السبت، 25 مارس 2023

 كتاب الروح والنفس_ الفصل الثاني 

بداية الكون

        جاء في دعاء الصباح: (يا مَنْ دَلَّ عَلى ذاتِهِ بِذاتِهِ وَتَنَزَّهَ عَنْ مُجانَسَةِ مَخْلُوقاتِهِ وَجَلَّ عَنْ مُلاءَمَةِ كَيْفِيّاتِهِ، يا مَنْ قَرُبَ مِنْ خَطَراتِ الظُّنُونِ، وبَعُد عن ملاحظة العيون، وعَلِمَ بما كان قبل أن يكون. يامن أرقدني في مهاد أمنه وأمانه...) ([1])

        وهذا ايضا من الابحاث الفلسفية العميقة وقد يكون من الصعوبة على بعضنا فهم بعض المطالب، ولكن الانسان بطبيعته يتساءل عن المجهول ويريد جواب عن هذا الامر، وكل الثقافات لها رؤيا خاصة وخاصة في بداية الخلق وأغلبها عبارة عن أساطير بعيدة عن الحقيقة الواحدة والتي قال بها الأنبياءb لا غيرها، وهذه الأساطير لها تأثير ملحوظ في تفكير الناس، وعلاقتهم بما يحيط بهم، والديانات الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام يشتركون في رواية واحدة للخلق.

     من اساسيات المنهج العقلي في الفلسفة، ان ننطلق في تحليلنا لأي نظام من نقطة البداية له. لا نطرح لها سببا ولا نطلب تفسيرا.

      ويعتبر الفلاسفة الملحدون وجود الكون والقوانين الطبيعية التي تتحكم فيه هي نقطة البداية، اي انها موجودة سابقا (ازلية الوجود)، ولا يطلبون تفسيرا عند دراسة كل ما يتعلق بالكون، والفلاسفة المؤمنون بالله الحكماء يعتبرون وجود الاله الخالق لهذا الكون ولقوانينه الطبيعية هي نقطة البداية التي لا تفسير لها، فالطرفان متفقان على وجود نقطة بداية للوجود. ويختلفان في طبيعتها ولا يعرفان تفسيرا لها، يقول علماء إنه منذ حوالي 13.7 مليار سنة تشكّل الكون. وما زلنا لا نعرف بالضبط الظروف التي حدث في ظلها، وما إذا كان هناك وقت قبل ذلك.. يبدو أن نظرية الانفجار العظيم تمثل أفضل محاولات علماء الكونيات لإعادة بناء قصة عمرها يقرب من 14 مليار سنة من عمر الكون، وذلك بناء على الجزء المرئي من الوجود اليوم... بدأ كل شيء، ما ندركه وما لا ندركه، بنقطة كثيفة متناهية الصغر شديدة الحرارة والكثافة، وفي غضون جزء صغير جدًّا جدًّا من الثانية حدث لها تضخم "Inflation" كنفخة عظيمة وانفجار بسرعة لا يمكن تصورها، لتصبح أكبر من حجمها الحقيقي بمليارات المرات، يبدأ الكون بعدها في التمدد وتقل درجة حرارته خلال مليارات السنين، مر خلالها بكثير من المراحل إلى أن أصبح بيئةً مليئةً بالمجرات والنجوم والكواكب والبشر والطاقة المظلمة وغيرها , نكرر بعض النظريات في الأبحاث لأجل الفائدة واتمام الفكرة , وكما بينا ان أشهر النظريات التي كثيرا ما يؤمن بها الملحدين نظرية التَّطور لداروين , والتي تقول ان سبب تغيُّر فِي الصّفات الوراثية المُتَوارَثَة بَين الكائنات الحية مَع الوَقتِ، مما يؤدي إلى إنتاج أنواعٍ متعددةٍ، أَو إِحداث تَغيُّراتٍ فِي النَّوع الواحد للكائنات الحيَّة , لا وجود لدليل ان الحيوان كان بشكل والان بشكل اخر او انه تطور واصبح له عقل والانسان منذ بداية الخلق وهناك حيوانات والانسان هو الانسان والحيوان هو الحيوان.

    وهذه النظرية أكذوبة علمية كبيرة تدحضها النصوص القرآنية وقبلها الكتب السماوية، وان يعتبرها بعض الدول التي تبتعد عن الدين منهج علمي وتُدرّس في معظم الجامعات الكبيرة ويستغلها استغلالاً بشعاً في دحض قصّة الخلق ونفي وجود الإله كليّة. وهذا فهم سحطي خلاف العلم، ونحاول رفض هذا النظرية عن طريق العلم إذا كان المنهج علمي وفكري، نقول استطاع القران الكريم احتواء نظرية التطور واستطاع تفسير الجانب الإنساني والروحي للإنسان، والذي عجزت عن تفسيره الفلسفة المادية بأسرها _ في البداية: (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ۚ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)([2]) القرآن الكريم يحفّزنا على أنّ نتفكر ونتدبر في كيفية بدء الخلق وقال تعالى ﴿"وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ , ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلَالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ , ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۚ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ([3]) هذه الآيات واضحة الدلالة على أنّ خلق الإنسان من طين مجرّد بداية تلته عدّة مراحل بينها فواصل زمنية قبل الوصول الى صورته الأخيرة.. وقد تكرر ذكر كلمة (ثمّ) التي تدل على الترتيب مع التراخي في الزمن، فالمسألة (ربما) ليست مسألة لحظية بين الخلق من الطين والتسوية والنفخ، وإنّما التراخي في الزمن هنا قد يدلُ على أنّ المسافة بين كلِّ مرحلة قد تكون طويلة وطويلة جدا. وقال تعالى : ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ" ([4]) وفي هذه الآية الكريمة أيضاً دليل آخر واشارة ان هناك مدة زمنية بين الخلق والتصوير، قال تعالى: ("وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ ۚ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ ([5]) هو اخذ من المنهج السماوي من الكتب السماوية ووضع نظريته وإلا هذه المسافات الزمنية او الاقوال لم تأتي من فراغ  بل هو ان النظرية تتفق مع ما جاء من تفسير للآيات القرآنية , وان الانسان تطور وليس المهم عندنا اثبات خطأ او ما قاله دارون لكن التطور موجود في الانسان في مراحل خلقه , لكن هذا من الجانب العلمي المادي لم يصل هؤلاء العلماء الماديين الى اخلاق الانسان التي تتعارض مع طبيعة الحيوان، فالأخلاق فيها رفض كاملٌ وتمرد على المبدأ الحيواني القائم على المنفعة، من أين جاء بها الإنسان، كذلك الخير والشرّ، الظلم والعدل، الصواب والخطأ، كلّ هذه المعاني خارجة عنّ عالم الطبيعة الحتمية والحيوانية، إنّها جاءت من عالمٍ آخر غير الذي يعرفه الحيوان المتطور حتّى الدين، كيف للحيوان المتطور أنّ يجيء بالدين؟ والشعائرية؟ كلّ هذا خارج عنّ إطار العالم المادي الحتمي، وان كان الانسان درس وبحث في التفسير المادي والنمو البيولوجي للإنسان وظواهر حياة الإنسان، لكنّه في المقابل يعجز تماما عن تفسير جوهر إنسانية الإنسان. يتميز الإنسان بإنسانيته، والتي تعد مفرق الطريق بيّنه وبين الحيوان الكامل المتطور حسب التفسير المادي.

  واخر النظريات الالحادية، هي ان الكون قد نشأ من العدم، يؤكد عالم الفيزياء النظرية البريطاني ستيفن هوكنج ([6])، ان علم الفيزياء الحديثة يشير الى نشأة الكون من العدم اي من لا شيء. اذن العلم قدم دليلا نظريا على ان للكون بداية وليس هو ازلي الوجود.

      الكون نشأ من العدم.. اذن الكون مخلوق في زمن ما وله بداية، ولابد لكل مخلوق من خالق ولكل سبب من مسبب ... وهذا يتطابق تماما مع الكتب المقدسة التي تتحدث عن خلق الكون او السماء والارض والنجوم من قبل خالق عظيم. وكذلك خالق للحياة، الانسان والحيوانات والنباتات بكل اصنافها واشكالها.

     وإضافة الى نظريته الثقب الأسود، تنمو كتلته ومساحة سطحه. ولكن مع نموه، فإنه يدور أيضًا بشكل أسرع، مما يقلل من مساحة سطحه. تؤكد نظرية ستيفن هوكينغ أن الزيادة في مساحة السطح التي تأتي من الكتلة المضافة ستكون دائمًا أكبر من النقص في مساحة السطح بسبب الدوران الإضافي.

   النتيجة : هذا الكون حادث من العدم ليس قديمًا أزليًّا، بل له بداية لوجوده، خُلق فيها وانتقل بموجبها من العدم إلى الوجود , والقول الاخر انه أزلي لا يصمد امام الأدلة ولا دليل عندهم , وبما انه حادِثٍ لا بد له مِن مُحدِث، أو كل ما له بداية فلا بد له من سبب ودليل الخلق والإيجاد يقوم هذا الدليل على الاستدلال بحدوث الكون بعد أن لم يكن على ضرورة وجود خالق عليم أحدث هذا الكون، فالكون حَدَثٌ من الأحداث، فلا بد له مِن مُحدِث يقوم بإحداثه وفعله وإيجاده من العدم , وهذا الصانع والخالق والمدبر عظيم ولو فكر الإنسان في نفسه رآها مدبرة، وعلى أحوال شتى مصرفة، كان نطفة ثم علقة، ثم مضغة؛ ثم عظامًا، ولحمًا، فيعلم أنه لا ينقل نفسه من حال النقص إلى حال الكمال، لأنه لا يقدر أن يحدث في الحال الأفضل، التي هي حال كمال عقله، وبلوغ أشده عضوًا من الأعضاء، ولا يمكنه أن يزيد من جوارحه جارحة، فيدله ذلك على أنه في وقت نقصه، وأوان ضعفه عن فعل ذلك أعجز؛ وقد يرى نفسه شابًّا، ثم كهلًا ثم شيخًا، وهو لم ينقل نفسه من حال الشباب والقوة إلى حال الشيخوخة والهرم، ولا اختاره لنفسه، ولا في وسعه أن يزايل حال المشيب ويراجع قوة الشباب، فيعلم بذلك أنه ليس هو الذي فعل هذه الأفعال بنفسه؛ وأن له صانعًا صنعه، وناقلًا نقله من حال إلى حال، ولولا ذلك لم تتبدل أحواله بلا ناقل ولا مدبر.

   وهذا الخالق المدبر اتقن في خلقه وكل الأدلة تشير الى ان هذا الصانع الكامل وكل الأدلة المطلقة على أن الكون خلقه الله بدقة متناهية واتزان دقيق، وحظي علم الفلك بعنايته وباهتمام الإسلام وأهله وهذا في كل النظريات والآراء في الديانات  السماوية في سفر التكوين (عند اليهود أو المسيحيين) أو الموجودة في القرآن الكريم عند المسلمين أورد عددا كبيرا من الآيات المتعلقة بالكون والفلك وان كان المقصود منها الهداية فهي تشير وتؤكد عظم هذا الخلق، وردت مفردات فلكية وظواهرها في مئات الآيات ذكرت السماء 310 مرات والشمس 33 مرة والقمر 27 مرة والنجم 13 مرة والأرض 339 مرة , وحتى أسماء بعض السور بمفردات كونية مثل القمر والنجم والشمس والمعارج والتكوير والانفطار والبروج والانشقاق، والقرآن ليس كتاباً علمياً لكن يزخر بأساسيات العلوم كلها ويدعو الى تدبر آياته وفهم معانيه , لكن ويبقى السؤال وتفكير الكثيرين من الباحثين والعلماء المتخصصين وحتى الناس العاديين، كيف بدأ خلق هذا الكون الشاسع؟

قال تعالى: ﴿قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ* وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ* ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِين* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ([7]),أن الله سبحانه وتعالى هو الأول، فهو الأول بلا ابتداء، وهو الأول فليس قبله شيء، كما قال سبحانه: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ([8]) لكن مازال هناك من هو بعيداً عن التدبر والتأمل ويذهب خلف الخرافات والتصورات الخيالية في عقول الناس حول نشأة الكون قبل آلاف الآلاف من السنين ومحاولات الفلاسفة النظرية، تأتي الحقائق أو المحاولات العلمية كنظرية «الانفجار العظيم» وتم اكتشاف موجات راديو منبعثة من جميع أرجاء الكون سميت بالنور الآتي من الأزمنة السحيقة ومن بقايا الانفجار العظيم. وأكدت وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» في عام 1989م نظرية الانفجار العظيم، وسمي ذلك كله باكتشاف القرن العشرين، وتتنوع الأساطير في هذا المجال والمجالات الأخرى كل شعب له تاريخ معين وثقافة خاصة تخلف عن الأخرى وهذه الثقافات جاءت عن فلسفات وتحولت الى اساطير، وسأتطرق وبشكل مختصرة إلى بعض منها لأجل الفائدة في كيف فكرة الشعوب في نشأة الكون قبل الاف السنين، وهنا تتنوع الأساطير في هذا المجال نضع موجز عن الديانات والاساطير التي كانت ومنها مازال الى اليوم كعقيدة ودين رسمي لشعوب كبيرة.

الديانات الإغريقية

    وضع الشعراء اليونانيون الأوائل روايات مختلفة لبداية الخلق، أشهرها قصيدة «ثيوغوني» لـ«هيسيود». في القصيدة، يقول هيسيود إن أول الآلهة خُلق من الفوضى، بما في ذلك غايا (الأم الأرض)، وخلقت غايا أورانوس، أي السماء، لتغطي نفسها، ثم خلقا معًا مجموعة غريبة من الآلهة والوحوش، منها «الهيكتانوركايرز» (وحوش ذات 50 رأسًا ومئة يد)، ومخلوقات «السايكلوب» (ذوو الأعين المستديرة)، الذين صنعوا لزيوس صواعقه لاحقًا، ثم جاءت الآلهة المعروفة باسم الجبابرة، وهم ستة أبناء وست بنات , كان أورانوس يحتقر أطفاله الوحشيين فسجنهم في «تارتاروس» ببطن الأرض، فغضبت غايا وخلقت منجلًا هائلًا وأعطته لابنها الأصغر كرونوس ولقنته بعض التعليمات. وعندما حاول أورانوس مضاجعة غايا بعدها، أسرع كرونوس بمهاجمة والده وقطع خصيتيه، ووُلد مزيد من الوحوش من الدماء التي سالت من أورانوس، كان بينهم العمالقة والحاقدات، ومن زَبَد البحر الذي انبثق من الخصيتين المقدستين لأورانوس، كانت الإلهة أفروديت، وبعد ذلك أصبح كرونوس أبًا للجيل القادم من الآلهة: زيوس وآلهة الأوليمب , والديانة الإغريقية القديمة هي مجموعة من المعتقدات والطقوس والأساطير التي نشأت في اليونان القديمة في هيئة دين العامة المُفضل وممارسات الطوائف.، على الرغم من أن معظم المعتقدات والطقوس كانت متشابه بشكل كبير، الا إنها اختلفت بما فيه الكفاية حتى يمكن التحدث عن الأديان اليونانية أو "الطوائف" في صيغة الجمع.

   عرف معظم الإغريق القدماء الآلهة والإلهات الاثني عشر الأولمبيون: (زيوس، هيرا، بوسيدون، ديميتر، أثينا، آريز، أفروديت، أبولو، أرتميس، هيفايستوس، هيرميز، وإما هيستيا أو ديونيسوس). على الرغم من أن الفلسفات مثل الرواقية وبعض أشكال الأفلاطونية تستخدم لغة يبدو أنها تحمل إلهًا واحدًا متعالًا، كان ترتيب الآلهة هرمياً في الأساس، حيث يعلوه ملك الآلهة زيوس، والذي لديه السيطرة المطلقة على جميع الآلهة الآخرين، فغالبًا ما كانت المدن المختلفة تعبد نفس الآلهة، وأحيانًا بكُنية تميزهم وتحدد طبيعتهم المحلية...ومن الفلاسفة اليونانيين، مثل فيثاغورس([9])وأفلاطون([10])، تبنوا فكرة تناسخ الأرواح، على الرغم من أن هذا لم يُقبل إلا من قبل عدد قليل. اعتقد إبيقور أن النفس كانت ببساطة ذرات والتي تذوب عند الموت، لذلك لم يكن هناك وجود بعد الموت، واعتقد الإغريق في وجود عالم سفلي حيث تذهب إليه أرواح الموتى بعد الموت، واحدة من أكثر المناطق انتشارا في هذا العالم السفلي كان يحكمه هاديس، شقيق زيوس، وكان هذا المكان يعرف باسم هاديس (يسمى في الأصل "مكان هاديس"). المنطقة المعرفة الأخرى هي تارتاروس، مكان العذاب للمذنبين، وإليسيون، مكان الملذات للطيبين. في أوائل الديانة الميسينية كان جميع الموتى يذهبون إلى هاديس، لكن صعود الطقوس الغامضة في العصر القديم أدى إلى ظهور أماكن مثل تارتاروس ([11]) وإليسيون. ([12])

      أكثر الأساطير يونانية كان من بين هؤلاء الآلهة والبشر، على الرغم من أن التيتان (الذين سبقوا الآلهة الأوليمبية) ظهروا أيضًا في الأساطير اليونانية. الأنواع الأقل شملت القنطور وهو نصف رجل نصف خيل، الحوراء الممثلين للطبيعة (حوراء الشجر تُسمى الجنية، الحوريات البحرية تُسمى نيريد) ونصف الرجل نصف ماعز والذي يُسمى ساتير. كانت بعض المخلوقات في الأساطير اليونانية وحشية، مثل سايكلوب العملاق ذا العين الواحدة، وحش البحر سيلا، والدوامة كاريبديس، غورغون، المينوتور وهو نصف رجل نصف ثور.

والأسطورة اليونانية القديمة فقد ادّعت أنه لم يكن في الوجود شيء سوى فراغ مظلم يقبع فيه طير له جناحان سوداوان! وبواسطة الرياح وضع الطائر بيضة ذهبية، ورقد الطائر على هذه البيضة لقرون طويلة. أخيراً دبت الحياة في البيضة، ومن البيضة خرج إله الحب (إيروس). انشطرت البيضة إلى نصفين أحدهما ارتفع إلى الهواء وصنع السماء، وصنع النصف الآخر الأرض. سمى إله الحب السماء باسم أورونوس Uranus والأرض سماها جايا Gaia، وبعدها جمع الحب بين السماء والأرض!...

الديانة المصرية القديمة

  كانت ديانة قدماء المصريين مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بعلم الفلك لديهم فكان الفلك والديانة المصرية القديمة متداخلتين، وقد عثر على كتاب نوت الذي يعطي تصوراً مجملاً عن الديانة المصرية القديمة. وقد قام المصري القديم بنقل محتويات هذا الكتاب عبر العصور على مدى 3000عام مما يبين دوام التصورات المصرية القديمة عن الديانة طوال هذا الزمن الطويل ,ولا توجد في المعتقدات المصرية القديمة صورة وحيدة عن الخلق، حيث نشأ عدة تصورات في هذا المجال في المراكز المتمدينة في مصر مثل مدينة أون (عين شمس حاليا) والأشمونين، ومنف (دهشور)، وفي كل منها نشأت تصورات عن حركة الكواكب والشمس والقمر والنجوم والربط بينها وبين الديانة، وكان للمصريين القدماء العديد من أساطير الخلق التي تبدأ جميعها بالمياه الأزلية للإله «نون» ([13])، ثم جاء «أتوم» أول الآلهة، الذي يقال إنه خلق نفسه بإرادته وقوة أفكاره. ومن مياه نون انبثق جبل ليقف عليه أتوم، ومن هنا خلق أتوم «شو» إله الهواء، و«تنفوت» ربة الندى، ثم خلق شو وتفنوت «جب» إله الأرض، و«نوت» إلهة السماء، وبينما كان نظام الكون يكتمل بمرور الوقت، تاه شو وتفنوت في الظلام، لذا أرسل أتوم عينه الإلهية لتبحث عنهما، وعندما وجدهما ذرف دموع الفرح، فنزلت دموعه على الأرض لتخلق البشر.

الديانة الهندوسية

      الهندوسيّة أو الهندوكية ويطلق عليها أيضاً البراهمية، هي الديانة السائدة في الهند ونيبال. وهي مجموعة من العقائد والتقاليد التي تشكلت عبر مسيرة طويلة من القرن الخامس عشر قبل الميلاد إلى وقتنا الحاضر، ولا يوجد لها مؤسس معين تنتسب إليه شخصياً وإنما تشكلت عبر امتداد كثير من القرون، أحد أصولها المباشرة هي ديانة فيدا التاريخية منذ هند العصور الحديدية، ولذلك فكثيراً ما يطلق عليها أقدم ديانة حية في العالم وتضم الديانة الهندوسية القيم الروحية والخلقية إلى جانب المبادئ القانونية والتنظيمية متخذة عدة آلهة بحسب الأعمال المتعلقة بها، فلكل منطقة إله ولكل عمل أو ظاهرة إله. وأحد التصنفيات المنهجية للنصوص الهندوسية هي النصوص الشروتية (الإلهام)، والنصوص السيريتية (المحفوظ). وتناقش هذه النصوص اللاهوت، الفلسفة، الأساطير، وطقوس وبناء المعابد. وأحد النصوص العظمى الفيدا، الأبانيشاد، البوراناس، رامايانا، البهاغافاد غيتا، والآجاما. أتباعها يربون على المليار نسمة، منهم 890 مليون نسمة يعيشون في الهند في شبه القارّة الهندية ذات الـ 96% من تعداد الهندوس في العالم، وتعتبر بذلك ثالث أكبر ديانة في العالم بعد المسيحية والإسلام.

 تضم النظرية الهندوسية لبدء الخلق أساطير عدة، فيحكي أول نصوص «الريغ فيدا» عن وجود كائن ضخم يسمى «بوروشا»، له ألف رأس وعين وقدم. كان بوروشا يكتنف الأرض، ويمتد خارجها بما يعادل مسافة عشرة أصابع. وعندما ضحت الآلهة ببوروشا، أنتج جسده زبدة نقية انبثقت منها الطيور والحيوانات... تحول بعض أجزاء جسم بوروشا إلى عناصر العالم، وبعضها الآخر إلى الآلهة «أغني» و«فايو» و«إندرا». خُلقت الطبقات الأربعة للمجتمع الهندوسي من جسده: الكهنة، والمحاربون، والجمهور العام، والخدم، لاحقًا، اكتسب الثالوث المكون من براهما (الخالق) ([14])، وفيشنو (الحافظ)، ([15]) وشيفا (المدمرة) مكانة بارزة. يولد براهما من زهرة لوتس نبتت من سُرَّة فيشنو في أثناء نومه، ويخلق الكون كي يستمر 4.32 مليار سنة، المدة التي تعادل يومًا واحدًا من أيام براهما، ثم يدمر شيفا الكون وتُعاد الدورة من جديد.

   وهناك اسطورة الهندية تقول إنه لم يكن في الدنيا قبل الخليقة أي شيء عدا مياه ما قبل التاريخ. كانت هذه المياه هائلة عميقة وسوداء وأنتجت هذه المياه القديمة بيضة ذهبية طفت على وجه الماء مدة تسعة أشهر وبعد تسعة أشهر انفلقت البيضة وظهر على قشرتها مخلوق، وكانت الكلمة الأولى التي تلفظ بها كلمة «الدنيا» وقد تكونت الأرض بفعل هذا القول، والكلمة الثانية التي تلفظ بها كانت «السماء». وهكذا خُلقت السماء.

ديانة بلاد الرافدين، ما بين النهرين

   ديانة ما بين النهرين هالتي كان يؤمن بها السومريون والأكاديون الساميون الشرقيون والأشوريون والبابليون ومن ثم آمن بها المهاجرون الآراميون والكلدان الذين كانوا يعيشون في بلاد ما بين النهرين (منطقة تشمل العراق الحديث وجنوب شرق تركيا وشمال شرق سوريا) وهي الحضارات التي كانت تحكم المنطقة لمدة 4200 سنة، منذ الألفية الرابعة قبل الميلاد في جميع أنحاء بلاد ما بين النهرين وحتى القرن العاشر تقريباً بعد الميلاد في آشور.. لديهم أكثر من آلهة كانت الديانة الوحيدة في بلاد ما بين النهرين القديمة طوال آلاف السنين قبل الدخول في فترة من التراجع التدريجي والتي بدأت بين القرن الأول والثالث بعد الميلاد. حدث هذا التراجع بسبب الانفتاح على الديانة المسيحية الشرقية الأصلية المميزة (السريانية المسيحية مثل: الكنيسة الآشورية الشرقية والكنيسة السريانية الأرثوذكسية) وكذلك المانوية والغنوصية، واستمرت حوالي ثلاثة إلى اربعة قرون، حتى اندثرت أغلب التقاليد الدينية الأصلية للمنطقة مع بقاء آخر الآثار الموجودة بين بعض المجتمعات الآشورية النائية حتى القرن العاشر بعد الميلاد.

 ولهم كما غيرهم من الاساطير كملحمة «الإينوما إليش»، قصة الخلق البابلية، التي تبدأ بامتزاج «أبسو»، الذي يمثل المياه العذبة، بـ«تيامات» (تعامة)، التي وتمثل المحيطات، ليخلقا آلهة كبيرة وشديدة الصخب، منهم «أيا» وإخوته، فينزعج أبسو ويهمُّ بقتلهم، لكن تيامات ترفض وتحذره من نواياه، فيقتل أيا أباه ويصبح بعد ذلك كبير الآلهة.

  يتزوج أيا من «دامكينا» وينجبا «مردوخ»، الذي يوهَب الريح كي يلعب بها، فيستعملها لصنع عواصف ترابية وزوابع، ما يعكر فو تيامات والآلهة التي تسكن جسدها ويمنعها من النوم، لذا تقنع هذه الآلهة تيامات بالانتقام لزوجها أبسو، فيما يقنع مردوخ آلهة أخرى بالانضمام إليه في معركته ضد تيامات، فيتغلب عليها ويقتلها، ثم يشطر جسدها إلى قسمين، يصنع السماء من أحدهما والأرض من الآخر، ويخلق الإنسان من دماء «كنغو»، الزوج الثاني لتيامات.

الديانة الزرادشتية

    تعرف بالمجوسية الزرادشتية وهي إحدى أديان المجوسية ولم يبقَ غيرها، وهي ديانة إيرانية قديمة وفلسفة دينية آسيوية كانت الدين الرسمي للإمبراطوريات الأخمينية والبارثية والساسانية وهي واحدة من أقدم الأديان في العالم والتي لم تنقطع ممارستها نسبت الديانة إلى مؤسسها زرادشت، وتعد واحدة من أقدم الديانات التوحيدية في العالم، إذ ظهرت في بلاد فارس قبل 3500 سنة. ظهرت الزرادشتية في المنطقة الشرقية من الإمبراطورية الأخمينية عندما قام الفيلسوف زرادشت بتبسيط مجمع الآلهة الفارسي القديم إلى مثنوية كونية: سبتامينو (العقلية التقدمية) وأنكرامينو (قوى الظلام أو الشر) تحت إله واحد وهو أهورامزدا (الحكمة المضيئة). وأهم نصوص الديانة هي نصوص الآفستا، التي تتضمن كتابات زرادشت المعروفة باسم الجاثاس، وهي قصائد طقوسية غامضة تحدد مفاهيم الدين، والتي هي في ياسنا، خدمة العبادة الرئيسية للزرادشتية الحديثة. 

     تضم النظرية الزرادشتية لبدء الخلق في البداية، حاربت قوى الخير والحقيقة قوى الشر والأكاذيب حتى أنهكتها، ثم خلقت قوى الخير العالم من بيضة كونية، لكن قوى الشر استيقظت وحاولت تدمير الخلق، ونجحت في ذلك إلى حد كبير، حتى هربت البذرة التي نشأ منها الإنسان وأصبحت أكثر نقاءً، ثم عادت إلى الأرض في هيئة نبتة لها سيقان تنمو من جانبيها، خالقةً أول رجل وامرأة، وفي الوقت نفسه، حُبست قوى الشر داخل كبسولة الخلق.

الديانات الصينية

الديانة الصينية (متعدد الأعراق) يُستخدم لوصف الممارسات المتنوعة في مجالات تسُمى عمومًا «دينًا» عند الأشخاص المنحدرين من أصل صيني، بمن فيهم الشتات الصيني. وصفتها فيفيان وي بأنها «سلطانية فارغة، يمكن ملؤها على وجوه مختلفة بمضامين ديانات مؤسسية كالبوذية، أو الطاوية، أو الكونفوشية، أو ديانات صينية توفيقية، أو حتى المسيحية (الكاثوليكية) والهندوسية». قد يتضمن هذا تبجيل قوى الطبيعة والأسلاف، وطرد القوى المؤذية، والاعتقاد بالنظام العقلاني للطبيعة، والكون واليقين بقدرة البشر وحكامهم على التأثير عليه، فضلًا عن الأرواح والآلهة. العبادة مكرسة لعدد من الآلهة والخالدين ( شن)، الذين من الممكن أن يكونوا آلهة للظواهر، أو للسلوك البشري، أو آباء أنساب (مؤسسي خطوط نسب). القصص المتعلقة ببعض من هذه الآلهة مجموعة في مَجمَع الميثولوجيا الصينية. بحلول القرن الحادي عشر (فترة سونغ)، اندمجت هذه الممارسات مع الأفكار البوذية كالكارما (عاقبة عمل المرء) والولادة الجديدة، والتعاليم الطاوية المتعلقة بالتسلسل الهرمي للآلهة، لينتج عنها النظام الديني الشعبي الذي بقي بطرق شتى إلى يومنا هذا , من بين قصص الخلق المختلفة التي انتشرت في الصين، كان أكثرها لفتًا للنظر قصة (بان كو)، الذي خُلق من بيضة كونية، شكلت نصف قشرتها العلوية السماء من فوقه ونصفها السفلي الأرض، وكان طوله يزداد كل يوم لمدة 18 ألف سنة، فإذا به يدفع القشرتين تدريجيًّا بعيدًا عن بعضهما حتى وصل كلاهما إلى مكانه. لكن بان كو، بعد أن بذل كل هذا الجهد، انهار إلى أجزاء صغيرة، لتصبح أطرافه جبالًا، ودمه أنهارًا، وأنفاسه رياحًا، وصوته رعدًا، وشكلت عيناه الشمس والقمر، فيما خُلق البشر من الطفيليات على جسده، قد يهمك أيضًا: لماذا تحول البشر من عبادة الإلهة الأنثى إلى تذكير الإله. لم تُستبعَد النساء من المجتمع فقط، بل انعكس ذلك على الحياة الدينية كذلك، ممَّا أسس لبداية النظام الأبوي، الآلهة الإناث تراجعت في الدين الرسمي للدولة، بينما بقيت عبادتها مستمرة في الدين الشعبي في بلاد ما بين النهرين. ([16])

الديانة الإسكندنافية

    أساس معتقدات وأساطير القبائل الجرمانية الشمالية المنبثقة عن الوثنية النرويجية والتي استمرت إلى ما بعد دخول المناطق الإسكندنافية (النرويج، والسويد، والدنمارك، وآيسلندا) إلى المسيحية، حتى ضمن التاريخ المعاصر، وتتضمن الأساطير النرويجية قصص عن الآلهة المختلفة، والمخلوقات، والأبطال والمأخوذة عن مصادر متعددة سواء قبل أو بعد العهود الوثنية، من ضمنها مخطوطات القرون الوسطى، والتماثيل الأثرية، والتقاليد الشعبية.

    وعن بداية الخلق: في البدء كان العدم، ثم بدأ هذا الفراغ في الامتلاء بالماء تدريجيًّا، الذي يتجمد بدوره ثم يذوب جزئيًّا. ومن قطرات الماء المنصهر انبثق عملاق في هيئة إنسان يُدعى «يمير»، ومن إبطه وُلد عملاقان مثله، رجل وامرأة قادران على التكاثر بطرق أكثر تقليدية.

في أثناء ذلك، تلعق إحدى البقرات الجليد المنصهر وتكشف عن عملاق آخر انحدر منه الإله «أودين»، ثم يقتل أودين وإخوته يمير العجوز، ومن لحم جسده يخلقون الأرض، ومن جمجمته السماوات، ومن دمه البحر، ومن عظامه الجبال، ومن شعره الأشجار، يبني أودين مكانًا لنفسه وللآلهة الأخرى ليسكنوا فيه، ويصله بالأرض بجسر من قوس قزح، ويرتب الأمور بصورة تسمح لليرقات (المتمثلين في هيئة أقزام) بالبقاء في جثة يمير تحت سطح الأرض. أما فوق الأرض، فينفث أودين وزملاؤه الحياة في جذعي شجرة، ويخلقون منها «آسك» و«إمبلا»، أول زوجين من البشر.

الديانة المندائيون

ديانات كثيرة سماوية وارضية وتعدّ المندائية أقدم ديانة موحدة عرفتها البشرية، نشأت في أرض وادي الرافدين وتحديدا في جنوب العراق في مدينة "أور" والمناطق السهلية القريبة من الأهوار والأنهار التي ترتبط طقوس هذه الديانة بها، ديانة غير تبشيرية، ولا تؤمن بدخول أحد إليها، وتحرم الزواج من خارج الديانة، ويعتبر كتاب "كنزا ربا" (الكنز العظيم) أقدس الكتب والمخطوطات عند الصابئة المندائيين ومصدر التشريع والوصايا والتعاليم، اسم الصابئة من الفعل الآرامي "صبا" الذي يعني تعمّد أو اصطبغ أو غطس في الماء.

المدارس الفلسفية ([17])

  كان الأقدمون يقولون بالإله «المقيد» لأنهم يؤمنون بتعدد الآلهة أو بوجود إلهين اثنين يتناظران ويتغالبان، وهما إله الخير وإله الشر، أو إله النور وإله الظلام، بطل هذا القول بعد ذلك لما شاع الإيمان بالتوحيد؛ الإله الواحد لا يحده شيء ولا تحيط به القيود والنهايات، وظهرت الفلسفة اليونانية قبل القرن السادس قبل الميلاد.

 وقام الفلاسفة بالبحث عن العلة الحقيقية للوجود، وأرجعوه إلى أصل مادي، وأرجعوا أصل العالم إلى مبدأ حسي ملموس. وجاء فلاسفة آخرون ليتكلموا عن أصل الوجود تارة بإرجاع الأصل إلى الماء وتارة إلى النار والهواء والماء والتراب وإلى عنصر خامس أسموه (الأثير) وقال فيلسوف آخر إن أصل العالم هو الذرات.

     وجاء المعلم الأول أرسطو ([18]) ليقول بالكون الأزلي، وبوجود عقل من وراء الكون يوزع النظام فيه، أرسطو أو أرسطوطاليس، سرعان ما ابتعد عنها وأنكر عالم المثل بعد وفاة معلمه أفلاطون ([19])، حيث آمن أفلاطون بفلسفته المثالية التي كانت تبحث عن الحقيقة في أعماق النفس وفي الأعالي، بينما تشبث أرسطو بعالم الواقع والحس، وركزت فلسفته على الواقع وعلى الإنسان، ونظر إلى الطبيعة نظرة علمية عميقة سار فيها بمنطق تدريجي متسلسل. يمكن أن تحرك نفسها.

   مذهب أرسطو ونظرته إلى الكون أو ما يعرف بـ "الهيراركية" أي التصاعدية، فالكون عنده مرتب من الجماد إلى النبات إلى الحيوان إلى الإنسان، ومن الإنسان إلى الأجرام السماوية إلى الآلهة، الكون في فلسفة أرسطو منظم بطريقة تصاعدية دقيقة، وقد مكنته نظرته الهيراركية هذه من قاعدته الشهيرة: "إنّ الطبيعة لا تفعل شيئًا باطلاً.

 ومعنى ذلك : "نستطيع أن نقول إنّنا نجد أنفسنا باستمرار في العالمين معًا: عالم الطبيعة وعالم الفنأمام ترتيب نجد فيه أنّ ما هو أدنى موجود لصالح ما هو أعلى، وما هو أعلى إنّما يكون كذلك لسبب ما فيه من مبدأ عقلي([20]) ومن أهم بنود العلم الإلهي  عند أرسطو كان البحث عن طبيعة الإله (أو المحرك) الذي يخرج ما هو بالقوة من القوة إلى الفعل، وذلك انطلاقًا من مجموعة من المفاهيم، والتي حاول صياغتها لتحديد طبيعته: المحرك الأول الذي لا يتحرك، صورة الصور، الإله عقل محض، حياة الإله في تعقله، عاقل لذاته، معقول لذاته، عقل لذاته.

 هناك نظريات حول نشوء الكون بمدرستين اثنتين: أولاهما أن الكون كما هو ببداية ونهاية لا يتطور ولا يتغير، والثانية أن الكون يتطور وله بداية وقد يكون له نهاية.

الصراع الفلسفي للوجود هل هو أزلي أم محدث؟

       كانت النقاشات الفلسفية مستمرة عبر قرون بين الإلهيين والماديين تزداد وتقل وفق العصور المختلفة بين قولين: هل الكون مخلوق أم أزلي؟ وكان للمؤمنين بالخالق ردودهم على الفلسفة المادية عن طريق الإثبات الفلسفي للكون المحدَث، وهو بطلان مفهوم التسلسل إلى اللانهاية، ومفهوم الذاتي والمكتسب وقانون العلة :(كل محدَث يحتاج إلى موجد) وعلى الرغم من قوة منطق فلسفة الإلهيين فإنه ومع الأسف الشديد لم يقتنع الكثير منهم , ولا يعني هذا برأيي ضرورة أنهم مقتنعون بالإلحاد بقدر ما هو رد الفعل ضد الدين، او لغايات نفسية او عدم الوصول الى الحقيقة في قرارة النفس لان هؤلاء كل شيء لديهم حسي وإلا من خلال التجربة واي شيء غير قابل للقياس والرصد والتجربة هو عدم.

     هناك من الفلاسفة من يفكر لأجل الفكر والوصول للحقيقة لا يبحث عن ما يخالفها بدوافع نفسية او متأثر بالمحيط , وهذه الفلسفات والأفكار فيها من التناقض العملي الواضح ومن يطلع من الفلاسفة الباحث عن الحقيقة يجد هذا واضحا ويرفضه : ونذكر للمثال في التناقض عند هؤلاء الفلاسفة الفيلسوف اليوناني بارمينيدس([21]) عن نظرية الوجود، حينما قال أنه ليس هناك شيء يأتي من العدم وبالتالي فإن الوجود أبدي، وهذه المقولة المتناقضة مع بعضها البعض وتحمل في بدايتها حقيقة إلهية وتؤكد أن الكون مخلوق وليس أبدي، مع العلم أن نهايتها تعطل الفلسفة التحليلية، وأصبحت مقولة بارمينيدس من أساسيات الوحودوية التي تأسست من خلالها الميتافيزيقيا، وهو من القلائل الذين يرددون لكل سبب مسبب ولكل حدث محدث له ولكل شيء يظهر للوجود له سبب وجوده، والتناقض في كلامه قال أن الوجود أبدي، كيف يكون ابدي وله بداية !؟

 وكانت وما تزال الفلسفة تبحث عن المادة الأولى للعالم، يقول طاليس: الآلهة هي القوة التي بها يتحقق وجود الاشياء، وبها تتحرك الاشياء، قال -مع ذلك- ان قوة الالهة هذه كامنة في داخل الاشياء، بمعنى أن مصدر وجود المادة وحركتها ليس خارج ذاتها. اختلف وتعددت تصورات الفلسفة بعد طاليس، بشأن المادة الاولى للعالم وكيفية نشوئها، فقد ظل الاتجاه نحو أصالة الوجود هو الغالب، وجاء انكساغوراس فقال بعامل خارجي هو العقل (Nous)، وقال ان هذا "العقل" هو القوة المحركة للعناصر (البذور) غير المتناهية للمادة. لأنه -في الأساس- ينظر إلى "العقل" كقوة مادية تؤثر في تفاعل "البذور"، وارسطو نفسه يعلل موقف انكساغوراس هنا بأنه استخدام "العقل" (اللوغوس) ([22]) كآلة لنشأة العالم، وانه -أي انكساغوراس" حين اعترضته صعوبة تحديد السبب في الوجود الضروري لهذا الشيء، أو ذاك من أشياء العالم المادي، لجا إلى "العقل"، مع انه تظهر في تعليمه أشياءغير "العقل"- كأسباب لوجود الموضوعات، في البداية امتلك لفظ كوسوموس عند ما قبل السقراطيين دلالة جمالية وارتبط بالمظهر الأنيق للإنسان ولكن تغيرت دلالته مع أفلاطون وأرسطو والأبيقوريين والرواقيين وأفلوطين وصار يفيد النظام الجميل والتناغم الحسن والتدبير الجيد للأشياء والتنضيد المنسق للكائنات، ولقد عبر ألكسندر كوريه عن ذلك بالصياغة التالية: في الكوسموس "يوجد مكان لكل شيء وكل شيء يحوز على مكان([23]) اللافت للنظر حسب أفلاطون أن الفوضى أو اللاّنظام الذي يمكن مشاهدته في الحياة لا يرجع إلى الطبيعة ولا يدوم فيها وإنما يعود إلى تدخل الإنسان فيها وسوء تدبيره وجهله بنظام الكوسموس.

  ركز أفلاطون في فلسفته على النظر إلى الطبيعة بوصفها نظام الكون وأدرج طبيعة الأشياء ضمن عالم المثل ودعا إلى تأسيس المدينة على الحق الطبيعي فإن أرسطو بحث في الطبيعة من جهة كونها ماهية الشيء، وفي الظاهر يبدو وكأن أرسطو قد انطلق من نظرة بيولوجية للكون حينما اعتبر الكوسموس نظام الطبيعة التام والمكتمل.

ولما تساءل عن تشكل بعض المسوخ (الوحوش) والبشاعة في الطبيعة وفسر حدوث ذلك بتدخل الصدفة التي تتحكم في العالم السفلي في حين أن العالم العلوي تحكمه قوانين كلية ومبادئ ثابتة وتتحرك عناصره حركة دائرية مطلقة لا بداية لها ولا نهاية، وكما توجد عند أرسطو غائية طبيعية وتحكم علل أربعة مادية وصورية وفاعلة وغائية الطبيعة ولذلك اتفق الإغريق على تماهي الطبيعة والعقل وبين الطبيعة والكل وأسند إلى الحكيم مهمة الكشف عن القوانين العقلية.

    التصور الإغريقي للطبيعة قد وقع في تناقض حاد، فهو من جهة يرفض وجود أي شيء خارج الكوسموس ومن جهة ثانية يقول بوجود العالم العلوي وتكونه من مادة أثيرية ووجود الماوراء؟

متى تكتسب الطبيعة قيمتها الحقيقية؟

 هل عندما تكون أزلية وقديمة أم لما تكون مخلوقة من طرف الله؟

وكان اتجاه الفلسفة القديمة (اليونانية) مادياً في الغالب بمعنى الاعتراف العفوي بأصالة الوجود، حتى ظهر افلاطون ثم بعده أرسطو ليحدث تغييراً في الموقف، بعد استاذه افلاطون، من هذه المسألة، أرسطو من المنظرين الأولين لموضوعة أصالة الوجود، أو هو المنظر الأول لها في فلسفة القدماء، وهذا هو الأساس في الجانب المادي من فلسفته، رغم كونهابوجه عام- فلسفة مثالية، ولكن مثالية غير صافية، وان أول مظهر يكشف عن ميل أرسطو إلى فكرة أصالة الوجود، هو اعترافه بأولية الطبيعة، فان الموجودات العينية (الجزئيات) هي -عنده- أولى الموجودات وأحقها بالوجود. أما الكليات (الاجناس والانواع) فوجودها قائم داخل الجزئيات، ولهذا يسمي أرسطو هذه الجزئيات بالجواهر الأولى، في حين يسمي الاجناس والانواع بالجواهر الثواني، وان مجمل ما وجهه أرسطو من انتقادات إلى عالم "المثل" (الافكار) الافلاطونية، صريح في رفضه فصل العالم الذي يمكن ادراكه بالعقل، عن العالم المادي، ورفضه الفصل الميتافيزيقي للجوهر عن الظاهرة، أو اعتبار العام خارجاً عن الخاص. واستمر هذا النزاع الفلسفي في أصل العالم وما زال مستمرا، وعلى اتجاهين الموقف الأول يؤدي إلى القول بأن الماهية هي أصل العالم، والثاني يؤدي إلى القول بأن الوجود هو الأصل. لكن هذا ليس مطلقا، يقول السهروردي بأصالة الماهية، وهو تعارض للأيديولوجية الرسمية، ومن سار على نهج تلك الفلسفة أبي نصر الفارابي وهو الأبرز في الفلسفة العربية، وله الصياغة الجديدة لمفاهيم الفلسفة العربية، ويعتبر مؤسس للفلسفة العربية، أو وصفه بأنه "أول من صاغ الفلسفة الاسلامية في ثوبها الكامل ووضع أصولها ومبادئها", وألوها نفيه المسلَّمة الدينية بكون العالم مخلوقاً من العدم , وهذه النقطة تعني بالضرورة ازلية العالم، أي نفي المسلمة الدينية الاخرى بأن العالم حادث، وهذا النص جاء في تفسير الفارابي كيفية صدور العالم عن الأول (الله)، بطريق الفيض، وان وجود العالم ملازماً ضرورياً، لجوهر وجود الله , فالعالم اذن ليس مخلوقاً، لأنه ليس مسبوقاً بالعدم، وليس حادثاً، بل هو أزلي تبعاً لأزلية مصدر الفيض، وهذه النتائج كلها تتعارض مع موقف الشريعة تعارضاً مطلق. ([24]) الفارابي يناقض نفسه في بناء نظامه الفلسفي كله على أساس الفيض الذي يستلزم نفي الخلق من عدم واثبات أزلية العالم.

      ومع التقدم العلمي هناك تقدم في الوصول للحقيقة مما جعل العلماء يتفقون على أن للكون بداية، مثلما أكد البروفيسور جون لينوكس([25]) بروفيسور الرياضيات في جامعة أكسفورد بأن هناك إجماع للآراء في هذه الأيام أن للكون بداية، ورغم ان من يخالفهم كذلك يسير في الاتجاه المعاكس ويذهب خلف التفكير المادي , واهل الفلسفة الحقيقية يقولون لا يمكن أن يخلق الخلق بدون خالق، لأن العدم ساكن مجهول صامت لا يرى ولا يسمع لأنه مثل ما قال المعتزلة هو شيء، لكن هذا الشيء يتكون من عوالم الفراغ وليس عالم واحد، فراغ حتى يحوله الخالق لأي مادة معروفة، لأن علميا لا يوجد مادة واحدة في الكون خلقت نفسها من العدم، ولا يمكن أن تكون هذه المواد خلقت من انفجار عظيم لأنه حتى ولو كان للأمر القليل من الصواب فقانون ديناميكية الحرارية يكذبه, والى اخره من الأبحاث والنقاشات الفلسفية.

 وهنا في هذا المبحث نحاول ان نطلع على ما قال الفلاسفة الإلهيون هم الفلاسفة الذين كانوا قد أسسوا المبادئ العقلية الأولى في الفكر الفلسفي ومهدوا أصول هذا الفكر ووضعوا قوانينه ولخصوا حججه وبراهينه وصاغوه في نظريات معمقة وخلصوه من الشوائب التي كانت تشوبه لدى من سبقهم من الخيال والخرافة والسحر، وهم سقراط وأفلاطون وأرسطو.

     وينظر هؤلاء الى الفلسفة بأنها معرفة إلهية وهو المعنى الذي اعتقد به الفلاسفة المسلمون وهذا المعنى مرموز في قوله تعالى : ﴿يُؤْتِى ٱلْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ ٱلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا ([26]) وبهذا الاعتبار سمى الله تعالى نفسه حكيما في مواضع شتى من كتابه المجيد ووصف أنبياءه وأولياءه بالحكمة وسماهم ربانيين حكماء بحقائق الهويات، فالحكمة معرفة إلهية مصدرها الله الحكيم (المبدأ الأعلى) قال تعالى : ﴿وَعِندَهُۥ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَآ إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِى ٱلْبَرِّ وَٱلْبَحْرِ ([27]) الذي بيده مفاتيح العلم وهو يؤتيها من يشاء (1) .

      وبقيت الفلسفة ملازمة للبحث في ما وراء الوجود وهذا التلازم بين الفلسفة والطابع الميتافيزيقي ظل قائما مع امتداد تاريخ الفلسفة , وابتعد المتأخرين عن الحكمة في تفسير الكون او عن الدين والكنسية ورجالها لان فيها ما فيها , وهناك من ابتعد عن الدين من خلال التحريف وكانت البداية في العصور الوسطى والمآسي التي عاشها الإنسان الغربي، ولا يعني بسبب الدين السماوي الحقيقة الذي جاء به النبي عيسىA لا بل السبب التحريف هذا ليس من الدين بل هو كلام انسان ,كما قول من يخالف الدين من يقول الكون ازلي ولا وجود للخالق أيضا هو كلام انسان وهكذا هو التقاطع بينهم , وهذا النوع من الفلسفة ليس في المسيحية فقط في كل الديانات وكم فيلسوف مسلم تحول الى زنديق على نهج الفلسفة الغربية والتي كل ما تعمق ابتعد عن الدين وتحول الى رافض له , ومن الخطأ ان يقال عنهم فلاسفة مسلمين بل هم خرجوا من الإسلام الى الالحاد والزندقة.

والتاريخ يذكر لنا الكثير من الملاحدة الخارجين عن دين الإسلام , وكما كان الغربيين ضد الكنسية في كل احوالها , والزنادقة المسلمين على نهجهم , وكان ذلك في عصر النهضة حيث رجعت أوربا إلى الفلسفة اليونانية القديمة عن طريق الترجمة ووجدت أن التمسك بفرضية الكون الأزلي الذي يغني عن الحاجة إلى الخالق أفضل طريقة للوقوف ضد الكنيسة، وبالتالي التخلص من سيطرة الكنيسة, وان كانت الكنسية هي لا تمثل الدين الحقيقي بل الدين محرف وهؤلاء لأجل مصالحهم الشخصية والفلاسفة رفضوا الدين بالكامل ولأجل مصالحهم النفسية والفكرية وكل زمن لها منهج معين ضد الدين , وهذه النظريات ليست في العصر معين او مكان او دين محدد لا بل في كل الأزمنة والامكان , ومنذ زمن البعيد كان أصحاب الحضارات القديمة يحاولون اكتشاف أسرار الكون في عهد السومريين والمصريين والصينين والهنود.

     وهناك يريد ذبح العلم لأجل اعتقاده لا وجود للخالق ومنظم هذا الكون، مع وجود الحقائق العلمية، ويدافع عن الفكرة أكثر من الحقيقة رغم وضوح زيف الادعاء والفكرة، لكن لا يقبل وهذا عناد والكبر، وتحولت فطرته ملوثة ومشوهة ولا يمكن العودة للصواب.

  الايمان بوجود الله تعالى وأنه سبحانه المتصرِّف الوحيد في الكون أمر مركوز في الفِطرة، ولا يستطيع أي إنسان أن يدفعه عن نفسه مهما حاول، قال تعالى: (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) ([28]) الا من شوه فطرته بعناده والسير خلف الشبهات الفلسفية الخبيثة , وهذه الأبحاث والنظريات التي يطرحها الملحدين خلاف الحقيقة وهي من أفكار وفلسفة مجردة , ونحن نؤمن ان كل ما هو خلاف القرآن الكريم او الكتب السماوية مجرد نظريات المتناقضة واساطير وأفكار مختلفة ما بينها ولا وجود للاتفاق عليها ,وجاءت هذه من الثقافات المختلفة التي يطرحها هؤلاء الفلاسفة وتطورت ووصلت بهذه الصورة، لكن في قبال كل هذا لنا ان نتأمل في ملكوت هذه المعجزة من أصغر أجزاءه إلى أكبرها ومعجزة أخرى هي في الترابط والانسجام بين جميع هذه المخلوقات من مكونات الذرة إلى المجرات الضخمة المنتشرة في الكون الواسع , إن الحيز الذي نشغله من هذا الكون يكاد لا يذكر وكأننا أصغر من حبة رمل في صحراء شاسعة جدا.. هل لكون بهذا الحجم وبهذا الترتيب وبهذه الدقة من خالق؟  

وكما هو فكرهم المادي إلحادي؛ يفترض أنه لا واقع إلا الواقع المادي، وأن الحقائق إنما هي الحقائق المادية، وأن الكون مكتفٍ بنفسه، غني عن أيِّ شيءٍ خارجي، وهو صراع فكري بين اهل الايمان والملحدين وبين النظريات وآيات، في نهاية هذا البحث علي بيان شيء مهم ونتيجة ما تقدم.

      أول تلك المعالم حقيقة أن الله سبحانه وتعالى هو الأول، فهو الأول بلا ابتداء، وهو الأول فليس قبله شيء، كما قال سبحانه: ﴿هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ([29]).

  هذا يجب عليه الوحي الإلهي من خلال كتاب الله الكريم وبيان رسوله العظيم J: (كان الله ولم يكن شيء غيره) وعنه Jمن دعاء علمه لعلي A: لا إله إلا أنت، كنت إذ لم تكن سماء مبنية، ولا أرض مدحية، ولا شمس مضيئة، ولا ليل مظلم، ولا نهار مضيء، ولا بحر لجي، ولا جبل رأس، ولا نجم سار... كنت قبل كل شيء، وكونت كل شيء، وقدرت على كل شيء، وابتدعت كل شيء ([30]).

وعن الإمام الباقر A: إن الله تبارك وتعالى كان ولا شيء غيره، نورا لا ظلام فيه، وصادقا لا كذب فيه، وعالما لا جهل فيه، وحيا لا موت فيه، وكذلك هو اليوم، وكذلك لا يزال أبدا ([31])

 وعن الإمام الرضا A: القدم صفة دلت العاقل على أنه لا شيء قبله، ولا شيء معه في ديمومته، فقد بان لنا بإقرار العامة مع معجزة الصفة أنه لا شيء قبل الله ولا شيء مع الله في بقائه، وبطل قول من زعم أنه كان قبله أو كان معه شيء، وذلك أنه لو كان معه شيء في بقائه لم يجز أن يكون خالقا له ([32]).

والإمام الباقر A ما سأله زرارة: أكان الله ولا شيء؟:

قال A: نعم كان ولا شيء، قلت: فأين كان يكون؟

قال: وكان متكئا فاستوى جالسا وقالA: أحلت يا زرارة! وسألت عن المكان إذ لإمكان ([33]).

الإمام الكاظم A: إن الله - لا إله إلا هو كان حيا بلا كيف ولا أين ([34]).

والإمام الصادق A: إن الله علم لا جهل فيه، حياة لا موت فيه، نور لا ظلمة فيه ([35]). يونس بن عبد الرحمن: قلت لأبي الحسن الرضا A: روينا أن الله علم لا جهل فيه، حياة لا موت فيه، نور لا ظلمة فيه، قال: كذلك هو ([36]).

والإمام الكاظم A: كان الله حيا بلا حياة حادثة... بل حي لنفسه ([37]).

وكل ما له بداية له سبب, والكون له بداية وله سبب هو (الخالق)؛ ولإثبات أن للكون بداية، استند الإمام الغزالي إلى دليل الفلسفة والرياضيات، الذي يؤكد أنه من المستحيل أن يكون هناك قِدم لا نهائي من الماضي، أي أن الماضي لا بد أن تكون له بداية , وعندما وضع إينشتاين نظريته النسبية، أظهرت حساباته أن الكون إما يتمدد أو ينكمش، مما يعني أنه لا يمكن أن يكون أزلياً، ولا بد أن تكون له بداية , وكان سقراط، وأفلاطون، وأرسطو من المؤمنين بوجود الإله الخالق للكون , وكان ومازال العقل البشري عاجز عن تصور إمكانية الخلق من عدم , ولجأ أرسطو إلى القول بوجود مادة ليست كالمادة، لم تتشكل ولم تكتسب أية صفات وأسماها (الهَيُولَى).

الهَيُولَى

    الهَيُولَى أو الهيولا لفظ يوناني بمعنى الأصل والمادة وللهيولي معنى كلامي، ولها معنى فلسفي، الجوهر إما أن يكون في المحل وهو الصورة أو يكون محلا وهو الهيولى ([38]).

 الهَيُولَى: أجْسامٌ قائِمَةٌ بنَفْسِها، أو يُقال: هي كُلُّ ما يَقْبَلُ الصُّورَةَ وليس لَها وُجودٌ بِالفِعْلِ بِنَفْسِها دون الصُّورَةِ، وإنّما يَحْصُلُ وُجودُها بِقَبولِ الصُّورَةِ الجِسْمانِيَّةِ، كالخاتَمِ مَثَلًا هَيُولاهُ: الفِضَّةُ، وصُورَتُهُ مَعْرُوفَةٌ، وكُلُّ شَيْءٍ في الخارِجِ نَراهُ فهذا يُسَمَّى صُورَةُ الهَيُولَى. والهَيُولَى عند قُدَماءِ الفَلاسِفَةِ على أَرْبَعَةِ أَقْسامٍ، وهي:

الهَيُولَى الأُولَى: وهي المادَّةُ ليس لَها شَكْلٌ ولا صُورَةٌ مُعَيَّنَةٌ، هي جوهر غير جسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال محل للصورة الجسمية.

 الهَيُولَى الثَّانِيَّةُ: وهي جِسْمٌ قام بِهِ صُورَة، كالأجسام بالنسبة الى صورها النوعية.

 الهَيُولَى الثَّالِثَةُ: وهي الأَجْسامُ مع الصُّورَةِ النَّوْعِيَّةِ التي صارَت مَحَلّاً لِصُوَرٍ أُخْرَى، كالخَشَبِ لِصُورَةِ السَّرِيرِ.

 الهَيُولَى الرَّابِعَةُ: وهي أن يكونَ الجِسْمُ مع الصُّورَتَيْنِ مَحَلّاً لِلصُّورَةِ، كالأَعْضاءِ لِصُورَةِ البَدَنِ، بعبارة أخرى الاجسام مع الصورة النوعية التي صارت محلا لصور اخرى كالخشب لصورة السرير.

    الهيولى: هو جوهر بسيط لا يتم وجوده بالفعل دون وجود ما حل فيه، والهيولى والصورة هما ما يتركّب منهما الجسم بنظر المشائيين من الفلاسفة، والمقصود من الهَيُولَى هي المادة التي تحمل في مقام ذاتها الاستعداد والقابليّة للتركّب مع الصورة أو قل هي المتحيّثة بحيثيّة القوّة والقبول للفعليّة، فالقوّة والقابليّة والإستعداد هو ذات المادّة المعبَّر عنها بالهيولى، ولازمها الفقدان أي انَّ لازمها عدم الفعليّة والتي هي الصورة ([39]).

   المصطلح الفلسفي للهيولى: هي جوهر في الجسم قابل لما يعرض لذلك الجسم من الاتصال والانفصال محل للصورتين الجسمية والنوعية ([40])  قال ابن سينا: الهيولى المطلقة فهي جوهر ووجوده بالفعل انما يحصل لقبول الصورة الجسمية لقوة فيه قابلة للصور وليس له في ذاته صورة تخصه الا معنى القوة، ومعنى قولي لها هي جوهر هو ان وجودها حاصل لها بالفعل لذاتها، ويقال هيولى لكل شيء من شأنه ان يقبل كمالا ما وأمرا ليس فيه فيكون بالقياس الى ما ليس فيه هيولى بالقياس الى ما فيه موضوع ([41])  .  

    الهيولى بالمصطلح الكلامي : الجوهر إما أن يكون في المحل و هو الصورة أو يكون محلا وهو الهيولى([42]) وقول اخر : المحل المتقوم بالحال هو الهيولى.([43]) وقول ثالث : الجوهر إما أن يكون مقارنا للمادة فإما يكون محلا و هو الهيولى.([44]) وجاء في الكليات : هو جوهر بسيط لا يتم وجوده بالفعل دون وجود ما حل فيه([45]) وجملة القول ان الهيولى الاولى جزء الجسم والثانية نفس الجسم اما الثالثة والرابعة فالجسم جزء لهما , والهيولى مرادفة للمادة والفرق بينهما ان المادة تقال لكل موضوع يقبل الكمال باجتماعه الى غيره و وروده يسيرا يسيرا على حين ان الهيولى على الاطلاق هي المادة الاولى واطلاقها على باقي الاقسام انما يكون بالتقييد فيقال ثانية وثالثة ورابعة , وللهيولي اسماء باعتبارات مختلفة.([46])

  والهيولاني هو المنسوب الى الهيولى تقول: العقل الهيولاني وهو قوة للنفس مستعدة لقبول ماهيات الأشياء مجردة عن المادة([47]) او هو استعداد محض لأدراك المعقولات , وهو مقابل للصوري مثال ذلك قول ابن سينا: لا يقتصر في التحديد على الفصل الصوري دون الهيولاني ولا الهيولاني دون الصوري أي أن دور الإله في عملية الخلق هو تشكيل الهيولى ([48])وتنظيمه، وليس ايجاد الوجود من العدم، ولم يبين لنا أرسطو كيف وجد هذا الهيولى , وهذه الهيولى المادة واحدة في جميع الأشياء في الجماد، والنبات، والحيوان, وإنما تتباين الكائنات في الصور فقط , فالهيولى في ذاته لا صورة له ولا صفة , لذلك يحتاج إلي الصورة لكي تجعله يوصف ويظهر وتتحدد معالمه , فالصورة هي المبدأ الذي يعين الهيولى ويعطيها ماهيّة خاصة, فالهيولي والصورة لا ينفصلان , إذ كل موجود يتكون من كليهما, وتسمى الهيولى بالجوهر المادي , فإن الشيء، بما له من هيولي وصورة هو الجوهر ومن الجواهر المختلفة، تتكون الحقيقة , وجوهرة التوحيد ان كل ما في العالم مركب من مادة وصورة وفسّر المادة بأنها(كوارك)([49]) كوارك: أصغر جزيء وصلت إليه المعرفة العلمية اليوم , وقال بأنه يستحيل وجود مادة بلا صورة أو صورة بلا مادة , وهذا خطأ محض لأن المادة (أو الهيولى) ليست شيئا له وجود كامل (كالكوارك)،وإنما هي قوة محض (القوة التي تقابل الفعل) نثبت وجودها بالتحليل الميتافيزيقي وحده لأنها مبدأ وجود أي مبدأ تفسيري لا ندركه بالحواس وإنما نفهمه بالعقل وحده , وهناك من حاول الاشكال في هذا الأمور (الكوارك) وانه لم يذكر في القرآن وانكار الاعجاز  العلمي ان هناك شيء اصغر من الذرة قال تعالى :﴿وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ([50]) من مثقال ذرة يعني: من زنة نملة صغيرة، يحكى عن العرب: خذ هذا فإنه أخف مثقال من ذاك؛ أي أخف وزنا. والذرة واحدة الذر، والذر: صغار النمل. والاعتقاد السائد ان أصغر شيء في الكون الذرة ولكن اكتشف في القرن التاسع عشر والعشرين (الكوارك)([51]) وهذا اعجاز علمي ولكن لا يعارض فهم العرب قديما للذرة بأنها النملة الصغيرة او الهباء الذي يظهر في اشعة الشمس وهذا حسب علمهم حينئذ ولو كان هناك أشياء أصغر لذكروها من باب التمثيل , ولا يمثل بشيء لا يمكن ان يعرف ولا يرى وهذا خلاف العلم والمنطق , والان عرف شيء اخر يمكن ذكره والتمثيل به وانه أصغر شيء في الكون ويمكن بعد قرن او اكثر يكتشف شيء آخر , لكن القرآن معجزة البلاغة للإنسان وكلما تقدم العمل وجد في القرآن إشارات الحديث عن الذرة وكانت تعتبر من اصغر ما وجد في الكون والان نتحدث عن الكوراك وهو داخل نواة الذرة ولكن هناك من هو اصغر من الكوارك يقال له الفتيل وهو داخل الكوارك ويتحرك بحركة اهتزازيه للأعلى والاسفل وسميت حركته هذه بالنقير اي كأنه ينقر نقيراً , قال الله تعالى : ﴿ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا([52]) وقالوا : ان بداية الكون الجوهرٌ فردٌ.([53])  .

يقول ابن عربي إنّ أوّل الموجودات عن الله سبحانه وتعالى هو جوهرٌ فردٌ روحاني بسيط، متحيّزٌ عند قوم وغير متحيّزٍ عند آخرين.

   الجوهر الفرد ([54])ووحدة الوجود: إنَّ العلاقة بينها وبين الكثرة الظاهرة للخلق وحقيقة وحدانيّة وأحديّة الخالق هو المفتاح الأساسي لفهم الرؤية الصوفية للوجود، وخاصة مدرسة ابن العربي التي تتمحور حول ما يُسمَّى بوحدة الوجود: (وسنضع بحث عن نظرية وحدة الوجود والنقاش فيه بعد هذا البحث) التي تؤكِّد أنّ الوجود في ذاته وحقيقته جوهرٌ واحدٌ واحدٌ لا يتجزّأ ولا يتكثَّر، بل هو الذي يتجلّأ أو يَظهرُ تباعاً في صور العالَم المختلفة المنتشرة في أركان المكان والمتتالية عبر لحظات الزّمان.

   الجوهر في الفلسفة يعتبر الأساس الذي يشکل المادة الى ما هي عليه، بخلاف الأعراض التي تطرأ على الجسم، فنظرية الجوهر من أهم النظريات التي شغلت المفکرين عبر العصور وکان لکل مفکر نظرة تختلف عن غيره، ومن ثم تعددت الآراء حول هذه النظرية , ونظرية الجوهر أو المونادا کما کان يطلق عليه ليبنتز، أو الجزء الذي لا يتجزأ، لم تکن وليدة العصر الحديث، بل هي قديمة بقدم التفکَير الفلسفي، وهذه النظرية تنسب الى أرسطو، عنده الماهية التي يقوم عليها وجود کائن فردي معين، هذه الماهية تظل ثابتة وإن تغيرت کل الخصائص الخارجية التي تميز هذا الکائن من حجم وکيفيات وعلاقات، واستمر النقاش والاختلاف حول فکرة الجوهر بين مؤيد ومعارض، أصر التجريبيون على رفضها، وحاولوا أن يتجاهلوها؛ في يوم مثلاً يقول إنها وهم، وأن الجوهر ليس إلا مجموع صفات , ودافع عنها المدرسيون لأنها کانت تمثل نقطة أساسية في مذهبهم الفلسفي، وعارضها العقليون مثل ديکارت واسبينيوزا، ولکنهم تمثلوها في صورة أخرى معدلة فبينما يقول ديکارت بجوهرين مخلوقين هما الفکر والامتداد، إلى جانب الجوهر المطلق أو الله، يقول اسبنيوزا بجوهر واحد لا متناه يمکن أن نسميه الله أو الطبيعة .  

  ذكر ديموقريطس([55]) في الجوهر الفرد، وقال: إنه لا فرق بينه وبين مذهب هؤلاء «المتفلسفين» اليوم، وقال: إنه تغيُّر المتماثلات وتحوُّلها إلى مختلفات، واستغاث على غرابة هذا القول بجمهور الكيماويين؛ وقال: (إن كلًّا من مذهب ماديي هذا العصر ومذهب الكيماويين في الجواهر الفردة ينفي الآخر) وذكر ايضا أن الجوهر الفرد عندهم متحرك الباطن، وأن شكله متغير، قال: (ويستحيل الحركة الداخلية «كذا» وتغير الشكل بلا تبدُّل أوضاع الأجزاء، وهو القسمة بالفعل، فلزم من أقوالهم إن ما لا يتجزأ فعلًا يتجزأ فعلًا، وهو محال؛ (لأنه اجتماع النقيضين.) وتَذرَّع بذلك كله إلى نفي الجوهر الفرد لينفي ما يترتب عليه؛ حيث قال: إن الجواهر الفردة لم يثبت وجودها؛ فلا يثبت لها عِلِّية ولا قدم ولا حدوث , وذهب علماء الطبيعة إلى أن العوالم مؤلفة من أجزاء في غاية الصغر لا تقبل القسمة سموها جواهر فردة، وهم وإن كانوا لم يروها إلا أنهم لم يروا بدًّا من التسليم بها لموافقتها للعلوم الطبيعية وللكيمياء خاصة، فلا يخفى أن التركيب الكيمي هو دائمًا على نسب معينة، فالهيدروجين يتحد بالأكسجين على نسبة ٢ إلى ١ فيركب ماءً، ولا يتركب الماء على غير هذه النسبة البتة، وإذا اختلف التركيب بين العناصر الواحدة، فنسبه إنما تكون على نسبة عددية، فالنيتروجين يتَّحِدُ بالأكسجين على نسب مختلفة، فيركب مركبات مختلفة وهكذا.

     قالوا: هذا ليس وهمًا، بل حقيقة، وهو «حجتنا لإثبات الجوهر الفرد.» ثم إن لم تكن الأجسام مؤلفة من أجزاء منفصلة غير متلاصقة لها خاصة التدافع والتجاذب، فلا بدَّ أن تكون مؤلفة من مادة متصلة متلاصقة، ولا يمكن غير ذلك، فإن لم تكن أجزاؤها منفصلة، فلا يبقى وجه لتعليل الحالات الطبيعية كالمسامية والانضغاط والانقسام والتمدد، والمرونة والجمودة، والسيولة والغازية، ولا يعرف ما التركيب الكيماوي، فإن قيل: إنه تداخل شديد بين المواد المختلفة، قلنا: ما حقيقة هذا التداخل، ولِمَ يكون دائمًا على نسب معينة ثابتة؟ ولماذا كانت النسب العددية والمكافآت أو المعادلات الكيماوية، فتعليل التركيب الكيماوي على هذا الفرض لا ينطبق على الحوادث التي لا بد من الاعتراف بها، وإنما ينطبق عليها على الفرد الأول، فلا بدَّ إذن للطبيعي ولطالب علم الكيمياء من التسليم بالجوهر الفرد، ولو صعب عليه تعيينه، كما أنه لابد لطالب علم الهندسة من التسليم بالنقطة ولو صعب عليه تعيينها.([56]) واستمرت هذه البحوث في هذه النظرية الجوهر وبحوث مماثلة عن خلق العالم , وهذا البحث ليس فقط عند الفلاسفة الغربيين او فلاسفة اليونان بل حتى كان المسلمين، من فلاسفة وعلماء الكلام وجدوا في القرآن الكريم آيات إضافية وإشارات متعددة تتحدث عن خلق العالم , وان كان التركيز على فلاسفة من  المسلمين , لكن واقعا ليس لهم علاقة بل هم الى الالحاد والزندقة اقرب واعتبارهم هم الممثلين للفلسفة الإسلامية، وذلك لكونهم قد تبنوا قواعد الفلسفة الإغريقية، وهي نظرة فيها تعالٍ غربي، فلسان حالهم في هذه النظرة: أنّ الفلسفة الحقيقية هي الفلسفة الإغريقية التي يراها الغربيون إرثهم الفلسفي، وهي كما هو الواضح فلسفة بشرية تخوض في قضايا مثل الخالق الموجِد الأول، ومثل كيفية خلق العالم، ومثل الخير والشر، وغيرها من القضايا , وإهمال وجود فلسفة خاصة إسلامية , والحق ان الحكمة بأرقى معانيها اصلها عند الأنبياء واهل البيت  bولا تعارض ولا نظرية تنتهي بالقدم بل تتحدث عن الواقع .

    روي ان بعض اليهود اجتاز بأمير المؤمنين A وهو يتكلم مع جماعة، فقال له: يا ابن أبي طالب لو أنك تعلمت الفلسفة لكان يكون منك شأنا من الشأن.

 فقالA وما تعني بالفلسفة؟

أليس من اعتدل طباعه صفا مزاجه، ومن صفا مزاجه قوي أثر النفس فيه، ومن قوي أثر النفس فيه سما إلى ما يرتقيه، ومن سما إلى ما يرتقيه فقد تخلق بالأخلاق النفسانية، ومن تخلق بالأخلاق النفسانية فقد صار موجودا بما هو انسان دون أن يكون موجودا بما هو حيوان فقد دخل في الباب الملكي الصوري وليس له من هذه الغاية مغيّر.

فقال اليهودي: الله أكبر يا ابن ابي طالب لقد نطقت بالفلسفة جميعا في هذه الكلمات رضي الله عنك. ([57]) هذا ما يسمى بالاعتدال والمزاج او الاستقصاص او تساوي المواد الأربعة او اعتدال العناصر الأربعة.

نظرية وحدة الوجود ([58])

    قبل الدخول في بحث نظرية وحدة الوجود هناك من ذكر عدة نظريات كنظرية كثرة الوجود وكثرة الموجودات ونظرية وحدة الوجود وكثرة الموجودات ونظرية وحدة الوجود والموجود في عين كُثرتهما (في عين الكثرة). (التي تتبناها المدرسة العرفانية الشيعة وأبرز دعاتها هو الملا صدرا) ونظرية وحدة الوجود والموجود (التي تتبناها الصوفية). وأنّ الكون كلّه شيءٌ واحد ولا يمثّل سوى الله.

  نظرية فلسفية لا دينية غامضة ومبهمة تقول بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة، لا يمكن لي ان أضع شيء منها في هذه الاسطر إلاّ من بعيد جداً وما وصل له عقلي القاصر، وأتمنى ان اوفق لذلك بالوصف التقريبي للموضوع وبيان حدود هذه النظرية وأبعادها.

     ذكر ملا صدرا الشيرازي ان اول من طرح هذه النظرية هم الفهلويين (حكماء إيران القدماء) وقيل من الفلسفة اليونانيّة والإغريقيّة، وهي عقيدة الكثير من فلاسفة اليونان أمثال الفيلسوف اليوناني هيراقليطس، وكذلك قال بها سبينوزا وهيغيل.

 وهذه النظرية كانت مطروحة في القرنين الثالث والرابع الهجريين , وأول من صرح بها في القرن السابع الهجري , وبهذا العنوان محي الدين بن عربي ([59]) , يرى أنّ الكون بكلّ ما فيه ما هو إلاّ صورةٌ للخالق جلّ وعلا، كما أنّه كان يرى أنّ الكون كلّه شيءٌ واحد ولا يمثّل سوى الله، وإنّ كلّ المادّيات المستحدثة في الكون ما هي إلاّ تجلّيات عن الخالق (أبعاد) لأسمائه الحسنى جل وعلا , بعبارة اكثر وضوحا أهل الوحدة يعتقدون أنه لا وجود إلا الوجود الواجب، وهو وجود واحد لا يتعدد ولا يتكثر، وأما العالم فهو موجودٌ بنفس وجود الله تعالى، لا بإيجاده، بمعنى أن العالم إنما هو صورة ومظهر للوجود الإلهي، ولم يحدث وجود العالم بعد عدمه، بل الحادث عندهم إنما هو صورة العالم بعد عدمها، والصورة عين المظهر الإلهي، ولذلك يقولون إن الله تعالى تجلى لنفسه.([60]) ولهذا المذهب الفلسفي (وحدة الوجود) عدة صور منها :

    الصورة الأولى: تيار حلولي يجعل الله مجموعَ العالم الموجود، فيرى أن الله يحل في كل شيء، وكل شيء يتحد بالله لأنه جزء منه، وتظهر هذه الوحدة الحلولية في صورتين:

    الأولى: ما ورائية روحية، تجلت في مذاهب الهند (وحدة البراهمية)، وأن جميع الأشياء الأخرى ليست سوى أعراض ومظاهر لهذه الحقيقة.

    الثانية: مادية أو طبيعية توحدُ الله والطبيعة، وتمثلت أيضاً في صورتين فلسفيتين: صورة قديمة ألغت الوجود الإلهي وقالت بالوجود الطبيعي فقط، وادعت أن عالم الألوهية نفسه نتاج إنساني، كما في الوحدة البوذية والوحدة اليونانية، في بحثها عن وحدة العنصر المكِّون للوجود الموجود، فالعالم وحده هو الحقيقي، وكل شيء يُردُّ إلى المادة الحية بذاتها، والتي عنها نشأت الكائنات جميعها، وما الله إلاّ مجموع كل ما هو موجود في العالم، وهذه الصورة ظهرت حديثاً في مذهب ديدرو.

     الصورة الثانية: تيار وحـدة وجـود فيضية أو صدورية (كوحـدة أفلوطين)، وترى أن الله واحد وأن العالم يفيض عنه بتراتب وجودي، وهذا العالم أي كل شيء يصبو إلى الاتحاد بالله الذي هو مصدر وجوده وجوهره، ليشكل معه موجوداً واحداً.

   الصورة الثالثة: تيار صوفي إسلامي، يمثله ثلاث فـرق، فرقـة تقول بوحـدة وجـود عقائدية، وترى أن الوجـود واحـد لا يتجزأ، فما ثمة إلاّ وجـود واحـد، والموجودات هي صور قائمة بالوجـود الواحـد، وهذه الوحـدة قالها ابن عـربي الذي يقول: لا فرق بين ما هو خالق وما هو مخلوق ومن كلماته (سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها) ومن الصوفية ايضا الحلاج ونظرية وحدة الوجود تجلت له في مخالفة الشيطان لأمر الله تعالى، فقد اراد الشيطان وهو المؤمن الموحد ان يجلب لنفسه العذاب حبا في الالوهية الثابتة التي لا مشاركة فيها , والظاهر من هذه الصور إنّه لا موجود إلاّ الله , العلاقة بين المخلوقات والله جلّ وعلا هي كالعلاقة بين الموج والبحر، فهما شيء واحد إلا أنّ الموج حالة عرضية ليس إلاّ , وبعبارة ادق ان كل الموجودات هي عين الله , ولا شيء غيره عز وجل ,او أن الله والطبيعة شيء واحد وبأن الكون المادي والإنسان ليسا إلا مظاهر للذات الإلهية, وفي ذات السياق يقول الفيلسوف أبو ريحان البيروني في كتابه (تحقيق ما للهند) أنّ فلاسفة اليونان القدماء اعتقدوا بوحدة موجودات العالم، وأن العلّة الأولى تجلّت فيها بأشكال وصور مختلفة فأدّت إلى اختلافها , وانه ليس هناك في الحقيقة إلا موجود واحد , ولكن له تطورات متكثرة واعتبارات مختلفة لأنه في الخالق خالق وفي المخلوق مخلوق كما انه في السماء سماء وفي الارض أرض وهكذا , وهذا هو الذي يقال له توحيد خاص الخاص , وحدة الخالق ومخلوقه ولا اختلافهما بحسب الاعتبار, حيث لا امتياز للخالق عن المخلوق حينئذ إلاّ بالاعتبار , وكذا النبي J وابو جهل مثلا متحدان في الحقيقة على هذا الاساس وانما يختلفان بحسب الاعتبار , وهذه الاقوال ظاهر منها الفساد والبطلان بل الكفر والالحاد ومن يعتقد بها، لأن لازم ذلك أن يكون الخالق من سنخ المخلوق، فيصبح ليس ثمة فرق بينهما , ولا تختلف عنه فرضية العقول العشرة. ([61])

  العلماء اختلفوا في أول المخلوقات، فالحكماء يقولون: أول المخلوقات العقل الأول، ثم العقل الأول خلق العقل الثاني والفلك الأول، وهكذا إلى أن انتهى إلى العقل العاشر، فهو خلق الفلك التاسع وهيولي العناصر، وجماعة منهم يقول بأن تلك العقول وسائط لإيجاده تعالى ولا مؤثر في الوجود إلا الله، وكل ذلك مخالف لما ظهر وتبين من الآيات والاخبار، وأجمع عليه المليون ([62]).

    نظرية العقول العشرة لدى الفارابي نذكرها بأيجاز على مجموعة من أولاً: ثنائية الواجب والممكن، نطلق في استدلاله على وجود الله عز وجل من مفهومين بسيطين يرتسمان في الذهن هما، واجب الوجود.، ممكن الوجود، فمفهوم الوجود والإمكان لديه من الأفكار الفطرية الواضحة في الذهن والتي يمكن للعقل أن يدركها دونما وساطة أو اكتساب، وذلك لأننا نعرف في الأول أنه واجب الوجود بذاته معرفة أولية من غير اكتساب، فإنا نقسم الوجود إلى الواجب والممكن، ثم نعرف أن واجب الوجود لذاته يجب أن يكون واحداً.. ([63]). وحدة الوجود لها معنيان: معنى صحيح ومعنى باطل، والمعنى الصحيح كل هذا الوجود صادر عن الواحد، والسماء والأرض والعالم كله صادر عن واحد فقط لا شريك له الخالق الحكيم، والمعنى الباطل: امتزاج الله بخلقه، كما اعتقد النصارى في التثليث، وكما اعتقد النصارى أن النبي عيسى A ابن الله، والصوفية يقول الخالق والمخلوق واحد او ان الخلق كله تجليات الله، وهناك من يعتقد بوحدة الوجود بصورة قد تكون مختلفة وهي أن الله يحل في السماء، والسماء خلق الله فيحل الله على زعمهم في خلقه.

وقد يكون التجسيم أيضا هو مستل من هذه النظرية للسلفية وغيره، وان الله يحل في شخص او فتى امرد من رواية ابن أبي داود: أنه سئل ابن عباس، هل رأى محمد ربه؟

  قال: نعم، قال: وكيف رآه؟

 قال: في صورة شاب دونه ستر من لؤلؤ، كأن قدميه في خضرة.

 فقلت أنا لابن عباس: أليس في قوله: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) ([64]) قال: لا أم لك ذاك نوره الذي هو نوره إذا تجلى بنوره لا يدركه شيء، وهذا يدل على أنه رآه، وأخبر أنه رآه في صورة شاب دونه ستر، وقدميه في خضرة، وأن هذه الرؤية هي المعارضة بالآية والمجاب عنها بما تقدم، فيقتضي أنها رؤية عين.

 كما في الحديث الصحيح المرفوع، عن قتادة، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله Jرأيت ربي في صورة شاب أمرد، له وفرة جعد قطط في روضة خضراء، وهذا ما يؤمن به السلفية كما اقر به منظرهم (ابن تيمية).

وكلام اخر ولما سئُل الرسول J هل يرى المؤمنون الله يوم القيامة قال: نعم: يرى عباد الله الصالحين والمؤمنون ربهم في الجنة كما ترون القمر ليلة البدر، ألم تقرأوا في كتاب الله تعالى حيث يقول: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ([65]).

 فسّرَ بذلك رسول اللهJ فقال: الحسنى هي الجنة والزيادة هي لذة النظر إلى وجه الله الكريم. ([66]) وقد يسأل سائل كيف وقد حُرمَ نبي الله موسى من رؤيتهِ.

والعقيدة الحق كما عن مدرسة أهل البيت b  تبعا ً للرسول الأعظمJ  والأئمّة الأطهار بأنّ رؤية الله عزوجل سواءً في الدنيا أو الآخرة وبالعين المجرّدة تعدّ من الأمور المستحيلة, لأنّ الله عزوجل أجل وأكبر من أن يكون كالأجسام المادية مثل الشمس والقمر التي تدرك بالإنعكاسات الضوئية.قال تعالى : ( لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)([67]) رؤية الله عزوجل بواسطة العين الباصرة لا تخلوا من جهتين: إمّا أن تحيط الرؤية بجميع ذاته تعالى فإنّ هذه الإحاطة تستلزم تحديد وجود الله وحصره في مكان معيّن وخلوّ سائر النقاط منه, لأنّ عين الإنسان محدودة القدرة ولا تستطيع الإحاطة بجميع الجهات. وإمّا أن تكون رؤيتنا إيّاه تعالى تتعلّق بجزء من ذاته, وإنّها تدرك قسما ً من ذاته تعالى, فهذه تستلزم القول بالتجزئة والتركيب في ذاته, وكل ذلك محال بالنسبة إلى الله, لأنّه تعالى شأنه ليس محدودا ً بحدّ ولا متحيّزا ً في مكان, وليس له أجزاء ومركّبات حتى يكون في مكان دون مكان , وكما بينا من الدليل القرآني في سورة الأنعام , قال الطبرسي: الإدراك متى قرن بالبصر لم يفهم منه إلّا الرؤية , وهناك الأحاديث كثيرة واردة عن الأئمةb  تنفي رؤية الله عزوجل, منها   ن الأشعث بن حاتم قال: قال ذو الرئاستين: قلت لأبي الحسن الرضاA : جعلت فداك, أخبرني عمّا اختلف فيه الناس من الرؤية. فقال A: يا أبا العباس من وصف الله بخلاف ما وصف به نفسه فقد أعظم الفرية على لله، قال الله تعالى: (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير) ([68])

     معاني الوجود والواجب والإمكان من المعاني التي تتصور لا يتوسط تصور آخر قبلها، بل هي معان واضحة في الذهن، وإن عرفت بقول فإنما يكون على سبيل التنبيه عليها لا على سبيل أنها تعرف بمعان أظهر منها ([69]) ومن ثم فقد ذهب الفارابي إلى القول بثنائية الوجود من حيث تقسيمه إلى واجب وممكن.

 فالأول: إذا اعتبرنا ذاته وجب كونه موجوداً، ولا يجوز أن يعدم، أو يتصور عدمه، وهذا ما يسمى بواجب الوجود، ولذا يقول الفارابي: الموجودات على ضربين.

 الثاني: إذا اعتبر ذاته وجب وجوده، ويسمى واجب الوجود. ([70]).

   وحدة الوجود وحسب فهمي لها الأصالَةَ لِلَّه ولغَيره، إلَّا أن اللهَ وَاجِب الوُجُود وقَائِم بذَاتِه وما سِوَاهُ مُمكِن الوُجُود وقَائِم بغَيره ومَعلُولٌ لوَاجب الوُجود , وهذا ومن اقوال علماء من مدرسة اهل البيت b ليست كنظرية باقي مدارس الحكمة , بل هي مرتبة من مراتب التوحيد الذاتي للخالق انطلاقاً من كلمة امير المؤمنين A: (دليله آياته، ووجوده إثباته، ومعرفته توحيده، وتوحيده تمييزه من خلقه وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة، إنه رب خالق غير مربوب مخلوق، كل ما تصور فهو بخلافه) ([71]) حكم التمييز بين الخالق والمخلوق , بينونة صفة لا بينونة عزلة : اي ان التمييز بين الواجب والممكن يكون ببينونة الصفة لا ببينونة العزلة , اي ان الخلق من شؤونه سبحانه، من آياته سبحانه، ولا يمكن عزلها عنه فهو محيط بالخلق، وليس بمعزل عنهم , اي ان الممكنات هم من شؤون الله بل آيات الله وهو بينونة له عز وجل كما في الحديث القدسي (كنت كنزا مخفيا، فأردت ان اعرف، فخلقت الخلق لكي اعرف)  مثال : نور الشمس لا عينها :هل نستطيع ان نقول أن نور الشمس الذي يضيء الأرض هو عين الشمس؟

الإجابة هي (لا) لان النور من صفاتها وليس عينها، فهي مغايرة عنه لأن عين الشمس يختلف عن النور، وهذا هو معنى قوله A (بينونة صفة لا بينونة عزلة) اي ان الخلق قائم بالله وهم تجليات له، آيات له، لكن هل هذا يعني ان الخلق هم عين الله والعياذ بالله، بالطبع الجواب يكون (لا) بل هو شؤونه وآياته فقط ولا يوجد بينهم (اتحاد وحلول) وغيرها من هذه الكلمات الخاطئة.

   النتيجة: ان علماء وفلاسفة مدرسة اهل البيت b في كتبهم يناقشون هذه النظرية وهم بعيدون عن هذه الكفريات والزندقة والإلحاد، ووحدة الوجود التي يؤمنون بها انما هي من قول امير المؤمنين وسيد الموحدين على ابن ابي طالب A (وحكم التمييز بينونة صفة لا بينونة عزلة)، ولماذا اختاروا نظرية وحدة الوجود كعنوان لهذا المقام مع العلم ان هناك واجب وجود وممكن وجود؟ ([72])

 اختار العلماء هذه المصطلح وحدة الوجود لهذا المقام لأنه لا وجود مستقل بذاته إلاّ وجود الواجب عز وجل، اما الموجود الممكن وجود مجازي، (وجود وهمي)، وليس وجودًا حقيقيًا وهو مفتقر إلى موجد يوجده ووجوده قائم به لذلك يكون وجوده اعتباري ووجود الله تعالى وجود حقيقي ([73]) لأن كل مفتقر إلى ما سواه معلول والخلق معلول والله قائم بذاته ولا علة له، هذا الفعل لا ينتسب إلى الله حقيقة. نعم، القدرة والطاعة التي بها وُجِد الفعل مصدرها الله عز وجل، فنسبة الله للفعل نسبة الخالقين، ونسبة الإنسان للفعل نسبة الفاعلية، هو الذي أراد وهو الذي فعل وصنع، فهذا المعنى الأخير من وحدة الوجود.

      إذا كان المراد به النسبة المجازية فلا إشكال فيها، وإذا كان المراد به النسبة الحقيقية فهو معنى غير صحيح، وهذه نظرية بالمنظور الصوفي يترتب عليه محذور الكفر، نظرية وحدة الوجود التي يتبناها علماؤنا وعرفاؤنا مفهوم لا يخالف العقل ولا الإيمان هي وحدة الوجود والموجود في عين كثرتهما، أي الوحدة في عين الكثرة والعكس صحيح.([74]) في هذا الكلام تأمل لا يقول ان الممكن جوده مجازي بل حقيقي مفتقر الى العلة , وإذا فسرو الوجود بمعنى التحقق يرفع الاشكال , الوجود بهذا المعنى لا يصح سلبه عن ذاته، فإن من المحال أن يسلب الشيء عن نفسه، وفسروا الثابت بالموجود، وهذا يقتضي أن يكون الوجود بمعنى الثبوت والتحقق .


 

الرُّوح

    الروح والنفس أحد الموضوعات التي شغلت تفكير كثير من المفكرين والفلاسفة والعلماء، لم يصل أيا من هؤلاء المفكرين حتى الآن إلى قول قاطع في الفرق بينهم، فكل رأي يدعم بالأدلة العقلية، والنقلية، لابد لنا أولاً من أن نعرف ماهية تكوين الإنسان، وما في كيانه من قوى موجهة لفعله، وماله من حاجات تتطلب الاستجابة ثم بعدها نحدد هذه المصطلحات وفقاً لما جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة.

نحن في هذا البحث نطلع على ما قالوا في هذا الموضوع وما هو الفرق بين الروح والنفس , يختلف مصطلح الروح عن النفس حسب الاعتقادات الدينية فالبعض يرى النفس هي الروح والجسد مجتمعين ويرى البعض الآخر إن النفس قد تكون أو لا تكون خالدة  , ولكن الروح خالدة حتى بعد موت الجسد , ومن تلك الآراء نستخلص ما نراه مناسبًا لنا , وحسب ما نصل له ولا يعني هو الحق , لكن هو رأي من الآراء , ومن خلال البحث وان كان هذا يحتاج الى جهد وسعة في الفكر والوقت للفهم ثم الكتابة حتى يتم ايصاله للآخر بطريقة واضحة , تعريف الروح ليس بالأمر البسيط وليس لكل شخص الكلام فيه مهما كان له من العلم هو صعب الكلام في حقيقتها , نحاول الاطلاع على ما قالوا وكتبوا، تعريف الروح فلسفياً يختلف عن تعريفهما عقائدياً (كلامياً) وكل مدرسة لها تعريف خاص، فللمشائين من الفلاسفة تعريف يغاير ما عند الاشراقيين، ولعلماء الكلام تعاريف متفاوتة بحسب مبنى كل طائفة منهم إذ المعتزلة لهم تعريف وللأشاعرة تعريف وللإمامية تعريف وللإسماعيلية تعريف، فضلاً عن اختلاف الآراء في منشأ كل منهما ولعلماء الكلام تعاريف متفاوتة ,في مراتب النفس ومراتب الروح، وما يبطل منهما - كما في أنفس بعض البهائم - بمجرد الموت وما لا يبطل كنفوس بني آدم وما عليه مدار الثواب والعقاب من تلك المراتب.

     وقيل ان الروح هي كيان خارق للطبيعة، غالبًا ما يكون ذا طبيعة غير ملموسة على غرار كيانات مماثلة أخرى كالأشباح والجان والملائكة يحمل المصطلح طابعاً دينياً وفلسفياً وثقافياً يختلف تعريفه وتحديد ماهيته ما بين الأديان والفلسفات والثقافات المختلفة، ولكن هناك رأي سائد عبر كثير من الأديان والاعتقادات والثقافات البشرية على أن الإيمان بوجودها يجسد مفهوم المادة الأثيرية الأصلية الخاصة بالكائنات الحية. استناداً إلى بعض الديانات والفلسفات، فإن الروح مخلوقةً من جنسٍ لا نظير له في الوجود مع الاعتقاد بكونها الأساس للإدراك والوعي والشعور عند الإنسان , الروح سر الله في المخلوقات ولا يعلمها الا خالقها سبحانه وتعالى , سر من الأسرار التي لا تتحملها كل العقول، فهذه المسألة من معضلات المسائل لأن الكلام فيها يقع تارة في تعريف كل منهما على حدة، وتارة أخرى في الفرق بين حقيقتيهما تبعاً لمن قال باختلافهما مصداقاً، وتارة ثالثة في خصائص ووظائف كل منهما، وتارة رابعة في اختلاف التعريفات بحسب اختلاف المذاهب والاتجاهات والآراء , منذ كان الإنسان وفي كل جيل يتأمل الانسان ويتساءل ويستفسر ويبحث عن ماهية الروح التي بين جنبيه، لا يدري كنهها ولا سرها، وهل كانت قبل الجسم أم خُلقت معه، ثم ماذا بعد فناء هذا الجسم ولم يجد جواب موحد ولنعم ما قال الشاعر:

        قد حار في النفس جميع الورى

 

والفكر فيها قد غدا ضائعا

 إن الله تبارك وتعالى هو خالق الروح والنفس والجسد خالق كل شيء سبحانه وتعالى: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ ([75]).

الأرواح خلقت قبل الأجساد، وعالم الأرواح أعم من عالم الذر، لأن المراد بعالم الذر الأرواح التي أخرجها الله من ظهر آدم A وأخذ عليها العهد بتوحيده , والروح من روح الله وأنه نفخ فيه من روحه، ولا صفة من صفاته، وإنما هي مصنوع من مصنوعاته، فوقوع الخلق عليها كوقوعه على الملائكة والجن والإنس , والشبهة هي أن الله تعالى لديه روح , والله عز وجل منزه عن الحد والمكان أي أنه جل جلاله كما يقول مولى الموحدين A أنه لا يؤيّن باين ولا يحد بحد ولا يكيّف بكيف إذ هو خالق المكان والزمان والعدم وكل شيء , ونفخ الروح ﴿وَنَفَخت فيه من رّوحي، قال A: من قدرتي .([76])

وعن محمد بن مسلم، قال سألت أبا جعفر A عن قول الله عز وجل: ﴿وَنَفَخت فيه من رّوحي قال: روح اختاره الله واصطفاه وخلقه واضافه إلى نفسه وفضله على جميع الارواح فامر فنفخ منه في آدم. ([77]) وعن أبي جعفر الأصم قال: سألت أبا جعفرA عن الروح التي في آدم A والتي في عيسى A ما هما؟

     قال:روحان مخلوقان اختارهما واصطفاهما، روح آدم Aوروح عيسى A([78]).وكما يظهر من الروايات أن الروح جنس له انواع (لأنه قال بخصوص هذه الروح: وفضله على جميع الارواح فهناك أرواح وهذه منها , ولهذا النوع الذي شرفه وفضله, وأن الله أمر فنفخ منه في آدم ومن للتبعيض، البحث في هذا الموضوع كبير جدا ومتشعب وكم حاولت الاختصار لكن لم أتمكن ولو تركنا القلم وننقل ما قالوا وما كتب من أبحاث ومناقشتها لكان هذا الكتاب مجلدات كبيرة , هذه موضوع ليس لنا علم فيه فقد حجب الله علمه عنا إلا ما نتعلمه من أئمة أهل البيت b.جميعالموجوداتفيهذا العالمتُدار وتدبّر منقبلموجود مدبّر إلهيّ، فالإنسانا المادّي‌ّ له‌ مَلَكمقرّبيرشدهويحفظه؛ وكلّ واحد منأصنافالحيواناتوالنباتاتوالجمادات، بلوكلّ ذرّةمنموجوداتهذا العالم، وبصورةعامّةفإنّ جميععالمالشهادة، أيعالمالظاهر وعالمالملك، يخضعلإدارةوسيطرةعالمملكوتي، وذلكالعالمالملكوتيهو عالمالحقيقةوالمعنيوالباطنالذيلهقدرةوعظمةتفوقهذا العالم، ويمكنهلذلكأنيربّيويسيّر هذهالموجوداتضمنشرائطه، ويُقاللتلكالموجودات‌ : الملائكة‌. والملائكةيضيقونعلیالحصر، فهناكمنهمبعدد الذرّاتالموجودةفيهذا العالموالمخلوقةفيعالمالمُلك، وهناكملكبعدد كلّ قطرةمطر تنهمر منالسماء موكّلبحفظها وحراستها وإنزالها، وكلّ منهممهمّةخاصّةتتفاوتحسباختلافالقويوالمواهبالتيأعطاها اللهلهم‌.

       الانسان يختلف عن باقي الخلق حيث ان آدم A: عندما تمت إرادة الله بخلق آدم جسداً، وتهيأ هذا الجسد إلى المرحلة الثانية عندما شاءت إرادته أن يجعله بشراً سويا، قال تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين ([79]) وقال تعالى أيضاً: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ۖ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ ثم جعل نسلهُ من سُلالةٍ من ماءٍ مهين ثم سواهُ ونفخ فيه من روحه﴾. ([80])

وهذه الروح في الجسد مباشر كن فيكون الروح كرامة وقدرة من الله تعالى وليست من صفات الله تعالى، بل هي خلق من مخلوقات الله تعالى، والمضاف إلى الله نوعانِ، أحدهما: إضافة ما يكون منفصِلاً عنْه، قائمًا بنفسه، أو قائمًا بغيْره، فإِضافتُه إلى الله إضافةُ خلق وتكوين([81])، ولا يكون ذلك إلاَّ فيما يُقصد به تشريفُ المضاف، أو بيان عظمة الله تعالى لعِظم المضاف، فهذا النَّوع لا يمكن أن يكون من ذات الله سبحانه ولا من صفاته، إنَّما إضافة مخلوق إلى خالقه سبحانه ومن هذا النَّوع إضافة الله تعالى روحَ آدم وعيسى A إليْه سبحانه وإضافة البيت والنَّاقة؛ بل كلُّ ما في السَّماوات والأرض إليه سبحانه. وأضيفت إلى الله تعالى في بعض النصوص إضافة ملك وتشريف، فالله خالقها ومالكها، يقبضها متى شاء، ويرسلها متى شاء، الله تعالى ليس له بيت ولا (ناقة الله) و(عباد الله) و(رسول الله) فكل هذه مخلوقات أضيفت لله تعالى للتشريف والتكريم ,وهذه ال ( مِن) في الآية ليست للتَّبعيض، حتى تكون الروح جزءًا من الله تعالى؛ فإنَّ (مِن) هنا لابتِداء الغاية؛ أي: هذه الرُّوح من عند الله، مبدؤُها ومنشؤُها من الله تعالى، فهو الخالق لها، والمتصرِّف فيها , كما يقول النصارى ان النبي عيسىA جزءٌ منه تعالى وبعض منهم احتج بالقران بقوله تعالى، ﴿وَرُوحٌ مِنْهُ ([82]) والقرآن يجيب على ذلك بقولَه تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ([83])، وهنا يلزم أن يكون جَميع الأشياء جزءًا منه سبحانه وتعالى, والله تعالى ليس له روح وليس له نفس , وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِه ([84]) كرم الله تعالى ادم A بالروح وهذه الروح من الخلق الأعظم وليست في باقي الخلق .

