السبت، 25 يونيو 2022

 عندما أجوب المقبرة ليلا أشعر بكم وأنتم بعيدً عن الأحبة والأهل وهناك حيث يضحكون أو يبكون أو حتى قلبت الصفحات وأصبحتم ‎من أخبار الماضي، هذا هو حال الدنيا كل منا يعيش لنفسه ومشاكله ولا وقت لدينا لكم، ولربما يموت الذين أهتم لهم كثيراً قبلي، لا يَحضرون عزائي، ولا يرون غيابي كما رأيت غيابهم، أفقدهم، ولا يفقدوني، يغيبون مرتين يوم موتهم، ويوم موتي.

كل من في هذه المقبرة كانوا هناك بين الأهل ثمّ رحلوا الى هذه الدار الموحشة، لكن الحياة خلفهم ما زالت مستمرة، فالشمس ما زالت تشرق، والأيام ما زالت تتوالى والزمن لم يتوقف، كانوا يقولون للذين سيموتون لن ننساكم لكننا سنكمل الحياة، ويقولون عن الموت أشياء لم يختبروها، أغمضتُ عيني ورحتُ أحدثُ أهل القبور وحلقتُ في مكنون نفسي حتى شعرتُ أنني قد خرجت من جسدي وأصبحتُ روحا تسبحُ معهم في البرزخ، لم أرى أحداً منهم لكني أشعر بهم، أسمعُ أنين لا أدريِ من القبورْ أم من نفسي.
كان الهدوء يعمُ المكان هدوء مخيف رغم انهُ المكان الأكثر أماناً، لأن الجميع ليس منهم خطر، هدوء يعمُ المقبرة الى جنب الظلام وبينهما صراخ لا صوت له ودموع لا تُرى، أظن هي آثار أوجاع الأهل تحتفظ بها المقابر، وبين لحظة وأخرى تظهر أمامي صورة عريضة معلقة على بيوت الموتى الصغيرة، وتلتف حولي دروبها كحبال من الذكريات وكأنها حلم كئيبٌ.
للموت معاني نحن نجهلها ، ولم يعد المعنى الوحيد للموت هو الرحيل عن هذه الحياة، فهناك من يمارس الموت بطرق مختلفة، ويعيش كل تفاصيل وتضاريس الموت، وهو ما زال على قيد الحياة.
عادل الزركاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق