الجمعة، 30 ديسمبر 2022

 

الجزيرة القذرة _ بقلم عادل الزركاني

       الشاب جون مثقف مبتذلٌ مائع يقرأ لفريدريش نيتشه" والنظريات الفلسفية "لداروين" وبعض المفكرين والأكاديميين الليبراليين والعدميين الذين لا يكفون عن التبشير بمقولة انتفاء الدين لصالح القيم الوضعية والإلحادية الجذرية , فيقرر جون بأن لا وجود للإله وان الحياة ما هي إلا فرصة للعيش بدون قيود أخلاقية وقيمية ودينية , هو من النوع الذي لا يعرف الوسطية؛ إمَّا أن يحِبَّ أو يكره، ولا يحتاج إلى نصائح بقدر ما يحتاج إلى علاج نفسي , والحقيقة ان وراء كل ملحد أصولي أسباب نفسية واجتماعية وبيئية وعلمية ومنطقية لإلحاده , واغلب الاعتراضات والاتهامات والاوهام من هذا الملحد وذاك العدمي ما هي إلا قناعا تختفي وراءه الدوافع الذاتية الواعية وغير الواعية , والتقلب في مواقفهم الدينية وخياراتهم الشخصية لدرجة التمرد الشامل، ولم يقفوا عند حدود التمرد في مجال معين , بل كل شيء لهم فيه كلام مخالف ورفض كل شيء فيه اخلاق او دين , ويطالع اغلبهم ويبحث لا لأجل المعرفة بل لأجل استفزاز مشاعر أصحاب الديانات وإهانة مقدساتهم والسخرية من ثوابتهم ومعتقداتهم , ويدعون الى قبول الآخر والى المحبة والسلام والثقافة والمدنية , ويصدق هذه الشعارات السذج والمرضى وعديمي الاخلاق , وجون من النوع الذي حتى وان عاد وأعلن توبته سينضم لأحدى الجماعات التي تكفِّر الجميع وتستحل دمائهم، وحتى انت الذي حاولت ان ترشده الى الإسلام الى الدين والإنسانية والأخلاق يضع السكين على رقبتك ويقول بصوت متوحش :(الله أكبر)(لقد جئتكم بالذبح) أنتم سبب ابتعاد الناس عن الدين وانتم كفار !ولا يوجد اختلاف كبير بين المستنقع الأول والثاني كلاهما تعرض للاختراق من بكتيريا التلوث الفكري والأخلاقي، وهذه العقول البسيطة غير محصنة فكرياً وعقائدياً وتربوياً وقد تكون هذه العقول الملوثة معدية ويتسع تأثيرها وانتشارها بين من يفتقرون الى الحصانة الفكرية والعقائدية والأخلاقية.

    قرر جون أن يقوم برحلة في المحيط خارجة عن المألوف وأن لا يعود بعدها , وبدت لديه هذه الفكرة المجنونة منذ وقت وعلى ان تكون مختلفة كلياً لم يأتِ بها الأوائل، وحتى وان كانت ساذجة ، لكن العقول الخاوية والخالية من القيم والأخلاق تعتبرها فكـرةٌ عبقـرية، عرضَ الموضوع على صديقته مارين وصديقه مارك ورفيقته ألينا، وراقت لهم هذه الفكرة وقرروا السفر عبر المحيط لا لمكان معين ولا وقت محدد السَفر فقط الى الجانب الاخر من المحيط , وأثناء الرحلة بعدما قطعت السفينة مسافة كبيرة فوق المحيط اضطرت إلى تغيير مسارها بسبب الأمطار الغزيرة ، وبعدها ثارت عاصفة قوية كادت أن تودي الى تحطم السفينة ، وكانت الامواج هائجة والرياح مضادة فامتلأت السفينة بالمياه واوشكت على الغرق، ودب الخوف والرعب والفزع في قلوب الركاب وأيقن الجميع أن لا فرصة لهم في النجاة إلا بمعجزة، وفي هذه الاثناء قرر جون ومجموعته النزول من السفينة بزورق مطاطي متحدين المحيط , واذا بالزورق الصغير اصبح كالريشة في الهواء تأخذه الأمواج بطريقة فوضوية حتى غاب عن الأنظار , وكان للقدر موقف آخر معهم خلاف ما كانوا يتوقعون.

    جون وجد نفسه وسط جزيرة مهجورة لم يصلها أحد قبله، وفكر انه سيقضي ما تبقى من عمره وحيدا في هذه الجزيرة، وأول ما قام به البحث عن مكان يحتمي به من المطر والبرد، وقد تكون هناك حيوانات مفترسة في هذه الجزيرة، وجد كهف دخل فيه ووضع احجارٌ كبيرةُ عندَ باب الكهف واستلقى على الارض واخرج نفسا عميقا وأخذ يفكر ماذا سيكون مصيره.