 الروح الإنسانية اعلى مرتبة من باقي الاحياء والدليل من القرآن الكريم من قوله تعالى: ﴿وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِي ([85])فالطير تُنفَخ فيه الروحُ فيكون طيراً بإذن الله  تعالى كما نفخت الروح في آدم A فكان بشراً سويّاً، والفرق بين النفختين أن نفخة الروح في آدمAكانت في المرتبة العالية والشريفة  من معنى الروح ؛ لمحل النسبة في قوله تعالى : ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي ([86])؛ إذ نسب هذه الروح إليه سبحانه مما  يدلّ على شرافة هذه الروح وصفاتها العالية، خلاف الروحِ التي عند الحيوان فهي في مرتبةٍ أدنى من ذلك , وهذه المرتبة العالية والشريفة جعل الانسان خليفة له جل وعلا وقال سبحانه وتعالى عن آدم أيضاً:﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ([87])والروح سر لا يعلمه إلا خالقها :﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي([88]) أي من عالم الأمر لا من عالم الخلق، كالبدن. ومعلوم عند أولي الأمر وأهل الذّكر أنّ أمرَ الله علم الله ومشيئةُ الله، بل النّفس إن كانت من الرّابعة ([89]) كانت كسابقتها الحسنى، ولاحقتها المثلى، نفس أمر الله، ومشيئة الله تعالى. 

    وماورد عن أبي بصير عن أحد الإمامين الباقر والصادق A قال: سألته عن قوله: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ما الروح؟

 قال A: التي في الدوابِّ والناس ([90]).

     قالوا: ان الروح والنفس بمعنى واحد: وهي الطاقة أو القوة المدبرة المحركة للجسد، فإذا فارقته بالموت خرجت منه الحياة وأصبح جثة هامدة، وهي من أمر الله تعالى تسري في الجسم كما يجري الماء والبلل في الأغصان والأوراق، وتسمى نفسا باعتبار تدبيرها للبدن، وتسمى روحا باعتبار لطفها، وهذا القول يبن ان النفس والروح شيء واحد، ويعبر بالنفس عن ذات الشيء وعينه فيقال: رأيت فلاناً نفسه وعينه، وندخل في بحث اخر أكثر تعقيدا، هل الروح تموت؟

    حقيقة الروح غامضة من الحقائق المسلّمة أن روحك التي بين جنبيك هي أقرب الأشياء إليك وأشدّها لصوقاً بك، إلّا أن حقيقتها غيبية مجهولة، لم يستطع العقل البشري أن يتوصل إلى معرفة أسرار كنهها واستجلاء ماهيّتها، ولكن سؤال لمن يقول النفس والروح شيء واحد؟، فمن الذي يصعد إلى البرزخ عند الموت؟

وإذا كانت النفس هي الروح فكيف تكون كل نفس ذائقة الموت في الوقت، نفسه تقولون الروح لا تموت وتظل موجودة بعد الموت: قال تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ ([91]).

والقول الاخر يضع فرق بين الروح وبين النفس , الروح: شاهد من شواهد عالم الربوبية، الله تبارك وتعالى قبل أن يخلق هذا العالم وهو عالم المادة الذي نعيش فيه برأ عالم وهو عالم الأرواح، عالم الملكوت، عالم الذر، وفي ذلك العالم وجدت الروح، وهي تشهد صفات الله وأسماءه وتسبح الله وتقدسه، وقد أشار إلى هذا المعنى القرآن الكريم عندما يقول: ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا([92])والنفس: محل لعوارض المادة , الروح شهدت بالربوبية في عالم آخر قبل هذا العالم وهو عالم المادة، لما جاء عالم المادة وجدت النطفة، لما علقت النطفة بجدار الرحم نفخ الله فيها الحياة، فبالنفخ بدأت النفس قبل هذا النفخ لم تكن هناك نفس فيها روح، بنفخ الحياة في النطفة وجدت وولدت النفس: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ([93]) عندما تنفخ الحياة في النطفة يتولد شيء جديد اسمه النفس هذه النفس صياغة تتشكل عبر حركة المادة كلما تحركت المادة تشكلت النفس، القرآن الكريم يشير إلى حركة المادة وتشكيل النفس يقول: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ* ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ*ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ([94]) إذا حركة المادة تولد عنها النفس، فالنفس صياغة تشكلت عبر حركة المادة، لأجل ذلك جميع العوامل التي تعرض على المادة تؤثر على النفس، ما تتأثر به المادة، النفس، النطفة، الجنين تتأثر به النفس، مثلا: النصوص أشارت إلى عوامل ثلاثة تؤثر على المادة فينعكس أثرها على النفس: الأول: عامل النطفة , والثاني: عامل الجينات الوراثية , والثالث: الرضاع.

   تعدّدت آراء الفلاسفة ونظريّات المتكلّمين في ماهية الروح، وهل هي عرض أو جوهر ([95]) وفي نشأة الروح وهل هي قديمة أو حادثة، وفي علاقة الروح بالبدن ومحلّها منه وتعلّقها به، وفي خلودها بعد الموت، وحقيقة سعادتها وشقاوتها، وغيرها من المباحث الكثيرة ([96]) ونحاول عرض بعض الأقوال والآراء المختلفة للمتكلمين وباختصار والنتيجة للبحث ما وارد في التنزيل العزيز والسنّة المطهرة معاني الروح قال تعالى : ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ([97])

 ما هي الروح، أهي قديمة أو حادثة؟

  والنبي الاكرم J سئل عن ماهية الروح، فأجابت الآية : ﴿الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي أيّ ممّا استأثر ربّي بعلمه، ولم يُطلع عليه أحداً، فأجابت الآية بكون الروح من سنخ الأمر، ثمّ عرّف سبحانه أمره في قوله : ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ([98]) فبيّن أن أمره تعالى من الملكوت ومن القدرة، وهو قوله للشيء (كُن )، وهي كلمة الإيجاد والحياة التي يلقيها إلى الأشياء فتكون ويحييها بمشيئته، دون توسط الأسباب الكونيّة الأخرى بتأثيراتها التدريجيّة، ومن غير اشتراط قيد الزمان والمكان، ويدلّ عليه قوله تعالى : ﴿ وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ ([99]) فاتّضح أن الآية قد بيّنت أنّ ماهية الروح من سنخ الأمر , أي من فعله وخلقه، فأراد أن الروح حادثة تحصل بفعل الله وتكوينه وإيجاده , والروح هنا تعبير عن القوّة الخفيّة التي بها سرّ الحياة، وعن سرّ الروح الإلهي الذي يحوّل الجماد إلى كائن حيّ , ذكر في تجرّد الروح عن ماهيّة المادّة وصفاتها، واستقلالها خالدةً بعد الموت رغم اضمحلال البدن وتلاشيه، لما لهذا البحث من أثر في معرفة حقيقة المعاد. . في هذا المقام اقول خمسة:

       القول الأول : من يُعد الروح والنفس شيئًا واحدًا , والدليل أن النفس ترد في النصوص الشرعية ويُراد بها الروح، وأحيانًا تطلق النفس ويُراد بها الروح والجسد معًا , وكلمة الروح تطلق على أشياء كثيرة لكنها إذا أطلقت وعرفت إنما يراد بها ما يمتزج مع الجسد ويشكل منه النفس الإنسانية, واذا كانت خارج الجسد روح وباجتماع الروح مع البدن، تصير النفس فاجرة أو تقية، بسبب هذا الاجتماع تتحرك الغرائز وبيداء الصراع بين النفس والبدن لان يحتاج اشباع الغرائز , والروح بدون البدن لا غرائز فيها لا فجور لها , وموت النفس مفارقة الروح الجسد خروجها منه، فإن أريد بموتها هذا القدر فهي ذائقة الموت، وإن أريد أنها تعدم وتضمحل وتصير عدماً محضاً فهي لا تموت بهذا الاعتبار([100]).

     القول الثاني: النفس شيء والروح شيء اخر مع وجود علاقة وارتباط بينهما، ما ذكر في النصوص الشرعية هذا من قبيل المجاز وليس الحقيقة، لان النفس تموت بقوله عز وجل: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ ([101]).

 أما الروح فإنها لا تموت لأننا لا ندرك كنهها وبالتالي فإنها تصعد إلى بارئها، أي إن الروح في عالم مجهول بالنسبة لنا، والنفس تموت مرتين: مرة حين النوم فإذا نام الإنسان قبض الله نفسه ولم يقبض روحه حيث إن النائم يتنفس، وقلبه ينبض. فالنفس يتوفاها الله عز وجل أثناء النوم أي يأخذها , ثم يُعيدها حين الاستيقاظ أي تعود لتلتصق به لحظة الاستيقاظ، وتتم العملية الربانية بسرعة فائقة يمكن أن تكون أسرع من الضوء , وهذا مظهر من مظاهر الإعجاز، وتموت النفس في المرة الثانية حين تفارق الروح الجسد، فيقول الله رب العالمين : ﴿اللهُ يَتَوَفى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا، فَيُمْسِكُ التِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمى إِن فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكرُونَ([102]) والمُراد (حين موتها) أي حين تفارق الروح الجسد , ويقول رب العالمين :﴿فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ،([103])ولم يقل (لروحه) .

للدلالة أيضًا على أن النفس غير الروح , وإذا استعرضنا الآيات التي لها علاقة بالقتل نجد أنها مُرتبطة بالنفس، ولم تذكر أي آية لها علاقة بالروح فيقول سبحانه وتعالى: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا النفْسَ التِي حَرّمَ اللهُ إِلا بالحق ([104]) وقال تعالى : ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا([105]) والى خمسة عشرة موضعًا في القرآن الكريم يربط القتل بالنفس، ولا تذكر الروح في هذا المجال حيث إن الروح لا تعرف حقيقتها ولا كنهها فلا يقع عليها القتل وهذا يؤكد أن الروح غير النفس , وتقسم النفس الى اقسام عديدة : النفس الأمارة بالسوء قال تعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ([106])والنفس اللوامة قال تعالى: ﴿وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ([107]).

 والنفس المطمئنة قال تعالى: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ([108]) وهذه النفس نفس محمد وال محمد النفس الْمُطْمَئِنَّةُ.  

 والنفس تموت قال تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ"، بخلاف الروح فإنها لا تموت لأننا لا ندرك كنهها وبالتالي فإنها تصعد إلى بارئها، أي أن الروح في عالم مجهول بالنسبة لنا ويبقى مجهول.

    القول الثالث: يذهبون الى أن الروح والنفس البشرية إنما هما شيء واحد، ولكن تختلف تسميتهما بحسب كل مرحلة.. ([109])

  المرحلة الأولى: عالم الذر: خلق الله تعالى الأرواح كلها قبل خلق الأجساد وهي مرحلة الروح بلا جسد قال تعالى: ﴿وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ([110]) وهذه مرحلة اللا إدراك.

   المرحلة الثانية: عالم الأجنة: مرحلة الروح غير الكاملة، حيث تكون الروح في هذه المرحلة متعلقة بالجنين تعلق حياة لا تعلق إدراك قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ([111]).          

     المرحلة الثالثة: النفس في مرحلة الإنسان السوي، وهو الإنسان المدرك العاقل البالغ، إذن فالنفس هي تعلق (قوة) الروح بالإنسان السوي، وهي روح وجسد، بدليل أن الروح عندما تصعد يصبح الجسد جثة، وهذه النفس هي التي عليها كل التكاليف الشرعية بعكس مرحلة الأجنة، فالجنين ليس عليه تكليف لأنه لا إدراك عنده.

      المرحلة الرابعة : النوم : وأثناء تلك المرحلة تصعد روح الإنسان النائم لكنها لا تنفصل عن الجسد انفصالاً تاماً  قال تعالى : ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِى لَمْ تَمُتْ في مَنَامِهَا ([112])، قال تعالى : ﴿وَهُوَ الَّذِى يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ([113])، قال تعالى : ﴿قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ([114])، وهى تدل على الحياة الصغرى والحياة الكبرى أو على الموتة الصغرى والموتة الكبرى، وليس على الإنسان حرج في هذه المرحلة، لأنه غير مدرك إدراكاً تاماً .  

   المرحلة الخامسة: البرزخ: البرزخ لغةً يعنى الفاصل بين الشيء والشيء كما في قوله تعالى: ﴿بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَّا يَبْغِيَانِ ([115]) الرحمن، وهو العالم الذي يفصل بين الدنيا والآخرة، حيث تبقى الروح في عالم البرزخ إلى أن يأذن الله تعالى يوم البعث، فتعود كل روح إلى جسدها الخاص بها استعداداً ليوم البعث والحساب، وهذه هي المرحلة التي تكون عند الموت، حيث ينتهي عمل الإنسان. وبناء على هذا التقسيم فالنفس هي الروح في حال تعلقها بالجسد، وهي التي عليها التكاليف الشرعية، وهي بهذا الاتصال تكتسب صفات مدح أو ذم، فهي إما أن تكون نفساً أمارة بالسوء، أو نفساً لوامة أو نفساً مطمئنة. ([116])

القول الرابع: الروح والنفس ([117])والعقل ([118])والجسم: الطاقات الثلاث المتحكمة بالإنسان، الروح: منذ اللحظة الاولى للتزاوج وهبوط النطفة في رحم الام، تهبط فيها (نفحة الروح الالهية). وهي نور متفرع من النور الالهي المطلق الذي يسير الكون. وهي طاقة الحياة والانسجام والتوازن، أي طاقة (الخير والجمال)، أي ما نسميه بـ(الوجدان والضمير). والنفس: مرتبطة بجسم الانسان وتنمو معه. وهي تنشأ اولا من غرائز الجسم الطبيعية مثل الجوع والجنس وغيرها، ثم تتطور مع حياة الانسان منذ تكونه في بطن امه وما يتلقاه منها من مشاعر، ثم ما يعيشه في حياته من تجارب ومؤثرات وصدمات وانفعالات. والعقل، ابدا ليس هو الحاكم والمقرر، كما يتخيل (ادعياء العقل والعقلانية). بل هو مجرد منسق ومنفذ لإرادتي (الروح) و(النفس) وكل هذه الأمور تظهر على الجسم.

القول الخامس: يتشكل الانسان من خمس مكونات (الروح والعقل والنفس والقلب والجسد) وتختلف تعريفاتها ووظائفها بين الدين والعلم والطب والادب والشعر والفلسفة والموروث الشعبي. ولا يختلف هذا القول في تعرف الروح والنفس والجسد وذكر العقل والقلب العقل: هو آلة التفكير وهو لدى الانسان متطور عن الحيوانات بحيث لديه القدرة على التحليل والاستنتاج والتحكم ولديه القدرة على التفكير والحفظ والحساب واللغة والتطوير والتواصل والاختراع والاكتشاف والتصليح والتنظيم والتخطيط والتأمل والتوجيه وتفسير فعاليات الجسد واصدار الاوامر ويمثل مكان قيادة الجسد كما انه مكان الانفعالات والعواطف والتقييم والتحكيم والتحكم.

العقل: هو مكان الذكاء الانساني، هو مدير الصراع والتآمر والتنافس وحسب المعلومات المتوفرة لدينا حتى الآن فأن مكان وجود العقل من الجسد هو في الدماغ ولكن هناك اشارات قرآنية عن وجوده او بعضه في القلب.

القلب: تشريحيا وفسلجيا هو العضو المادي الذي يتوسط الصدر ويقوم بعمله كمضخة لدفع الدم الى انحاء الجسد بعد ان يعيد استقباله من انحاء الجسد اي انه مضخة ماصة كابسة او دافعة وبتوقفه تتوقف حياة الجسد الا إذا تم ربط الجسد بمضخة خارجية للتعويض عن عمل القلب ([119]) القلب لغة، هو لبّ كل شيء وجوهره، القرآن بين معاني واضحة للقلب، قال تعالى: (وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغاً إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلا أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) ([120])

     النفس عند الحكماء: كمال أول لجسم طبيعي آلي من جهة ما يتغذى وينمو أو يحس ويتحرك بالإرادة أو يعقل الكليات ويستنبط الآراء، وقد يعبر عن كل ذلك بلازم واحد وهو: من حيث أنه ذو حياة بالقوة. والمقصود بالكمال الأول: الصورة التي يحصل الجسم فيها حياً، إذ الكمال مجرداً عن قيد (الأول) جنس يتناول المحدود وغيره. أما الكمال الثاني للجسم الطبيعي الآلي فيتناول جملة الصفات سوى ذلك كالشكل واللون وما أشبه، وقد اختلف العلماء فيما إذا كانت الأرواح قد خلقت قبل وجود البدن أم بعده، فهناك من يعتقد أنها خلقت بعد الجسد وهناك طائفة كبيرة من الروايات التي تقول: بأن الأرواح خلقت قبل الأجساد، ولم يكن للنفس لأنه حتى على القول الثاني فالنفس هي طور من اطوار الروح تسكن مع الجسد.

    الاعتقاد الأول : يقولون الأرواح قد خلقت قبل وجود البدن والدليل قوله تعالى : ﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَىٰ شَهِدْنَا ([121])، هذا الميثاق والعهد الذى أخذه الله على الناس أجمعين وهم في عالم الذر، حيث أقروا له سبحانه بالوحدانية، ومعلوم أن هذا الإقرار لم يكن للأبدان، حيث لم تكن قد خلقت بعد، فدل ذلك على أنه إقرار وعهد من الأرواح، وبذلك تكون مخلوقة قبل الأجساد لقوله تعالى :﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ ([122]) وهذا الترتيب فقد والمهلة، قبل خلق البدن الى ان خلق ادم A والمراحل الأخرى الى صدور الأمر للملائكة ليسجدوا له، ثم خروجه من تلك الجنة لتبدأ الحياة البشرية على الأرض , عن الشيخ المفيدH: حديث عن النبي الاكرم J: إن الله عز وجل خلق الأرواح قبل الأجسام بألفي عام وعلقها بالعرش، وأمرها بالتسليم علي، والطاعة لي، وكان أول من سلم علي وأطاعني من الرجال روح علي بن أبي طالب A بعثة رسول الله Jوهو روح إلى الأنبياء وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام ([123])وعن الإمام علي A: إن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فأسكنها الهواء، فما تعارف هناك، إئتلف هاهنا، وما تناكر هناك اختلف هاهنا ([124]).

    الاعتقاد الثاني : يذهبون إلى تأخر خلق الروح عن البدن، أي أن البدن قد خُلق أولاً ثم خُلقت الروح، ويستدلون على ذلك بالآتي من قوله تعالى في خلق آدم: ﴿إِنِّى خَالِقٌ بَشَرًا مِّن طِينٍ * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ([125]) وهكذا تدل الآيات على أن نفخ الروح، أي خلقها جاء متأخراً بعد خلق البدن وتسويته لقوله تعالى:﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً في قَرَارٍ مَّكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ([126])، والمراد بهذا الإنشاء نفخ الروح بعد مرور البدن في أطواره المختلفة.([127])

     هذا النقاش حسب الفهم الإسلامي ونقاش في الآيات والآراء العلماء، وهذا المفهوم له أيضا بحوث كثيرة في الحضارات القديمة والحديثة، وآراء العديد من المفكرين والفلاسفة وكبار الأدباء الذين أثروا وتأثروا بتلك المفاهيم، وما قالوا عن الروح، وما إذا كانت مادة أم فكرة، عقلاً أم شعوراً، شكلاً أم مضموناً، فرضية أم واقعاً؟

وهل هي فردية خالصة أم أنها تتجاوز الفرد؟

 أقول: هناك نحاول بيانها لأربع مفردات : (الروح والنفس، والموت والوفاة) وهذه المفاهيم نأخذها من الجانب القرآني الذي يجب الاصطلاح عليه، اختلف اهل العلم والفكر في مفهوم تلك المفردات منهم قال أن النفس هي الروح والروح هي النفس , والموت هو الوفاة والوفاة هي الموت، وكل منهم له رأي ومحترم وله دليل، ولكن حسب الاطلاع والبحث وجدنا الامر هناك تفريق في كل منهم (الروح والنفس، والموت والوفاة) وكتاب الله تعالى كامل البيان ويدرج كل مفردة في موضع لأنها الأكمل والأنسب والأصح ولا يحل محلها سواها، ولا يحدث تعارض للمفردة في أي موضع اخر.

  النفس : هي ذات الإنسان التي خلقها الله تعالى في الأجساد المختلفة، وتتعلق بها الإرادة والإدراك، هي الطاقة التي بثها الله في خلقه من كائنات حية على وجه الأرض فتحركها وتجعلها تتكاثر وتجعل الخلايا تنقسم وعندما تموت الخلية فإن هذه الطاقة المحركة تكون قد استنفذت , ونفس للإنس والجن تختلف عن سائر المخلوقات في كونها تمتلك الإرادة، بخلاف المخلوقات الأخرى التي سلب الله تعالى منها الإرادة فجاءت لله طائعة من غير عصيان، ويتمنى الكافر والعاصي يوم القيامة انه خلق حيوان يا ليتني كنت تراب , لان الله تعالى يقول لها: كوني تراباً؛ لأنها ليست من أهل التكليف الدليل قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا ([128])وهذه المسألةُ أيضا وقعَ فيها الخلافُ، فهَل الحيواناتُ لها حشرٌ وبعثٌ , وهَل تبقى بعد الحشر أم تفنى وتصبحُ تراباً ؟  .

ذهبَ أغلبُ المُتكلّمينَ منَ الشّيعةِ والسّنّةِ إلى أنّ الحيواناتَ تُحشرُ يومَ القيامةِ، لأجلِ القصاصِ، والدليل قولُه تعالى : ﴿ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمثَالُكُم مَا فَرَّطنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِم يُحشَرُونَ([129]) وقولُه تعالى : ﴿ وَإِذَا الوُحُوشُ حُشِرَت ([130])  قالَ الطّبرسيُّ : ( ثمَّ إلى ربِّهم يُحشرونَ ) معناهُ : يُحشرونَ إلى اللهِ بعدَ موتِهم يومَ القيامةِ، كما يُحشرُ العبادُ، فيعوّضُ اللهُ تعالى ما يستحقُّ العوضَ منها، وينتصفُ لبعضِها مِن بعضٍ([131]) لا نعلمُ مصيرها بعدَ القصاصِ، فهل لها نعيمٌ ؟ أم تفنى وتتحوّلُ إلى تراب؟ فيه إختلافٌ بينَ المُتكلّمين. وردَ في بعضِ الرّواياتِ دخولُ بعضِ الحيواناتِ التي كانَت في الدّنيا إلى الجنّةِ، فإنّه وردَ أنّ كلبَ أصحابِ الكهفِ وحمارَ بلعمَ بنِ باعورا والذئبَ الذي أكلَ إبنَ الشّرطيّ الذي كُلّفَ بتعذيبِ المؤمنينَ، يدخلونَ الجنّةَ ([132]). ويظهرُ أنّ ناقةَ صالحٍ، وبُراقَ النّبيّ J الذي عُرجَ به، وناقتَه العضباءَ، أيضاً ممّا يركبُها نبيُّنا Jوصالحٌ Aوالزّهراءُ B يومَ القيامةِ. ([133])

وعَن أبي عبدِ اللهِ A: أنّه قالَ: أيُّ بعيرٍ حُجَّ عليهِ ثلاثُ سنين جُعلَ مِن نعمِ الجنّةِ، ورويَ سبعُ سنين ([134]). وروى السّكونيُّ بإسنادِه أنَّ النّبيَّ J أبصرَ ناقةً معقولةً وعليها جهازُها، فقالَ: أينَ صاحبُها، مروهُ فليستعدَّ غداً للخصومةِ. ([135]) وروايات أخرى في هذا الباب.

      الروح : هي الطاقة التي يبثها الله تعالى في المخلوق فتنبعث بها في النفس الحياة والحركة والنمو وغيرها؛ لذلك يطلق على كل ذي روح بأنه حي مادامت فيه الروح، فإن خرجت روحه حل الموت مكانها، ولا فرق في هذا بين الإنسان والحيوان والنبات والجن، الروح لم يدرك إلى الآن ولن يدرك فيما بعد كنهها أي إنسان؛ لأن الله تعالى: «قل الروح من أمر ربي»، فالموت يحل على الإنسان بمجرد نزع الروح منه؛ لأن الدم يتوقف عن الجريان في أعضاء الجسم، والحيوان يموت، ولا يقال عن أي من هؤلاء بأنه توفي الا الانسان والجن لأن الوفاة مرتبطة بمن يجري عليه القلم، فالموت هو توقف الروح، والوفاة هي توقف جريان([136]) القلم على المكلفين من العباد , فكل متوف يقال له ميت: وليس كل ميت يقال له متوف، ومعنى هذا أن خروج الروح من الجسد هو الموت، وخروج النفس هو الوفاة المتعلقة باستيفاء الحق وتوقف العمل , الأرواح خلقت قبل الأجساد بألفي عام وأيضا قبل النفس بزمن بعيد لان النفس مع الجسد كما ذكرنا مفصلا.

     ومن خلال اطلاعي وحسب معرفتي أن الإنسان مكون من الروح والنفس والجسم، الجسم معروف لا يحتاج بيان سنبين شيء هنا فيما قال اهل العلم عن الجسم او الجسد هو الوعاء او القالب المادي او المجسم للكائن الانساني وهو الجزء القابل للفناء بشيخوخته وموته واندثاره وتختلف طرق التخلص منه في مختلف المناطق في العالم بعد موته بين الدفن او الحرق او الرمي في مياه البحر لكونه مكون من مواد عضوية قابلة للتدوير في الطبيعة حيث مكوناته الاساسية الكاربون والنتروجين والاوكسجين والهيدروجين ومركباتها والمعادن الاخرى كالحديد والكالسيوم والفسفور والصوديوم والبوتاسيوم والمغنيسيوم وغيرها , وما هو مصيره بعد الموت هل ستعود له الحياة في البرزخ ام هناك جسد اخر، وذكروا شبهة «الاكل والمأكول» ([137])وهي من المسائل التي طرحت على طاولة البحث وهي في الحقيقة من أكثر معضلات مباحث المعاد الجسماني من ناحية التعقيد.

