رياسة له على إمامه، فلا يكون رياسته عامة. ومع ذلك كلّه فالتعريف ينطبق على النبوّة، فحينئذٍ يزاد فيه: بحق النيابة عن النبي k أو بواسطة بشر ([194]).

   الأول اللغوي: الإمامة لا تحمل أيّ مفهوم مقدّس، لأن الإمام في اللغة هو الشخص المتَّبَع والمقتدى به، سواء كان قدوة الناس في طريق الخير أم في طريق الشر، وسواء أقاد الناس نحو الهدى أم باتجاه الضلال, ويطلق القرآن الكريم كلمة الإمام على كلا النحوين، فقال تعالى في أئمة الهدى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ([195]) وفي شأن أئمة الضلال قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنْصَرُونَ ([196]) ، ولذا هما لفظان مختلفا المعنى لغويا , كل ما أتم به قوم من رئيس أو غيره، والإمام الخيط الذي يمدّ على البناء فيبنى عليه، ويسوى عليه ساف البناء، والإمام الطريق الواسع لأنه يؤم ويتبع، والإمام قيم الأمر المصلح له([197]).وكل مَن اُقتدي به وقُدم في الأمور فهو إمام، والنبي إمام الأمة والخليفة إمام الرعية، والقران إمام المسلمين، وإمام الغلام ما يتعلمه كل يوم، والإمام الطريق، والإمام بمنزلة القدام، (فيقال) فلان يؤم القوم، أي يقدمهم، والإمامة النعمة([198]) , ونستظهر من كلام اللغويين، أن معنى الإمامة هو الانقياد للإمام فتكون وصف بلحاظ المتعلق .

    الثاني المعنى الاصطلاحي: الشيعة هناك فرق بين معنييهما اصطلاحا، الإمامة هي منصب إلهي تتحدد وظيفتها في هداية الناس إليه تعالى، بينما يرتبط لفظ الخلافة بشؤون الحكم وإدارة الدولة، وتطلق الإمامة في اصطلاح الفقهاء على ثلاثة معانٍ: الإمامة المنصوصة من قبل الله تعالى، بمعنى خلافة النبي kووصايته من قبل الله سبحانه وتعالى، وهم خصوص الأئمة الاثني عشر b، والإمامة العامة، بمعنى الحاكمية وولاية الأمر، والإمامة في الصلاة (إمامة الجمعة والجماعة)،

 بمعنى أخص هناك مفهومين متغايرين بينهما اشتراك لفظي فإمامة النبي إبراهيمg ميزة ومكرمة والمعنى الثاني خلافة ورتبة وان كان في المصداق يجتمعان في مورد واحد، اصطلاحا في الفكر السنّي يستعملهما بمعنى واحد وكأنَّهما مترادفان، فيشير كل منهما إلى النظام الذي جعله الإسلام أساسا للحكم بين الناس بهدف اختيار القائد من المسلمين لتجتمع حوله كلمة الأمة.

أولا: البحث في الخلافة من خلال استخلاف النوع الإنساني: لتميزه عن باقي المخلوقات وعناصر الكون الأخرى من ملائكة، وجنّ، وحيوانات، ونباتات، وجمادات، كما في قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلً ([199]) و قوله تعالى : ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ فَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ ([200]) وقوله تعالى:﴿وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ([201]) ، والاستخلاف في الآية الأخيرة، وكما هو في الآيات التي قبلها ليس لشخص، وإنما للنوع الإنساني (بني آدم)، لأن ادم لم يكن مفسدا في الأرض، ولا سفاكا للدماء، وكان ذكره في الآية الأخيرة بوصفه الإنسان الأول على هذه الأرض، والذي جعل على عاتقه مسؤولية خلافة الله في الأرض.

ثانيا: استخلاف قوم أو جماعة بشرية معينة: أي استخلاف جماعة معينة من بين الأقوام أو الجماعات البشرية الأخرى، ولأن الاستخلاف أمانة إلهية، فإن القوم المستخلفين في حالة مخالفتهم لمقتضيات حمل هذه الأمانة، سيتلقون العقاب الإلهي، وتتحول الخلافة عنهم إلى قوم آخرين كما في قوله تعالى: ﴿وَرَبُّكَ ٱلْغَنِىُّ ذُو ٱلرَّحْمَةِ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنۢ بَعْدِكُم مَّا يَشَآء ([202]) ، ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ([203]) ، ﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم ([204]) , ومن أمثلة هذا الاستبدال قوله تعالى بشأن قوم نوح: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَجَعَلْنَاهُمْ خَلَائِفَ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۖ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ ([205]) وقوله تعالى بشأن قوم عاد وثمود : ﴿﴾وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً ۖ ([206]) وبشأن بني إسرائيل: ﴿يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ ([207]) ، وبشأن أمة محمدk : ﴿وَكَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ.([208])

ثالثا: استخلاف قائد رباني: ولتميز شخص معين عن بقية أبناء قومه تكون خلافة الله متوجة فيه، ومصونة به من خطر الإفساد في الأرض، وسفك الدماء كما في قوله تعالى: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ([209]) و﴿لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ ([210]).

ولأن القوم المستخلفين هم ليسوا المالك الحقيقي لما استأمنوا عليه، وإنما هم خلفاء المالك الأصلي، وهو الله، فهم ليسوا مطلقي الحرية والتصرف بالإمكانات والسلطات الممنوحة لهم، كما أنهم لو لم يكن بينهم قائد رباني، فإنهم سينحرفون تماما عن الخط الإلهي المرسوم، لما تزخر به النفس الإنسانية من نزوات، وأطماع، وحب التسلط.

وهذه الدرجات الثلاث تمثل بمجموعها مفهوم الإسلام الأساسي عن الخلافة، وهو يتلخص بإنابة النوع الإنساني في إعمار الأرض وإصلاحها، وكون ذلك من خلال تميز أمة أو قوم يختارون (مع إمكانية استبدالهم) للدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على رأسهم قائد رباني يحكم الناس بالشريعة الإلهية.

 نقول الإمامة رتبة تمنح للأنبياء b من الله تعالى بعد الاختبار وخضوع النبي ابراهيم  g لأوامر امتحانيّة صعبة والابتلاءات منها ثابته أمام نمرود وألقاءه في النار، وهو مسلّم لأمر ربه، ثم إنهg لم يرزق بذريّة إلا على كبر سنّه، ولما رزق بابنه، جاءه الأمر الإلهي بمغادرة بلاد الشام مع زوجته وطفله إلى الحجاز، وأمر بترك زوجته وطفله هناك وحيدين والرجوع إلى بلاد الشام، وقد امتثل g أمر الله بتسليم كامل، وقد أشار تعالى إلى هذا الأمر بقوله: ﴿رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ([211]) وأشد ما تعرّض له إبراهيم g، وهو يدل على تسليمه المطلق أمام الأوامر الإلهية، الأمر الإلهي بذبح ابنه إذ قال: ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ الله مِنَ الصَّابِرِينَ ([212]) (يتحدث القرآن عن تسليمه وتسليم ابنه المطلق أمام الأمر الإلهي، وما إن حانت اللحظة : ﴿فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ([213])، فلم يكن المراد ذبح ابنه بقدر ما كان المراد معرفة درجة التسليم التي وصل إليها إبراهيم g: ﴿وَإِذِ ابتَلَى إِبرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً([214]) وهذه الابتلاءات التي تعرّض لها النبي إبراهيمg لأجل عنوان آخر ومنصب جديد حيث كان نبيّاً ورسول والمنصب والمكرمة الجديدة هي الإمامة بعد أن اجتاز جميع الابتلاءات الربانيّة، وهذا المنصب الراقي الذي هو أعلى شأناً من النبوّة والرسالة , قد يختلف في هذا المفهوم وهو ان الإمامة تشريف وهبة من الله تعالى الى النبي إبراهيم g خلافاً للمعنى الاخر الذي نعتقده في اهل البيت b وأن الإمامة لهم منصب وخلافة للنبي الاكرم k  وان الإمامة اشتراك اللفظي فأن إمامة النبي إبراهيم g خلاف إمامة الإمام عليg وباقي أئمة اهل البيت b , ودليلهم ان إبراهيم g اتم اوامر الله بالنبوة والرسالة ولا يمكن ان يكون خليفة بالمفهوم الثاني وتكون سالبة بانتفاء الموضوع .

 فلا يمكن ان يكون خليفة لنفسه بل لهg خلفاء من بعده يبلغون رسالته والنتيجة الإمامة هبة وتشريف وتحصيل حاصل كما يعبر , وتكون الامامة تشريف وليس تكليف لان النبي إبراهيمg اتم وظائفه بالنبوة والرسالة, لكن حسب الدليل القرآني الإمامة ميزة ورتبة , والدليل إن "جاعلك" في الآية اسم فاعل عامل في "إماماً"، ومعلوم أن اسم الفاعل لا يعمل، إلا إذا كان للحال أو الاستقبال، وهذا الجعل قد حصل بعد الابتلاء وإتمام الكلمات لا قبلها، وإلا فيكون الابتلاء زائداً لا معنى له , إذاً، فثمة منصب آخر أُعطي لإبراهيمg بعد منصب النبوة والرسالة مغاير لهما وهو منصب (الإمامة)، كما سمّته الآية صريحاً , والخطاب من الله عز وجل لإبراهيم g بنفسه يدل على أن إبراهيم gكان نبياً، وإلا كيف خاطبه وكلّمه وأوحى إليه، خصوصاً إذا التفتنا إلى أن أسلوب الخطاب لا يشعر لا من قريب ولا من بعيد أنه خطاب ابتدائي , فالخطاب الابتدائي كقوله تعالى مخاطبا موسى مثلا: ﴿فلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ([215]). أو حينما خاطب نبينا الكريم: ﴿اقرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ([216]) فدل ذلك على أن إبراهيمg كان نبياً قبل الخطاب بالآية هذه، ثالثاً: إبراهيم g أعطي النبوة وهو فتى، ولهذا قال تعالى: ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فتًى يَذْكُرُهُمْ يقَالُ لَهُ إِبرَاهِيمُ ([217]) والآية التي نصت على إمامته جاءت بعد الابتلاءات التي ابتلي بها وأتمها ونجح فيها. والتي أيضاً كان منها ذبح ابنه إسماعيل b الذي عبر عنه تعالى بقوله: ﴿إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ([218]). والامر الاخر إن إبراهيمg طلب هذا المنصب لذريته "قال ومن ذريتي"، الأمر الذي يدل على أنه كانت له ذرية، وإلا كيف يطلب لهم الإمامة وهم غير موجودين؟!! فإن ثبوت شيء لشيء فرع ثبوت المثبت له، وهو قد أعطي الذرية بعد أن كبر وأصبح شيخاً، ولهذا قالت زوجته: ﴿قَالَتْ يَا وَيلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ([219])  فجعله نبياً وهو نبي تحصيل للحاصل، وهو محال، فإذاً، منصب الإمامة يغاير منصب النبوة تماماً، وليس المراد من الإمامة في الآية النبوة كما هو واضح، وإلا كان من تحصيل الحاصل، فإن مدلول الآية حينئذٍ جعل إبراهيم النبي قبل الخطاب نبياً! وقضية الإمامة وقعت في كبر إبراهيم g، بالدليل القرآني: قال تعالى ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ ([220])  

قالوا: الإمامة إذا كانت رتبة تكون بعد النبوة والرسالة لان إمامة ابراهيمg جاءت بعدهما وهما غير متوفرين في أئمة أهل البيت b! هذا الاستدلال لا يقدح في اصل القضية لأنها أثبتت من خلال النص القرآني انها منصباً مغايراً للنبوة والرسالة ولم تشر لا من قريب ولا من بعيد إلى اشتراط سبق النبوة على الإمامة في شخص الإمام، ولك جواب ليرفع شيء مما يعلق من الرواسب الفكرية والتي تحاول بكل طريقة جعل الإمامة مكرمة خاصة للنبي أبراهيم b دون غيره , لك قصة طالوت ، فإنه إمام بعثه الله تعالى واصطفاه وزاده بسطة في العلم والجسم ولم يكن نبياً، يقول تعالى : ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ بعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوا أَنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَينَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ([221]) .

 ومن باب ثاني ذكر العلماء : ان الإمامة جعل إلهي وهذا حسب النصوص القرآنية ، ومنها النص الجلي الواضح في قضية نبي الله إبراهيم g قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ([222]) وهذه الآية تؤكد على أنّ الإمامة هي عهد وجعل واختيار واصطفاء إلهي لشخصٍ معين تتوفر فيه الصفات المطلوبة ليكون محل أهلية ذلك المنصب الإلهي , وتكشف كون الإمامة غير النبوة، قال تعالى ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ؛ ذلك أنّ (اسم الفاعل في ـ الآية المباركة ـ (جاعل) لا يعمل في المفعول (إماماً) إلا إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال، ولا يعمل في الماضي، وحيث أنّ النبوة كانت ثابتة مسبقاً لإبراهيم g، فلا بدّ ان يكون إعطاء الإمامة لإبراهيمg في الحال أو الاستقبال، أي بعد نبوته)([223]) ومن نفس هذه الآية لا بدّ أن يكون الإمام معصوماً والنبي إبراهيم معصوم وهو نبي ورسول قبل منصب الامامة وطلب الامامة المنصب الرفيع الى ذريته ولا يفهم ان النبي إبراهيمg يريد المنصب الذي وصل له تشريف وميزة بل منصب مكمل للنبوة والرسالة وأعلى منهما وهذا المنصب والعهد والجعل لا يناله الظالم، في إشارة إلى أنّ من ينال العهد له شروطه الخاصة قال تعالى: ﴿لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ فالإمامة مكملة لمشروع النبوة وامتداد لمهام الأنبياء، وإكمال لرسالات السماء, والإمامة منصب إلهي الله يختار النبيّ وينصّ عليه ويختار الإمام وينصّبه والنبي إبراهيم gإمام أنبياء بني إسرائيل , وإذا أُطلق مصطلح الإمامة بلا قيد فإنّه ينصرف إلى الإمامة العظمى والولاية الكبرى، وهو الإمام المعصوم b الذي جعل من قبل الله تعالى إماماً، وقدوة للناس، ومفترض الطاعة على العباد هذا لدينا نحن الشيعة حسب الأدلة وكما بين فِي مَظَانِّهَا.