   غلب عليه النوم كان متعباً والى اليوم الثاني جلس على أصوات وبين الخوف والفرح نظر من بين الاحجار الى الخارج واذا بهم أصدقائه , وكأن ما كان يفكر به يتحقق, أيام وشهور وهم في الجزيرة وخلال فترة مكوثهم في هذه الجزيرة تعلموا كيفية صيد الأسماك وأكلها، وكسر ثمار جوز الهند، وجميع الأساسيات الأخرى للبقاء على قيد الحياة , وكان عليهم ان يعيشوا حياتهم دون قيود وحدود والاستمتاع بالوقت , وكانت مارين تخرج مع صديقه مارك ,وكان تبادل الرفيقات في ما بينهم لأجل الابتعاد عن الملل , وكان نومهم معا بلا قيود ولا موانع , والوقت يستمر والأيام والشهور وهم على هذا الحال وفي ليلة من الليالي مارين تشعر بدوار بالراس والالم في المعدة ومن خلال العلامات تبين انها حامل , قفز جون فرحا, وكذلك (مارك)" وكل منهما يشعر انه سيكون اب لهذا المولود , تعجب جون من فعل مارك وان مارين رفيقته والمفروض الولد له, لكن مارك كان يقضي معها أوقات كما جون وهنا ظهرت المشكلة من هو والد هذا الطفل المرتقب" ولا يوجد اختبار معملي يتم عن طريق مقارنة الخريطة الجينية لاحدهم مع الخريطة الجينية للطفل لإثبات نسبه إلى أحدهم، قال جون لنعود الى ما كان يُفعل سابقا (القِيافَة) وهي إلحاق الأولاد بآبائهم وأقاربهم، استنادا إلى علامات وإلى شَبهٌ بينهم، والتعرف على نسب المولود بالنظر إلى أعضاء جسمهِ وأعضاء والده، وانتهى الامر على هذا الحال وبعد شهرين حدث نفس الموضوع مع ألينا وظهرت عليها اعراض الحمل، لكن دون سرور وسعادة من المجموعة كما كان مع مارلين لان القضية ذاتها تكررت , والولد لا يعرف أي منهما والده لعدم وجود الموانع الأخلاقية ولا الدينية في هذه المجموعة وينتظر الوالدين جون وصديقه مارك الولادة الطفل والعمل (بالقِيافَة) وينسب الولد لاحدهم , واستمر الوضع على نفس الفوضى الأخلاقية في هذا الكوخ الذي تم بنائه في الجزيرة حياة مختلفة تماما عن حياة الإنسان واقرب منه الى الحيوان, وبعد المحاولات الكثيرة على إيجاد حل للعودة كلها باءت بالفشل، وبدأ سكان هذه الجزيرة بإيجاد الوسائل الجديدة للبقاء على قيد الحياة وتنظيم هذه الأسرة الوحيدة التي سيزداد عددها قريبا, ونجحوا بصعوبة وبأساليب بسيطة من صنع أشياء لهم ,مع الشعور باليأس في عدم العودة , وعرفوا ان الفكرة كانت فوضوية وصبيانية ، لكن عليهم ان يعيشوا ويستمروا وينتظروا لعلهم يوماً يستطيعون النجاة ويعودون إلى وطنهم مع الأولاد الجدد والقيم والسلوكيات الجزيرة القذرة .

    عادت المجموعة الى التمسك بالحياة والعمل في الغابة وزراعة بعض الأشجار وتربيت بعض الطيور والحيوانات , وكان عمل الفتيات قبل الرحلة ممرضات وكانا يقدّمنَ الخدمات الصحيّة إلى كلّ أفراد العائلة, ولدت مارلين ولد وفرح الجميع بقدومه لأنه أول إنسان يولد على هذه الجزيرة والأطفال لهم خصوصية في العائلة , واطلقت مارلين اسم (مايكل) عليه ومع مرور الأيام لم يجدوا فيه أي علامة ولا شبه بينهم وكل منهم يعتقد انه والده وتعامل معه على هذا الأساس, وانتظروا وصول الطفل الثاني من ألينا , وبعد زمن ولَدَت ألينا فتاة جميلة جدا, وهي الأخرى لم يكن فيها علامة ولا شبه لكل منهما , واختارت لها أمها اسم (جولي) لكن رغم هذا كانت حياتهم كما هي كل رفيقة تقوم بالواجبات الحياتية الى جون ومارك , واستمر الوضع على هذا الحال وكان للأطفال وقعٌ جميل في حياتهم لكل منهم ام واحدة مع ابويين.

    مارلين حامل للمرة الثانية ظهر عدم الرضا من جون لان الامر سيعود كما كان ولا يعرف من والد هذا الطفل الجديد، ولكن مارك كان مختلفا قال هم أولادنا ولا فرق بيني وبينك هناك من يتزوج نساء اثنين او ثلاثة ولهم أولاد ولا توجد مشكلة ونحن نتزوج امرأة واحدة ولنا منها أولاد وهذا أيضا لا يختلف كثيرا، كلام فارغ لكن لأجل اقناع النفس، مارلين تقول أيضا نفس كلام مارك انت كنت شريك الرئيسي وهذا طفلي منك، وكما أن شريكي مارك سعيد وهو الآخر لأنه والد لطفلي أيضا ولا توجد مشكلة "وفي التاريخ البشري قصة لا تختلف عنك يا مايكل (ماركوس جونيوس بروتوس) من رجال السياسة في الجمهورية الرومانية وعضو مجلس الشيوخ الروماني وله شهرة كبيرة لاشتراكه في مؤامرة اغتيال يوليوس قيصر , اشتهر ماركوس بروتوس بين الناس كافة بأنه متمسك بالفضيلة ، وكان الناس يقولون إنه من سلالة بروتس الذي طرد الملوك قبل ذلك الوقت بأربعمائة وستة وأربعين عاماً ,وكانت أمه سرفليا أختاً غير شقيقة لكاتو ، وزوجته بورشيا ابنة كاتو وأرملة بيليوسعدو يوليوس قيصر ؛ ويقول أبيان "إن الناس كانوا يظنون أن بروتس نفسه ابن قيصر لأن قيصر كان عشيق سرفليا في الوقت الذي ولد فيه بروتس, ويضيف أفلوطرخس أن يوليوس قيصر كان يعتقد أن بروتس ولده ولذلك أصبح أخلص وأحب وأقرب الناس اليه , والمخلوقات الأخرى تعيش مجموعات ولا توجد مشكلة اللبؤات من العائلة الملكية في الغابة لا حرج عليها في ذلك وممكن ان تعاشر أسدين بالتناوب، وقد تحمل في بطن واحدة أشبال الاثنين معا , واما القيم والدين صناعات بشرية وقيود يضعها الانسان حول نفسه ويبقى يعاني منها , وفي عالمنا هذا نحن من يصنع القيم والأعراف والاخلاقيات وان كان غيرنا يراها خلاف الاخلاق والقيم! , وبعد أيام ظهرت علامات التعب على مارلين من حملها الذي كان مختلفا عن السابق , وتركت كل أمور الكوخ بيد جوليا الى حين الولادة , لكن جاء الأمر الذي لم يحسبوا له , ماتت مارلين بعد دقائق من ولادتها لتوأم ، ودفنها جون ومارك وولدها مايكل في الجزيرة , ودخل جون ومارك بحزن عميق لان احدى رفيقاتهم ماتت , وتكفلت ألينا تربية الأطفال حديثي الولادة ومايكل الذي اصبح في عمر الشباب مع ابنتها (جولي) والى سنوات أخرى استمرت هذه العائلة القذرة في هذه الجزيرة وكبر الأولاد وخرجوا معهم في الجزيرة وتعلموا منهم كل شيء كالقراءة والكتابة والتعليم حسب ما عندهم من أفكار ورؤى وكذلك السباحة والصيد , وفي يوم من الأيام صادفتهم ذئبة رمادية ومعها جراء قتل جون الام وامسك الأولاد الجراء الصغيرة وكان العدد ستة من الذئاب الصغيرة وقامت هذه العائلة بتربية هذه الجراء وكأنها كلاب في المنزل والى ان كبرت هذه الجراء وكبر الأولاد وكان الشاب مايكل يلاحق الفتاة الجميلة جولي بنت ألينا بنظراته والتي لا يعرف هل هي اختٌ لهُ او لا والولد الاخر التوءم له نفس القضية مع جولي وهم في سن المراهقة , والفتاة الثانية أجاثا بنت مارلين كانت هي الأخرى في حيرة كل الرجال هم من محارمها واخويها والابوين مارك وجون لا تعرف بالضبط من هو الاب الحقيقي لها , وكانت حياة حيوانية لا تختلف عن ما يفعل في الغابة من الحيوانات وكيف لها ان تتكاثر , وتقول أجاثا هل لها ان تتزوج احد الرجال الأربعة في العائلة او يمكن ان تعاشر اكثر من واحد , وألينا المربية تفعل ذلك تعاشر اكثر من رجل!, لكن تقول لها لا يمكن لان الأولاد أخوتكِ من الام والأب وأحد هذين الرجلين جون ومارك ابوكِ ! ولهذا السبب لا يمكن ان تعاشري أحد منهم وحتى جولي لا يمكن لها ان تعاشر أحد منهم او كلاهما لأنهم اخوتها من اب واحد اما جون او مارك، وليس لنا ان نعرف مالم نحلل وهذا غير موجود.. وحتى مارك وجون لا يمكن لهم ذلك لان أحدهم والد او كلاهما ابويكِ.

      كبرت الذئاب وأصبحت في عمر البلوغ ,لكن لم يتكاثروا ولم يتقرب الذكر من الانثى , تعجب الأولاد من هذا الامر , واذا لم يتكاثروا ينقرض هذا النوع من الحيوانات, عادوا الى جون لانهم الأكبر والمفكر والعالم بينهم واخبرهُ بالأمر ,قال لهم الذئب يختلف عن باقي الحيوانات حيوان نبيل وعرف بالوفاء مع زوجته ولا يتزوج سوى وليفته، فهو لا يخونها مع أخرى، وفي المقابل فإن أنثي الذئب لا تخون زوجها فهما يتبادلان الحب والوفاء ما داموا على قيد الحياة، وتسكن الذئاب مدة حداد قاسية جدًا قد تصل إلى حد الانتحار عند مصرع شريكها وقد تصل إلى عام شامل من الحداد , وتعرفُ أبناءها حيث يولدون من أم واحدة وأب واحد ,وتعتبر الذئاب من أكثر الحيوانات ولاءً لبعضها البعض ، الذئب حيوان نظيف وطاهر ونبيل جدا فلا يتمكن الذئب أن يتزوج أمه أو أخته ، فهو يعلم أهله ولا يتزوجها , وهؤلاء الذكور من الذئاب تحركهم الغريزة التي فيهم ولا يقتربوا من الاناث لانهم أخوة وهذا في عالم الذئاب لا يجوز !وهم اخوة من ام واب واحد ونحن نَعلم ذلك حين قتلنا الام ,وهنا سأل مايكل والده الأول جون: تقول الذئب حيوان نبيل بمعنى أفضل من الإنسان , لأن الإنسان لا يمتلك هذه الصفة الراقية والعالية من الكمال الأخلاقي، والنتيجة هنا الإنسان ليس نبيلاً.

     قال جون: لماذا تقول هكذا بل العكس الانسان أفضل مخلوق على الأرض؟

    قال مايكل: أنت تعقد أنك أبي ومارك أيضا يعتقد انه أبي وانا لا أعرف من منكم والدي الحقيقي لان لا يوجد إنسان لديه أكثر من والد، وتقول الإنسان أفضل مخلوق على الارض وكيف يكون الأفضل وهو ليس نبيلٌ، وأنا لا اعرف إنسان في هذه الجزيرة غيركم وأنتم كل افعالكم خلاف ما تقوم به هذه الذئاب النبيلة؟! ,أنتَ لم تحزن على والدتي إلا أيام معدودة وكنت وما تزال تخونها وألينا تخون رفيقها معك ,وكانت والدتي كل ليلة مع احدكم , انا لا أقول هذا شيء غير جيد لأني كنت أرى هذا الامر طبيعياً , لكن الذئاب الصغيرة عندما أصبحت بهذه العمر كشفت افعالكم التي هي خلاف النوع الأصيل للإنسان حسب ما عرفنا منكم , وأنا الان بعمر الشباب وبحاجة الى رفيقة لي وطلبتُ جولي حيث لا توجد غيرها تناسبني في هذه الجزيرة ,لكن لا أعلم هل هي أختي من أبي الذي لا أعرف أي منكما !؟, وأخي الصغير هو الآخر يريد رفيقةٌ لهُ ولا يوجد في الجزيرة غير اختهُ وجولي والحال نفسه الذي يحدث معي , وهل ستكون جولي كما كانت امي معكم؟!، وأختي الصغيرة أنا اعلم أنها شقيقتنا وهي الأخرى تبحث لها عن رفيق، والحقيقة أقول لك بصراحة الحياة بدأت تضيق علينا أكثر وبسبب رفع القيود الأخلاقية والدينية ولو كان الوضع حسب القانون الذي كنتم عليه لما حدث هذا التداخل، وهذه القضية المعتقدة تحتاج الى قانون جديد خاص ومختلف عما عند الذئاب وخلاف ما عند الإنسان الأصيل ، لأني اعلم كل ما تقوم به وباقي العائلة خلاف النواميس الطبيعية والنواميس الكونية، وهذا الحيوان الذي تصفهُ بالأخلاق عنه وانهُ حيوان نبيل وشريف الطباع.

     سؤال: من وضع فيه كل هذا النبل؟ ولماذا يعمل حسب ما وضع فيه ووفق نواميس كونية التي تحكمه وتسيره وتقوده عبر وعي كوني لا يختل توازنه، وهذه الصورة لهذا الحيوان المفترس النبيل لها شأن كبير في صناعة الحياة نظيفة ونبيلة بالغريزة دون تعلم فيه اخلاق عالية الوفاء ويرفض الخيانة واحترام الارحام.

   قال جون: كما قلت لا أعلم أنت ولدي أو لا، لكن اشعر بأنك ولدي وهذا هو الأهم! وأما القانون في هذه الجزيرة نحن وضعناهُ لأجل استمرار الحياة وهو سلوك طبيعي لا ينبغي الخوف أو التخلّص منه وإنما يجب دعمه والتصالح معه لأجل الاستمرار في الحياة، وللذئاب حالة تختلف عنا نحن البشر، هو حيوان بلا عقل يعمل بالغريزة ولا يمكن ان يفكر كما الإنسان في إيجاد حلول لمشاكله وكل افعاله لا تتغير منذ ولادة الذئب على هذه الأرض ويحتفظ بهذا السلوك الغريزي مادامَ حيا وتبقى هذه الجراء هكذا..

  قال مايكل: ما هي هذه الغريزة؟، ولماذا ليست في الإنسان وهذه الحيوانات تعيش نبيلة ولا تخالف سلوكا غريزياً وضع فيها، ومن علمها ومن أخبرها بهذه الاخلاق هذه ام وهذه اخت، وهي كانت صغيرة لم تعيش مع عائلتها وفي مجتمعها ومن وضَعَ فيها هذه الغريزة؟

    قال جون: الغريزة هي النزعة السلوكية والآليات الفسيولوجية للحيوانات العليا، والغريزة في أشكال مختلفة، والسلوك الغريزي يُسلكه الحيوان دون وجود خبرة سابقة (دون تعلم) لا يتطلب المعرفة أو الوعي لأدائه، تعبيرًا عن عوامل بيولوجية وأنماط سلوكية فطرية معقدة، يتمتع بها معظم أعضاء الأنواع، والذئاب من فصيلة الكلاب، والكلاب لا تفعل كما تفعل الذئاب بل عملية التزاوج تتم بين الاقارب من الدرجة الأولى بشكل طبيعي.

    قال مايكل: الكلب حيوان غير نبيل ونحن قيمنا وفطرتنا واخلاقنا بعبارة أدق في هذه الجزيرة لا تختلف عن سلوك وقيم الكلاب ونتكاثر كما هي مع بعضنا البعض ولا وجود لدرجة القرابة.

     قال جون: يقول العالم النفسي (أبراهام ماسلو) البشر لم يعد لديهم غرائز لأننا بتنا نملك القدرة على تجاوزها في مواقف معينة شعر أن ما يسمى بالغريزة تُعرّف غالبًا بشكل غير دقيق، وترقى حقيقةً إلى دوافع قوية , لا يمكن التغاضي عن الغرائز بالنسبة لماسلو، لذا ما كان ينطبق على البشر في الماضي، لم يعد كذلك الآن، والسلوك في هذه الجزيرة ليس عند جميع البشر بل نحن الشريحة التي خرجنا من قيود القيم والعادات والتقاليد والدين ووضعنا لنا تقاليد تختلف عن الجميع وكما نريد، والرغبات والميول للإنسان تختلف عن باقي المخلوقات.

     مايكل: أذن هو سلوكُ مختلفُ عن النوع الذي ننتمي له كما عرفنا منكم وان تعملون خلاف الفطرة وحتى الغريزة، وهذا السلوك ليس فكرةٌ جديدة بل هو  مستنسخ من عالم الحيوان، ولا يختلف عن سلوك الكلاب في عملية التزاوج بين الاقارب من الدرجة الاولى، والانسان وبهذا العقل والقوة والادراك ذهب الى الأدنى من الحيوانات والذي ليس نبيلا كما الذئاب، ويقال ان الكلب يمتاز بالوفاء وحتى هذه الصفة الوحيدة في كلاب ليست لديكم لان الخيانة لديكم مباحة , والنتيجة هنا ان الإنسان هرب من الإنسانية الى الحيوانية والى السلوك الأدنى، كما عرفنا منكم ان النَّبِيلُ معناه الشَّريفُ وضداد كلمة (النَبِيل): الحَقيرٌ , الذليلٌ , الوَضيعٌ , الخَسيس , الوَضيع , السَّافِل , الحَقير , النَّذْل , الدَّنيء.