  نبين ذلك للفائدة : يتفق في بعض الأحيان أن تحل بعض أجزاء بدنِ أحد الناس في بدن شخص آخر، إمّا بصورة مباشرة بعلم او دون علم وحدث ذلك كثيرا، وإمّا مباشرة كما لو تحللت اجزاء الإنسان وتحولت إلى تراب فتتغذى النباتات من ذلك الجسم فيأتي إنسان آخر ويتغذى من تلك النباتات (كالخضر والحبوب والفواكه)، أو أن يتغذى أحد الحيوانات على تلك النباتات فيأكل الإنسان الآخر لحم تلك الحيوانات، كما أنّه من الممكن أن تتحلل بعض أجزاء جسم الإنسان وتتحوّل إلى بخار وغازات فيستنشقها إنسان آخر فتحلُّ في جسمه , ويمكن أن تحل جميع أجزاء بدنِ الإنسان في بدن إنسان آخر بالتدريج.

   الجواب: في الموضع او هذه الشبهة كلام طويل ومختلفة ولكن نضع أشهر الأجوبة هو التمسك بعدم فناء «الأجزاء الأصلية».

قال أنصار هذه النظرية: إنّ جسم الإنسان مركب من أجزاء أصلية وغير أصلية، فالأجزاءُ الأصلية هي التي لا تعرض عليها الزيادة ولا النقصان، وغير الأصلية ما تعرض عليها الزيادة والنقصان باستمرار.

      فالأجزاء الأصلية تحافظ على بقائها بعد موت الإنسان وإذا ما تحولت إلى تراب فإنّ ذلك التراب لن يحل في جسم موجودٍ آخر، وفي يوم القيامة تنمو هذه الأجزاء فيتكون منها جسم الإنسان ثم تحلّ فيها الروح , وقد دعموا هذه النظرية بذكر عدّة روايات والتي منها : ما رواه مصدق بن صدقة عن عمار بن موسى عن الإمام الصادق A حيث سئلA  عن الميت يبلى جسده، قال : (نعم حتى لا يبقى لحم ولا عظم إلّا طينته التي خلق منها فانّها لا تبلى، تبقى في القبر مستديرة حتى يخلق منها كما خلق أول مرّة»k وسلك آخرون للردّ على «شبهة الآكل والمأكول» طريقاً آخرَ فقالوا : ليس من الضروري أن تعاد نفس الأجزاء السابقة لجسم الإنسان، لأنّ شخصية الإنسان تكمن في الروح، وإذا ما حلّت الروح في جسمٍ ما فسوف يكون ذلك المركب عين الإنسان السابق، على هذا سوف لن يمس وحدة شخصية الإنسان أيّ ضرر بسبب التحولات التي طرأت على الجسم بسبب طول المدّة وتبدّل الأجزاء بأجزاء اخرى , بناءً على هذا فلا يوجد هناك مانع من أن يخلق اللَّه جسماً آخر لتحل فيه الروح، فتتنعم الروح بواسطة هذا الجسم بنعم الجنّة أو تتعذب بواسطته بعقوبات النار، فنحن نعلم بأنّ اللذة والألم يتعلقان بالنفس والروح وما الجسم إلّا واسطة لا أكثر!.

     وهنا اختلاف بين اهل العلم هل المعاد الجسماني او المعاد بالجسم النوعي البرزخي أي الجسم النوراني اللطيف، وأنّ المعاد يتحقق بالروح فقط أو بالروح مع جسم مادي غير هذا الجسم، وقالوا: إنّ شخصية الإنسان تتمثل بروحه وهذه الروح إذا ما تعلقت بجسمٍ ما فسوف تشكل نفس ذلك الشخص.

    قالوا أيضا: إنّ شيئية الشي ووجوده يكمنان في صورته لا في مادته، فحيثُما وُجِدَتْ الصورة وُجِدَ ذلك الشي، وإنّ روح الإنسان هي قوام هذه الصورة، بناءً على هذا فأينما وُجِدَتْ روح الإنسان فسوف تتحقق شيئيته ووجوده.

ونذكر بحث للشيخ أحمد الاحسائي في هذا الموضوع يقول:  أنّ الإنسان له جسدان وجسمان: فأمّا الجسد الأوّل؛ فهو ما تألّف من العناصر الزّمانية، وهذا الجسد كالثّوب يلبسه الإنسان ويخلعه، ولا لذّة  له ولا ألم، ولا طاعة ولا معصية، ألا تَرَى أنّ زيداً يمرض ويذهب جميع لحمه حتّى لا يكاد يوجد فيه رطل لحم، وهو زيد لم يتغيّر، وأنت تعلم قطعا ببديهتك أنّ هذا زيد العاصي ولم تذهب من معاصيه واحدة، ولو كان ما ذهب منه أو له مدخل في المعصية لَذَهَبَ أكثر معاصيه بذهاب محلّها ومصدرها، وهذا مثلا زيد المطيع لم تذهب من طاعاته شيء، إذْ لا ربط لَهَا بالذّاهب بوجه من الوجوه، لا وجه علّية، ولا وجه مصدرية، ولا تعلّق، ولو كان الذاهب من زيد لذهب بما يخصّه من خير وشرّ، وكذا لو عفن وسمن بعد ذلك هو زيد، بلا زيادة في زيد بالسمن، ولا نقصان فيه بالضّعف، لا في ذات، ولا في صفات، ولا في طاعة، ولا في معصية.

والحاصل هذا الجسد ليس , وهَذَا الذي قلت هو ما يقوله المسلمون قاطبة، فإنّهم يقولون: إنّ الأجساد التي يحشرون فيها هي هذه الّتي في الدّنيا بعينها، ولكنّها تُصَفّى مِنَ الكدورة والأعراض، إذْ الإجماع من المسلمين منعقد على انها لا تبعث على هذه الكثافة، بل تُصَفّى، فتبعث صافية، وهي هي بعينها، وهذا الذي قلتُ وإيّاه أردتُ، فإنّ هذه الكثافة تفنى حين تلحق بأصلها، ولا تعلّق لَهَا بالرّوح، ولا بالطاعة والمعصية، ولا باللّذة والألم، ولا إحساس لَهَا، وإنّما هي في الإنسان بمنزلة ثوبه، وهذه الكثافة هي الجسد العنصري الّذي عَنَيْتُ، فافهم , وما ورد عن أهل البيت bمِنْ أنّ أجسادهم الآن رفعت إلى السماء فإنّ الحسين b لو نبش في أوّل دفنه لرئي والآن لم ير وإنّما هو معلّق بالعرش ينظر إلى زوّاره، إلى آخر معنى ما روي , فمحمول على مفارقة الأجساد العنصرية التي هي البشرية للأجساد الأصلية، فلم تدركها بعد مفارقة البشرية أبصار أهل الدّنيا.. وَأمّا الجسمان: فالأوّل هو ما تخرج به الرّوح، وهو مع الرّوح، ويفارق الجسد الباقي، والموت يحول بينهما، وهو مع الروح في جنّة الدّنيا عند المغرب، وتأتي فيه إلى وادي السلام، وتزور فيه بيته، ومحل حفرته، وروح المنافق مع ذلك الجسم في نار الدنيا عند مطلع الشمس، وعند غروبها تأوي فيه إلى برهوت، وتسري فيه إلى وادي الكبريت في المركبات المسخوطات الملعونات.

       وذلك حال الفريقين إلى نفخة الصعق، ثمّ تبطل الأرواح فيما بين النفختين، وتبطل كُلّ حركة من الأفلاك، ومن كُلّ ذي روح، ونفس حيوانية او نباتية، وذلك مدة أربعمائة سنة، ثمّ يبعثون في الأجسام الثانية، وذلك لأنّ تلك الأجسام تُصَفّى، وتذهب كثافتها، وهي الأجسام الأولى كما قلنا في الأجساد حرفاً بحرف، ويحشرون في الأجسام الثانية، وهي هذه الّتي في الدّنيا بعينها لا غيرها، وإلاّ لَذَهَبَ مَعَهَا ثَوَابُهُمْ وَعِقَابُهُمْ , ولكن هذا الجسم الذي في الدنيا هو بعينه هذا المرئي لطيف وكثيف، فأمّا الكثيف فيصفّى وتفنى كثافته -التي سميناها الجسد الأوّل العنصري- ويبقى لطيفه في قبره، وهو الجسد الثّاني الباقي، وأمّا اللّطيف فيظهر به في البرزخ، وهو مَرَكَبُ الرّوح، وهيكلها إلى نفخة الصور، فيصفى وتذهب كثافته التي سميناها جِسْمَاً أوّلِيّاً، ويبقى لطيفه في الصور في ثلاثة مخازن، وتذهب الكثافة بالتصفية من ثلاثة مخازن، وهذه الستة مخازن في ثقبة تلك الروح، فتأتي الرّوح بِمَا في المخازن الثلاثة العليا.. انتهى ([138])

   والسؤال الأهم والبحث في الروح والنفس، هذه المعرفة تكونت من الخطاب القرآني وهو عندما يتحدث الله سبحانه وتعالى عن الروح يقول تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ([139]) وعندما يتحدث سبحانه وتعالى عن النفس يقول: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ([140]) وهذا يعني أن النفس تموت ولكن الروح هي أمر لا يعلمه إلا الله وعلمنا قليل أمام علم الله تعالى.

  وبالتالي ان الإنسان مكون من النفس التي تموت والروح التي لا يعلمها إلا الله , والجسد الذي يفنها والذي فيه الروح والنفس، مفهوم النفس لغوياً هو مجموعة الخصائص الشخصية والقدرات الغير ملموسة والتي تميز كل شخص عن الآخر، النفس تموت، والنفس توسوس للإنسان وتحرضه على فعل السوء، يقول تعالى: ﴿إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ ([141]) وهذه الأشياء وغيرها يظهر منها تعريف للنفس , كما في التعريفات في اللغة: النفس بمعنى "حقيقة الشيء وجملته، يقال: قتل فلانٌ نَفْسه , وقول صاحب الصحاح "والتكبر: هو أن يرى المرء نَفْسه أكبر من غيره , النَّفْس بمعنى "الحسد، والعين، يقال: أصابته نَفْسٌ؛ أي: عَيْن([142])، والنافس العائن , وأيضا النفس بمعنى الدم، وذلك أنه إذا فُقِد الدم من الإنسان فَقَد نَفْسه؛ أو لأن النَّفْس تخرج بخروجه، يقال: سالت نفسه، وفي الحديث: (ما ليس له نفس سائلة لا يُنجِّس الماء إذا مات فيه)([143]) أي جوهر الإنسان، ومحرك أوجه نشاطه المختلفة؛ إدراكيةً، أو حركية، أو فكرية، أو انفعالية، أو أخلاقية؛ سواء أكان ذلك على مستوى الواقع، أو على مستوى الفهم، والنفس هي الجزء المقابل للبدن في تفاعلهما وتبادلهما التأثير المستمر والتأثر، مكونين معًا وحدةً متميزة نطلق عليها لفظ (شخصية) تُميز الفرد عن غيره من الناس، وتؤدي به إلى توافقه الخاص في حياته , النفس تتأثر بالمحيط والمورثات (الجينات) بسب الإباء وما ورث منه , وكل هذه الأفعال والمشاعر  يطورها الإنسان من خلال التنشئة وخبرات الحياة، ويرجع أيضًا، بصورة نسبية، إلى الصفات الوراثية. وهذه كلها في النفس، قال الشيخ المفيد Hالنفس عبارة عن معان أحدها ذات الشيء والثاني الدم السائل والثالث النفس الذي هو الهواء والرابع الهوى وميل الطبع ([144]) وعبر عن النفس على انها الهالة التي تحيط بالجسم وتلتصق به ولا تغادره إلا أثناء النوم وعند الموت. وهذا التصور استنتجته من قوله تعالى: (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) ([145]) فالنفس يتوفاها الله تعالى أي يأخذها ويعيدها إليه عندما ينام الإنسان، ثم تعود لتلتصق به لحظة الاستيقاظ، وتتم العملية بسرعة فائقة يمكن أن تكون أسرع من الضوء , والنفس تموت بعد رحلت هذا العمر قال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ)([146]) كل نفس تموت , ولكن الروح لا تموت  وكما سنبين الشهداء أَحْيَاءٌ في ارواحهم وَلَكِن لا تَشْعُرُونَ , ويمكن في زمن لاحق يجد العلماء معنى وماهية النفس ,لا يوجد في القرآن ما يمنع من اكتشاف النفس، على عكس الروح التي أكد الله على أنها أمر خاص به.

     والأرواح وعلى حسب القول خلقت قبل الأجساد كما قال الشيخ المفيد H ([147]) عن النبي J (إن الله عز وجل خلق الأرواح قبل الأجسام بألفي عام وعلقها بالعرش، وأمرها بالتسليم علي، والطاعة لي، وكان أول من سلم علي وأطاعني من الرجال روح علي بن أبي طالب A نعم هو من أخبار الآحاد، وقد روته العامة كما روته الخاصة ([148]) وبعثة رسول الله Jوهو روح إلى الأنبياء b وهم أرواح قبل خلق الخلق بألفي عام، وعن الإمام علي A: إن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام فأسكنها الهواء. فما تعارف هناك، ائتلف هاهنا، وما تناكر هناك اختلف هاهنا ([149]) عبر العلماء عن هذا وإن ثبت القول فالمعنى فيه : إن الله تعالى قدّر الأرواح في علمه قبل اختراع الأجساد, واخترع الأجساد, ثم اخترع لها الأرواح, فالخلق للأرواح قبل الأجساد خلق تقدير في العلم , وليس بخلق لذواتها , وهذا القول يدخلنا في مبحث اخر فلسفي اعمق من ما نحن فيه , وكان جواب :لاحد الاساتذة  (حفظه الله) على هذا القول: الخلق التقديري وان كان ممكن في ذاته وهو ايضا غير ممتنع عليه وبعلمه لكنه ينافي الروايات الصحيحة والصريحة, لكن ممكن ان نؤول ذلك القول بأنه لتقريب اما نص عليه بأنه خلقها وقدرها ممكن للتقريب ليس إلا وإصرارنا على نفي ذلك هو دلالة الروايات ووضوحها وأن الارواح في تلك العوالم تلاقت وعاشت واختبرت , فكان نصيب السعيد هناك انه نجح في الاختبار وكان سعيدا والتردد في كم لبثت وكيف عاشت عالم نجهله وحتى التعبير بالزمان مجازا للتقريب , بمعنى اخر حتى لا يشوب المبحث شائبه ولا يدخل عليك شيء هو قول اخر بان الأرواح قدر لها أن تعيش في ذلك العالم بعلمه وبتقريب الانسان لابنه الانسان ممكن ان يحرز تصرفاته وبعلمه ممكن ان يتوقع افعاله فكيف به سبحانه بعيدا عن التوقع هو عالم بما كان وبما سيكون فصاحب هذا القول يدعي ان الأرواح قدرت وخلقت بعلمه الذي لا نعلمه وهي نشأة أولى؟ لكن الروايات تأبى ذلك.

   في هذا الباب الروايات كثيرة بضع عشرة منها في باب خلق الأرواح قبل الأجساد خلق بألفي عام وعلة تعلقها بها وبعض شؤونها في البحار، روى الصدوق عن النبي Jأنه قال: الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف ([150])وروي الصدوق Hفي العلل بسند موثق عن أبي عبد الله A قال: إن الأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها في الميثاق ائتلف ههنا، وما تناكر منها في الميثاق اختلف ههنا. ([151])

روي عن الصادق A: (إن الله آخى بين الأرواح في الأظلة قبل أن يخلق الأبدان بألفي عام، فلو قد قام قائمنا أهل البيت لوّرث الأخ الذي آخى بينهما في الأظلة ولم يورث الأخ من الولادة) ([152]).

وقال الشيخ أبو عبد الله : النفس عبارة عن معان: أحدها: ذات الشيء، والثاني الدم السائل، والثالث: النفس الذي هو الهواء، والرابع: الهوى وميل الطبع ([153]) وما ذكروه من الأدلة التي توهموها في حدوث الأرواح عند خلق الأبدان مخدوشة مدخولة لا تقاوم رواية واحدة، فكيف بهذه الروايات التي قريبة من التواتر([154]) وما الروح لا نعلم ماهيتها , وغاية ما قيل في الروح : إنّها ما يقوم به الجسد، ويقوى على الإحساس والحركة ,جميع الخصائص التي يتمتّع بها الإنسان ما هي إلّا نتيجة لردّة فعل للعالم الخارجي , قال الشيخ المفيدH : وأما الروح فعبارة عن معان: أحدها: الحياة، قولهم :كل ذي روح فحكمه كذا وكذا، يريدون:كل ذي حياة، وقولهم في من مات: قد خرجت منه الروح، يعنون به الحياة، وقولهم في الجنين صورة لم تلجه الروح، يريدون: لم تلجه الحياة.   

الثاني: القرآن، قال تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ([155])

الثالث: ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ ([156])

الرابع: قوله تعالى: ﴿قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ ([157])جبرئيل A ([158]).

والنتيجة ان النفس يطلق على معان متعدّدة، وكذلك الروح، وقد يجتمعان في بعض المعاني واستدلّ كثير من فلاسفة المسلمين ومتكلّميهم على كون الروح مجرّدة عن صفات البدن وأعراضه، ولا تفنى بالموت، بل تبقى خالدة، إمّا في نعيم وسعادة، أو في جحيم وشقاوة، بأدلّة نقليّة وعقليّة كالآيات القرآنيّة الدالّة على أنّ أرواح الشهداء والصدّيقين لا تموت بموت البدن ولا تفنى بفنائه وتبدد أجزائه، بل تبقى في عيش هنيء ونعيم مقيم كقوله تعالى:﴿وَلأ تَقُولُوا لِمَن يُقْتَلْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِن لأ تَشْعُرُونَ([159])وقوله تعالى :﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِم ([160]) كما ذكرنا في الكلام النفس انه تموت هل يعني الموت الانتقال من عالم الى عالم , او موت النفس وفناء الجسم قولِه تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى([161]) وقولِه تعالى: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ([162]) هل  هذا الخطاب للجسد الذي في زمن معين يذوب او ينتهي ويعود الى التراب وقوله تعالى :﴿هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ([163]) وهذه الآية للنفس ام للروح والنفس ماتت كما جاء في النص القرآني والموت هو حالة توقف الكائنات الحية نهائياً عن النمو والاستقلاب والنشاطات الوظيفية الحيوية مثل التنفس والأكل والشرب والتفكير والحركة والمشاعر وجميع النشاطات الحيوية ولا يمكن للأجساد الميتة أن ترجع لمزاولة النشاطات والوظائف, ودليل اخر في المقام يحكي ما وقع لقوم نبيِّ الله شعيب A: ﴿فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ / الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آَسَى عَلَى قَوْم كَافِرِينَ([164]) وكلام النبي شعيب A لقومه بعد موتهم في دارهم جاثمين، هل كان هذا الخطاب للنفس ام للروح؟!  والروح هي التي لا تموت تخرج من الجسد وتفارق النفس، وتعود الى عالمها المثالي لكن ليس عالم الذر بل عالم البرزخ وهناك من يقول لا وجود لعالم البرزخ قوله تعالى: ﴿وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ([165]) وروايات كثيرة أيضا عن حبّه العرني، قال: خرجت مع أمير المؤمنين A إلى الظهر، فوقف بوادي السلام، كأنّه مخاطبٌ لأقوامٍ ... فقلت: يا أمير المؤمنين، إني قد أشفقت عليك من طول القيام، فراحة ساعة ...! فقال لي: «يا حبّة، إن هو إلاّ محادثة مؤمن أو مؤانسته»

قلت: يا أمير المؤمنين، وإنهم لكذلك؟!

قال: «نعم، ولو كشف لك لرأيتهم حلقاً حلقاً محتبين يتحادثون...» ([166])

وعن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد الله A عن أرواح المؤمنين، فقال: «في حجرات في الجنة، يأكلون من طعامها، ويشربون من شرابها، ويقولون: ربنا أقم الساعة لنا، وأنجز لنا ما وعدتنا، وألحق آخرنا بأولنا» ([167]) والآيات الدالّة على أن الكفّار يعذّبون في النار بينما أجسادهم في القبور , قولَه تعالى: ﴿فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ / النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ([168]), واقولَه تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ([169]) قال أبو بصير : قلت لأبي عبدالله A :أيفلت من ضغطة القبر أحد ؟ فقال: «نعوذ بالله منها، ما أقلّ من يفلت من ضغطة القبر! ([170])وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله A قال: سألته عن أرواح المشركين، فقال: «في النار يعذّبون، يقولون: ربنا لا تقم لنا الساعة، ولا تنجز لنا ما وعدتنا، ولا تلحق آخرنا بأولنا» ([171])

والآيات التي ذكرت مراتب الخلقة الجسمانيّة، دلّ ذلك على أنّ جوهر الروح شيء مغاير لجوهر الجسد والنفس، عن الشيخ المفيد H الروح عبارة عن معان أحدها الحياة والثاني القرآن والثالث ملك من ملائكة الله تعالى والرابع جبرئيل ([172]).

حقيقة الروح غامضة: قال تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ([173]) الروح والنفس بحسب الاطلاق العرفي مترادفان، واما من الناحية الفلسفية؛ فالروح من عالم الأمر وقيل من عالم الرقائق وهو برزخ بين الجبروت والملكوت وفائدتها انها تسبب الحياة للكائن فهي اعم من الانسان وغيره اما النفس فهي من عالم الملكوت وعودها بعد الموت قبل القيامة الى عالم خاص عالم البرزخ وهو عالم المثال، وفرّق بعض الفلاسفة بين الروح والنفس بأن اعتبر الروح هي الحياة التي تلج الجنين وهي عينها اذا فارقت الجسد بعد الموت تكون نفسا , وهذا المعنى ان اتحاد الروح والجسد تكون النفس , كما اتحاد او دمج لوني مع اخر يتكون لون ثالث , والواضح لدينا ان الروح هي أمر لا يعلمه إلا الله تعالى , وما قيل عن النفس كذلك يقال في الروح، والسبب أن الروح والنفس كلاهما من عوالم معنوية غير مادية، وهما جوهرين بسيطين وخاليين عن أي تركيب من العناصر الأرضية , وهناك تعاريف عن بعض العلماء ويقولون الروح هي الطاقة التي بثها الله في خلقه من كائنات حية على وجه الأرض فتحركها وتجعلها تتكاثر وتجعل الخلايا تنقسم وعندما تموت الخلية فإن هذه الطاقة المحركة تكون قد استنفذت , تعدّ الروح جسماً خفيفاً حيّاً لذاته، وعلويّاً متحرّكاً يسري في الأعضاء وينفذ فيها، ولا تعلم البشر بماهيّة هذه الرّوح أو حقيقتها؛ فهي خلقت بأمرٍ من الله، وليست من جنس العالم المشهود، ويصعُب تحليلها. وعلى الرّغم من ماهيّة الروح وغموضها إلّا أنّه من الممكن أن تظهر آثارها على الجسد؛ فالعقل والفقه والإبصار والحركات اللا إرادية، هذه كلّها لا تتحقّق إلّا بالرّوح، فما إن نزعت روح الإنسان منه بطل كلّ ذلك وفسد، فالإنسان لم ينتفع بخلق الله من بصر وسمع وغيرها إلّا بعد أن نُفخت فيه روحه , ويمكن أن نتخيل الروح على أنها ذبذبات غير مرئية ولا يمكن قياسها ولا إدراكها بأي جهاز ,ولكن يمكن أن نرى نتائج وجودها , هذه الذبذبات الروحية هي التي تحرك الخلايا وتدفعها للانقسام والاستمرار في حياتها , وهذا الروح اكبر من الجسد واعظم منه والجسد ضعيف جدا بالنسبة الى قوة الروح , الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام قال تعالى : ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ([174]) لله تعالى هو واهب الروح ولا روح له, وقد خلق الله تعالى عالماً هو عالم الأمر وهو العالم الذي تنزل منه الأرواح على المخلوقات الحية, قال عز وجل: ﴿وَيَسأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِن أَمرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِنَ العِلمِ إِلَّا قَلِيلاً ([175])فتبين أن الأرواح هي من عالم الأمر , ويطلق الروح في القرآن الكريم والحديث الشريف على معانٍ منها: جبرائيل, وروح القدس, وسائر الملائكة, ومنها ما تقوّم به الجسد وتكون به الحياة, ومنها القوة الناطقة الإنسانية, ويطلق على العقل أيضاً, ويقال لعالم الأرواح بعالم الملكوت أو عالم المجردات أو عالم الأمر , وعالم الروح هو عالم موازي لعالم الخلق عالم الأبدان،، وهو عالم كان موجود قبل عالم الأبدان وأنّه لا يزال حتى هذه اللحظة موجود معه، وسيبقى موجود بعده أيضا فعالم الروح هو عالم خاص وله قوانينه الخاصة به وله بُعده الخاص به أيضا، واختلف العلماء في ماهية([176])الروح, فقيل : أنها جسم رقيق هوائي متردد في مخارق الحيوان وهو مذهب أكثر المتكلمين, وأختاره السيد المرتضى H. وقيل: الروح عرض وليس جوهر, ثم أختلف فيه, فقيل: هي الحياة التي يتهيأ به المحل لوجود القدرة والعلم والاختيار, وهو مذهب الشيخ المفيد Hوالبلخي وجماعة من المعتزلة.