 أقول : الإمامة منصب ومنزلة يشترك فيها إبراهيم g ونبينا محمدk  والإمام علي وباقي الائمة  النبي إبراهيم gإمام انبياء بني إسرائيل وولي امر مفترض الطاعة وكان في حياته انبياء ورسل فولده إسماعيلgكان نبي ورسول قال تعالى : ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ([224])  وولده إسحاق نبي وإمام وحفيده يعقوب بن إسحاق   bنبي وإمام ومن بعدهم حفيده يوسف بن يعقوب بن اسحاق بن إبراهيمb  نبي ورسول كما ذكرنا وكل الأنبياء يبلغون شريعة النبي إبراهيمg قال تعالى :﴿قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ([225]) والانبياء كانوا تحت امر امامهم النبي إبراهيم gوالدليل قال تعالى : ﴿فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى ([226]) هذه الرؤيا امر من الله تعالى الى النبي إبراهيمg وبدوره امر ولده إسماعيل g قال تعالى : ﴿قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ([227] ) والطاعة لله تعالى والى ولي الامر المفترض الطاعة , والنبي محمدk نبي ورسول وإمام , فهو إمام الامة جميعا وولي الامر ومفترض الطاعة وأول هذه الامة أئمة اهل البيت b والإمام علي g الإمام الخليفة المفترض الطاعة على الامة واول الائمة b من بعده , وموقفه لا يتخلف عن ما حدث مع النبي إبراهيمg وولده النبي إسماعيل g وفداه الله تعالى بذبح عظيم قال تعالى ﴿وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ([228]) والرسول الكريم محمد k امر الإمام علي g بالمبيت في فراشه وهذا الامر من الله تعالى , وأمره أن‌ يهاجر إلی‌ المدينة ويترك‌ علياً مكانه‌، فأرسل‌ الرسولk إلی‌ علي بن أبي طالبg وقال‌ له‌: يا علي، انّه‌ قد أوحي‌ إليّ جبرائيل g عن‌ ربّي‌ عزّوجل‌ أن‌ أهجر دار قومي‌، وانّه‌ أمرني‌ أن‌ آمرك‌ بالمبيت‌ على مضجعي‌ لتخفي‌ بمبيتك‌ علی‌ أثري‌، فما أنت‌ قائل‌ أو صانع‌؟ ([229]) فقال‌ عليg: أو تسلمنّ بمبيتي‌ هناك‌ يا نبيّ الله‌؟

فقال النبيّk: نعم يا عليّ، فتبسّم‌ على ضاحكاً، فسجد شكراً لله تعالى، ويقال إنها أول سجدة شكر كانت في الإسلام، ونزل قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ([230]).

    والاضافة والنكتة الولائية ان الأنبياء إبراهيم وإسماعيل bوالخاتم محمدk كان الأمر لهم من المولى جل وعلا ولم يطلع احد منهم على النتيجة , فعندما جاء امر الذبح امتثل النبي إبراهيمg وبدون أدنى تردُّد، من تنفيذ امر الله تعالى وكذلك إسماعيلg كان طائع لأمر الله وأيِّ أمرٍ من أوامر الرسول الله النبي إبراهيم g وتقدم للذبح دون أي تردُّد، والرسول الكريمk أحب الناس اليه هو الإمام عليg لكن عندما جاء الامر وبدون أدنى تردُّد، من تنفيذ امر الله ورسوله لعلي , وعلي g لم يسأل عن ما يحدث له فقال‌ عليg : أو تسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟

قال: نعم ولسلامة النبيk سجد شكرا لله ([231]) فهذا هو الايمان المطلق، وكيف لا وهو الذي قال فزت ورب الكعبة عندما طعن في محراب العروج..

المزايا والعلوم التي يحصل عليها الأنبياء والائمة b تأتي بعد الابتلاءات والاختبارات وعلمهم بما كان وسيكون هذا بعد تجاوز الاختبارات والابتلاءات.

وبعد أن اجتاز النبي إبراهيم g هذه الإختبارات بنجاح استحق أن يمنحه الله الوسام الكبير ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إمَاماً وهنا تمنّى إبراهيمg أن يستمر خط الإِمامة من بعده، وألا يبقى محصوراً بشخصه ﴿قَالَ وَمِنْ ذُرّيَّتِي لكن الله أجابه: ﴿قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ وقد استجيب طلب إبراهيمg في استمرار خط الإِمامة في ذريَّته، لكن هذا المقام لا يناله إلاّ الطاهرون المعصومون من ذريّته لا غيرهم , ويفهم من هذه الآية عقدين عقد موجب وعقد سالب فالموجب ان الإمامة في ذريته والعقد السالب ان الظالم من ذريته لا ينال العهد (الإمامة ) .

     والنتيجة الإمامة عهد الله للأنبياء وللخلفاء من بعد رسول الله k, ومفهوم الإمام الذي يخلف الرسول والفضل والافضلية لها بحث في محله، يختلف في تفسيره مدرسة أهل البيت bعن الفروق الأخرى، فالخلاف القائم إنما هو في تحديد المصطلح لمفهوم الإمامة ولا يصح أن نصوّر الاختلاف في خصوص شخص الإمام، لأن الاختلاف في مفهوم الإمامة وما يتضمنه هذا المفهوم، رغم وجود جهات اشتراك تتضمنها الإمامة، كالإيمان بأنها رئاسة المجتمع أو الرئاسة العامة.

 ولتوضيح هذا الاختلاف لا بدّ من تحديد وظائف النبوّة وخصوصيات النبي لننتقل منها إلى تعريف مفهوم الإمامة، لأن الإمام هو القائد الذي يحمل مسؤولية الدين بعد النبي، فهل له كل أو بعض ما كان للنبي من شؤون ووظائف, وكما ان الإمامة مرتبة اعلى من النبوة والرسالة، لتوسّع في المعنى الاصطلاحي للإمامة وهو ليس كما لإبراهيم gكانت رتبة وتكريم وميزات الإمام عند الشيعة أثر على استعمال لفظ الإمام بحيث أصبح كأنه المعنى الموضوع له فتحاشوا اطلاقه على غير المعصومين b إلا بقرينة صارفه، فاستعمال البعدية في الرتبة لا الزمان , ابتعاد عن المعنى الحقيقي من مدرسة الصحابة وتحريف المعنى عن ما جاء لأجله وهو واضح فالنبي إبراهيم gكان إمام وهذه ميزة وتشرف ومنصب وقائد للامة أيضا قال تعالى ﴿قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ([232]) وجاء في تأويل قوله تعالى : " إني جاعلك للناس إماما "، فقال الله: يا إبراهيم، إني مصيرك للناس إماما، يؤتم به ويقتدى به، ويقال منه: " أممت القوم فأنا أؤمهم أما وإمامة "، إذا كنت إمامهم. وإنما أراد الله تعالى من قوله : إني مصيرك تؤم من بعدك من أهل الإيمان بي وبرسلي, تتقدمهم أنت، ويتبعون هديك, ويستنون بسنتك التي تعمل بها، بأمري إياك ووحيي إليك , وهذا كلام لابأس فيها وواقع قال تعالى : ﴿وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ([233]) لكن المنصب تشريف ومنزلة فقط دون عمل هذا فيه كلام , فالنبي إبراهيم g هو نبي ورسول ولا يوجد افضل منه في الوجود في زمانه والقدوة تحصيل حاصل , لكن هي ايضا منصب وزعامة وهناك كلام كثير بين المفسرين حول المراد بالكلمات في هذه الآية الكريمة، والتي ابتلى الله سبحانه وتعالى بها نبيّه إبراهيمg والظاهر أنّ المراد بها هي مجموعة التكاليف والمسؤوليات والمهام والأوامر الإلهية الصعبة الصارمة التي كلّف الله سبحانه وتعالى وأمر بها إبراهيمg وامتحنه من خلالها، فقام بها على أكمل وجه بحيث أنّه استحقّ بعد هذا الامتحان العسير أن يحصل على منصب فوق منصب النبوّة والرسالة وهو منصب الإمامة. 

       وتّفضيل الإمامةِ على النّبوّةِ من الله تعالى , وهي منصبٌ إلهيٌّ لا يختلف عن النبوة ، وأعطيَتْ لنبيّ اللهِ إبراهيمَ g بعدَ إعطائهِ النّبوّةَ ومن ثم إعطائهِ الرسالة , وهناك روايات يظهر منها أنّ الرسالة هي مرتبة أعلى من النبوّة، والإمامة أعلى مرتبة من الرسالة ، والدليل نص قرآني قال تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِين وهذا النص هو تكليف من الله تعالى بالإمامةِ لإبراهيمَ g له والى ذريته لأنه g سألَ الإمامةَ لذريّتهِ ، وأعطيَ النبي ابراهيم g الذرية بعد ان اصبح شيخا كبيركما بينا من قوله تعالى ﴿قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ والنبوة جاءتْهُ في فتوّتهِ , قال تعالى : ﴿قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ والرسالة في شبابه , وبلحاظِ النص القرآني نفهمُ أنَّ الإمامةَ الإلهيّةَ جاءت بعد النبوة وهي افضل ؛ لأن التّكليفَ والتّشريفَ بالأدنى لا يليقُ بعدَ الحصولِ على الأعلى، وكلفه الله تعالى بالإمامة وهي منصب اسْتحقاقٍ بعدَ اخْتبارٍ، ومَنزلةً جديدةً لإبراهيمَ g كما هو ظاهر من النص فالإمام الاول هو النبي ابراهيمg وطبعا لكل منصب إلهي خصائص فالنبوّة  من خصائص الوحي, والرسالة , الاستخلاف عن الله تبارك , الإمامة للنبي ابراهيم g واضحة ومن ذريتي هل القريبةِ لمحلِّ اسْمِ الجنسِ المُضافِ في كلمةِ (ذُرِّيَّتِي) الذي يفيدُ العمومَ، جاءَ فِي تفسيرِ البحرِ المُحيطِ لأبي حيّانٍ الأندلسيّ: (وإنّمَا الذّريّةُ والوليُّ اسما جنسٍ يقعانِ للواحدِ فمَا زادَ)([234]) وقد يشكل بعض على ان التبليغ من الله تعالى بالوحي والإمام كيف يصل له التبليغ , ولا يفهم أنّ من شروط إعطاء الإمامة أن يكون الشخص رسولاً او نبياً , وقد يشكل لماذا الإمامة لم تذكر بشكل واضح في القرآن الكريم، قياساً على وضوح التوحيد  والنبوة ؟

نقول : وردت الإمامة في القرآن الكريم وبشكل واضح وصريح, ولكن محنة التأويل والمعاندة ولَيّ النصوص إلى غير وجهتها التي قادها المناوئون لخط الإمامة أوجد هذا الخلط في العقول وأوقع البعض في هذه الضبابية في فهم النصوص القرآنية الواردة وإلاّ فالعربي سليم الذهن، الخالي من الشبهات والموروث القبلي والاجتماعي تجاه هذه المسألة، لو قرأ قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ([235]), لفهم منها على الفور معنى القيادة والإمرة وإدارة شؤون الأُمّة؛ إذ لا يمكن أن يتصوّر من معاني الولاية هنا سوى معنى: ولاية الأمر, ولا يمكن أن نتصوّر فيها معنى المحبّة أو النصرة؛ لعدم انحصار هذين المعنيين بالمذكورين في هذه الآية فقط, أي: الله ورسولهk وأمير المؤمنين عليّg, بل آية الولاية التي يراد بها المحبّة والنصرة هي: قوله تعالى: ﴿وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ ([236]), وإنّما في الآية (55)من سورة المائدة فهي تفسّر - لمحلّ (( إِنَّمَا )) - بـ(ولاية الأمر).. وقد أجمع المفسّرون على نزول هذه الآية بحقّ أمير المؤمنينg عند تصدّقه بالخاتم أثناء الركوع.

وأيضاً قوله تعالى: ﴿أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم ([237]), وما ذكره الرازي في تفسيره لهذه الآية الكريمة، وأنّ المراد منها: المعصومون ([238]) فإذا قلنا بوجود المعصومين في الأُمّة، وهم: الأئمّة الطاهرونb, إذ لم يدّعِي أحد غيرهم العصمة بالإجماع، ثبت المطلوب، وإن قلنا بعدم وجود المعصوم، فهذا يعني التكليف بالمحال، والتكليف بالمحال باطل، وغيرها من الشبهات والاشكالات من انصراف الذهن المخالف الى ائمة اهل البيت b بعيدا عن مراجعة أصل الإمامةَ.

 علينا مناقشة الإمامةَ بالمعنى العام لا بالمعنى الخاص , وافضلية النبي k بالمعنى العام اعم من إمامة الائمة b بمعنى هو نبي والرسول وإمام وهناك انبياء لهم منصب النبوّة والرسالة والإمامة, فكيف تكون افضليته k عليهم  والانبياء من سنخيّة واحدة , هو النبي محمد k اول الخلق  وما رواه محمد بن علي بن بابويه مرفوعاً الى عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده امير المؤمنين b انه قال:(ان الله خلق نور محمد قبل خلق المخلوقات كلها بأربعمائة الف سنه واربعة وعشرين الف سنة ،خلق منه اثني عشر حجاباً )([239]) وعن ابي حمزة الثمالي قال دخلت حبابة الوالبية على ابي جعفر g فقالت اخبرني اي شيء كنتم في الاظلة ؟ قال كنا نوراً بين يدي الله قبل خلقه الخلق فلما خلق الخلق سبحنا فسبحوا، وهللنا فهللوا وكبرنا فكبروا ، وذلك قوله تعالى ﴿وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا([240]) ومعناه لو استقاموا على حب علي كنا وضَعَنا اَظِلّتهم في الماء الفرات ، وهو حب علي لنفتنهم فيه ، يعني في حب علي ([241]) والافضلية في رسالة الإسلام والتي ختمت كل الرسائل السابقة لها , بهذه الرسالة اتم الحجة وبلغ الرسالة k قال تعالى : ﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ([242]) وتمكنت الانسانية من مواصلة الطريق بدون اتصال مباشر مع السماء، عكس ما كان عليه الحال سابقا , فلا يوجد اتصال مباشر كوحي ونبي أو رسول أو رسالة ولا يعني انقطاع الحركة البشرية عن السماء، بل هناك المرجع الذي ترجع إليه الأمّة في حلّ النزاعات والاختلافات , هو الإمام وهو ذاك الفرد الذي يُعيَّن من قِبَلِ الله تعالى لتكون مهمّته الأساس الرجوع إليه في كل ما يُختلف فيه، وبالتالي فهو حجّة الله عز وجل وبشريعة الاسلام لا يأتي بتشريع جديد: بل صيانة دين الله وتعاليمه من الدس والتحريف والضياع والتفسير بالرأي والقياس , فالإمام له نفس الملاكات التي للنبي.  

    وأما التتريب في اصول الدين من باب البداية، التوحيد ـ العَدل ـ النبوّة ـ الإمامة _ المَعاد، فوجوب وجود الإمام المنصوب من قبل الله تعالى وفق آيات القرآن والاحاديث متلازمان لا يمكن التفكيك بينهما مثلما لا يمكن التفكيك بين القرآن والعترة, وهذا المنصب الإلهيّ لا يناله ظالم حتى لنفسه صغيرا ام كبير سهوا او عمد , وهذا أيضا واضح من عقد السالب في الآية حيث المعنى أن الظالم لا ينال العهد , والنص واضح هذه المنصب خاص يكون فيه إلا معصوم ومن ذرية ابراهيمg، والحقيقة قابلية نزول الوحي لا تدلّ على أفضلية النبيّ على الإمام , وحسب ما تقدم ﴿إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي وهنا  أفضلية النبيّ على الإمام كما بينا سابقا أعلى رتبة ومنصب وأقرب إلى الله تعالى حيث تتمثّل, الاستخلاف عن الله تبارك وتعالى أعلى درجة من تلقّي الوحي, وليس كلّ نبيّ إمام وكذلك ائمة اهل البيت bليسوا بأنبياء , وقَد فسّرَ المُفسِّرونَ قولهُ تعالى: ﴿وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ([243])، بالنّبيِّ محمّدٍ k وأهلِ بيتهِb جاء تفسيرَ الطّبريّ ، فهُم إذن مشمولونَ بآيةِ الإمامةِ السّابقةِ، وهُم - أيضاً - مِمَّن ثبتَتْ عصمتهُم بمُقتضَى حديثِ الثّقلينِ الذي قرنَهُم بالقرآنِ الكريمِ وأنّهُم لا يفارقونَ القرآنَ ولا يفارقوهم إلى يومِ القيامةِ، والذي لا يُفارقُ القرآنَ ولا يفارقهُ يكونُ معصوماً جزماً؛ لأنَّ القرآنَ لا يأتيهِ الباطلُ مِن بينِ يديهِ ولا مِن خلفهِ فكذلكَ حُكمُ مَن يكونُ عِدْلاً لهُ ([244]) النبوة والرسالة والامامة محض فضل، ويضعها سبحانه في خير خلقه واعلى منزلة ورتبة هو جل وعلا اختار الله إبراهيم  gليكون أبا الأنبياء ورسول وامام على حكمة وعلم، واختار الله جل وعلا النبي محمداً k خاتم الأنبياء وأفضل خلقه وسيد ولد آدمg، وأعظم الخلق على الإطلاق، وأشرف الناس نسباً على الإطلاق : أشهد أنك كنت نورا " في الأصلاب الشامخة، والأرحام المطهرة، لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها، ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها, بحكمة وبعلم، وجعل الله تعالى للأنبياء b مميزات وصفات تفوق صفات البشر، فهم أشرف نسباً، وأعظم الناس خَلقاً وخُلقاً، فقد هيأهم الله جل وعلا لأمر عظيم وهو أمر الرسالة والدعوة.

        والتساؤل تقديم النبوة قبل الإمامة في الأصول والإمامة رتبة من النبوّة، وهذا التقديم بالوجود لا بالرتبة، والنبي الاكرم k أفضل من كل الأنبياء هو خاتم الأنبياءb وهو سيد الخلق وأفضلهم وهو بالوجود بالدنيا اخرهم وان كان اول الخلق، وما رواه محمد بن علي بن بابويه مرفوعاً الى عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده امير المؤمنينg انه قال:(ان الله خلق نور محمد قبل خلق المخلوقات كلها بأربعمائة ألف سنه واربعة وعشرين ألف سنة، خلق منه اثني عشر حجاباً) وامور أخرى بحثها الكلاميون بأنّ الإمامة أو الخلافة هل هي من الأُصول أم من الفروع؟

وذكروا: اتّفق كلا الفريقين - السُنّة والشيعة - على أهمية نصب إمام بعد رسول اللهk ولكنّهم اختلفوا في جعل الإمامة من الأُصول أو الفروع، الإمامية: الإمامة أصل من أُصول الدين (أي أنّها فيما يتعلّق بالعقيدة)، وجعلوها من توابع النبوّة، باعتبار أنّها استمرار لوظائف الرسولk في حفظ الدين، وليست نفس الرسالة أو النبوّة، ولماذا لم تشتمل الإمامة على مختصّات النبوّة؟

وبعبارة أوضح: إنّ الاستدلال في المقام يبتني على تقديم الإمامة بكافّة مميزاتها على النبوّة بجميع مواصفاتها، ومنها: نزول الوحي، فلا معنى حينئذٍ - وبعد تمامية الأدلّة - أن نقول: لماذا لم يكن الإمام متّصفاً بصفة النبيّ، إذ لو كان كذلك كان الإمام نبيّاً، فلا يبقى مجال للبحث والاستدلال.

هذا، والتحقيق: أنّ مجرّد قابلية نزول الوحي لا تدلّ على أفضلية النبيّ على الإمام، إذ أنّ الخلافة الإلهية على الأرض - والتي هي أعلى الرتب والمناصب وأقربها إلى الله عزّ وجلّ - تتمثّل في الإمامة، فالاستخلاف عن الله تبارك وتعالى أعلى درجة من تلقّي الوحي، ألا ترى أنّ الأنبياء والأئمّة b هم أرقى شأناً من جبرئيل g الذي يأتي بالوحي؟! , فيتّضح لنا، أنّ مجرّد الوسيط بين الخالق والمخلوق في إيصال الوحي لا يدلّ على تقديمه على الإمامة التي هي مقام النيابة عن الله عزّ وجلّ في قيادة المجتمع وهدايته , مراتب فضل الإمامة مختلفة ، فالإمام علي g على ما يستفاد من الروايات أفضل من سائر الأئمّة b مع أنّ الجميع يمتلكون مقام الإمامة ونبيّنا محمّد  kأفضل من إبراهيم g قطعاً ، مع أنّ كليهما يمتلكان مقام النبوّة والرسالة والإمامة ، فمن الممكن أن يكون الإمام المعصوم من أهل البيتb حائزاً على الدرجة العليا من الإمامة ، بحيث لا يصل إليها إبراهيم g مع إمتلاكه لمقام النبوّة بإضافة الإمامة ، فلو فرضنا انّ مقام النبوّة عشر درجات ومقام الإمامة في إبراهيم عشرون درجة فصار المجموع ثلاثين درجة لا تصل إلى درجة الإمام المعصوم من أهل البيتb التي هي خمسون درجة , ومضافاً إلى أنّ مراتب النبوّة والرسالة تكون مستهلكة منصهرة في مقام الإمامة ولا تعدّ فضيلة في مقابل فضيلة الإمام وزائداً عليها، بمعنى أنّ إبراهيمg  لو حاز ثلاثين درجة لأجل إمامته فالنبوّة ليست شيئاً زائداً على ذلك بل تعدّ عشر درجات من هذه الثلاثين درجة، وبما انّ مراتب الإمامة في الفضل مختلفة فيمكن أن يكون إمام أفضل من إبراهيم حتّى لو لم يكن له مقام النبوّة بأن يكون هذا الإمام الذي ليس نبيّاً حائزاً للمرتبة العليا من فضل الإمامة أيّ أربعون درجة أو خمسون , نعم لا يكون ذلك اعتباطاً بل لابدّ أن يكون لأجل مواصفات. وشروط خاصّة في الإمام المعصوم من أهل البيت b وذكر في كتب التفاسير وكتب التاريخ أسماء الانبياء والأئمة واوصيائهمb من النبي ادم g صفوة الله : وصيه شيثg , وشيثg : وصيه أنوشg , وأنوشg  : وصيه قينانg , وقينانg : وصيه مهلائيلg , ومهلائيل g : وصيه اد g, واد g : وصيه النبي المرسل ( إدريسg , والنبي إدريس g : وصيه متوشلخg , متوشلخ g : وصيه لمك g , ولمك g : وصيه اطول الانبياء عمرا و اكثرهم لله شكرا واعظمهم اجرا نوحg , والنبي نوحg : وصيه سامg , وسام g : وصيه ارفخشدg , وارفخشدg : وصيه غابرg , و غابرg : وصيه سالخ g , وسالخg: وصيه قالعg, وقالعg: وصيه اشروعg , واشروعg: وصيه ارغوg , وارغوg: وصيه تاخورg , وتاخورg: وصيه تارخg , وتارخg: لم يكن له وصي بل اخرج الله من صلبه ابراهيم خليل اللهg , وابراهيمg: وصيه إسماعيلg , واسماعيلg: وصيه قيدارg , وقيدارg: وصيه تبتg , وتبتg: وصيه حملg, وحملg: لم يكن له وصي حتى اخرج الله من اسحاق يعقوبb , والنبي يعقوبg: وصيه النبي يوسفg , والنبي يوسفg: وصيه النبي موسىg, النبي موسىg: وصيه يوشع بن نونg, يوشع بن نونg: وصيه النبي داود g, النبي داودg: وصيه النبي سليمان g, والنبي سليمانg: وصيه آصف بن برخياg, والنبي عيسىg: وصيه شمعون الصفاg .

كل الأنبياء لهم اوصياء لم يكن منهم اختيار او انتخاب بل منهم النبي والرسول والإمام والوصية نص من الله تعالى لنبيه وبالتعين لخليفة بعده وهو الذي يتحمل المسؤولية بعده وهي الدعوة الى الله تعالى، وخاتم الأنبياء محمدk   هل يختلف عن باقي الأنبياء الرسل والائمة b في رسالته ومن يخلفه في ابلغها وصيانتها ولم يحدد الطريقة التي تتبع في اختيار الخليفة ويتركها بيد الناس شورى او اختيار شخص لشخص وهو الرسول الإمام المعصوم ليس له ان يختار خليفته؟!، والذي جاء بعد يختار خليفة له ويعرف المصلحة أكثر منه؟ وترك الامة بيد مجموعة اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة في اليوم نفسه وفاة النبي k، وتداولوا الأمر بينهم في اختيار من يلي الخلافة من بعده، ودعوة ان النبي k انتقل الى الرفيق الأعلى دون تحديد من يخلفه لان يترتب على ذلك عدم قبولها من البعض وعدم الطاعة وحدوث فتنة في الدولة الإسلامية! ولكنه أرادها kبالشورى بين أهل الحل والعقد حتى يرضى بها الجميع ويقوموا بالبيعة والطاعة في المنشط والمكره، واختيار أي شخص بدون نص هذا تجاوز واضح على مقام النبوة وغيره يختار من بعده حاكم من بعده لماذا لم يحدث ما كان يخشاه النبي kكما كانت الحجة في عدم التوصية للخليفة بعده او ان الذي جلس بعد النبي k وحكم الامة أكثر حكمة منه.

الحق والذي لا يقبل التأويل ان مسيرة الأنبياء لا تختلف عن بعضها والرسول أوصى في اكثر من مناسبة وهذا ليس من اختيار النبي الشخصي او ترشيح منه بل هو اختيار من الله تعالى وعهد الى الأنبياء b قال تعالى ﴿قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ([245]) والرسول الكريم  محمد بن عبد اللهk:  لا ينال عهد ظالم ومهما كان هذا الظلم لنفسه او لغيره , إلا شخص من سنخه يقوم بمقامه وكان وصيه الإمام سيد الاوصياء امير المؤمنين ويعسوبهم علي بن ابي طالب g والإمام امير المؤمنين علي بن ابي طالب g: وصيه الإمام الحسن المجتبىg , والإمام الحسن المجتبىg : وصيه الإمام الحسين الشهيد المظلومg , والإمام الحسين g: وصيه الإمام السجاد زين العابدين ذي الثفنات g , والإمام السجاد زين العابدين اg : وصيه الإمام محمد الباقرg , والإمام محمد الباقرg : وصيه الإمام جعفر الصادقg , والإمام جعفر الصادق g : وصيه الإمام موسى الكاظمg , والإمام موسى الكاظمg : وصيه الإمام علي الرضاg , والإمام علي الرضا g : وصيه الإمام محمد الجوادg ,والإمام محمد الجوادg: وصيه الإمام علي الهاديg , والامام علي الهادي g: وصيه الإمام الحسن العسكريg , والإمام الحسن العسكري g : وصيه الحجة القائم المنتظر صاحب العصر و الزمانf .

وملخص ما ندعيه مما تقدم أن الإمامة لها معنى لغوي ومعنى اصطلاحي، اما المعنى اللغوي فمعناه الاقتداء والإمام مطلق من يقدى به.

الإمامة بالمعنى الاصطلاحي لإبراهيم    gهي ميزة ورتبة خصه الله تعالى بها.