    قال جون: لا بد أن نعيش هذه الحقيقة، سواء وافقوا على ذلك أم لا", وهذه حياتي وأنا حر فيها أعيشها على طريقة الكلاب او القطط ولا يعني ان الذئاب هي الأفضل، يا مايكل كل هذه الأشياء لا معنى لها مادام لا تؤثر على ما نريد وما نفعل، ونحن خرجنا من بلادنا ومن المجتمع وأفكاره، وابتعدنا عن الرعاع الغوغائيين والجهلة المتدينين فاقدي الإنسانية والمتمسكين بالقيود الأخلاقية والدينية القديمة البالية، ورفضنا كل شيء الدين والأخلاق والقيم والمبادئ والأعراف وكل الحدود التي صَنعها التخلف، ونحن الآن احرار لا يحدنا شيء مهما كان نفعل ما نريد نحن الفئة "الأعظم على مر تاريخ الإنسانية.

    هذه القصة تمثل التدني الأخلاقي والابتعاد عن الدين والقيم والنواميس الكونية والإنسانية وهؤلاء يتشدَّقون بالعلم والمدنية والحرية وأن العلم أثبت أن كل ما يفعله الانسان قد يقال عنه غير أخلاقي او غير صحيح لكن العلم اثبت انه ميل طبيعي وموجودة في كل الكائنات، العلم ليس كل شيء، في مقابله هناك الدين والفلسفة وغيرها من الآداب، ويتم إقصاء كل هذا يعني(النزعة العلموية) والتي تعني كما هو واضح إلغاء حرية الإنسان ونزع كرامته وجعله أقرب إلى الآلة ولا فرق بينه وبين الحيوان، تعني التنازل عن إنسانية الإنسان والتخلي عن الأخلاق والقيم باسم العلم! , والعلم ليس من اختصاصه أن يحكم على هذا الأمر أخلاقياً كان أم لا، حسنا أم قبيحاً، صائباً أم خاطئاً، الحكم في ذلك هو إجماع البشر والنزعة الإنسانية المُتمثِّلة في صوت الضمير والدين والأخلاق , وكل ما يستطيع العلم في تلك القضية هو البحث عمَّا إذا كانت هناك عوامل بيولوجية , ومن السخف أن نجد من بعض من يدعي العلم او المدنية يستشهد ببعض الحيوانات التي وُجِد عندها ممارسات شاذة او سلوك حيواني شاذ يُبرِّر للإنسان اذا قام بنفس هذا السلوك! , الانسان عالم والحيوان لا علم له ولا عقل وأين العقل إذا الانسان يقلد الحيوان في امر شاذ , والذئب يقول عنه الانسان حيوان نبيل، وهذا الذي يدعي العلم يذهب الى أدني الحيوانات وأقذرها ويأخذ منها الشذوذ ويستشهد بها على انه حالة طبيعية للإنسان، لا وجه للمقارنة بين الانسان والحيوان كل منهما نوع مختلف عن الاخر، يقول بيجوفيتش: (إن الفرق بين الإنسان والحيوان ليس شيئاً جسمياً ولا عقلياً، إنه فوق كل شيء أمر روحي يكشف عن نفسه في وجود ضمير ديني، أو أخلاقي أوفني") كل سلوك او عمل مخل قديما او حديثا لا يمكن ان يتخذه باقي البشر اصل وله شرعية , القتل كان من ابن ادم × ومازال القتل الى يومنا الحاضر ,فهل نُشرِّع للقتل ونجعله سلوكاً طبيعياً ونحترم حرية من يطالب بممارسة ميوله للقتل والإجرام ؟!, وهناك مرض ولكن العافية هي الأصل , وهناك كراهية لكن الحب هو الأصل , وهناك انحراف وشذوذ ولكن السواء والفطرة هما الأصل , والمثقف يقول لا علاقة لي وهذه حرية شخصية او كل شخص حر في ما يعمل هذا ليس مثقف بل منحرف ويسعى إلى التساهل مع تلك القضية ويحاول تمريرها بشكل أو بآخر من خلال أعماله، خائن لنفسه ولمجتمعه وعار على المنظومة الثقافة والفكر، بل عار على الإنسانية! ولا نعلم هل يقبل هذا على نفسه أو يرمي ذلك على الشماعة المشروخة الحرية، إن هذا الكون بكل ما فيه هو خلق الحكيم العظيم الواحد الاحد خلق الجماد والطير والحيوانات والإنسان الخليفة في الأرض وخلقه بأحسن تقويم وكل افعاله لا بد ان تكون في حالة التناغم والانسجام مع التي أرادها الله له.


   

الجمعة، 23 ديسمبر 2022

 

الدين لا يعني العزلة والابتعاد عن الناس، وانما هو إيجاد طرق خاصة للمحبة والتعايش الإنساني والترفع عن الشكليات والقشور التي تبعدنا عن الجوهر.. والحُرية لا تعني الابتعاد عن الاخلاق والقيم، وليس بالمعنى الذي توهم به كلمة "حُرية افعل وأقول وكل شيء بعيدا عن الاخلاق والقيم الاجتماعية والدينية..   

السبت، 3 ديسمبر 2022

 

 الى اصحاب العقول الراقية مع التحية (ظلموا العمامة)..