   وكما هو معروف ان هناك من العلماء من يُعد الروح والنفس شيئًا واحدًا لأن النفس ترد في النصوص الشرعية ويُراد بها الرّوح قال الشّيخ البهائيّ H: المرادُ بالرّوح ما يُشير إليه الإنسان بقوله: أنا، أعني النّفس الناطقةَ وهو المعنيّ بالروح في القرآن والحديث، وقد تحيّر العقلاءُ في حقيقتها، واعترفَ كثيرٌ منهم بالعجز عن معرفتها، حتّى قال بعضُ الأعلام : إنّ قولَ أمير المؤمنينَ A: (مَن عرفَ نفسهُ فقد عرفَ ربّه ) معناه أنّه كما لا يمكنُ التّوصلُ إلى معرفةِ النّفس، لا يمكنُ التوصّلُ إلى معرفة الربّ , وأحيانًا تطلق النفس ويُراد بها الروح والجسد معًا , وهذا من قبيل المجاز وليس الحقيقة، والنّفس او الرّوحَ لها عدّةُ مراتبَ وجوديّة إحداها الرّوح في عالم الملكوت، وهو عالمُ النّفوس؛ فالرّوحُ إذا تعلّقت ببدنٍ ملكوتيّ؛ كأبدانِ أهل عالم الذّرِّ، قبل خلق الدّنيا، أو أبدانِ أهلِ الجنّة والنّار بعد فناءِ الدّنيا، سُمّيَت نفوساً، وهي الأشباحُ كما ورد في الأخبارِ الصّحيحة، وقد يُطلق عليها الظّلال كما وردَ في روايات أخرى.  

 وقيل الروح جوهر متوسط بين العقل وبين النفس، فهي برزخ بينهما، وهي مجردة عن المادة، وأن عالمها هو عالم الرقائق، وهو عالم برزخي بين عالم الجبروت (وهو عالم العقول المجردة،) وعالم الملكوت (وهو عالم النفوس المجردة)، والثابت أن الروح لها تصرفات وتدبيرات لعالم المادة سواء في الأجساد أم خارجها، وذلك لكونها في مقام الفعلية، الروح هي طاقة الحياة او الحيوية السارية في الجسم. والنفس امر آخر ولكن قد يطلق احدهما على الاخر اطلاقا عاميا واما القدرات التي يحصل عليها بعض اهل الرياضة والسير والسلوك فهي ناتجة عن ترقيات النفس وانتقالها بين المقامات حيث تحصل بعض المقامات بخرق بعض الحجب او بانكشاف بعض الحقائق المغيبة عن الحواس ولكن الارتقاء النفسي في المقامات وحصول الملكات والقدرات التي تعد خارقة بالنسبة الى النفوس غير المرتاضة لا يعتبر دليلا على وصول السالك الى معرفة الله عز وجل لان معرفة الله عز وجل تحصل لأهل التقوى من عباد الله وعلى رأسهم الانبياء والاولياء والائمةbالروح متحدة مع الجسد حال الحياة، والنفس كذلك، الروح هي سبب حياة الجسد هي الحياة السارية فيه وأما النفس فهي الجوهر الملكوتي الناطق الذي يرتبط بالجسد بواسطة الروح , من خلال التمييز بين النفس والروح، نستطيع معرفة أشياء كبيرة , ومثلا النفس تفارق جسد النائم إلى عالمها ثم تعود إليه حال الاستيقاظ إن لم يقض الله عليه بالموت, وأما الروح فثابتة في الجسد في حالي النوم واليقظة، إذ لو فارقت الروح لم يتسن للنفس العود إلى الجسد وتنفصم علاقتها به، الروح هي حامل النفس والرابط بينها وبين الجسد. وأحيانا يحصل الخلط عند أكثر الناس بين الروح والنفس فلا يميزون في التعبير بينهما، وهناك من يرتاض لأغراض خاصة هي نفس حصول تلك القدرات وليس لأجل المعرفة وبالتالي فلا ينكشف لهم الا بمقدار ما عزموا عليه وعقدوا النية لأجل بلوغه وهذا ما يلاحظ عند بعض البراهمة والهندوس والصوفية الذين يسلكون لأجل حصول تلك النتائج المترتبة على الرياضة وليس لغاية دينية او عقلانية.

    والنفس هي الهالة التي تحيط بالجسم وتلتصق به ولا تغادره إلا أثناء النوم وعند الموت , وهذا التصور استنتجته من قوله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ([177]) فالنفس يتوفاها الله تعالى أي يأخذها ويعيدها إليه عندما ينام الإنسان، ثم تعود لتلتصق به لحظة الاستيقاظ، وتتم العملية بسرعة فائقة يمكن أن تكون أسرع من الضوء, وهذه الرواية تبين ان الروح لا تموت وتنتقل من مكان الى اخر.

 وقد روي عن الصادق A ما ذكرناه في هذا المعنى وبيناه، فسئل عمن مات في هذه الدار أين تكون روحه؟ فقالA : من مات وهو ماحض للإيمان محضا أو ماحض للكفر محضا نقلت روحه من هيكله إلى مثله في الصورة، وجوزي بأعماله إلى يوم القيامة، فإذا بعث الله من في القبور أنشأ جسمه ورد روحه إلى جسده وحشره ليوفيه أعماله، فالمؤمن تنتقل روحه من جسده إلى مثل جسده في الصورة، فيجعل في جنة من جنان الله يتنعم فيها إلى يوم المآب، والكافر تنتقل روحه من جسده إلى مثله بعينه فتجعل في نار فيعذب بها إلى يوم القيامة.([178]) وشاهد ذلك في المؤمن قوله تعالى: ﴿قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وشاهد ما ذكرناه في الكافر قوله تعالى: ﴿النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ فأخبر سبحانه أن مؤمنا قال بعد موته وقد ادخل الجنة: يا ليت قومي يعلمون، وأخبر أن كافرا يعذب بعد موته غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة يخلد في النار , وقد اختلف أصحابنا F فيمن ينعم ويعذب بعد موته، فقال بعضهم: المعذب والمنعم هو الروح التي توجه إليها الأمر والنهي والتكليف، وسموها (جوهرا) وقال آخرون: بل الروح الحياة، جعلت في جسد كجسده في دار الدنيا، وكلا الأمرين يجوزان في العقل، والأظهر عندي قول من قال إنها الجوهر المخاطب، وهو الذي يسميه الفلاسفة (البسيط).([179])

    وقالوا النفس معناه : هو معنى ما أضيف إليه، فنفس الشيء معناه الشيء، نفس الإنسان معناه هو الإنسان , ثمّ استعملوها في الروح الإنساني لما أنّ الحياة والعلم والقدرة التي بها قوام الإنسان قائمة بها، ومنه قوله تعالى : ﴿أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ([180]) للنفس لها إطلاقات ثلاثة : الاول : ما أضيف إليه، فنفس الشيء معناه الشيء، وهذا يطلق على الإنسان والحجر، ويطلق على المولى سبحانه، قال تعالى : ﴿ وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ ([181])  الثاني : تطلق على الإنسان خاصّة، قال تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ ([182]) وهذا يصدق عليه الموت. .. الثالث: تطلق النفس على روح الإنسان، قال تعالى: ﴿أَخْرِجُواْ أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ ([183])، ولا يصدق على الروح الموت. وجاء عقائد الشيخ المفيد Hالذر والأرواح والنفوس ما يلي: النفس: عبارة عن معان أحدها ذات الشيء والثاني الدم السائل والثالث النفس الذي هو الهواء والرابع الهوى وميل الطبع.

      الروح: عبارة عن معان أحدها الحياة. والثاني: القرآن، والثالث: ملك من ملائكة الله تعالى، والرابع: جبرئيل.

      الأرواح: بعد موت الأجساد على ضربين منها ما ينقل إلى الثواب والعقاب وهو من محض الإيمان محضا ومن محض الكفر محضا ومنها من يلهى عنه وتعدم نفسه عند فساد جسمه فلا يشعر بشيء حتى يبعث وهو من لم يمحض الإيمان محضا ولا الكفر محضا ([184]) وقال الشيخ أبو جعفر H: اعتقادنا في النفوس أنها هي الأرواح، وأنها الخلق الأول، وأنها خلقت للبقاء، وأنها في الأرض غريبة، وفي الأبدان مسجونة.

   وأشار إليه أمير المؤمنين A حينما سأله الأعرابي عن النفس فقالA: اي الأنفس تسئل فقال يا مولاي هل النفس أنفس عديدة؟

 فقالA: نفس نامية نباتية وحسية حيوانية وناطقة قدسية والهية كلية ملكوتية؟  

قال يا مولاي ما النامية النباتية؟

 قال A قوة أصلها الطبايع الأربع بدو ايجادها عند لمسقط النطفة مقرها الكبد مادتها من لطايف الأغذية فعلها النمو والزيادة سبب افتراقها اختلاف المتولدات فإذا فارقت عادت إلى ما منه بدت عود ممازجة لا عود مجاورة.

فقال يا مولاي ما النفس الحيوانية؟

 قال A قوة فلكية وحرارة غريزية أصلها الأفلاك بدو ايجادها عند الولادة الجسمانية فعلها الحياة والحركة والظلم والغلبة واكتساب الشهوات الدنيوية مقرها القلب سبب افتراقها اختلاف المتولدات فإذا فارقت عادت إلى منه بدت عود ممازجة لا عود مجاورة فتنعدم صورتها ويبطل فعلها ووجودها ويضمحل تركيبها.

  فقال ما النفس الناطقة القدسية؟

 قال  Aقوة لاهوتية بدو ايجادها عند الولادة الدنيوية مقرها العلوم الحقيقية موادها التأييدات العقلية فعلها المعارف الربانية سبب فراقها تحلل الآلات الجسمانية فإذا فارقت عادت إلى منه بدت عود مجاورة لا عود ممازجة , فقال ما النفس الإلهية الملكوتية الكلية فقال A قوة لاهوتية وجوهرة بسيطة حية بالذات أصلها العقل منه بدت وعنه دعت واليه دلت وأشارت وعودها إليه إذا كملت وشابهت ومنها بدت الموجودات واليها تعود بالكمال وهي ذات العليا وشجرة طوبي وسدرة المنتهى وجنة المأوى من عرفها لم يشق ابدا ومن جهلها ضل وغوى) ([185]).

   عن كميل بن زياد قال: سألت مولانا أمير المؤمنين A

فقلت: يا أمير المؤمنين، أريد أن تعرفني نفسي؟

 قال A: يا كميل أي الأنفس تريد أن أعرفك؟

  قلت: يا مولاي هل هي إلا نفس واحدة؟!

قال A: يا كميل إنما هي أربعة: النباتية النامية والحسية الحيوانية والناطقة القدسية والكلية الإلهية ولكل من هذه خمس قوى وخاصيتان: فالنامية النباتية لها خمس قوى: جاذبة وماسكة وهاضمة ودافعة ومربية ولها خاصيتا: الزيادة والنقصان وانبعاثها من الكبد، والحسية الحيوانية لها خمس قوى: سمع وبصر وذوق ولمس وشم ولها خاصيتان: الرضا والغضب وانبعاثها من القلب. والناطقة القدسية لها خمس قوى: فكر وذكر وعلم وحلم ونباهة وليس لها انبعاث، وهي أشبه الأشياء بالنفوس القدسية الملكية ولها خاصيتان: النزاهة والحكمة، والكلية الإلهية لها خمس قوى: بقاء في فناء، ونعيم في شقاء، وعز في ذل، وفقر في غناء، وصبر في بلاء ولها خاصيتان: الرضا والتسليم وهذه التي مبدئها من الله وإليه تعود، قال الله تعالى: (ونفخت فيه من روحي) وقال تعالى: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً ([186]) (والعقل وسط الكل).

         الروح: هي سبب الحياة: قال تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) ([187]) وللمفسّرين في هذه الآية عدّة أقوال، أظهرها أن المراد بها روح الحيوان التي بها قوام الجسد، ويساعد على ذلك سبب النزول، وبعض الحديث الوارد عن أهل البيت b منها أنّه J سئل عن ماهية الروح، فأجابت الآية: (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ([188]) أيّ ممّا استأثر ربّي بعلمه، ولم يُطلع عليه أحداً ([189]) أنّه J سئل عن الروح، أهي قديمة أو حادثة، فأجابت الآية: (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أيّ من فعله وخلقه، فأراد أن الروح حادثة تحصل بفعل الله وتكوينه وإيجاده.  

وما رواه أبو بصير عن أبي جعفر الباقر Aأو أبي عبد الله الصادق A قال: سألته عن قوله تعالى: (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) ما الروح؟

قالA: (التي في الدواب والناس).

قلت: ما هي؟  قالA: (هي من الملكوت من القدرة) ([190]).

 وفي المسيحية يحدد الكتاب المقدس الثلاثة عناصر الرئيسية للإنسان وهي: الروح والنفس والجسد.

وأن روح الإنسان هي "الشخص الحقيقي وهي جوهر كينونة الفرد والمنبع الحقيقي لوجوده. وعندما يقبل الشخص يسوع المسيح كمخلص له، فإن روحه الإنسانية هي التي تتحول حيث تصبح "كيانًا جديدًا" في يسوع المسيح، ولا تتحول النفس والتي هي منبع الإرادة والعقل والمشاعر بل تحتاج إلى التجديد بصورة يومية عن طريق السلوكيات المسيحية المحببة مثل الصلاة وقراءة الكتاب المقدس. ([191])

  وفقًا للمؤرخ أسفال شبينغلر فقد تم التمييز بين الروح والنفس من قبل الغرب والحضارات السابقة التي أثرت في تطوره.

ويمكن النظر إلى روح الإنسان بوصفها مكونًا سماويًا للتكوين الإنساني غير المادي - أي الجزء غير الشخصي أو العالمي في حين أن النفس هي المكون الشخصي الفريد لكل فرد، واما الماديّون اختلفت أقوالهم في محلّ الروح من الجسد وفي أقسامها، ولهم مذاهب مختلفة في ذلك، لكنهم جميعاً اعتبروا الإنسان هو هذا الهيكل المحسوس، وليس ثمة وجود مستقلّ عن المادّة يسمّى بالروح، بل هي من خواصّ الجسد، وتخضع لجميع القوانين التي تحكمه.

وهناك معاني في استعمال الألفاظ ولأجل بيان الموضوع في ختام البحث نبين شيء منها _ القائد هو العقل هو كلمة معنوية وليست مادية ويقصد به القدرة على التفكير، والعقل هو ما يميز الإنسان عن الحيوان وليس الدماغ!!

 وأما الدماغ فهو يمثل المحتوى الموجود داخل جمجمة الإنسان وهو مسؤول عن كل العمليات العصبية في الجسم والتحكم بعمل أعضاءه، ويشتمل على: المخ، المخيخ وجذع الدماغ، والمخ هو جزء من دماغ الإنسان مسؤول عن العمليات الإدراكية، والحسية وكل ما له علاقة بالتفكير واللغة.  

مكونات الذات الحية في الجسد بثلاث ذوات متمايزة لمعرفة مصادر الغرائز الإنسانية في ثلاث ذوات متمايزة هي الكيماوية والغريزية والشحنية.

الأولى الدّاب: وهو الجزء الحيواني من كيان الإنسان، ويتشكل من الذات الحية والدماغ.. والذات الحية تتشكل من المادة وتفاعلاتها الكيماوية في الذات الكيماوية، ومن الطاقة وتفاعلاتها في الذات الشحنية، ومن تلابس الذاتين في الذات الغريزية.

الثانية الذات الكيماوية: هي مادة الجسد وتفاعلاتها الكيماوية، ومن جل إدامة التلقائية في الجسد الحي ونموه فإن حاجات هذه الذات هي الغذاء، والشرب، والراحة، والنوم، والاستقرار.

الثالثة الذات الشحنية: هي طاقة الشحن الحراري والكهربائي ومجالاتهما المرافقة للبناء المادي في الذات الكيماوية وتأثير تفاعلاتهما بهما.. ومن أجل دوام مميزات الحياة في الجسد، فهذه الذات تحتاج إلى انتظام الحرارة (الدفء والبرودة)، والحركة، واللعب، والخوف، واللذة (توازن طاقة الشحن).

الثالثة الذات الغريزية: هي محصلة اندماج الذاتين الكيمياوية والشحنية، لتلابسهما ضمن التصميم الرباني للجسد في كيان الدّاب؛ حيث تتحول فيه الصفات المادية إلى غرائز، فصفة الكتلة في المادة تولد حب التملك وحب الملك. وصفة الاستمرارية في المادة تولد حب البقاء والخلود.. وصفة اللاانتظام في المادة (الأنتروبي)، تولد الميل للعبث.

تم بفضل منه تعالى

الفهرست

مقدمة الكتاب .....................................................................................................5

مقدمة البحث ......................................................................................................7

ايهما وجد أولا البيضة ام الدجاجة .....................................................................18

من هو الخالق (الصانع) ......................................................................................29

بداية الكون ......................................................................................................69

الديانات الإغريقية ............................................................................................75

الديانة المصرية .................................................................................................78

 الديانة الهندوسية ..............................................................................................79

الديانة بلاد الرافدين ..........................................................................................81

الديانة الزرادشتية ..............................................................................................82

الديانة الصينية   ..................................................................................................83

الديانة الاسكندنافية   ..........................................................................................84

الديانة المندائيون ..............................................................................................85

المدارس الفلسفية ............................................................................................86

الصراع الفلسفي هل الوجود أزلي ام محدث .....................................................88

الهيولى..............................................................................................................99

نظرية وحدة الوجود .......................................................................................108

الروح .............................................................................................................119

الفهرست .......................................................................................................165

تم بحمد الله تعالى

 

 

 



[1] _ _ دعاء الصباح لأمير المؤمنين الامام علي A

[2] _ العنكبوت 20

[3] _ السجدة 9

[4] _ السجد 7_8_9

[5] _ الأعراف_ 11

[6] _ ستيفن هوكينغ من كبار علماء الفيزياء الفلكية في العصر الحديث، وقد اشتهر بظهوره في وسائل الإعلام الشعبية وصراعه مدى الحياة مع المرض الذي أقعده وشل حركته، غير أن تأثيره الحقيقي يتمثل في مسيرته العلمية المرموقة على مدار 5 عقود، وهي مسيرة بدأت بأطروحة لنيل درجة الدكتوراه عام 1966 واستمرت بلا توقف حتى ورقته العلمية الأخيرة في 2018 التي اكتملت قبل وفاته بأيام في عمر الـ 76.

[7] _ صلت:9-12.

[8] _ الحديد: 3

[9] _ فيثاغورس الساموسي (570 - 495 ق.م) هو فيلسوف وعالم رياضيات يوناني، مؤسس الحركة الفيثاغورية كما يُعرف بمعادلته الشهيرة (نظرية فيثاغورس). أتتنا معلومات حوله من كُتب كُتبت بعد قرون من وفاته، لذلك لا يوجد معلومات موثّقة حول أفكاره وأعماله. ولد في جزيرة ساموس وسافر إلى بلاد عديدة منها اليونان ومصر وربما الهند. أقام في مستعمرة كروتوني اليونانية في إيطاليا حوالي سنة 530 ق.م. حيث أنشأ مدرسة لمناقشة موضوعات فلسفية مختلفة من مثل ماذا يحدث للروح عندما يموت الجسد.

[10] _ _ أفلاطون عاش 427 ق.م - 347 ق.م) هو أرستوكليس بن أرستون، فيلسوف يوناني كلاسيكي، رياضياتي، كاتب لعدد من الحوارات الفلسفية، ويعتبر مؤسس لأكاديمية أثينا التي هي أول معهد للتعليم العالي في العالم الغربي، معلمه سقراط وتلميذه أرسطو. وضع أفلاطون الأسس الأولى للفلسفة الغربية والعلوم.، كان تلميذاً لسقراط، وتأثر بأفكاره كما تأثر بإعدامه الظالم.

[11] _ تارتاروس، مكان العذاب للمذنبين.

[12] _إليسيون. إليزيوم Elysion هي في الميثولوجيا الإغريقية جزيرة الخالدين التي تقع في المغرب الأقصى من قرص الأرض، ويحيط بها ويحميها أوقيانوس، وإليها يُرسل قُضاةُ.

[13] _ نو أو نون Nu Nun هو أحد الآلهة المصرية القديمة، فهو أبو الآلهة، الخضم الأزلي الذي انبثق منه كل شيء.

[14] _ براهما أو براهم (بالإنجليزية: Brahma، بالسنسكريتية: ब्रह्मा) هو إله الخلق في الهندوسية. ومُوجد الكون وروحُهُ العليا وجوهرُهُ. يُعرف بـ "الخالق".

[15] _ فيشنو أو وِشْنُ (بالسنسكريتية: विष्णु) هو الإله الأعلى أو الحقيقة العليا في الهندوسية الفيشنوية وهو تجسد براهمان في فرع سمارتا أو أدفايتا من الهندوسية.

[16] _ في البدء كانت الإلهة «نمو» ولا أحد معها، وهي المياه الأولى التي انبثق منها كل شيء.

تفصيل كامل في تاريخ الديانة ما بين النهرين.

 

[17] _ المدرسة الفيثاغورسية ...المدرسة السوفسطائية ...المدرسة السقراطية.. المدرسة المثالية الأفلاطونية.. مدرسة أرسطو المادية.. المدرسة الرواقية الاخلاقية.. المدرسة الإپيقورية الاخلاقية العملية ...المدرسة الإسكندرية.

[18] _ يعتبر أرسطو أو أرسطوطاليس من أبرز عمالقة الفكر الفلسفي الإغريقي، وقد كان تلميذًا لأفلاطون ومرافقه الدائم لمدة عشرين سنة.

[19] _ لم يتزوج أفلاطون أبدًا، ويروي غريغوري فلاستوس أنّ أفلاطون كان مثلي الجنس، وما خوضه النضال ضد المثلية الجنسية سوى نتيجةً لعقدة الذنب التي شعر بها جرّاء ذلك. كان العالم الحسي في نظر أفلاطون عالمًا مشوهًّا، لذا كره العملية الجنسية برمتها، وحصر الجنس مع النساء بغية الإنجاب والحفاظ على الجنس البشري. وكان لدى حديثه عن النساء يتجرد من أية عاطفة. أفلاطون كان تلميذ سقراط ومعلم أرسطو. أشهر مؤلفاته هو كتاب "المدينة الفاضلة". كانت أفكاره ومؤلفاته متأثرةً تأثرًا كبيرًا بسقراط. كان يلجأ إلى أسلوب المحاورات لطرح أفكاره في مختلف المواضيع. قضى أفلاطون آخر سنين حياته في الأكاديمية ومع كتاباته، أما الظروف التي أحاطت بموته فيكتنفها الغموض بالرغم من أنه من المؤكد تقريبًا أنه مات في أثينا حوالي عام 348 قبل الميلاد وكان في بداية الثمانينات من عمره، ويشير باحثون إلى أنه توفي أثناء حضوره حفلة زفاف فيما يعتقد آخرون أنه مات بسلام أثناء نومه.

[20] _ أرسطو والمرأة، إمام عبد الفتاح إمام، سلسلة الفيلسوف والمرأة، مؤسسة الأهرام للنشر والتوزيع، ط 1، مصر 1996م، ص 29 ...مؤسس علم المنطق الصوريّ، والفيلسوف السياسيّ أرسطو، يقرر أن المرأة لا تصلح إلا للإنجاب، وأنه لا يمكنها أن تمارس الفضائل الأخلاقية مثل الرجل، فهي مجرد مخلوق مشوه أنتجته الطبيعة. أما أفلاطون، صاحب كتاب "الجمهورية"، والمعروف بمدينته الفاضلة؛ فيرى أن المرأة أدنى من الرجل في العقل والفضيلة، وكان يأسف أنه ابن امرأة، ويزدري أُمّه لأنها أنثى!

[21] _ برمنيدس من إيليا فيلسوف يوناني ولد في (القرن الخامس قبل الميلاد) في إيليا وهي مدينة يونانية على الساحلِ الجنوبيِ لإيطاليا. برمنيدس كان من تلاميذ أمنياس. وهو مؤسس مدرسة إيليا، التي ضمت زينون من إيليا ومليسوس من ساموس. ونقلاً عن افلاطون، فقد كان برمنيدس على علاقة شاذة مع زينون عندما كان الأخير غلاماً.

[22] _ لفظ يوناني يعني الكلمة أو العقل أو القانون كلمةلاّتينية تدلان على القدرة على النمو الكامنة في كل الأشياء أي القوة الحاضرة بصورة كلية في الكائنات وتسيطر على الإنسان نفسه بوصفه جزء من الطبيعة، وهو مصطلح شائع الاستعمال في الأدبيات الفلسفية والدينية، فهو عند أفلاطون وأرسطو قانون الوجود وأحد المبادئ المنطقية، وعند الرواقيين قانون العالمين الطبيعي والروحي في إطار وحدة الوجود. كان أول من استخدم مفهوم اللوغوس في الفلسفة اليونانية هيراقليطس.