اما إمامة ائمتنا b فهي تعني الخلافة بعد النبي الاكرم k بالنصب والامر الإلهي الذي يدلنا عليه مثل حديث الغدير والذي ذكر في مصادر أهل السنة والشيعة منها على سبيل المثال لا الحصر ما جاء قال النبيk يوم غدير خم: «ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم؟ فقلنا بلى يا رسول اللّه‏. قال: فمن كنت مولاه فعليّ مولاه اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه» ([246]) وعن زاذان أبي عمر قال: سمعت عليّا في الرحبة، وهو ينشد الناس: من شهد رسول اللّه‏k يوم غدير خم وهو يقول ما قال، فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أنهم سمعوا رسول اللّهk‏ وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه» ([247] إنّ النبيk قال يوم غدير خم: «من كنتُ مولاه» فعلي مولاه قال ربما الراوي وهو أبو مريم أو غيره) فزاد الناس بعد: «والِ من والاه وعادِ من عاداه» ([248])

 في تاريخ اليعقوبي وقام النبيّk خطيبا وأخذ بيد علي بن أبي طالب فقال: ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه‏ k.

قال: فمن كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه» ([249])

فلما رجع رسول اللّهk‏ من حجة الوداع نزل عليه جبرئيل g فقال: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْك مِنْ رَبِّك وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّه‏ يَعْصِمُك مِنْ النَّاسِ إِنَّ اللّه‏ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ ([250]) فنادى الناس فاجتمعوا، ثم قالk: (يا أيها الناس مَن وليكم وأولى بكم من أنفسكم؟، فقالوا: اللّه‏ ورسوله.

فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه ـ ثلاث مرات ([251])ـ» وهذه المعنين الاصطلاحين لا تنافي بينهما بنص الآية إنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إمامًا قالَ ومِن ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي) ([252]) فالجعل كما ناله النبي إبراهيم g ناله أئمتنا b وان اختلفا في التقديم والتأخر حيث ان النبي إبراهيم g إمام متقدم على ما بعده كأسحاق b، وإمامة على g متأخرة بلحاظ النبي الاكرم k وهذا التقدم والتأخر لا ينافي المرتبة والرتبة فهما يشتركان بها بنص الآية الشريفة.


 

الأصل الخامس: المَعَاد

المعاد : يعدّ أحد أهم اُصول العقيدة الإسلامية وأركانها الأساسية الثابتة في القرآن الكريم والسنّة المطهرة ، فضلاً عن دلالة العقل السليم على ثبوت حقيقة المعاد وحتمية الحياة الآخرة , اتفقت الشرائع السماوية جمعاء على تأصيل هذا المبدأ العقائدي ، والتصور المسيحي أظهر مما هو عليه في الديانة اليهودية  , بل الديانات القديمة قد ذهب أغلبها إلى القول بجسمانية المعاد ، عدا فرقة صغيرة من اليهود کانت لا تؤمن بالمعاد الأخروي ، بل کانت تراه معاداً اجتماعياً دنيوياً خاصاً بقوم اليهود الذين ذلوا وشردوا في البلدان ، وهي فرقة الصدوقيين ، ودليلهم على ذلک عدم وجود نص صريح في التوراة المکتوبة عليه.

المعاد : هو الوعد الإلهي بالثواب ، والوعيد بالعقاب ، والهدفية والغائية في الحياة ، المنافية للعبث الذي لا محل له مع العدل والحكمة الإلهيين قال تعالى : ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ([253]), والذي أحدث النشأة الأُولى من العدم ، قادر على إحداث النشأة الثانية , من قدر على الابتداء فهو على الاعادة أقدر  قال تعالى : ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالاْرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى ([254]) وقال تعالى : ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ([255]) وعبّر أمير المؤمنين g  عن ذلك بقوله : « عجبت لمن أنكر النشأة الآخرة ، وهو يرى النشأة الاُولى! » ([256])  , وعليه فالموت، ذلك القادم الذي سيحلّ بنا وشيكاً كما حلّ بمن قبلنا، ليس هو العدم والفناء ونهاية قصة خلق الإنسان، خليفة الله تعالى المكلّف بالعبودية والطاعة لله تعالى وحده لا شريك له، وإقامة عناصر الخير ومبادئ الحق في الأرض.

في هذا البحث نحاول بيان الحقيقة في مناقشة علمية وتحليلية وعرض آراء أشهر العلماء والفلاسفة في نقد وإجابة، ورفض ما أمكن رفضه، وقبول ما أمكن قبوله، وأثبت الرأي الراجح بالأدلة العقلية والنقلية وبيان مفهوم المعاد وإثبات وجوده بالأدلة العقلية والنقلية.

المعاد في اللغة: مُعاد: اسم المفعول من أَعادَ والمصدر عاد يعود يقال: عاد يعود عَوْداً ومَعاداً العود: الرجوع إلى الشيء بعد الانصراف عنه إمّا انصرافاً بالذات، أو بالقول والعزيمة، والمعاد يقال للعود وللزمان الذي يعود فيه، وقد يكون للمكان الذي يعود إليه، وقد ورد استعماله في القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ ([257]) ورده في الحديث: (وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي) وقد جاء على أصله في حديث عليg: والحكمُ اللّه، والمّعْوَدُ إليه يوم القيامة.

المعيد: اسم من أسماء الله الحسنى، ومعناه: الذي يُعيد إيجاد الأشياء بعد وجود سابق، أو الذي يعيد الخلق بعد الحياة إلى الممات، ثم يعيدهم بعد الموت إلى الحياة.

المعاد في الاصطلاح: يراد به البعث يوم القيامة مأخوذ من قوله تعالى : ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ([258])  زمان عود الروح إلى بدنه الذي تعلق به في الحياة الدنيا، فالمراد به هو يوم القيامة أو هو مكان عود الروح إلى بدنه المذكور، فالمراد به حينئذٍ هو الآخرة، وقد يستعمل المعاد بمعناه المصدر من عاد يعود عوداً ومعاداً، فالمراد به عودة الأرواح إلى أبدانها، هذا كله بناءً على بقاء الروح وانفكاكه عن البدن بالموت كما هو المختار، وأمّا بناءً على اتحاده مع البدن وفنائه بالموت، فالمراد من المعاد حينئذٍ هو الوجود الثاني للأجسام والأبدان وإعادتها بعد موتها وتفرّقها , وهنا لا بد من بيان شيء وهو أن قضيّة المعاد تعبّديّة محضة، ليس لنا أمامها سوى التسليم بها، ولا سبيل إلى معرفة المعاد إلا بالوحي الإلهيّ , حيث لم ترِد كلمة (المعاد) بهذه الصيغة في أيّ آية من آيات القرآن. فهي وإن كانت من أشهر الأسماء الشائعة على لسان المتشرّعين، إلا أنّه لا وجود لها في التعبيرات القرآنيّة الدالّة على القيامة، بل (المعاد) إصطلاح اخترعه المتكلّمون ([259])، استخدم القرآن الكريم كلمات شبيهة بالمعاد مثل (مآب)، و(رجوع)، و(منتهى). وقد استخدِمت هذه التعبيرات كلّها بمعنى العود والرجوع إلى الله، كما في قوله تعالى: ﴿...قُلْ إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ الله وَلا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُو وَإِلَيْهِ مَآبِ ([260])، وقوله: ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى ([261])  وقوله تعالى: ﴿وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ([262]) نستنتج من ذلك أنّ مصطلح (المعاد) كي ينسجم مع التعبير القرآنيّ، فلا بدّ أن يكون بمعنى العودة إلى الله، دون غيره من المعاني.

ولسعة الموضوع وقلة مصادره لبعض منهم ، وتشعبه ، وغموض أکثر مسائله ، باعتبار أنّها من المسائل الغيبية المستقبلية ، وجزئيتها تخرجها عن دائرة بحثها العقلي ، ولکن عند ما نرجع فيها إلى النقل نجد فيه اختلافاً في الظاهر , فالقرآن يطرح لها کيفيتين ، جسمانية وروحانية ، والروايات الشريفة تارة تبين الأمر بعين هذا البدن ، وأخرى بمثل هذا البدن ، کما في رواية أبي العوجاء عند ما سأل الامام الصادقg عندما مثل له باللبنة ، فقال :«هي هي وهي غيرها »([263]) وهناك مصطلحات مرادفة لمعنى المعاد وردت في القرآن الكريم وكل مصطلح يتناول بعدا ًمن أبعاده كالبعث والنشور، والساعة، والقيامة، واليوم الآخر وغيرها.

وهذا المفهوم (المعاد) قد شغل الفکر الفلسفي على طول عصوره، فأثبتها قوم ونفاها آخرون محتجين بأنها أمور لا تخضع للتجربة الحسية. ونجد بعض الفلاسفة الإسلاميين من مثل ابن سينا وغيره قد وقعوا في اضطراب في عقيدة البعث من حيث کيفيتها، وذلک بسبب ما کان عليه الفلاسفة اليونانيون الذين يتبعونهم في هذا الشأن، من اعتبار أن البعث يکون بعثا روحيا فقط، وهو ما تخالفه ظواهر النصوص القرآنية. وتکمن أهمية الموضوع في مواجهة التيارات الفکرية المعاصرة التي تشکک في إمکانية البعث والمعاد بأدلة علمية واضحة تبطل کل حججهم الواهية في ضوء العقيدة الإسلامية.

لكن علماء (العلم الحديث) استدلوا على حقيقة البعث الجسماني والروحاني من خلال أدلتهم البيولوجية، وأثبتوا من خلال البحث بالأدلة المادية وأقوال المسلمين وغير المسلمين بالتجارب العلمية أن الکون يسجل ما يفعله کل إنسان لتشهد عليه يوم البعث، وليکون ذلک أکثر إقناعا للمسلمين المتشککين وغير المسلمين الذين لا يؤمنون إلا بالدليل المادي فقط، قال الرازي: "اختلفت أقوال أهل العالم في أمر المعاد على وجوه:

الوجه الأول: أنّ المعاد ليس إلا للنفس، وهو مذهب الجمهور من الفلاسفة.

الوجه الثاني: أن المعاد ليس إلا لهذا البدن، وهو قول نفاه النفس الناطقة، وهم أكثر أهل الإسلام.

الوجه الثالث: أنّ المعاد للأمرين، وهم طائفة كبيرة من المسلمين؟

 , ولكن في الامر العام توجد ثلاثة أقوال في كيفية المعاد:

القول الأول: إنّ المعاد روحاني: والذي يقول برجوع الروح فقط دون الجسد، وإنما البدن آلة تستعمل وتتصرف فيه لاستكمال جوهرها، وبقاء الروح بعد مفارقة البدن سعيدة منعمة او معذبة شقية بما اكتسبته في الدنيا، وهذا الإعتقاد ذهب إليه جمهور الفلاسفة وأتباع المشائين.

القول الثاني: إنّ المعاد جسماني: وهو عكس الأول برجوع الجسد فقط دون الروح وأن المعاد ليس إلا لهذا البدن وهو قول نفاه النفس الناطقة المجردة، وهذا ما يعتقد به بعض المسلمين الذين يقصرون المجرد على اللّه وحده، فلا يعتقدون أن هناك روحا مجردة وانما كل ما في الوجود بعد اللّه أجسام يميز بعضها عن بعض اللطافة والكثافة.

القول الثالث: المعاد روحاني وجسماني معا: ومعناه رجوع الروح والجسد، أوهما معاً، على ملاكين، هما:

الملاك الأول: ما يرجع إلى اتخاذ موقف حاسم في حقيقة الإنسان، وأنّها ما هي، فلو قلنا بأن الإنسان عبارة عن هذا الهيكل الجسماني، وليس للروح حقيقة وراء التفاعلات والانفعالات المادية الفيزيائية والكيميائية، وهي سارية في البدن سريان النار في الفحم، والماء في الورد "لو قلنا بهذا" فلا مناص للقائل بالمعاد من توصيفه بكونه جسمانياً فقط، إذ ليس هناك وراء الجسم، والتأثير الماديين، شيء آخر حتى يعاد.

وأما لو قلنا بأنّ وراء الجسم، ووراء التفاعلات المادية، جوهر حقيقي مدرك، له تعلق بالبدن، تعلّقاً تدبيرياً ما دامت العلقة باقية، فإذا زالت يكون له البقاء ولا يتطرق إليه الفناء. فلو قلنا بذلك، ثم قلنا بأنّه سبحانه يبعث الروح مع البدن، فالمعاد يكون جسمانياً من جهة، وروحانياً من جهة أخرى، لكون المبعوث ممزوجاً من شيئين ومؤلّفاً من أمرين، ولكل معاد، وأما لو قلنا بأنّ الروح " بعد مفارقتها البدن" لا ترجع إليه، لعلة ما، فعندئذ تبعث الروح وحدها من دون تعلّقها بالبدن، فيكون المعاد روحانياً فقط، وهذا الملاك هو الذي يلوح من كلام صدر المتألهين، وصهره عبد الرزّاق اللاهيجي ([264]).

الملاك الثاني: إنّ هناك ملاكاً آخر لكون المعاد جسمانياً، وروحانياً، يلوح ذلك من كلمات الشيخ الرئيس، وهو تقسيم المعاد إلى الجسماني والروحاني، حسب الثواب والعقاب الموعودين: فلو قلنا: إنّ العذاب والعقاب ينحصران بالجسماني منهما، كنعيم الجنّة وحرّ الجحيم، فيكون المعاد معاداً جسمانياً فقط، وأما لو قلنا بأنّ هناك "وراء ذلك" ثواباً وعقاباً عقليين لا يمتّان إلى البدن بصلة، بل يلتذ ويعاقب بهما الروح فقط، فيكون المعاد، وراء كونه جسمانياً، روحانياً أيضاً، وبعبارة أخرى: التذاذ النفس وتألّمها باللذات والآلام العقلية، فهذه أملاك كون المعاد، روحانياً.([265])

عقيدتنا هي الحق الصحيحة كون المعاد روحانياً وجسمانياً , يعيد الله تعالى أبداننا بعد موتها ويرجعها الى هيئتها الأولى,  وهو الذي عليه الشيعة الامامية الاثنا عشرية ، وأغلب العامة المسلمين أيضا ذهب الى هذا القول- أي معاد هذا الجسد الذي كان في الدنيا بروحه وجسمه يوم القيامة- والدليل على هذا القول من الواضح المعلوم أن كل شخص من البشر مركب من جزءين الجزء المحسوس وهو (البدن) الذي يشغل حيزا من الفضاء والذي يشاهد بالعين الباصرة، والجزء الذي لا يحس بالعين الباصرة وانما يحس بالبصيرة ويشهد به العيان والوجدان , وأن هذا البدن المحسوس الحي المتحرك بالإرادة لا يزال يلبس صورة ويخلعها وتفاض عليه أخرى، وهكذا لا تزال تعتور عليه الصور منذ كان نطفة فعلقة فعظاما فجنينا فمولودا فرضيعا فغلاما فشابا فكهلا فشيخا فميتا فترابا , وفي ذلك كله هو هو لم يتغير ذاته وان تبدلت احواله وصفاته، فهو يوم كان رضيعا هو نفسه يوم صار شيخا هرما لم تتبدل هويته ولم تتغير شخصيته، بل هناك اصل محفوظ يحمل كل تلك الأطوار والصور، وليس عروضها عليه وزوالها عنه من باب الانقلاب، فان انقلاب الحقائق مستحيل، فالصورة المنوية لم تنقلب دموية او علقية ولكن زالت صورة المني وتبدلت بصورة الدم وهكذا فالصورة متعاقبة متبادلة لا متعاقبة منقلبة.