وبعد : أنا أعجب من شخص يكتب مقال ويؤيده البعض واول كلامه كذبٌ وبهتان , وهذا الكاتب لا يخجل حتى من نفسه وهو ينقل للناس قصص مكذوبة لا دليل على صحَّتها إلا نقل كاتبها الذي هو لا يوثق به اصلاً ويختلف معنا في اغلب الادبيات والاخلاقيات , وهذا النوع يعيش الازدواجية حيث عندما يصل الامر الى نفسه واهله يعود الى اهل الدين والمعرفة !, والعقل يقول ان أهل الدين على الأقل هم الاقرب للَّذِينَ آمَنُوا , وان كانت درجات الايمان متفاوتة لا يعلمها إلا الله جل وعلا , وبالنتيجة هم لا يرفضون الدين ولم يختصوا بشيء ولم لم يبتدعو بدعة ودين جديد , او قالوا شيء يخالف الإسلام , لنا الظاهر والله يتولى السرائر, لو سلَّمنا بوقوع بعض الاخطاء , الجميع معرض للخطأ والعصمة لأهلها ولا معصوم بيننا , ولا يقاس طالب العلم بالأئمة (ع) ابداً لا من قريب ولا من بعيد اهل البيت (ع) الاسوة والقدوة الحسنة لنا جميعاً , وطالب الحوزة كأي شخص عادي في الشارع والبيت والمدرسة والمقهى مع الاصدقاء والارحام ولا يخلوا كلامهم من المزحة الخفيفة والطرفة الرصينة , وكلمات المحبة جل حديثهم والتي تشيع أجواء المرح والانبساط ,لكن ذِمَم القوم واسعة ولهم القدرة أن يلفِّقوا قضايا وقصص ويلصقوها بطلبة الحوزة , وهذا ليس جديداً ولا ينتهي بل كان اكثر منهُ ايام زمان وعندما كان شعارهم : (بعد شهر ماكو مهر والقاضي نذبه بالنهر)، وعندما كانت لا تصلح النَكَّات والمزاح إلا على رجل الدين والعمامة بل على كل المتدينين من دعاة الحملة الايمانية واتباع عبد الله المؤمن , والكفر وبطرق مختلف ومقززة كما ينقل لنا بعض الثقات , والان عادَ مروجيها معاً ورغم اختلافهم والدَماء التي سالت بينهم , لكن اتحدوا بالهدف لان النتيجة واحدة وهي اسقاط الدين , وهم لا يعلمون ان الدين ليس شخصاً ولا مؤسسة ولا كتاب, وهذا ما لا يمكن اسقاطه والقضاء عليه, ويعتقدون من خلال اسقاط المتدينين والبداية المعمم لأنه العنوان الاهم والابرز بينهم, واليوم الكلام والتهجم على مطلق مفهوم العمامة ومصاديقها ، وخصوصاً في مواقع التواصل الاجتماعي بمناسبة وبغيرها، وكان الكلام هؤلاء قبل أعوام والذي جاء بالتدريج العمامة السياسية والعمامة المدسوسة !وتحول اليوم على الجميع , ولو تابعنا بتمعن ودقة المدافع عن الدين والمذهب سيرى جلياً الحقيقة واضحة كالشمس ,في شهر محرم يستهدف اهل المواكب الحسينية وماذا قال التطبير وماذا فعل الزنيجل , ولماذا هذا التبذير وهذا المسير , وفي شهر رمضان يبدأ الهجوم على الصائمين ونقدهم والتجاهر بالإفطار وموسوم البرامج الهابطة والمسلسلات والافلام وحتى الكتابات الغير لائقة , والارضية سالكة والطرق سهل للعقول البسيطة الساذجة والتي لا تؤمن إلا بالكذب , ولا تقبل الصدق بكل أشكاله وألوانه ولو كان من السماء , وهذا ديدن وطريق المبتذلين والمرتجفين والمستهلكين اعداء الدين والانسان , وتشترك معهم جهات منحرفة تدعي الدين والدفاع عن الشريعة والتي هي السبب الاول في بعض الاخطاء , والتي يعتقد اتباعها ان تسقيط الحوزة والمرجعية اجتماعياً سيكون لهم السيطرة الكاملة على المجتمع بدون منافس.

انا شاهد واتحدث بتجرد تام ويشاركني الكثير من الاخوة المحترمين المتدينين والمثقفين وغير المتدينين وحتى اللادينيين المنصفين , ونحن ابناء هذا البلد ولا يخفى علينا ما في المجتمع لأنا منه ومتكون منا , ونعرف اغلب الناس والمعممين اصدقائنا واقربائنا , ولا اعتقد بمعزل عنا وعلى الاقل في مناطقنا , والحق يقال هم أجل وأتقى من أن يصدر منهم شيء خلاف الاخلاق والذوق, ولا نقول عنهم ملائكة ولا هم فوق البشر , لكن هم كما اي انسان عادي محترم لا يختلف إلا انه معمم فقط ولا يعني هم الأعلم ولا منه بداية الحكمة ونهايتها ولا الافضل ولا العارف بكل الاشياء , وان كان البعض الناس يعتقد ذلك لا ذنب للمعمم بهذا , ولا غرابة من ان نرى احدهم يصلي خلف متدين غير معمم امر طبيعي جداً, وانا وغيري الكثير نأخذ ونتعلم من الآخرين مهما كان الزي والمستوى نسمع ونقرأ , وانا شخصيا كثيراً ما اقف احتراماً لقصيدة شاعر واردها اكثر من شاعرها او مقال كاتب راقي اشعر بكلماته او لوحة جميلة تعجبني ضربات الفرشاة فيها ويعجبني لاعب يتعامل مع كرة باحتراف .