[23] _ألكسندر، دراسات نيوتن، باريس، 1968.

[24] _ ونفي الوحي بمفهومه اللاهوتي، أي نفي كونه غيبياً، منفصلاً عن فاعلية قوانين حركة الوعي البشري في تحصيل المعرفة. ويرى أن منشأ الوحي انما هو المخيلة في الانسان، يرى ان النبوة بوساطة المخيلة، وهذه -أي المخيلة- تصله بالعقل الفعال، الذي هو حلقة الاتصال بين العقل البشري والعالم العلوي.

[25] _ جون كارسون لينوكس (بالإنجليزية: John Carson Lennox)‏ عالم بريطاني في الرياضيات وفلسفة العلوم ومناظر مؤيد للمسيحية ويعمل كبرفسور في الرياضيات في جامعة أكسفورد. وهو عضو في زمالة في الرياضيات وفلسفة العلوم في كلية تمبلتون الخضراء، جامعة أكسفورد. وهو أيضا مستشار الرعوي في كلية تمبلتون الأخضر وقاعة يكليف، ومحاور وكاتب معروف في قضية العلاقة بين العلم والإيمان.

 

[26] _ البقرة - 269

[27] _ الأنعام – 59

[28] _ الروم:30

[29] _ الحديد - 3

[30] _ مهج الدعوات: ١٢٤.

[31] __ ميزان الحكمة - محمد الريشهري - ج ٣ - الصفحة ١٩١٠

[32] _ا نور الثقلين: ١ / ٧٥١ / ٢١١.

[33] _ التوحيد: 141 / 6 و137 / 11 و138 / 12 و142 / 6.

[34] _ نفس المصدر

[35] _ التوحيد: 141 / 6 و137 / 11 و138 / 12 و142 / 6.

[36] _ المصدر نفسه

[37] _ المصدر نفسه

[38] _ الهيولى أو الهيولا بفتح الهاء وضم الياء (Hyle) كلمة يونانية تعنى الأصل أو المادة، وهي واحدة في جميع الأشياء في الجماد، والنبات، والحيوان.

 المعنى الاصطلاحي: هو مادَّةٌ لَيْسَ لها شَكْلٌ ولا صُورَةٌ مُعَيَّنَةٌ، قابِلَةٌ لِلتَّشْكِيلِ والتَّصْوِيرِ في شَتَّى الصُّوَرِ.. المعنى اللغوي: لَفْظٌ يُونانِيٌّ مُعرَّبٌ ومَعناهُ: القُطْنُ، وشَبَّهَ الأوائِلُ طِينَةَ العالَمِ به؛ لأنَّ الهَيُولَى أصلٌ لجميع الصُّوَر، كما أنَّ القُطْنَ أصلٌ لأنواعِ الثِّياب، ويُطلَقُ على المادَّةِ والأصْلِ، والمَحلِّ.

[39] _ وبتعبير آخر: انَّ الهيولى هو ما يقبل المصير إلى الفعليّة والصورة، فالنطفة مثلا هيولى للطفل باعتبار تحيّثها بالقابليّة للمصير إلى الطفل، وهكذا النواة بالنسبة للشجرة، فالنواة فاقدة للصورة الشجريّة إلاّ انَّها مستعدّة للمصير اليها فشأنها عدم الإباء من جهة التركّب مع الصورة.

[40] __ (تعريفات الجرجاني).

[41] _ (رسالة الحدود).

[42] _كنز الولد 87

[43] _تلخيص المحصل 129

[44] _كشف المراد 94

[45] _الكليات 130

[46] __ (1) فهي قابل من جهة استعدادها للصور.

(2) وهي مادة وطينة من جهة توارد الصور المختلفة عليها.

(3) وهي عنصر من جهة ابتداء التراكيب فيها.

(4) وهي اسطقس من حيث ان التحليل ينتهي اليها.

[47] _ (ابن سينا ورسالة الحدود)

[48] _ الهيولي أو الهيولا بفتح الهاء وضم الياء (Hyle) كلمة يونانية تعنى الأصل أو المادة، وهي واحدة في جميع الأشياء في الجماد، والنبات، والحيوان.

[49] _ الكوارك أو الرِكِّين هو جسيم أولي وأحد المكونين الأساسيين للمادة في نظرية النموذج القياسي لفيزياء الجسيمات (المكون الآخر حسب هذه النظرية هو الليبتونات) له كتلة ولكن أبعادها متناهية الصغر صفرية، تُرصَد عند حدوث تصادم شديد بين البروتون والإلكترون. أطلق موري جيلمان عليها الاسم كوارك.

للكوارك ست أنواع وتسمى بالنكهات وهي: العلوي up، السفليdown، الساحر charm، الغريبstrange، القمي top، والقعريbottom. كل من الكوارك العلوي والسفلي له كتلة أقل من باقي الكواركات الأخرى. فالكواركات الأثقل تتحول إلى علوية وسفلية بسرعة خلال عملية تسمى اضمحلال الجسيم: حيث تتحول حالة الكتلة الأثقل إلى حالة كتلة أخف. لهذا فالكوارك العلوي والسفلي هما الأكثر استقرارا ووجودا في الكون، في حين أن الكواركات المسماة بالساحر والغريب والقمي والقعري يتم إنتاجها فقط من خلال اصطدامات عالية الطاقة (مثل المستخدمة في معجلات الجسيمات أو ناتجة من الأشعة الكونية). يرى أكثر علماء الفيزياء أن الكواركات هي اللبنات الأساسية التي تشكل الكون، ومع ذلك لم يُرصد قط وجود الكوارك منفردًا، ويرجع ذلك إلى طبيعة القوى القوية the strong force. مثلما تتجاذب النواة والإلكترونات بسبب شحناتهما الكهربية، تتجمع الكواركات معًا بواسطة الشحنة اللونية color charges. القوى القوية هي القوى التي توجد بين الشحنات اللونية، فكما يوجد نوعان من الشحنات الكهربية (موجب وسالب)، يوجد 3 أنواع من الشحنات اللونية: الأحمر والأزرق والأخضر، وهي مماثلة للألوان الأساسية للضوء. تُجبر القوى القوية الكواركات على أن تكون في حالة بيضاء.

[50] _ يونس - 61

[51] _بعد عام 2000 ثبت علميا ان كل فوتون ضوئي يحتوي بداخله على جسم كروي أصغر منه بمئة مره تقريبا وهذا الجسم الكروي أطلق عليه اسم الكوارك، وهو يعتبر علميا أصغر من الذرة حيث انه موجود بداخل نواة الذرة وهذا الكوراك يتحرك بحركة اهتزازيه للأعلى والاسفل وسميت حركته هذه بالنقير اي كأنه ينقر نقيرا.

[52] _النساء_ 124

[53] _ الجوهر الفرد اصطلاحا: يُعرِّف الجرجانى الجوهر بأنه ماهيّة إذا وجدت في الأعيان كانت في الموضوع، وهو منحصر في خمسة: هيولى وصورة وجسم ونفس وعقل، لأنه إما أن يكون مجردا أو غير مجرد..

[54] _ الجوهر الفرد اصطلاحا: يُعرِّف الجرجانى الجوهر بأنه ماهيّة إذا وجدت في الأعيان كانت في الموضوع، وهو منحصر في خمسة: هيولى وصورة وجسم ونفس وعقل، لأنه إما أن يكون مجردا أو غير مجر

[55] _ نظرية ديموقريطس Democritus theory. - يمكن أن نعتبر ديموقريطس من أقرب العلماء في زمنه لوضع تصور للمادة. - تسمى هذه النظرية بالنظرية الذرية

[56] _ الحقيقة: وهي رسالة تتضمَّن ردودًا لإثبات مذهب دارون في النشوء والارتقاء

شبلي شميل.

[57] _ _ قرة العيون في المعارف والحكم / الصفحة 364.

[58] _ الاتحادية أو وحدة الوجود مذهب فلسفي يقول بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرون الله صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته.

[59] _ ابن عربي محي الدين محمد بن علي بن محمد بن عربي الحاتمي الطائي الأندلسي، لقب بالشيخ الأكبر ولذا ينسب إليه مذهب باسم الأكبرية. كان متصوفاً وشاعراً وفيلسوفاً، ويطلق عليه "سلطان العارفين"، وينسبون إليه وولد في مرسية، إسبانيا، وحدة الوجود مذهب فلسفي يقول بأن الله والطبيعة حقيقة واحدة، وأن الله هو الوجود الحق، ويعتبرون الله صورة هذا العالم المخلوق، أما مجموع المظاهر المادية فهي تعلن عن وجود الله دون أن يكون لها وجود قائم بذاته. وهي فكرة قديمة أعاد إحيائها المتصوفة من أمثال: ابن عربي، وابن الفارض وابن سبعين والتلمساني والذين تأثروا بالفلسفة الأفلاطونية المحدثة وفلسفة الرواقيين..

[60] _ سعيد فودة في مِـنَــحُ الوَدُودِفي بيـــَـانِ مَـذْهــَبِ وحْدَةِ الوُجــُـودِ

[61] _ العقول العشرة فرضية فرضها المشاؤون لتصحيح صدور الكثير من الواحد وهي مبتنية على وجود الأفلاك التسعة وكونها ذوات نفوس مريدة ولا برهان على شيء منها، لكن لا مجال لإنكار العالم العقلي في الجملة، وقد أشبع الكلام في اثباته في الكتب الحكمية لا سيما في الحكمة المتعالية، فلنشر ههنا إلى ما يستفاد من الاخبار الشريفة فنقول: الروايات التي وردت في تعيين أول ما خلق الله تعالى على صنفين: منها ما هو صريح في تعيين جسم ما كالماء مثلا، ومنها ما يتشابه المراد منه في بدء الامر هل هو جسم أو غير جسم؟ مثل ما ورد في كونه نور النبي Jأو العقل أو القلم لكن فيها ما يفسر سائر الروايات ويوضحها كما ورد في أن نور النبي Jخلق قبل خلق المكان، وقد أسلفنا ان تنزهه عن لوازم المادة من الزمان والمكان دليل تجرده عنها، والتجرد لا ينفك عن العقل كما ثبت في محله. وفي الروايات إشارات إلى تجرد العقل والقلم أيضا ولعنا نوفق للتنبيه عليها إن شاء الله تعالى فالجمع بين ما يدل على كون أول ما خلق الله نور النبي Jأو العقل أو قلم وبين ما يدل على كونه الماء مثلا بحمل الأول على أول المجردات والثاني على أول الماديات وأما الجمع بين ما يدل على كونه نور النبي Jوبين ما يدل على كونه العلل أو القلم فان قيل بوحدة الجميع أو كونها مراتب حقيقة واحدة فواضح وإلا فحمل الأولية على الإضافية دون الحقيقية.

[62] _ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٥٤ - الصفحة ٣٠٦

[63] _ الفارابي- التعليقات ص5، طبعة حيد آباد، الهند 1346هـ.

[64] _ الأنعام - 103

[65] _ يونس - 26

[66] _ (رواه مسلم في صحيحه)،

[67] _الأنعام:102

[68] _ بحار الأنوار, 4, 53 ح 31

[69] _ الفارابي- تجريد رسالة الدعاوى القبلية ص2، حيدر أباد، الهند، ط: أولى 1346هـ.

[70] _ عيون المسائل ص57، ضمن (الثمرة المرضية) نشرة ديتريصي، ليدن 1892م.

[71] _ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤ - الصفحة ٢٥٣

[72] _ والوجود والموجود هذا المفهوم الفلسفي للوجود يساوي مطلق الواقع، وهو المقابل للعدم، وحسب الاصطلاح فإنّه نقيضه، ولهذا فهو يشمل الذات الإلهية المقدّسة، والواقعيات المجرّدة، والمادّية الجواهر منها والأعراض، والذوات والحالات., الموجود واقع معيّن في الزمان والمكان يمكن تحديده والدلالة عليه أمّا الوجود فهو معنى مطلق ومجرّد لا يحط على شيء بعينه أو يدلّ عليه، إنّه موجود افتراضي نشعر به أكثر ممّا ندركه، إنّه – وإن وُجد بالفعل- فهو مستغرق في الذهن وحده بدون حدود.

[73] _ بمعنى انه متحقق..

[74] _ يذكر او يستعمل هذه النظرية بعض عرفاء الشيعة وذلك بعنوان (العرفان) لكن ليس كما يقول بها ابن عربي ومبانيه النظرية وطريقة المتألهين من شيعة اهل البيت b. لهم منهج اخر وحدة الوجود والموجود.

[75] _ الزمر 62.

[76] _ التوحيد للصدوق172.

[77] _التوحيد: 170 ج1.

[78] _ التوحيد: 171 ج4

[80] __ السجدة _8

[81] _ ملا صدرا قائل‌ بسيطرة‌ وهيمنة‌ عالم‌ الملكوت‌ علی‌ عالم‌ المُلك‌، وأنّ كلّ ذرّة‌ في‌ هذا العالم‌ تدار تحت‌ سيطرة‌ القوي‌ المعنويّة‌ والروحانيّة‌؛ حتّي‌ أنّ سلالة‌ الطين‌ والتراب‌ التي‌ تمثّل‌ مبدأ خلقة‌ الإنسان‌، خاضعة‌ لإرادة‌ واختيار الموجودات‌ المثاليّة‌، والنفسيّة‌ والتجرّديّة‌ من‌ الاسماء العلیا والصفات‌ الحسني‌ الإلهيّة‌.

[82] _ النساء - 171

[83] _ الجاثية_ 13

[84] _ السجدة - 9

[85] _ المائدة _ 110

[86] _ الحجر _29

[87] _ الحجر –29

[88] _الإسراء_ 85.

[89] _لأنّ الرابعة فانية في الله، باقية به، فهي كالمعنى الحرفيّ، لا هو ولا غيره. وعلى قول بعض المحققّين: إنه لا ماهية للنّفس الناطقة فضلاً عن النّفس الكليّة الإلهيّة، والعقل الكليّ الذي هو دورها وختمها، فهي نفس الوجود الذي هو كلمة «كُنْ»، وأمر الله التّكويني؛ فكلمة «من» في قوله تعالى: ﴿مِنْ أَمْرِ رَبِّي (الإسراء: 85) على ما ذكر فيما قبل الترقي للتبعيض، وفيما بعده للتّبيين. منه.

[90] _ تفسير العياشي 2: 317.

[91] _ غافر - 46

[92] _ الأعراف - 172

[93] _ ص 71

[94] _ المؤمنون من الآية 12 الى الآية 17

[95] _ مجمع البيان / الطبرسي ٨: ٧٨١.، الجوهر: ما قام بنفسه، والعرض: الموجود الذي يحتاج في وجوده إلى موضع يقوم به راجع: تجريد الاعتقاد / نصير الدين الطوسي: ١٤٣

[96] _ الكاشف / مغنية ٦: ٤١٩ ـ

[97] _ سورة الإسراء: ١٧ / ٨٥.

[98] _ يس - 82

[99] _ القمر – 50

[100] _ اقوال العلماء وجهة نظرنا في هذه البحوث.

[101] _ آل عمران - 185

[102] _ الزمر - 42.

[103] _ فاطر– 32

[104] _ الأنعام – 151

[105] _ المائدة ـ 32

[106] _ يوسف-53

[107] _ القيامة-2

[108] _ الفجر 27_28

[109] _ يطلق عليها اسم "الجسم الأثيري" اعتقادا منهم أنه جسد شفاف غير مرئي ينسلخ من الجسم المادي في أوقات وظروف معينة..

[110] _ الأعراف -   172

[111] _ النحل - 78

[112] _ الأنعام –  60

[113] _ غافر - 11

[114] _غافر: 11

[115] _ الرحمن - 20

[116] _النفس المطئنة راضية مرضية بما أعدَّ لها ربها. ومعرفة أهلِ البيت b - توصل صاحبها للراحة الأبدية والكمال المرجو للعبد، ومهما بحث المكلّف عن حياة المعصومين b- فلن يحصل إلّا قطرات من بحرهم الزاخر بالمعرفة.

[117] _ النفس: لفظ مشترك بين عدة معان، يهمنا منها اثنان: أحدهما: أن يراد به المعنى الجامع لقوة الغضب والشهوة في الإنسان، ويهتم أهل التصوف بهذا المعنى، لأنهم يريدون بالنفس الأصل الجامع للصفات المذمومة من الإنسان فلابد من مجاهدتها، والمعنى الثاني: هي اللطيفة التي ذكرناها، التي هي الإنسان بالحقيقة، وهي نفس الإنسان ذاته، ولكنها توصف بأوصاف مختلفة بحسب اختلاف أحوالها، فإذا سكنت تحت الأمر وفارقها الاضطراب بسبب معارضة الشهوات سميت النفس المطمئنة، قال تعالى { يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً } الفجر: 27 ، والنفس بالمعنى الأول لا يتصور رجوعها إلى الله فهي مبعثرة عنه وهى من

[118] _ العقل: وهو أيضا مشترك لمعان مختلفة ذكرناها في كتاب العلم، ويهمنا هنا معنيان. حدهما: أنه يراد به العلم بحقائق الأمور، فيكون العقل عبارة عن صفة العلم الذي محله القلب. والثاني: أنه المدرك للعلوم، فيكون هو القلب بمعنى اللطيفة الربانية المدركة العالمة.

[119] _ القلب يطلق لمعنيين: أحدهما: اللحم المعروف الذي يضخ الدم.

والثاني: هو لطيفة ربانية روحانية لها تعلق بهذا القلب الجسماني وهذه اللطيفة هي حقيقة الإنسان والمدرك العام العارف منه والمخاطب بالتكليف، والمجازي عليه ولم يستطع أن يدرك العلاقة بين هذين المعنيين للقلب لأن ذلك من علوم المكاشفة التي لا تفيد معها الحواس المعروفة.

[120] _ القصص: 10).

[121] _ الأعراف 172

[122] _الأعراف 11

[123] _ مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج ٤ - الصفحة ٢١٤

[124] _المصدر نفسه.

[125] _ ص 71 - 72

[126] _ المؤمنون 12-14

[127] _ ومن هذه الرواية نستشف بان الروح خلقت مبدأ ثم خلقت الطينة المعبر عنها الجسد او الطور الأول للجسد ثم خلق ما يعبر عنه بالروح في بعض العبائر او النفس بعبائر أخرى وهذا الترتيب يبين على أن هناك ثلاثة.

[128] _ النبإ - 40

[129] _ الأنعامُ 38

[130] _ التّكوير 5

[131] _مجمعُ البيانِ: 4 / 49

[132] _ تفسيرُ القُمّيّ: 1 / 248

[133] _ الخصالُ للصّدوق ص204

[134] _ الخصالُ للصّدوق ص118.

[135] _ مَن لا يحضرُه الفقيه: 2 / 292

[136] _ الموت السريري والموت الدماغي، وقد عرف أهل الاختصاص الموت السريري او الموت الدماغي الذي يسمى بالموت البيولوجي بأنه هو حالة الانعدام الفجائي لدوران الدم في الأوعية الدموية والتنفس الواعي , هو حالة انعدام وظائف الدماغ (المخ) وجذع الدماغ والنخاع الشوكي بشكل كامل , ويقول الأطباء: إن الشخص الميت موتاً دماغياً يمكن أن يعمل قلبه لبرهة من الوقت حتى بعد موته، لأن القلب يدق بنفسه ويمكن لقلبه ظل يعمل ثمانية وستين يوماً , والميت موتاً دماغياً لا يقدر على التنفس، ومن ثم فإن نسبة الأكسجين تقل تدريجياً في الدم، فيؤدي ذلك إلى توقف القلب فلا أمل في إنقاذه، والمريض يكون انتهت حياته، ولو ظلت في أجهزة أخرى من الجسم بقية من حركة، فإنها في طريق التوقف. وهناك قول اخر أن الموت الدماغي لا يعتبر وفاة حقيقية، وليس موتا حقيقياً...واستدلوا بقوله تعالى: «أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم» إلى قوله تعالى: «ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا»، فقوله تعالى بعثناهم أي أيقظناهم.

[137] _ هذه الشبهة عند الفلاسفة وعلماء الكلام.. وقد ذكرها الملا صدرا في المجلّد الرابع من أسفاره، وقال: احتجّ من أنكر البعث بأنّه "إن أكل الإنسان إنساناً، فالأجزاء المأكولة إن أعيدت في بدن الآكل، لم يكن الإنسان المأكول معاداً، وإن أعيدت في بدن المأكول، لم يكن الآكل معاداً، ولزم أن تكون الأجزاء المأكولة بعينها منعمة ومعذّبة إذا أكل مؤمن كافراً.

 

[138] _المعاد الجسماني عند الشيخ أحمد الأحسائي

[139] _ الإسراء_ 85

[140] _ آل عمران_ 185

[141] _ يوسف - 53

[142] _ بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز؛ للمؤلف: مجد الدين، أبو طاهر، محمد بن يعقوب الفيروزآباد.

[143] _انظر: لسان العرب.

[144] _ تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد ص 79، 93

[145] الزمر: 42

[146] _ آل عمران: 185

[147] _ المسائل السروية 52

[148] _ معاني الأخبار 108 ح 1 وفي اسناده محمد بن سنان، وهو ضعيف، وأخرجه أيضاً ابن الجزري في الموضوعات 1 / 401, والسيوطي في اللآلي المصنوعة 1 / 199, والشوكاني في الفوائد المجموعة 382 / 94.

[149] _ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٥ - ص ٢٠٥

[150] _ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٦٥ - ص ٢٠٦

[151]_ رواه مسنداً المصنّف في علل الشرائع ١: ٨٤ عن الصادق A.

[152] _ من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج ٤ - ص ٣٥٢

[153] _ تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد ص 31

[154] _ مستدرك سفينة البحار - الشيخ علي النمازي الشاهرودي - ج ٤ - ص ٢١٤

[155] _ الشورى - 52

[156] _ النبإ - 38

[157] __ النحل - 102

[158] _عقائد الشيخ المفيد Hالذر والأرواح والنفوس.

[159] _البقرة: 2/154.

[160] _ آل عمران: 3/169.

[161] _النمل - 80

[162] _فاطر - 22

[163] _ ق - 22

[164] _الأعراف / 92-93.

[165] _ المؤمنون: ٢٣

[166] _ لكافي / الكليني 3: 243/1.

[167] _ الكافي / الكليني 3: 244/4.

[168] _ غافر / 45-46.

[169] _الأنفال / 50.

[170] _ الكافي / الكليني ٣: ٢٣٦ / ٦.

[171] _ الكافي / الكليني 3: 245/1.

[172] _ تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد ص 79، 93

[173] _ الإسراء: ١٧.

[174] _الأعراف - 11

[175] _ الإسراء:85

[176] _هناك قول مشهور لعلماء المسلمين بأن النفس هي ذاتها الروح؛ وذلك حسب النظرية الثنائية التي تقسم الإنسان إلى بدن وروح. ويوجد رأي ثالث يؤمن بالنظرية الثلاثية التي تقول الإنسان: بدن ونفس وروح.

 

[177] _ الزمر - 42

[178] _عقائد الشيخ المفيد H

[179] _وقد جاء في الحديث أن الأنبياء bصلوات الله عليهم خاصة والأئمة bمن بعدهم ينقلون بأجسادهم وأرواحهم من الأرض إلى السماء، فيتنعمون في أجسادهم التي كانوا فيها عند مقامهم في الدنيا. وهذا خاص بحجج الله تعالى دون من سواهم من الناس. وقد روي عن النبي Jانه قال: من صلى على عند قبري سمعته، ومن صلى على من بعيد بلغته، وقال J من صلى على مرة صليت عليه عشرا، ومن صلى على عشرا صليت عليه مائة، فليكثر امرؤ منكم الصلاة على أو فليقل. فبين أنه Jبعد خروجه من الدنيا يسمع الصلاة عليه، ولا يكون كذلك إلا وهو حي عند الله تعالى، وكذلك أئمة الهدى bيسمعون سلام المسلم عليهم من قرب، ويبلغهم سلامه من بعد، وبذلك جاءت الآثار الصادقة عنهم b وقد قال الله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أحياء}

[180] _ الأنعام - 93

[181] _ آل عمران - 28

[182] _ الأعراف - 189

[183] _بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٦ - ص ٢٤٣

[184] _ تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد ص 79، 93:

[185] _ شرح الأسماء الحسنى - الملا هادى السبزواري - ج ٢ - ص ٤٦

[186] _ الفجر    30 

[187] _ الإسراء: 85

[188] _ الإسراء: 85

[189] _ بحار الأنوار – ج 58

[190] _ بحار الأنوار – ج 58

[191] _ الروح هي القوة التي تبعث الحياة في جسدنا.‏ والروح ايضا،‏ كالكهرباء،‏ لا تفكر ولا تحس.‏ انها مجرد قوة.‏ لكنّ اجسادنا،‏ بدون هذه الروح او قوة الحياة،‏ تكون ميتة «وإلى ترابها تعود»،‏ على حدّ تعبير المرنم الملهم