وهذه الصور كلها متعاقبة في الزمان لضيق وعائه مجتمعة في وعاء الدهر لسعته، والمتفرقات في وعاء الزمان مجتمعات في وعاء الدهر، ولا بد من محل حامل وقابل لتلك الصور المتعاقبة ما شئت فسمه مادة او هيولى، وكما أن المادة ثابتة لا تزول فكذلك الصور كلها ثابتة، والشيء كما نعرف لا يقبل ضده والموجود لا يصير معدوما والمعدوم لا يصير موجودا، وان انقلاب الحقائق مستحيل.

 إمكان المعاد الجسماني : البحث القرآني قائم على أساس الدليل والبرهان المنطقي ، ولذا نجده يخاطب المعاندين بإقامة الدليل والبرهان على مدعاهم إن کانوا صادقين ، کما جاء ذلک في قوله تعالى : ﴿قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ([266]) ، وأيضاً في قوله تعالى: ﴿ائْتُونِي بِكِتَابٍ مِّن قَبْلِ هَذَا أَوْ أَثَارَةٍ مِّنْ عِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ([267]) المعاد الجسماني من المسائل التي وقع الاختلاف فيها ، والأدلة من القران الكريم  الآيات الدالة على بدأ الخلقة للإنسان والکون , قال الله تعالى : ﴿وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ , قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ ([268]) ، وقال أيضاً : ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللهُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ([269])، وقال أيضاً : ﴿وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ المَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الحَكِيمُ ([270]) ، والآيات الدالة على إثبات القدرة المطلقة لله تعالى , قال تعالى : (لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) ([271])،وقال أيضاً : ﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُورًا ﴿﴾ ، ([272])وقال أيضاً : (﴿﴾ أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الخَلاَّقُ الْعَلِيمُ ([273]) , والآيات الدالة على إحياء الأرض بعد موتها, قال تعالى : ﴿ وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكًا فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الحَصِيدِ وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ , رِّزْقًا لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتًا كَذَلِكَ الخُرُوجُ ([274]) وقال تعالى : ﴿ يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَيُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ ، ([275]) وقال تعالى : ﴿ فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي المَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ([276]) , والآيات الدالة على التطورات المرحلية للجنين إلى أن يصير إنساناً کاملاً , قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰ أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ , ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي المَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ([277])،  وقال أيضاً : ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ , ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ , ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ , ثُمَّ إِنَّكُم بَعْدَ ذَٰلِكَ لَمَيِّتُونَ , ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ ([278]) ,والآيات الدالة على رجوع الطاقة بعد فنائها وانعدامها ظاهراً , قال الله تعالى : ﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ , الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ ) ([279])،وقوله تعالى : ﴿ أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ , أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ المُنشِئُونَ , نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعًا لِّلْمُقْوِينَ ([280]). والآيات الدالة على حكاية رجوع بعض الناس في هذا العالم الدنيوي کنماذج عينية تاريخية دالة تحکي الإمکان بشکل جلي. ) : إحياء عزير أو ارميا _ قوله تعالى : ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَٰذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ([281]) ., و إحياء طيور إبراهيم : وقد حکى الله تعالى هذه القصة عن طريق قوله تعالى : ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي المَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ([282]) : قصة إحياء قتيل بني إسرائيل : وقد حکى الله تعالى هذه القصة عن طريق قول : ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ , ... وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ , فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللهُ المَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .([283]) هذه الآيات بعضها تحکي عن الإمکان الذاتي ، والبعض الآخر يحکي عن الإمکان الوقوعي للمعاد الجسماني ولهذا تفصيل.

  أولاً: الامكان الذاتي للمعاد الجسماني: إنّ النسبة بين الإمکان الذاتي والإمکان الوقوعي، هي نسبة العموم والخصوص مطلقاً، بمعنى أنّ الأول أعم مطلقاً من الثاني.

ثانيا: إنّ الترتيب بينهما طولي، بمعنى أنّ الشيء ما لم يکن ممکناً ذاتاً لا تصل النوبة إلى إمکان وقوعه، وذكرنا جملة الآيات الدالة على ثبوت إمكانه الذاتي، ثم بعد ذلك ذكرنا الآيات الدالة على إمكانه الوقوعي.

وينبغي أن يلتفت إلى أننا لسنا في صدد تبيين کل ما جاء به الفلاسفة  في الموضوع ، غاية الأمر أن غرضنا منه هو بيان ما قاله الفلاسفة والعلماء نذكر بعض منهم وموقفهم من حيث الإيجاب والسلب ، وقد تبيّن لنا هذا النمط من طرق المعرفة أوثق الطرق, وبهذا القدر نکتفي بنقل بعض النظريات الفلسفية لبعضهم حيث كان‌ الفلاسفة‌ القدماء يقولون‌ بالمعاد الروحي‌ّ فقط‌ باعتبار أ نّهم‌ أثبتوا ببراهينهم‌ أمر تجرّد النفس‌ فقط‌، بينما عجزوا عن‌ إثبات‌ المعاد الجسماني‌ّ بالدليل‌ العقلي‌ّ ومن جاء بعدهم قال بالمعاد الحسماني أيضا كملا صدرا الشيرازي فقد كان‌ يعتبر الجسم‌ والنفس‌ والروح‌ مراتب‌ مختلفة‌ من‌ حقيقة‌ واحدة‌ للإنسان‌، واستنتج‌ ـ تبعاً لذلك‌ ـ أمر المعاد الجسماني‌ّ من‌ خلال‌ إثبات‌ الحركة‌ في‌ جوهر الإنسان.

والمعاد كما في اصطلاحات الفلاسفة  هو الرجوع بعد الفناء ، أو رجوع أجزاء البدن إلى الاجتماع بعد التفرق ، وإلى الحياة بعد الممات ، والأرواح إلى الأبدان بعد المفارقة  ، فمثلاً عرفه صاحب شرح المقاصد بأنه : ( إعادة الأجزاء الأصلية ، لا إعادة الأجزاء الفاضلة )([284]) وعرفّه في کتابه الأربعين بأنه : (عبارة عن إحياء الموتى إخراجهم من قبورهم ، بعد جمع الأجزاء الأصلية التي من شأنها ذلک کالظفر ) ([285])، وعرّف ملا صدرا الشيرازي في کتابه مفاتيح الغيب ، قائلاً فيه : ( فإن المعاد بمعني العود ، والرجوع للشيء إلى الحالة التي خرج منها ، کما قيل : کل شيء يرجع إلى أصله ، فهو من المعاني الإضافية الواقعة تحت مقولة المضاف ، فلذلک معرفته لا تتم إلا بمعرفة ثلاثة أمور : ما له المعاد ، وما منه المعاد ، وما إليه المعاد )([286]) , وأمّا تعريف الشيخ الرئيس أبي علي سينا له فهو: ( انه الحال الذي کان عليه الشيء فيه ، فباينه ، فعاد إليه ، ثم نقل إلى الحالة الأولى أو إلى الوضع الأول الذي يصير إليه الإنسان بعد الموت وانفصل عنه قبل الحياة الأخرى )([287])

ذکر الخواجة نصير الدين الطوسي في هذا الصدد ، قائلاً : ( الواجب في المعاد هو إعادة تلک الأجزاء الأصلية أو النفس المجردة مع الأجزاء الأصلية ، أما الأجسام المتصلة بتلک الأجزاء فلا يجب إعادتها بعينها ) ([288]) ويجمع الفلاسفة على ان النفس لها اصل الهي سابق على البدن، وهم من هذا المنطلق اعتقدوا بضرورة مفارقتها له بعد اكتمال مهمتها من بلوغ الحد الذي يجعلها قابلة للانفصال عنه كلياً , مما يعني ان النفس لا بد لها ان تعود الى عالمها الالهي الذي تنزلت منه , ومن خالال هذه التعاريف وما سبقها تدل على أن الناس تعود بأجسامها وأرواحها في اليوم الآخر ، وهو معنى خروجهم من قبورهم أحياء ؛ وهناك الاختلاف والاتفاق بين الاقوال , ونظريات للمعاد وفق الرؤية الفلسفية الوجودية .

وقد ذكر بعض الافاضل أن النفس هي طور من اطوار الروح في عالم الدنيا، فتعود الى خالقها على انها روح وذكر غيرهم من الافاضل ان الروح والنفس والبدن ثلاثي في عالم الدنيا ويعاد البدن في عالم الاخر وأشرنا الى ذلك في كتاب الروح.

الأولى: المعاد ليس جسمانياً، الذي قال به اغلب الفلاسفة، وهو انما يجب ان يكون محلاً للعلم بما لا ينقسم ولا يمكن الاشارة اليه حسياً ([289])وهو ما قال به الفارابيان واتباعهما. فابن سينا - مثلاً - صرح بنفي المعاد الجسماني في رسالة (الاضحوية في امر المعاد) ما لا مزيد عليه ([290]), كما انه لوّح الى نفيه في رسالة (دفع الغم من الموت) ([291])، وفي كتاب (المبدأ والمعاد) ذكر عنواناً اومأ فيه الى ذلك المعنى، حيث كان نصه: (في السعادة والشقاوة الوهمية في الاخرة دون الحقيقية) ([292]).

 الثانية: وهي التي تعود الى ابن رشد في تبنيه لموقف الفلاسفة الاغريق من المشائين، حيث أنكر المعاد النفساني في صورته الجزئية، مثلما أنكر الحشر الجسماني حيث مآله الفساد والتحلل، واعتقد ان النفوس بعد مفارقة الابدان لا بد ان تكون واحدة بالعدد. وبالتالي فالخلود الذي يتحدث عنه ابن رشد ليس فردياً، حيث تتحد النفوس البشرية بعقل الانسانية الشامل والمعبر عنه بالعقل الفعال. وقد شبّه ذلك بالضوء حيث ينقسم بانقسام الاجسام المضيئة ثم يتحد عند انتفاء الاجسام، وكذا الامر في النفوس مع الابدان، اذ تتحد بانتفاء الأخيرة ([293]).

 الثالثة: تعود الى السهروردي القائل بان المعاد الجسماني يعبر عن عالم وسيط وجامع بين العالمين الحسي والعقلي، وهو عالم الخيال والمُثل المعلقة، فهو يجمع صور جميع الموجودات العقلية والحسية.

الرابعة: تعود الى ملا صدرا الشيرازي، الذي عدّ مشكلة القول بنفي المعاد الجسماني هي من اهم المسائل التي دفعت الفلاسفة الى ان يعتبروا الشرع خطابياً جاء ليقنع عوام الناس ([294])، الامر الذي أثار حفيظة هذا العارف فرد عليهم بنفس المقياس الذي شيدوه لفهم النص، فذكر في رده بانه لو كان من الصحيح ان الشارع جاء ليقنع الناس بالايهام؛ للزم ان يضل الصالحين ويفضي بهم الى العذاب المؤبد، نتيجة الجهل بحقيقة علم المعاد.) ([295]) ويؤكد الفلاسفة بان النفس التي تفارق البدن هي تلك التي تتصف بالتجرد وتكون موضعاً للعلم العقلي. فهم يتفقون كما ينقل ابن رشد على ان النفس المخالطة للهيولى، والتي توصف بانها مخلّقة لأنواع الاجسام والابدان الارضية ومصورة لها، تعود الى مادتها الـروحانية الإلـهية ([296])، أما النفس التي لا تخالط الهيولى والتي ليس لها علاقة بتخليق البدن وتصويره، فالفلاسفة يختلفون في حدود ما هو قابل للتجرد والرجوع الى الأصل الإلهي. فعند ارسطو ان جميع قوى النفس تبطل سوى العقل المكتسب المسمى بالعقل المستفاد، بخلاف العقلين المتبقيين، وهما العقل الهيولاني والعقل بالملكة. فالعقل الهيولاني هو عقل بالقوة، اي محض استعداد لقبول وأدراك المعقولات، فهو بالتالي خال من الصور. أما العقل بالملكة فهو العقل الذي تحصل فيه المعقولات وكان من الممكن استحضارها متى شاءت النفس من غير جهد ولا تكلف، لكن اتباع ارسطو من المشائين القدامى وجدوا ان العقل الهيولاني هو ايضاً محفوظ بالبقاء لا يقبل الفساد والاندثار. ولإبن رشد أكثر من موقف، فهو في (تهافت التهافت) وقف مع سائر المشائين في عدم التسليم بفساد العقل الهيولاني، حيث وصفه بأنه يعقل اشياء لا نهاية لها في المعقول الواحد، ويحكم عليها حكماً كلياً، وما جوهره فهو جوهر غير هيولاني اصلاً. ([297])

كما انه ليس مجرد محض قوة واستعداد فحسب. لكنه في (تفسير ما بعد الطبيعة) لم يخالف ارسطو في فساد هذا العقل، انما خالفه حول العقل بالملكة الذي رأى ان فيه ما هو فاسد وما هو غير فاسد، فمن حيث فعله فهو فاسد، لكنه من حيث ذاته فهو باق غير مندثر باعتباره داخلاً علينا من الخارج ([298]). ولدى بقية الفلاسفة المسلمين، فالمعول عليه هو ان العقل الهيولاني وكذا العقل بالملكة كليهما يعدان غير مندثرين، كالذي يؤكد عليه ابن سينا ([299]) قال العلامة الحلي H: ووجوبُ إيفاء الوعد والحكمةُ يقتضي وجوبَ البعث، والضرورةُ قاضيةٌ بثبوت الجسماني من دين النبيk، مع إمكانه، واستدلH على وجوب المعاد مطلقاً بوجهين:

الأوّل: أنّ اللّه تعالى وعد بالثواب وتوعد بالعقاب مع مشاهدة الموت للمكلفين، فوجب القول بعودهم ليحصل الوفاء بوعده ووعيده.

الثاني: أنّ اللّه تعالى قد كلّف وفعل الألم وذلك يستلزم الثواب والعوض وإلاّ لكان ظالماً، تعالى اللّه عن ذلك علواً كبيراً، فإنّا قد بيّنا حكمته تعالى، ولا ريب في أنّ الثواب والعوض إنّما يصلان إلى المكلف في الآخرة لانتفائهما في الدنيا.

واستدل على ثبوت المعاد الجسماني بأنّه معلوم بالضرورة من دين محمّدk ـ، والقرآن دلّ عليه في آيات كثيرة بالنص، مع أنّه ممكن فيجب المصير إليه، وإنما قلنا بأنّه ممكن لأنّ المراد من الإعادة جمع الأجزاء المتفرقة وذلك جائز بالضرورة. ([300])

وقد أيد المعاد جميع الشرائع والأديان، وعدوا الاعتراف بعودة الانسان الى الحياة ركنا أساسيا في أديانهم، ويمكن إضافة قول رابع: هو انكار المعاد مطلقا لا جسما ولا روحا، وهو قول الملحدين والماديين الذين ينكرون مبدأ الحياة ووجود اللّه فكيف بالمعاد والبعث من جديد، وليس عند منكري المعاد والحياة الآخرة، إلا استبعاد ذلك نفسياً، وأنه أمر يصعب عليهم الإيمان واليقين بوقوعه! وردت‌ شواهد في‌ القرآن‌ الكريم‌ علی‌ هذه‌ الحقيقة‌ الكلّيّة‌ التي‌ ذكرناها:

 الاوّل‌: قصّة‌ إرميا، وكان‌ من‌ الانبياء فقد أماته‌ الله‌ وأمات‌ حماره‌ معه‌ ثمّ أحياه‌ بعد مائة‌ عام‌، ثمّ سأله‌: كم‌ لبثتَ؟ قال‌: يوماً أو بعض‌ يوم‌. فخاطبه‌ تعإلی‌: بل‌ لبثتَ مائة‌ عام‌: ﴿فَأَمَاتَهُ اللَهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ وقَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل‌ لَّبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ ([301])  

الثاني: قصّة‌ أصحاب‌ الكهف‌ الذين‌ أنامهم‌ الله‌ ثلاثمائة‌ سنة‌ شمسيّة‌ (تعادل‌ ثلاثمائة‌ وتسع‌ سنين‌ من‌ السنين‌ القمريّة‌) ثمّ أيقظهم‌، فقال‌ بعضهم‌ لبعض‌: كم‌ لبثنا هنا؟ قالوا: يوماً أو بعض‌ يوم‌. وكان‌ الله‌ تعإلی‌ يعلم‌ كم‌ استغرق‌ نومهم‌، قال تعالى: ﴿وَكَذَ ' لِكَ بَعَثْنَـ'هُمْ لِيَتَسَآءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَآنءِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ ([302])وقوله تعالى: ﴿وَلَبِثُوا فِي‌ كَهْفِهِمْ ثَلَـ'ثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا، قُلِ اللَهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا ([303])

 الثالث: عدم‌ إدراك‌ الافراد في‌ عالم‌ البرزخ‌ مقدار طول‌ الزمان‌ فيه‌، وهو أمر مسبّب‌ عن‌ التجرّد الروحيّ وتخطّي‌ عالم‌ الطبع‌، حتّي‌ بالنسبة‌ إلی‌ المجرمين‌. وقد ذُكر هذا المعني‌ في‌ سبعة‌ مواضع‌ من‌ القرآن‌ الكريم‌: ﴿يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَستَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِن‌ لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً([304]) وقوله تعالى :﴿يَتَخَـ'فَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن‌ لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْرًا([305]) وقوله تعالى : ﴿إِنِّي‌ جَزَيْتُهُمُ إلیوْمَ بِمَا صَبَرُو´ا أَ نَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ , قَـ'لَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي‌ الاْرْضِ عَدَدَ سِنِينَ , قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَو بَعْضَ يَوْمٍ فَسْئَلِ الْعَادِّينَ, قَـ'لَ إِن‌ لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً لَوْ أَ نَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ([306])وقوله تعالى : ﴿وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَ ' لِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ , وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالإيْمَـ'نَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي‌ كِتَـ'بِ اللَهِ إلی‌ يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَـ'ذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لاَتَعْلَمُونَ([307]) وقوله تعالى:﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَن‌ لَّمْ يَلْبَثُو´ا إِلاَّ سَاعَةً مِّنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ([308]) قال تعالى : ﴿كَأَ نَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُو´ا إِلاَّ سَاعَةً مِّن‌ نَّهَار ([309]) قال تعالى: ﴿كَأَ نَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَب'هَا([310])

 القيامة حتمية وثابته في القران الكريم ، ويشير إلى أن توقيتها مجهول لا يعلمه إلا الله : ﴿يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي([311]) لكن القران يصف القيامة وصفاً يصعب على الإنسان تصوّره، فهي لا تقتصر على الإنسان،يتحدّث عن تحوّل الجبال إلى ما يشبه القطن الناعم: ﴿وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ([312]) ، ويطرأ على الأرض تحوّل لا سابق له: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ ([313] وينطفئ نور الشمس وتتبخّر البحار وتنكدر النجوم: ﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَت([314])،﴿وَإِذَا الْبِحَارُ سُجِّرَتْ([315])

 والاصطلاح الفلسفي والکلامي ، فإنه تابع في الأصل إلى ما يتبناه من الفقهاء، والفلاسفة والحكماء سلكوا في ذلك مناهج شتّى، ولكنّها لم تخلُ من إنحياز إلى ما يناسب قواعدهم وأفكارهم المسبقة ونظر إلى المعاد من زاوية تخصّه، وتمّم المسألة بما يناسب مبانيه، ثمّ إختار الآيات التي تنسجم مع ما ذهب إليه، وعمد إلى تأويل الآيات التي لا توافق مسلكه , كالشيخ الرئيس عرفه بتعريف يتناسب مع مبناه الفلسفي في تحقيق المسائل ويختلف عمّا انتهى إليه من رأي في هذه المسألة بالذات ، فتعريفه يتفق مع القول بالمعاد الروحاني دون المعاد الجسماني الذي قال به في نهاية البحث ، تعبداً بالشرع المقدّس ، فقال فيه : ( إنه الحال الذي کان عليه الشيء فيه ، فباينه ، فعاد إليه ، ثم نقل إلى الحالة الأولى أو إلى الوضع الأول الذي يصير إليه الإنسان بعد الموت وانفصل عنه قبل الحياة الأخرى ) ([316])،لكن التأمل في هذا الکلام نجده يتناسب مع القول بأن المعاد روحاني فقط ، وهو ما توصل إليه عن طريق البحث العقلي دون البحث الشرعي , وأما الخواجة نصير الدين الطوسي فقد ذهب في تعريفه للمعاد بأنه : إعادة للأجزاء الأصلية ، أو هي مع النفس المجردة ، ([317])بينما يرى الغزالي أنّ المعاد يکون للنفس المجردة مع أي بدن کان ، من مادته الأولى أو من مادة أخرى ، مادام الشرع أجاز ذلک ، ([318]) فلا تناسخ في البين هذا بحسب تعبيره وقد بيّنا الکلام عنه مفصلاً في محله ، أي عند البحث في التناسخ وأقسامه وأدلة بطلانه ، فراجع ، بينما عرفه ملا صدرا الشيرازي بالشکل الذي يتناسب مع ما توصل إليه من نظر في مسألة المعاد الجسماني ، ([319]) وعليه فمن خلال ما ذکره ملا صدرا الشيرازي في جملة هذه الفروق ، يتضح لنا أن عالم الدنيا عالم آخر غير عالم الآخرة ، له قوانينه الخاصة به ، يختلف تماماً عن قوانين وخصائص عالم الآخرة ، فالدنيا تختص بظواهر الأشياء ، والآخرة تعد انکشافاً لبواطن هذه الظواهر ، کما قال تعالى : ﴿ فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ([320])، فالدنيا دار فناء والآخرة دار بقاء.

الموت هو أول منازل الطريق إلى المعاد، وأول مشاهد النشأة الآخرة، قال رسول الله k: «الموت القيامة، إذا مات أحدكم فقد قامت قيامته، يرى ما له من خيرٍ وشرّ» ([321]). وقال أمير المؤمنينg: «الموت باب الآخرة» ([322]) ويراد به قبض الروح وقطع تعلّقها بالبدن، أو الانتقال من نشأة الحياة الدنيا إلى نشأة الحياة الآخرة، وهو من فعل الله تعالى.

قال الصدوقHفي الاعتقادات: «إعتقادنا في الجنة أنها دار البقاء ودار السلامة لا موت فيها ولا هرم، ولا سقم، ولا مرض، ولا آفة، ولا زوال، ولا زمانه، ولا غم، ولا هم، ولا حاجة، ولا فقر. وأنها دار الغنى، والسعادة، ودار المقامة والكرامة، ولا يمس أهلها فيها نصب، ولا يمسهم فيها لغوب، لهم فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون، وأنها دارٌ أهلها جيران الله، وأولياؤه، وأحباؤه، وأهل كرامته. وهم أنواع ومراتب: منهم المتنعمون بتقديس الله وتسبيحه وتكبيره في جملة ملائكته.

   ومنهم المتنعمون بأنواع المآكل والمشارب والفواكه والأرائك والحور العين، واستخدام الولدان المخلدين، والجلوس على النمارق والزرابي، ولباس السندس والحرير. كل منهم إنما يتلذذ بما يشتهي ويريد، على حسب ما تعلقت عليه همته، ويعطى ما عبد الله من أجله..

   واعتقادنا في النار أنها دار الهوان، ودار الإنتقام من أهل الكفر والعصيان، ولا يخلد فيها إلا أهل الكفر والشرك، وأما المذنبون من أهل التوحيد فإنهم يخرجون منها بالرحمة التي تدركهم، والشفاعة التي تنالهم.

   وروي أنه لا يصيب أحداً من أهل التوحيد ألم في النار إذا دخلوها، وإنما تصيبهم الآلام عند الخروج منها، فتكون تلك الآلام جزاء بما كسبت أيديهم، وما الله بظلام للعبيد..

   واعتقادنا في الجنة والنار أنهما مخلوقتان، وأن النبي k قد دخل الجنة، ورأى النار حين عرج به. واعتقادنا أنه لا يخرج أحد من الدنيا حتى يرى مكانه من الجنة أو من النار، وأن المؤمن لا يخرج من الدنيا حتى ترفع له الدنيا كأحسن ما رآها ويرى، مكانه في الآخرة، ثم يخير فيختار الآخرة، فحينئذ تقبض روحه».

رواية عن الإمام الصادقg :(فإذا قبضه الله إليه صيَّر تلك الروح إلى الجنّة في صورة كصورته فيأكلون ويشربون، فإذا قدم عليهم القادم، عرفهم بتلك الصورة التي كانت في الدنيا)

في الختام عقيدتنا واضحة وعلى نهج محمدk وال محمدb ان الله تعالى يبعث الناس بعد الموت في خلق جديد في اليوم الموعود به عباده، فيثيب المطيعين ويعذب العاصيي وهذه عقيدة قرآنية جاء بها نبينا الأكرمk ، فإن من يعتقد بالله اعتقادا قاطعا ويعتقد كذلك بمحمد رسولا منه أرسله بالهدى ودين الحق لا بد أن يؤمن بما أخبر به القرآن الكريم من البعث والثواب والعقاب والجنة والنعيم والنار والجحيم في مجموعة من الآيات، وكذلك الروايات الشريفة على مسألة المعاد الجسماني، وأنه من ضروريات الدين التي يجب الإيمان بها , قال تعالى : (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ , بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ ([323]) وقال تعالى : (وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءِذَا كُنَّا تُرَبًا أَءِنَّا لَفِى خَلْقٍ جَدِيدٍ ([324]) ﴿ أَفَعَيِينَا بِٱلْخَلْقِ ٱلْأَوَّلِ  بَلْ هُمْ فِى لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ([325]) .

في خطاب نوح g إلى أُمّته، قال تعالى: ﴿وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتًا، ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا ([326]) ذكر المفسرون أنّ إبراهيم gرأى جيفة تمزقها السباع، فيأكل منها سباع البر، وسباع الهواء ودواب البحر، فسأل اللَّه سبحانه وقال: ياربّ قد علمت أنّك تجمعها في بطون السباع والطير ودواب البحر، فأرني كيف تحييها لأُعاين ذلك.

قال أمير المؤمنين g في إحدى خطبه في نهج البلاغة: «حتى إذا تصرّمت الأمور، وتقضت الدهور، وأزف النشور أخرجهم من ضرائح القبور، وأوكار الطيور، وأوجرة السباع، ومطارح المهالك سراعاً إلى أمره، مهطعين إلى معاده“ ([327]).

عن يونس بن ظبيان قال: دخل رجل على الإمام الصادق g: «... قال: افتتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق؟

قال g: بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور، فعند ذلك تبطل الأشياء، وتفنى فلاحس ولا محسوس، ثم أعيدت الأشياء، كما بدأها مدبرها، وذلك أربعمائة سنة يسبت" فيها الخلق، وذلك بين النفختين.

