الأحد، 10 أكتوبر 2021

 

                    ليلة القدر ليلة الرحمة ..

       قال تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ , وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ , لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) صدق الله العلي العظيم ..

     هذه الليلة المباركة قد اختلفت الأحاديث في تحديدها، لعلّ المشهور  ليلة ثلاث وعشرين، فقد جاء في رواية عبد الله بن بكير عن زرارة عن أحد الإمامين الباقر والصّادقA، قال: ليلة ثلاث وعشرين هي ليلة الجهني، وحديثه أنّه قال لرسول الله J، إنّ منزلي ناءٍ عن المدينة، فمرني بليلةٍ أدخل فيها، فأمره بليلة ثلاث وعشرين , وان كان هذا الاختلاف نعمة ، لأنّ الله ربما أخفاها في اللّيالي، لينطلق العباد في أيّامه، ليصلوا إليها، ليتعبّدوا لله في أكثر من ليلةٍ، لاحتمال أنّها ليلة القدر، حتّى يتعوّدوا أن تكون لياليهم في معنى ليلة القدر في العبادة والخضوع والقرب من الله تعالى, وذلك ما يريده الله لعباده، أن يتقرّبوا إليه، ويلتقوا به، ليصلوا إليه بأرواحهم وقلوبهم، لأنّهم لا يملكون الوصول إليه بأجسادهم , وهذه الليلة سرّ من أسرار الله : (وَمَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ) ولها منزلة الرّفيعة وهي أشرف الليالي وأعظمها عند الله سبحانه، والعمل فيها مقبول، والدعاء فيها مستجاب، ليلة غفران الذنوب وليلة نزول القرآن الكريم , وتفتح في أولها أبواب السماء لتنزل الملائكة والروح ليكتبوا قضاء الله تعالى في الناس أعمارهم وأرزاقهم وأحوالهم وآجالهم , كلّ أحداث السنة ، من حياةٍ وموتٍ، وبؤسٍ وشقاءٍ، وحربٍ وسلمٍ وغير ذلك، قال تعالى : (فيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ , أَمْراً مِّنْ عِنْدِنَآ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ) , عن الإمام علي الرضا A قال : (ليلة القدر يقدر اللَّه عز وجل فيها ما يكون من السنة إلى السنة، من حياة أو موت أو خير أو شر أو رزق) وكما لها من القيمة الروحية امر عظيم قال تعالى : (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ) , هذه الليلة مباركةٌ في ذاتها (إِنَّآ أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ) اضافة الى شرف نزول القران الكريم في هذه الليلة.

     ليلة القدر ليلة السلام الداخلي والطمأنينة , ليلة الرحمة والعطاء ، الله تعالى هو السلام ومنه السلام، السلام كلمة رائعة تغمر كيان الإنسان أملا وسعادة ورجاء , والسلام هو الأمان من الخوف، السلام الذي يغمر الكون ، وتفيض فيها رحمة الله تعالى وإحسانه ونعمه على الخلائق وتستمر حتى طلوع الفجر قال تعالى : (سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) وفي هذه الليلة المباركة الرّحمة تتضاعف، والعمل فيها يكبر، والخير فيها يكثر، وعطايا الله تتزايد , ليلة التحول النفسي لمن كان حاضرا كله لا جزء منه , بروحه وبإحساسه الى انسان كله خير وسلام ومحبة مع نفسه ومع النّاس، في هذه الليلة يكون الانسان متصالح مع ذاته ويشعر مضمون العبادة لا شكلها وعمق الدّين الحقيقي لا السطحي , وفلسفة هذه الليلة ان يكون الانسان حاضرا بروحه وبقلبه يقول الإمام علي الرضا A في كلمة رائعة: (من استغفر بلسانه ولم يندم بقلبه فقد استهزأ بنفسه) , ليلة القدر ليلة الخير والبركة لمن يعرف قدرها، كل دقائقها وساعاتها هي رحمة وعطاء من الله تعالى ولطف وبشارة برحمة الله والدخول في الجنان.

 عادل الزركاني



 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق