الطُمَأْنينة
والدين..
الدين
الحقيقي هو الاستقامة والأخلاق والمثل العليا والقيم الإنسانية الاصيلة، والأمان الروحي
والاطمئنان النفسي، بل هو برنامج لِرُقِي الإنسان في ممارسة الحياة وتطوير المواهب
والفضائل الإلهية ولتجعل منهُ مواطناً نافعاً وصالحاً في خدمة المجتمع الإنساني.
ومن الخطأ أن نُخلِّط الأمور مع بعضها ولا نُميز
بين الصالح والطالح , والله تعالى اودع فَيَّنا الفراسة والكياسة, والمؤمن لا يَخدع
ولا يُخدع , ولكن انفعالات البعض وقلة الوعي المصحوب بالاضطرابات النفسية ترسم لهم
صورٌ مُشَوَّشٌة للحقيقة, ويكون بطريقة واخرى أَداةٌ للإعلام " ويصدق بكل ما يقال
وما يشاع بين الناس لأن الموضوع مُنْسَجِمٌ مَعَ أَفْكارِهِ ومُتَّفِقٌ مع ما في
داخله من اوهام, وان الدِين هو السبب في دمار الامة , وان الْأَخْيَارِ والأتقياء لا
وجودَ لهم إلا في القصص الخيالية , وكل رجال الدين والمتدينين مُخَادَعين وبحسب ما
وصل له نظرهم القاصر , ومما سبب انعدام الثقة بالجميع , والسبب هو الابتعاد عن
الاخلاق والقيم والقرآن والمسجد وعن كل شيء مرتبطٌ بالدين, والذهاب الى المُتَع الواهمة
واللَّهْو والفوضى الفكرية والاجتماعية والسياسية, والتي هي خلاف الدين ,بل هي ضد
الدين بحقيقة الامر , والعقل البسيط والساذج يتفاعل ويقول ويؤيد وبعد ان تذهب
الأمور الى غير مراده او في الاتجاه المعاكس لما يريد يحمل الدين السبب , وكما
يفعل من جعل الدين في الكنسية ولا يمكن ان يكون خارجها لأنه يسبب تراجع في التطور
او المدنية ويعارض الحريات الإنسانية , وعندما تعجز كل الأشياء يرجع الى الدين
وكأنه السلاح الأخير عند الحاجة , واذا لم يجد منه هؤلاء نفع فوري يتهم انه خرافة ,
الدين وحتى الحياة لابد ان تكون على مزاج هذا ومذاق ذاك، وأصبح السعي خلف تفاهات
هدف كبير للناس وهذه كارثة اجتماعية يشارك فيها اغلب أبناء المجتمع وهم من يساعد
في صناعة التفاهة، واليوم الاعلام الخاص وحتى العام الكثير منه يسيطر عليه طبقة من
التافهين، والأطفال والشباب تستقبل هذه التفاهات على انه فن او ثقافة, وبموجب هذا
تتم مكافأة هؤلاء وتوضع صورهم وتدفع لهم أموال لانهم ابطال لإعلان ترويج للبضاعة
او مطعم او سوبر ماركت , لعل الوصف الأدق لهذه الحالة : ان الشخص الذي يعلن عن
حلويات فاخرة لكن من يصنع او يقدمها ذبابة , واعلان آخر اكثر تفاهة عن الحجاب
والعباءة والذي يقوم به تافهة مشهورة بالتدني الأخلاقي, نوع من الجمهور يقدم هؤلاء
دعم بدون ان يشعر او لا يشعر ويقدمهم على نفسه وعلى اهل الفضل والدين ,الحقيقة مجتمع
سقط في الهوة ولم يستطع الخروج منها بل لم يحاول حتى الخروج , وهذا الشاب وذاك الطفل
لا يستطيع التفرقة بين ما هو غثٌ وثمين.. والمشكلة التي قد
يحاول البعض التستر عليها أماكن المفروض ان تكون خط الصد لهذه التفاهات والمضادات
للرداءة، وهي الجامعات لكن بصراحة أمست لبنة أساسية في نظام التفاهة الذي نعيش في ظله،
والدليل حفلات التخرج وغيرها ستجد كمية التفاهات والابتعاد عن الاخلاق والدين وحتى
الذوق , والأكثر ازعاجا وهو غريب ان يصل العقل الى هذه المستوى من التدني الفكري
وقبول كلام من لا يعرف الصدق بل هم يكذب بصراحة لكن عند جمهور حكمة وصدق هو الأمين
على حقوقهم ولا يقول الا الحق , وخاصة اذا تحدثَ عن الدين والمتدين وعن الحوزة والعلماء
يؤيده جمهور هم اكثر منه فساداً ونفاقاً, لان التافه يعمل ويأخذ اجر تفاهاته لكن
الجمهور بدون شيء الا الحصول على جرعة تفاهة زائدة , ويرسم هذا النوع وذاك صورة مُشوِّهة
للدين والمتدين رسمتها عَينِ طَبعِهِم , واعتقد هذه الامور مع الايام ستتحول الى نَمَط
من الحياة , وقد لا يُشعر بها, كما في بعض الدول المتقدمة علميا والمتراجعة أخلاقيا
لديهم الابتذال والانحراف شيء جدا طبيعي بل من لا يكون كما السائد في المجتمع معقد
او مريض نفسيا, وهذا الكم الكبير من المجتمع يريد دين حسب القياسات الخاصة وعلماء
وطلبة على مزاجهم وفتاوى تناسبهم , وحتى هؤلاء الفاسدين في الحكم وخارجه لهم من
يدعمهم جماهيرياً ودينياً ولولا الدعم لهم لما وصلوا ,اتباع معاوية كانوا اشد
حرصاً عليه ودفاعاً عنه وعن تفاهته , عكس اتباع الإمام علي (ع) (وَاللَّهِ أَنَّ
مُعَاوِيَةَ صَارَفَنِي بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةَ
مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلًا مِنْهُمْ) , والرافِضٌين للحوزة وللعمامة
بالحقيقة هم يرفضون الدين , لكن لا يفصحون ! وقبل هذا الوقت لم تكن العمامة في المواجهة،
ولم تَسَلُّمُ من اللسان والسيف وماكنة القيل والقال والقتل لم تتوقف والاعتقال
والتهجير على طول الخط، واليوم صارت في الواجهة لا اعتقد يتوَقَّفَ بل يزداد الهجوم
التاريخي الممنهج المعبأ طائفيًّا بِسَيْلٍ من التَّهَم والافتراءات المجانية والشتائم
القبيحة، والكذب والتدليس والشعارات المعلبة والتي أعتاشوا عليها جيلا بعد جيل حتى
صارت عقيدة، وعند الواهمين فكر.
واكيد الذي سيقرأ هذا المقال سيقول يدافع عن
المؤسسة التي ينتمي لها , هذا الكلام صحيح , لكن بيني وبين الله لا اٌقدم شيء على
الحق , ونصيحة لك اخي انت لا تنخدع بحلاوة الباطل لأنها زائلة وضررها كبير ودائم ,
ولا اعتقد المؤسسة وكل ما فيها معي في قبري ولا تنفعني يوم الحساب , والحق نحن
جميعاً ابنائها ولا تكون إلا بنا, انا وغيري كنا ومازلنا ابناء المجتمع ونعيش بينهم
ونعرف طبائعهم مما يعانون سابقاً وحالياً, والمشكلة وكأن الامر والتهم المشاكل
مرتبطة بالعمامة , كما يعتقد البعض التحضر والمدنية بالسفور والانحلال , والثقافة
بالإلحاد وضَرب الدين , والقضية ليس مع العمامة بل بصراحة مع الدين لارتباطها به ,كانت
وماتزال من أكثر أغطية الرأس شرفاً وهيبة وقدسية واعتباراً , وتختلف عن غيرها بعظم
رمزيتها، واتساع أثرها، لا ارتباطها بسيد الخلق وال بيته الاطهار(ع) ,وقدسيتها اتت
من قدسية الدين وآثاره الروحية على الناس ,وتسعى إلى رفض الظلم، والسعي إلى العدالة،
والتمثل بالقيم النبيلة، وحقن الدماء، والميل إلى السماحة والتسامح، وحث الناس على
حب بعضهم بعضاً ,ومن الاجحاف والظلم ان تقاس بالعمائم المزَيفة والتي لا تساوي اكثر
من ثمن القماش الذي صنعت منه , ولا اعتبارات ولا قيمة ولا قدسية لها ابداً بل تمثل
الدجل والنفاق, العمامة علامة للورع والتقوى والالتزام، وجملة من الضوابط السلوكية
الخاصة , فلا يلبس العمامة جاهل أو متجاهل ومن لا يتخلق بالأخلاق الدين وسيرة
العترة الطاهرة والسلف من العلماء الابرار.
وحَبُّ الناس للعمامة والعلماء لم يأتِ من
فراغ بل هو علاقة جهاد ودماء ودين ومذهب حَبٍ متبادل وعلاقة روحية ونفسية , انه ارتباطٌ
عميقٌ في العقول النظيفة والقلوب البريئة , واغلبنا يجد الامان والسَكينة قرب
العلماء لأنهم يُذَكِّروننا بالله ويرشدوننا إلى إتباع تعاليمه , وهي الغاية المثلى
للحياة , لا يمكن لأي محلل أو متابع موضوعي ان يتغافل عن تاريخ رجال الدين والحوزة
, وكم حاولَ وحاولَ المد الاموي الاعلامي ومازال ,وبكل أصنافهم وتحولاتهم وبمنتهى النذالة
والخسة وادنى درجات الانحطاط والدونية لتشويه المسيرة, لكن لم ولن يتمكنوا, لان
هذا الارتباط ليس مع الاشخاص بل مع الدين والمذهب الحق, ونحن نعرف اهداف الاعداء وغايتهم
ولا اعتقد تغيرت , لان بعض الشيعة جلسوا في الحكم وغَرَتهم دنيا هارون , واصبحوا
اكثر سفاهة منه , وتكونت عند البعض بسبب هذه الزمرة صورة مشوهة غير واضحة المعالم
وأفكار الهجينة عن الحوزة ,والتي تحاول جاهدة اصلاح ما يفسدون ولأجل حصول الأكثرية
على حقوقهم المغتصبة ورفع التهميش والاضطهاد الذي رافقهم, واليوم الاكثرية في مَخاض
صعب وتجربة مُرة , والحوزة في قبال عدو مُختَلِط من الاحزاب الحاقدة والتي تعتقد
لها ثأر معها واخرى تعتقد انها اخذت السلطة والجَاهُ منها , والاخيرة الاحزاب المتأسلمة
(أزمة منهج) التي ليس لها إلا الوصول للحكم والمصالح الشخصية وهناك من يَدَّعِي انه
من الحوزة وهم على خلافها في كل شيء إلا بالزي , وكل هؤلاء لا يتوقفون عن مهاجمة
الحوزة الان وفي قادم الايام ، ويتهمونها جزافاً وبهتاناً، ويحملوها كل فشل الذي
هم السبب الاول والاخير فيه، ويلقون باللائمة عليها، ليضعفوا كلمتها, فينجحون في عزل
الشارع عنها، وهذا اهم امنياتهم...
عادل الزركاني 