قال: وأنى له بالبعث والبدن قد بلى، والأعضاء قد تفرقت! فعضو ببلدة يأكلها سباعها، وعضو بأخرى تمزقه هوامها، وعضو قد صار تراباً بُني به مع الطين حائط؟

قال g: إن الذي أنشأه من غير شيء، وصوّره علی غير مثال کان سبق إليه، قادر أن يُعيده كما بدأه......([328])

المعاد الجسماني على إجماله إلا إعادة الانسان في يوم البعث والنشور ببدنه بعد الخراب، وإرجاعه إلى هيئته الأولى بعد أن يصبح رميما، ويُحشر في يوم القيامة بروحه وجسده، ونفس خصائص شخصيته التي كان عليها في الدنيا، وعندما يُنتهى من حسابه يُدفع به روحاً وجسداً، إما إلى الجنّة مُنعماً، أو إلى النار معذّباً.

 

والحمد لله رب العالمين

 

الفهرست

المقدمة ...............................................................................................................................5

مقدمة المؤلف ....................................................................................................................7

الأصل الأول: التوحيد ........................................................................................................9

مراتب التوحيد ..................................................................................................................21

الأصل الثاني: العدل ..........................................................................................................41

العدل الإلهي .....................................................................................................................47

شبهة الشفاعة .....................................................................................................................56

الأصل الثالث: النبوة ........................................................................................................63

أقول في النبي والرسول .....................................................................................................73

عقيدتنا في عصمة الأنبياءb ...........................................................................................84

جواز السهو على النبيk من عدمه ..................................................................................90

الإمكان الذاتي .................................................................................................................92

الإمكان الاستعدادي ..........................................................................................................93

الإمكان الوقوعي ...............................................................................................................94

الأصل الرابع: الإمامة .....................................................................................................105

المعنى اللغوي .................................................................................................................111

المعنى الاصطلاحي ........................................................................................................112

الأصل الخامس: المعاد ..................................................................................................137

أمكان المعاد الجسماني....................................................................................................143

الإمكان الذاتي ...............................................................................................................146

الفهرست ...................................................................................................................... 16

 

 

 

 



[1] _ النور آية : 35 )

[2] _ مطهري، التوحيد، ص 13.

[3] _ جوادي آملي، التوحيد في القرآن، ص 165.

[4] _ الصدوق، التوحيد، الباب 1، الحديث 8، ص 10؛ الباب 2، الحديث 26، ص

[5] _ طه: 109

[6] _نهج البلاغة, 13, خ1.

[7] _تفسير العياشي: لمحمد العياشي، ج2, ح155.

[8] _ فصلت - الآية 53

[9] _ محمد _ الآية /19

[10] _ الزخرف - الآية 22

[11] _ الأحقاف - الآية 4

[12] _ باب الحادي عشر العلامة الحلي ص 3_4 _5

[13] _ (مفاتيح الجنان).

[14] _ (مناجاة العارفين، مفاتيح الجنان).

[15] _ طه/110

[16] _ الشورى/11

[17] _ راجع المختصر: 125، 165، إرشاد القلوب: 2/209، المناقب: 267، ومشارق انوار اليقين للبرسي: 201.

[18] _شرح نهج البلاغة: ١٠ / ١٥٧.

[19] _- الاعتقادات - الشيخ الصدوق ص 21، 22

[20] _- الاعتقادات - الشيخ الصدوق ص 22، 26:

[21] _ التوحيد _ 98_ أبي جعفر محمّد بن علي بن الحسين بن بابويه القمّي

[22] _هذا الحديث رواه الكليني رحمه‌الله في باب معاني الأسماء من الكافي ، ورواه المجلسي رحمه‌الله في البحار في باب التوحيد ونفي الشريك عن المحاسن والاحتجاج وفيه بلفظ ( الأحد ) كلهم عن أبي هاشم الجعفري ، والسؤال ليس عن المفهوم لأن السائل عارف به ولا عن الحقيقة الشرعية إذ ليس له حقيقة شرعية وراء ما عند العرف ، بل عن معنى الواحد في حق الله تعالى أنه بأي معنى يطلق عليه تعالى ، فأجاب عليه‌السلام أنه يطلق عليه بالمعنى الذي اجتمع الناس كلهم بلسان فطرتهم عليه ، وذلك المعنى أنه تعالى لا شبيه له ولا شريك له في الألوهية وصنع الأشياء كما أشار إليه بالاستشهاد بقوله تعالى ( ولئن سئلتهم ـ الآية ) كما في الخبر الآتي ، وصرح به بعد ذكر الآية بقوله : ( بعد ذلك له شريك وصاحبه )؟! استفهاما إنكاريا كما في البحار عن الاحتجاج، ولا يخفى أن الحديث هنا وما في الكافي والمحاسن

[23] _ـ العنكبوت: ٦١، ولقمان: ٢٥، والزمر: ٣٨ ، والزخرف : ٩.

[24] _ ـ في نسخة (ج) (المشاهد) بصيغة المفعول من باب المفاعلة، وهو الأصح، وكذا فيما يأتي على الاحتمال الأول فيه.

[25] _ يحتمل أن يكون إشارة مضافا إلى الشاهد المدرك ويكون مفعول نبهوا محذوفا ويحتمل أن يقرأ بالتنوين ويكون الشاهد المدرك مفعول نبهوا فالمدرك على الاحتمال الأول بصيغة المفعول وعلى الثاني بصيغة الفاعل.

[26] _ نظير هذا يوجد في أحاديثهم عليهم السلام كتفسير الحروف المقطعة في أوائل السور وهذا منهم لا أنه وضع لغوي.

[27] _ الفرقان - الآية 43

[28] _الجاثية - الآية 23

[29] _ الفاتحة - الآية 5

[30] _ الأحزاب - الآية 39

[31] _ الاعتقادات - الشيخ الصدوق ص 21، 22:

[32] _ الاعتقادات - الشيخ الصدوق ص 22، 26:

[33] _ أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 80،82

[34] _ تقريب المعارف - أبو الصلاح الحلبي – مسائل التوحيد

[35] _ عقائد الامامية

[36] _   _ مثل هذا الإله من السهل جدا إنكاره خصوصا إذا أضفنا إليه الصفات التي وردت له في التلمود من تعلقه ببني إسرائيل وتدليله لهم وغضبه أحيانا عليهم ثم يضرب وجهه ويندم ويبكي ويلعب مع الحوت الكبير ويعقص شعر حواء.. إلى آخر تلك الصفات التي تدل على سقوط المتصف بها فضلا عن اعتقاد احترامه..

[37] _ الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ١٨٤

[38] _ النجم: 42

[39] _ العنكبوت - 46

[40] _ البقرة - 139

[41] _ التوحيد - الشيخ الصدوق - الصفحة ٧٦

[42] _ التوحيد - الشيخ الصدوق - الصفحة ٤٥٧

[43] _ کافي جلد 8

[44] _ شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٨٩

[45] _ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٤ - الصفحة ١٣٣

[46] _ النمل - الآية 14

[47] _ مجموعة من الصفات والقابليات التي تُخلق مع المولود، ويتّصف بها الإنسان في أصل خلقته سواء القابليات البدنية، أو النفسية، أو العقليّة.

[48] _ الكافي: للشيخ الكليين، باب فطرة الخلق على التوحيد، ج2, ح3.

[49] _ وما رواه محمد بن علي بن بأبويه مرفوعاً الى عبد الله بن المبارك عن سفيان الثوري عن جعفر بن محمد عن ابيه عن جده امير المؤمنين Aانه قال:(ان الله خلق نور محمد قبل خلق المخلوقات كلها بأربعمائة ألف سنه واربعة وعشرين ألف سنة، خلق منه اثني عشر حجاباً). والمراد بالحجب الائمة فهم الكلمة التي تكلم الله بها ثم ابدى منها سائر الكلم، والنعمة التي افاضها وافاض منها سائر النعم والامة التي اخرجها واخرج منها سائر الامم ولسانه المعبر عنه ويده المبسوطة بالفضل والكرم وقوامه على عباده بالحكم والحكم.

[50] _ الأمالي: للشيخ الصدوق، ص468, م90, ح1.

[51] _ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٧٤ - الصفحة ٣٠٤/ ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ١٨٩٤

[52] _ الشعراء - الآية 23

[53] _ القصص: 38

[54] _ غافر - الآية 37

[55] _ الإسراء - الآية 102

[56] _ الكافي - الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ٨٦ شرح أصول الكافي - مولي محمد صالح المازندراني - ج ٣ - الصفحة ٨٤   اعرفوا ا

[57] _ الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ١٠٤ – الكافي، کتاب الكليات في علم الرجال، صفحه ۲۵۲.

[58] _ بحار الأنوار - ج3واﻟﻜﺘﺎﺏ: ﻣﻨﺎﻇﺮﺍﺕ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﺼﺎﺩﻕ gﺍﻟﻤﺆﻟﻒ: ﺍﻟﺤﺎﺝ ﺣﺴﻴﻦ ﺍﻟﺸﺎﻛﺮﻱ

[59] _ لمسلك في أصول الدين، المحقّق الحلّي: النظر الثاني، البحث الرابع، ص 97 ـ 98. ص 41

[60] _من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج ٢ - الصفحة ٥٩٩

[61] _  لقمان: 25

[62] _ 22 الأنبياء

[63] _ الروم:30

[64] _ لسان العرب؛ ج‌11، ص: 430

[65] _النكت الاعتقادية للشيخ المفيد ص 32، ونهج الحق للعلامة الحلي ص 85).

[66] _ توحيد الصدوق، ص32.

[67] _ قاسم أحمد جابر، الفلسفة والاعتزال في نهج البلاغة، ص84.

[68] _ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج13، ص44.

[69] _ آل عمران- الآية 182

[70] _  هود- الآية 44.

[71] _  النحل - الآية 90.

[72] _ النساء- الآية 165

[73] _ يونس - الآية 35.

[74] _ في كتابه " اللمع " ص 116 ، الباب السابع

[75] _ هود - الآية 117

[76] _ نهج الحق ، ص 72.

[77] _ طه - الآية 50

[78] _ آل عمران - الآية 18

[79] _ الأعلى - الآية 3

[80] _ الإفطار _ الآية 6 الى الآية 19

[81] _ الحديد - الآية 25

[82] _ النحل - الآية 90

[83] _ الأعراف - الآية 29

[84] _ المؤمنون - الآية 62

[85] _ الأنبياء الآية 47

[86] _ النمل - الآية 88

[87] _ التين - الآية 4

[88] _ لقمان - الآية 11

[89] _ رواه ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللآلي ص 4: 111،

[90] _ النحل الآية /28،

[91] _ المائدة الآية /69

[92] _ منقولٌ من كتاب دروس في العقيدة الإسلامية، للشيخ محمد تقي مصباح اليزدي

[93] _ القمر - الآية 50

[94] _ مطهري، العدل الإلهي: 292 ـ 300.

[95] _ البقرة - الآية 48

[96] _ النساء الآية / 116

[97] _ الاَنبياء:28

[98] _ ميزان الحكمة: 2 / 1473.

[99] _ من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج ٣ - الصفحة ٥٧٤

[100] _ في ظلال التوحيد - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٥٤٥

[101] _ صحيح مسلم - جامع السنة وشروحها

[102] _ الأنعام الآية 16

[103] _ البقرة - الآية 48

[104] _المدثر الآية: 48

[105] _ البقرة الآية :123

[106] _ يونس: 18

[107] _ الأنبياء: 28

[108] _ المدثر - الآية 48

[109] _ مريم: 87

[110] _مريم: 87

[111] _ البقرة: 255

[112] _ يوسف - الآية 97

[113] _ يوسف - الآية 98.

[114] _ القاموس، مفردة (نبأ).

[115] _ الميزان، ج14، ص 58.

[116] _ المصطلحات الإسلامية، مرتضى العسكري، ص63.

[117] _ المصطلحات الإسلامية، مرتضى العسكري، ص63.

[118] _ التحريم - الآية 3

[119] _ شرح الباب الحادي عشر، ص34.

[120] _ عقائد الإمامية، ص 31.

[121] _ القيامة - الآية 36

[122] _ التين: الآية ٤

[123] _ الإسراء - الآية 70

[124] _ فصلت من الآية:35]

[125] _ الرباني الكلبايكاني، القواعد الكلامية، ص 106.

[126] _الأنبياء/107

[127] _ النحل/36

[128] _ الجمعة - الآية 2

[129] _ المائدة/44

[130] _ بحار الأنوار، ج11، ص39

[131] _ طه، آية: 134

[132] _ بحار الأنوار، ج11، ص29-30

[133] _ نفس المصدر السابق، ص40

[134] _ الشورى/13

[135] _ مريم:51

[136] _ الحج:51

[137] _ الاسراء الاية :15

[138] _ الأحزاب - الآية 7

[139] _ الشورى - الآية 13

[140] _ النمل - الآية 35

[141] _ مريم - الآية 51

[142] _ الحج - الآية 52

[143] _ الحج - الآية 52

[144] _ المائدة - الآية 67

[145] _ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١١ - الصفحة ٣٢

[146] _ الحج - الآية 52

[147] _ وقد ورد في الحديث أن الكتب المنزلة من قبل الله سبحانه وتعالى إلى رسله (104) صحيفة نزل (21) منها على آدم و(50) على شيث بن آدم ، و(29) على إدريس بن يارد بن مهلائيل بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم وانزل على إبراهيم بن تارخ بن ناحور (20) صحيفة منها وانزل على موسى بن عمران التوراة ، وعلى عيسى بن مريم الانجيل وعلى داود بن إيشا من ولد يهوذا الزبور ، وانزل القرآن على خاتم الأنبياء محمد بن عبد الله بن عبد المطلب f، ومن هنا يظهر أن الشرائع السماوية بل الكتب المنزلة على الأنبياء والرسل جاءت احداها لتكمل الأخرى وتطورها.