    ايها الاخوة المسألة ليست فرضيات وقصص واحقاد احمد الكاتب الذي لا يحترم حتى عقله الخرف او عَقِيدَة وعَقَدة عرعور وامثاله , وهنا لا اريد ان أشوهْه المقال بذكر أسمائهم , والأنكى من هؤلاء جميعا هناك من يدعو الى ليبرالية او علمانية وهو معمم !!, او الذي يرى ان الدين بالضد منه على طول الخط , وهذا طبعاً غير صحيح اطلاقاً , ولا يفوتنا القول أن بعضهم بلغَ من الحقد والتجاوز الى درجة الهوس على كل شيء على الهوية والدين والاشد على العمامة, وهذه ليست ردود افعال وتنتهي بل هي حرب فكرية رخيصة واصحابها على علم ودراية بها وبنتائجها , ويأتي هذا بعد دراسة طويلة وتدريب مستمر والمران مُطعّم بالاستدلال والبرهان والوجدان والحذلقات والالتواءات ، ويتحول فيها الأسود إلى أبيض والأبيض إلى أسود ، والضحية هذا الساذج المسكين وذاك الجاهل القاصر الذي اختلطت عليه المفاهيم سيصبح اداة بيدهم وسلاح اعلامي يردد ما يقولون كالببغاء , ونحن حقيقة وكل من يحترم نفسه لا يمكن له ان يتعامل بهذا المستوى لأنه متدني جداً , ومثال بسيط في الساحة امامكم وقد يلاحظ هذا الامر الكثير , وهو الكلام على المحجبة اكثر من السافرة لماذا !؟ بل هناك من يدافع عن السافرة ويعتبرها رمز للثقافة والتحرر والحرية وفي الدولة المتقدمة المحجبة اكثر اضطهادا , واغلب هذا الكلام عليها من السافرة طبعاً وان كانت اقرب الناس لها !! وهذا الامر اعتقد لا يحتاج الى تفسير ومَؤُونَة زائدة , لنسمع جواب السيدة السافرة , وهذه ليست فرضيات بل حقيقة تقول: هذه التي ترتدي الحجاب تظن نفسها انها الافضل والاطهر والاشرف منا نحن السافرات! من قال لك ذلك؟! لا بالعكس لم نسمع من المحجبة إلا كلمات الاحترام والتقدير لغيرها,وتعتقد هذه الامور الحرية الشخصية ولا تتدخل فيها بل ولا تعنيها؟!

  اذن "الحالة نفسية وشعور خاصة وعقدة النقص والدونيّة هي السبب الرئيسي عند البعض لا الكل, ولا قصص فصل الدين عن السياسة ولا داعش والتحجر ولا المعمم ولا الاسلام السياسي ولا الخطيب الفلاني , ولا حتى الشعار النشاز (باسم الدين باگونا الحرامية) هي دوافع تسقيط مقصودة والهدف منها إسقاط العمامة منطلقاً من رغبته في الانتصار لأجل الغايات الخاصة , والتي لا تخفى علينا وقد بينا شيء منها , ويعتقد اغلب هؤلاء ان الدين عبارة عن قيود ويقف في طريق التطور والوصول للقمر وضد المدنية , واعتقد التطور من الجامعات والكليات والوصول للقمر من خلالها لا من خلال الكنسية او المسجد , لان كل مكان له خصوصية , وهذه التطور والحرية ان يكتب مقالاً يضرب من خلاله العمامة بشكل عام، أو يصورها على ما في داخله يراها بعَينِ طَبعِهِ وإسقاطاته النفسية وانها رمز للفساد والضلالة والتخلف لمجرد أنه لاحظ منهم موقف معين او اختلف مع احدهم او سمع من اخر او قرأ في الموقع او الصفحة الفلانية , او بدر منهُ سلوك لم يعجبهُ او انهُ يرى المعمم كالإمام المعصوم وهذا لا يمكن لأنه غير معصوم , او عمل احدهم عمل غير منضبط وهذا وارد والمعممين بشر لا من الملائكة , وهم جِهَة كحال المعلمين او العمال او الأطباء فكما أنه لا يمكن أخذ الأطباء جميعاً بجريرة أحد منهم ارتكب خطأ طبياً كبر أم صغر, ولا المعلمين ولا العمال , وكذلك لا يصح تعميم النقد لكل العمائم لأجل خطأ عمامة واحدة بقصد او دونه، فان هذا على خلاف النقد الموضوعي والصحيح واحترام عَقُولُ الأخِرُين , واعتقد الامر صار واضحاً عندنا وما المراد من هذه الثقافة والتي هي خطوة تمهيدية من أجل تسقيط مقام المرجعية الدينية وتوهينها , فإذا أصبحت العمامة وجوداَ لا قيمة له سيتسنى عندئذ ضرب المرجعية بيسر وسهولة , ومن ثم كل الدين والعقيدة والمجتمع , ونحن نقرأ ونسمع بين الحين والاخر تجاوزات المفكر المتحرر وذاك الحداثي المتنور على الرسول الله (ص) واخرهم ذاك الموتور يقول : (القرآن المِحْرَف) ويناقش النقاط والشَده والهَمزة وآخرين يدعون انهم حماة الشريعة وهذا مشكلة بحد ذاتها , واخرها هذا المَعْتُوه وتجاوزه على اهل البيت (ع) وكأنه افضل منهم ويشاركه اعداء الاسلام ويَتَلَذَّذُونَ بالتجاوز عليهم بحجة الحوار والنقاش العلمي والحرية الشخصية.

    واغرب ما وصل لي مقال من احد الاخوة الكرام والذي تحت عنوان (تجار الدين) يقول : آخر الإحصائيات تتحدث عن عدد المعممين في العراق يقارب ال 83 ألف معمم !!!! , ويسأل :هل شاهدتم معمم يعمل كباقي الناس إلا ما ندر منهم ؟! مثلا يعمل في محل أو فلاح أو نجار أو حداد أو سائق تكسي أو سكافي أو يرعى المواشي وإلى آخره من الأعمال واستمر بكلامه.. والى ان يقول نحن نعلم ويحدثنا التاريخ أن أغلب الأنبياء (ع) كانوا يعملون بعيداً عن الدين وتجارة الدين ,!.

     اقول له : هل سمعت يوماً ان احد الانبياء او احد الائمة (ع) كان يدرس عند معلم او جلس في حلقة درس , طبعا لا يوجد هم ( الرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ ) , ولا يوجد عالم بدون دراسة وهذه الدراسة المفروض تستوعب كل عمره لأن العلم بالدرس ولا علم بدون دراسة , وللعلم الحوزة العلمية المؤسسة الوحيدة بين المؤسسات الدينية في كل العالم قديماً وحديثاً من الناس والى الناس وهذا سر قوتها , لا ترجع الى الدولة في شيء ابدا لا معنوي ولا مادي , وفي العراق بل في العالم كل المعممين او رجل الدين معمم وغير معمم في كل المذاهب والديانات لهم رواتب شهري من الدولة كأي موظف وحتى خادم المسجد او التكية او الكنسية لهم مثله , واما طالب الحوزة العلمية والذي لا يساوي راتبه ربع راتب اصغر موظف في الدولة وهذا الراتب قد لا يستمر يكون او لا يكون في كل شهر وبعد رحيله لا يكون له من الحوزة الا قطعة نعي سوداء على جدار احد المساجد , ولا غرابة ان تجد طالب علم العباءة او الصاية عمرها 10 سنوات او اكثر ولا يخجل منها ولم يشكو يوماً لأحد ولم يتَمَلْمل ويمكن ان يبقى بدون اموال في جَيْبُه والى ايام ولا ينزعج ولا يدعي يوماً ان صاحب اموال ولم يبخل على احد من ما عنده وان كان قليل , ويقول هذا الكاتب الكاذب وان صح التعبير (آخر الإحصائيات تتحدث عن أن عدد المعممين في العراق يقارب ال 83 ألف معمم) والحق وان اتكلم من موقع مسؤول عدد الحوزة العلمية ومن ضمنهم الشهداء والمجاهدين والصغير والكبير لم يتجاوز العدد 8 الف , لكن المحترم كان خياله واسع جدا وثقته بالعقول الساذجة كبيرة وان قال اكثر من هذا العدد , وللعلم الجمهورية الاسلامية الايرانية والتي هي اكبر مساحة واكثر عدد سكان لم يبلغ هذا العدد من الطلبة وعلى حسب علمي 50 الف معمم , والعدد الحقيقي في النجف للطبة 8 الف معمم في احسن حالاتهم وهم الى انواع منهم الموظَّفين كالمعلم والدكتور والمحامي والاستاذ الجامعي وحتى القاضي في اغلب دوائر الدولة ومنهم الخطباء والكتاب وشعراء وآخرين يعملون في المؤسسات الدينية والعتبات المقدسة , وحتى المؤسسات الاهلية غير الدينية , وهناك من لهُ تجارة خاصة مع عائلته وهناك من العوائل الكبيرة والتي لا يحتاج الراتب ولا غيره بل هو من يقوم بمساعدة الاخرين وكذلك منهم طلبة من جنسيات مختلفة من كل الدول , ولكن في كل هذا النسبة الاكبر منهم الطبلة المتعففين الاغنياء بصبرهم وثباتهم ورغم عواصف الحقد وامراض العصر, وهنا يمكن لأي أعلامي منصف يريد الحقيقة ويضرب به وجه الجهل والحقد والانحلال والتدني الاخلاقي يقوم باستقراء كامل لأحوال طلبة الحوزة العلمية وينقل الحقيقة وانا سأكون بخدمته , وان كانت هذه الحقيقة لا يمكن لها ان تدخل العقول المريضة , لكن لأجل ان يطمئن قلبي ..

      تكملة الجواب للسائل من بعض كلمات الشيخ حسن زاده الاملي (حفظه الله) : مسكين ومظلوم هو المعمم في مجتمعنا فأن نزل للمجتمع وخالط الناس والشباب قالوا عنه :ليس اهلا للعمامة وما ترك لها قيمة !وان اعتزل الناس وصار حبيس الدرس او البيت قالوا عنه : لا يمارس دوره في مجتمعه او متكبر مغرور !, وان ترك العمل وتفرغ لطلب العلم قالوا عنه: سارق ولص ويأكل بأموال الخمس والزكوات !, وان عمل وصار من اهل الحِرف قالوا : عجيب كيف للمعمم ان يعمل ومتى يطلب العلم لقد اساء لقدسية العمامة , وقائمة التهم طويلة لا تنتهي ولا تقف وحسبنا قصة جحا مع ابنه وحماره فهي شاهد ودليل على ان رضا الناس غاية لا تدرك..

      لنرتقي وكفانا مهاترات وتسقيطات وأقاويل وأفكار وطروحات لمروجي الشقاق والنفاق والفتن والابتذال والتراجع الاخلاقي لان كلامهم لا ينتهي وكل قصصهم صارت سمِجة , وكل انسان غيور يجب أن يحاسب نفسه اولاً ويصلحها واذا كل منا اصلح نفسه صلح المجتمع لان البلد والدين والمذهب بذمتنا وانت جزء مني وانا منك واليك والمذهب الحق يجمعنا ونحن في طريق والمصير واحد تحياتي واعتزازي بالجميع _قال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لهَمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لا تَعْلَمُونَ).

عادل الزركاني