[148] _ النساء: 164

[149] _ تفسير البيضاوي (4/133).

[150] _ النمل - الآية 35

[151] _ المائدة الآية 31

[152] _ الأنعام - الآية 89

[153] _ غافر - الآية 34

[154] _ غافر الآية - 34

[155] _الأنبياء ٧٢-٧٣]

[156] _ مريم - الآية 54

[157] _كامل الزيارات: ٦٤. بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٣ - الصفحة ٣٨٨

[158] _ النجم: 3، 4

[159] _ المستصفى، أبو حامد محمد بن محمد الغزالي الطوسي تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي، 1413هـ - 1993م، (ص: 104).

[160] _الجامع لأحكام القرآن تفسير القرطبي، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري الخزرجي.

[161] _ حاسن التأويل، محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي

[162] _ ص - الآية 26

[163] _ سنبين ذلك في بحث كامل في ص 88 في نفس الكتاب

[164] _ المجلسي، بحار الأنوار، ج 25، ص 200 و164.

[165] _ السبحاني، بحوث في الملل والنحل، ج 2، ص 113-167

[166] _ البقرة الآية 23

[167] _ الاعراف الآية 23

[168] _ ص الآية 82  

[169] _ طه الآية 121

[170] _ ال عمران الآية 33

[171] _ النجم الآية 3_ 5

[172] _ الأحزاب:33

[173] _ آل عمران، الآية 103

[174] _ يوسف، الآية 32

[175] _ النساء ي الآية (64) 

[176] _ البقرة:124).

[177] _ النجم - الآية 3

[178] _ الأنفال - الآية 67

[179] _ 110 الكهف

[180] _ مشارق أنوار اليقين –البرسي روى الصدوق في (الخصال) قال: قال أمير المؤمنين g: (إياكم والغلو فينا، قولوا إنا عبيد مربوبون، وقولوا في فضلنا ما شئتم) (الخصال: 614). وأيضاً روى الصفار في (بصائر الدرجات ص216) عن أبي عبد الله g: (يا إسماعيل لا ترفع البناء فوق طاقتنا فينهدم، إجعلونا عبيداً مخلوقين، وقولوا فينا ماشئتم). وجاء في (كشف الغمة) للأربلي عن أبي عبد الله g: ((يا مالك ويا خالد قولوا فينا ما شئتم واجعلونا مخلوقين)) (كشف الغمة 2: 415). وأيضاً في حديث لأمير المؤمنين gجاء فيه: (أنا عبد الله وخليفته على عباده لا تجعلونا أرباباً، وقولوا في فضلنا ما شئتم، فإنكم لا تبلغوا كنه ما فينا، ولا نهايته) (بحار الأنوار 26: 2).

[181] _الأحزاب - الآية 40

[182] _ الرعد الآية 7

[183] _متن شرح العقيدة الطحاوية، ص 379

[184] _الأنبياء ٧٢-٧٣

[185] _ المؤمنون:44”،

[186] _ الإسراء من الآية: 1

[187] _ الأنبياء: 73

[188] _ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢ - الصفحة ٨٣

[189] _ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٤ - الصفحة ٢

[190] _ كتاب سليم بن قيس - تحقيق محمد باقر الأنصاري - الصفحة ٤٦٠

[191] _ الرعد - الآية 7

[192] _ علي بن محمد الجرجاني ـ شرح المواقف ـ ج8 ـ ط1ـ منشورات الشريف الرضي ـ 1907م ـ ص 345.

[193] _ لبقرة:124

[194] _ النافع يوم الحشر ـ شرح الباب الحادي عشر: ٤٤.

[195] _ الأنبياء- الآية 73

[196] _ القصص الآية - 41

[197] _ ابن منظور ـ لسان العرب ط1ـ دار إحياء التراث العربي ـ 1405هـ.

[198] _ .                 أبو الحسين أحمد بن زكريا بن فارس ـ معجم مقاييس اللغة ـ ط1ـ دار إحياء‏..

[199] _ الإسراء - الآية 70

[200] _ فاطر - الآية 39

[201] _ البقرة - الآية 30

[202] _ الأنعام - الآية 133

[203] _يونس - الآية 14

[204] _ محمد - الآية 38

[205] _ يونس - الآية 73

[206] _ الأعراف - الآية 69

[207] _ البقرة - الآية 122

[208] _ ا لبقرة _ لآية 143

[209] _ ص - الآية 26

[210] _ الحج - الآية 78

[211] _ _ ابراهيم - الآية 37

[212] _الصافات - الآية 102

[213] _ الصافات - الآية 103

[214] _ البقرة - الآية 124

[215] _القصص: 30

[216] _العلق: 1.

[217] _ الأنبياء: 60.

[218] _ الصافات: 106.

[219] _ هود: 72.

[220] _ إبراهيم: 41.

[221] _ البقرة - الآية 247

[222] _ لبقرة، الآية (124).

[223] _ شرح الرضي على الكافية، رضي الدين الاسترابادي، ج3، ص 415.

[224] _ مريم - الآية 54

[225] _ البقرة - الآية 13

[226] _ الصافات - الآية102

[227] _ الأنفال - الآية 30

[228] _ الصافات - الآية 107

[229] _ ومصداق لقوله تعالى: قال تعالى: (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)

[230] _ الأنفال - الآية 30

[231] _ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ١٩ - الصفحة ٦٠

[232] _ النساء - الآية 125

[233] _ النساء/125

[234] _ المحرر الوجيز لابن عطية — ابن عطية (٥٤٦ هـ)

[235] _ المائدة:55

[236] _ التوبة:71

[237] _ النساء:59

[238] _) تفسير الرازي 10: 144 ذيل الآية (55) من سورة المائدة، المسألة الثالثة.

[239] _مسند الإمام علي (ع) ـ ج 07 / الصفحات: ٦١ - ٨٠

[240] _ الجن - الآية 16

[241] _ مشارق أنوار اليقين: ص40.

[242] _ المائدة - الآية 3

[243] _ الزخرف - 28)

[244] _ تفسير الطبري

[245] _ البقرة - الآية 124

[246] _ مسند أحمد، رقم الحديث ۹۱۵.

[247] _مسند أحمد، رقم الحديث ۹۰۶.

[248] _ مسند أحمد، رقم الحديث ۱۲۴۲.

[249] _ تاريخ اليعقوبي ۲: ۱۱۲.

[250] _ المائدة: ۶۷

[251] _ الأصول من الكافي ۱: ۲۹۵.

[252] _ البقرة - الآية 124

[253] _ المؤمنون: 83 / 115

[254] _ الأحقاف: 46/33.

[255] _ الروم - الآية 27

[256] _ غرر الحكم / الآمدي 2: 35/3

[257] _ القصص: 85

[258] _ الروم: 27

[259] _ ولعلّ أوّل من ذكر مسألة عدم ورود كلمة (المعاد) في النصوص الإسلامية، العلامة المجلسيّ في اعتراضه على مسألة عودة الأرواح إلى الأبدان؛ حيث تساءل فيما إذا كانت هناك كلمة بالأصل تدلّ على عودة الأرواح للأجساد.

وأما استخدام القرآن لكلمة "تعودون" كما في (كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) الأعراف/ 29، فهي وإن دلّت على العود، إلا أنّها لم تذكر "المعا د" بهذا الوزن بمعنى زمان أو مكان العود.

[260] _ الرعد:36.

[261] _ العلق:8.

[262] _- النجم:42.

[263] _ أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج، ج 2، ص 104

[264] _-الأسفار ج 9، ص 165. و"دوهرمراد" المقالة الثالثة، الباب الرابع، ص 449.فارسي

[265] _ قال الشيخ الرئيس: "يجب أن يعلم أنّ المعاد منه ما هو مقبول من الشرع، ولا سبيل إلى إثباته إلا من طريق الشريعة وتصديق خبر النبوة، وهو الّذي للبدن عند البعث، وخيراته وشروره معلومٌ لا يحتاج إلى أن يعلم، وقد بسطت الشريعة الحقّة التّي أتانا بها سيدنا ومولانا محمد k، حال السعادة والشقاء التي بحسب البدن. ومنه ما هو معلوم مدرك بالعقل والقياس البرهاني، وقد صدقته النبوة وهو السعادة والشقاوة الثابتتان بالقياس إلى نفس الأمر، وإن كانت الأوهام منّا تقصر عن تصورهما الآن. والحكماء الإلهيون، رغبتهم في إصابة هذه السعادة أكثر من رغبتهم في إصابة السعادة البدنية، بل كأنهم لا يتلفتون إلى تلك وإن أعطوها، فلا يستعظمونها في جنب السعادة التّي هي مقاربة الحق الأول

[266] _ يوسف، 107.

[267] _ الأحقاف، 4.

[268] _ يس، 78، 79.

[269] _ العنكبوت، 19.

[270] _ الروم، 27.

[271] _ غافر، 57.

[272] _ الأحقاف،

[273] _ يس، 81.

[274] _ ق، 9 ـ 11

[275] _ لروم، 19.

[276] _ الروم، 50.

[277] _ الحج، 5، 6.

[278] _ المؤمنون، 12 ـ 16.

[279] _ يس، 79، 80.

[280] _ الواقعة، 71 ـ 73.

[281] _ البقرة، 259.

[282] _ البقرة، 260.

[283] _ البقرة - الآية 72

[284] _ سعد الدين التفتا زاني، شرح المقاصد، ج 2، ص 153.

[285] _ فخر الدين الرازي، الأربعين في أصول الدين، ص 292.

[286] _ صدر الدين الشيرازي، مفاتيح الغيب، المفتاح 12، المشهد 7، ص 298.

[287] _ نقلاً عن: د. عاطف العراقي، النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد، بهامش ص 293.

[288] _ العلامة الحلي، کشف المراد في شرج تجريد الاعتقاد، تحقيق وتعليق السبحاني ص 258، 259.

[289] _ نصير الدين الطوسي: رسالة قواعد العقائد،  

[290] _ ابن سينا: رسالة أضحوية في أمر المعاد، تحقيق سليمان دنيا، دار الفكر العربي بمصر، الطبعة الاولى، 1368هـ - 1949م، ص50-51 و55-57. كذلك: المبدأ والمعاد لصدر المتألهين، ص423-424.

[291] _ رسالة في دفع الغم من الموت، ص50.

[292] _ المبدأ والمعاد، ص114.

[293] _ تهافت التهافت، ص84-93.

[294] _ انظر مثلاً ما يقوله ابن سينا في: رسالة أضحوية في أمر المعاد، تحقيق سليمان دنيا، دار.

[295] _ يقول صدر المتأهلين: «إن الذي صرف النصوص الواردة في اخبار الآخرة عن ظاهرها ومؤداها وحوّل الآيات الدالة على احوال القبر والبعث عن منطوقها وفحواها، وزعم أنها عقلية او وهمية محضة، وليس لها وجود عيني؛ جهل او تجاهل انه لو كان الأمر كما توهم وأوهم، لزم أن يكون تشريع الشرائع للإضلال والغواية لا للإرشاد والهداية، ولم يعلم ان اولئك الهداة الصادقين المعصومين عن الغلط والخطأ قرروا، إن الذي قرر في نفسه العقائد الفاسدة ورسخ في ذاته العلوم الباطلة، كانت نفسه ظالمة جاهلة معذبة أبداً، إذ هي لا يزول عنها أبداً ولا يزول الملكات التي هي آثار الأفعال والأعمال قطعاً... فلو لم يكن مفهوماتها الظاهرة ومعانيها الأولية حقة، لكانت ضلالات وجهالات، ومن اعتقدها كان معذباً لما قرروه، فيلزم ان يكون ما اكتسبه الصلحاء والاتقياء لنيل الدرجات يوجب حرمانهم عن الجنات واللذات وأن لا يكونوا في الجنة أبداً ولم يكن لهم لذّات قطعاً» (المبدأ والمعاد، ص413-414).

[296] _تهافت التهافت، ص578-579.

[297] _ تهافت التهافت، ص578-579

[298] _ تفسير ما بعد الطبيعة، ج3، ص1489-1490.

[299] _ ابن سينا: كتاب النفس من الشفاء، طبعة جامعة اكسفورد، لندن، 1959م، ص209. كما انظر مقدمة كتابه المباحثات، في: أرسطو عند العرب، ج1، ص120.

[300] _كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد قسم الالهيات ونسنده: العلامة الحلي، تقرير الشيخ جعفر السبحاني مجلد: 1 صفحه: 258

[301] _: البقرة‌. الآية‌ 259.

[302] _ الكهف‌ الآية‌ 19

[303] _ الكهف‌. الآيتان‌ 25 و26

[304] _ الأسراء الآية‌ 52

[305] _ طه‌. الآية‌ 103

[306] _ المؤمنون‌ ـ الآيات‌ 111 إلي‌ 114

[307] _ الروم‌ لآيتان‌ 55 و56

[308] _ يونس‌ الآية‌ 45

[309] _ الاحقاف الآية‌ 35

[310] _ النازعات‌ الآية‌ 46،

[311] _ الأعراف: 187.

[312] _ القارعة: 5.

[313] _ ابراهيم: 48.

[314] _ التكوير:1-2.

[315] _ التكوير:6.

[316] _ النزعة العقلية في فلسفة ابن رشد، بهامش ص 293.

[317] _ العلامة الحلي، کشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، قسم الإلهيات، تحقيق الشيخ جعفر السبحاني، ص 259..

[318] _ محمد الغزالي، تهافت الفلاسفة، ص 243.

[319] _ بدرالدين الشيرازي، مفاتيح الغيب، المفتاح 12، المشهد 7، ص 298.

[320] _ ق - الآية 22

[321] _ كنز العمال / المتقي الهندي 15: 548/42123..

[322] _ غرر الحكم / الآمدي 1: 23/371.

[323] _ القيامة: 3

[324] _ الرعد: 5.

[325] _ ق: 14.

[326] _ نوح: 17ــ18.

[327] _ الشريف الرضي، نهج البلاغة، ص 29، خ 83.

[328] _ الطبري، الأحتجاج، ج 2، ص 86.