الانسانية
والحيوانية ..
كثيراً
ما نتابع ونقرأ حكايات جَميلة تربوية تغرس في نفوسنا خلقاً راقياً ونبيلاً , وخاصة
عندما نتعامل مع القصة بدون تأمَّل ولا تفكير وما هي الغاية والهدف منها , وادَعي ان
في هذه القصة البسيطة التي سَأكتبها تميَّز نوعاً وكمّاً، وتشكّل نقطة مُهمة في
التعامل مع ما يٌصدر لنا من قصص وروايات ومقالات وأفلام ومسلسلات ونتعامل معها على
أنها حقيقة وواقع , وننَشرهُا ونتفاعل معها لمَجرد حَبكة روائية أو صياغة أدبية وتساق
لنا بأسلوب درامي عالي , وان كان الاطلاع والقراءة بحد ذاتها شيء ممتع ومفيد , لكن
الأهم منهُما ما مدى تأثير هذه القصص والافعال على الفرد والمجتمع , وهنا أرغب بإضافة
بعض الأفكار من خلال هذه القصة أو غيرها من الكلمات والمقالات لبعض الاخوة الذين أراهم
تائهين ومُشَتَّتين وينصبَّ جِلُّ تركيزهم على تلك القصص والأفكار المستوردة وباتوا
يرفضون كل شيء بل تَحَوُّلوا إلى خَصم يبحث عن الثغرات ليحقق انتصار , الامر يحتاج الى تأمَّل ولا أعتقد
يستمر التمثيل طويلاً ودَع أفعالهم تكشف حَقيقتهم يا صديقي.
جون ذلك الرَجل الطيب تعرفت عليه بالصَدفة في
أحدى الدول المتقدمة في موقف غريب في يوم شَديد الحرارة والشَمس ترسل أشعتها الملتهبة
على الأرض.. أنظر لهُ من بعيد وهوَ يحمل شيء بيَن ذراعيه كالأم الرؤوم التي تشرّبت
الأمومة فيها ، لإنقاذ صَغارها وإطعامهم وتتفانى لأجلهم حباً وحناناَ.
كان رجلٌ عظيمٌ وصاحب القلب الكبير دققت
النظر جيداً بذاك الوليد واذا هو كَلْبٌ من كَلْاب الشوارع كان يحملهُ ومهتماً به
كثيراً , وأشترى لهُ بعض شطائر اللحم من مكان قريب، وضعهُ على الرصيف وجلسَ الى
جانبه لأجل أن يأكل , لكن فوجئ بأن الكلب لم يأكل شيء !! تركهُ وأبتعدَ عنهُ
قليلاً , واذا بالكَلْب يَحمل الطعام بين فكيّه وذهب , وجون يمشي خلفه وأنا خلفهما,
وصَل الكَلْب الى مكان أشبه بالكهف , ودخل واذا به عائلته الصَغيرة المتكونة من جِرَاءٌ
ومعهم كَلْبٌ عجوز, وضعَ الكَلْب الطعام بكل احترام أمام ذلك الكَلْب العجوز , أكل
منهُ شيء قليل وحَمل الباقي للجِرَاء وتقاسمَ الطعام معهم , وفهمتُ كما فهمَ جون
الطيب حالة هذا الكَلْب الوفي وإيثاره على نفسه , حيث قدم والدهُ وصغارهُ على نفسه
رغمَ انهُ كادَ ان يموت من الجوع , كم كان حنانه كبيراً مَع صغاره وكم كان باراً
بوالده ! صورة في قمة الأبداع والحيوانية العالية!! , قَرَّرَ جون حَمل هذا الكَلْب
وعائلته الى منزله , وأنا خلفه , حيث أخذني الفضول القاتل لمعرفة قصة جون وماذا
يفعل بهذه الكَلاْب , وكانت هناك
المُفَاجِئَةٌ واذا بجون مشرفٌ على إطعام أكثر من خمسين كَلْبٌ وقطَة ويعيش
معهم ، ويهتم يومياً بتغذيتها في مواعيد مقدسة، مهما كان لديه من التزامات، وفي المقابل
كانت هذه الحيوانات تَرَدّ الابوة المتبادلة.
والحقيقة أنا لم أقف موقف المتفرج والذي يكتفي
بالتنظير بلا عَمل وينتقد ولا يقدم شيء إلا الكلام , قررتُ الوقوف الى جانب جون هذا
الرجل العظيم وأساعدهٌ في هذا العمل النبيل , وأنضم إلى ملجأ حماية الحيوان، الذي يؤوي
الكَلْاب والقطط ويُعالجها.
قلت لجون أنت عظيم وعملك كبير هل تقبلني مُتطوِّع
معك في هذا المشروع الكبير, وأكيد هذه الرَأْفَة والعاطُّفة والتربية والقيم الأخلاقية
والسلوكيات الحميدة والمبادئ السامية والرفق بالحيوان زُرْعها فيك الوالدين المحترمين.
ولهذا قبل الشروع بالعمل معك لي طلب واحد فقط , وهو
ان أَقْبَلٌ جبين هذا الوالد المحترم وأشكر تلك الأم العظيمة , وافق جون مشكوراً وكتب
لي أسماء والديه وعنوان سكنهما , واذا هم في دار المسنين !! وقمتُ فعلاً بزيارة تلك
دار وقدمت لساكنيها الدعم المعنوي والمادي حيث هؤلاء الاباء لم يزرهم أحد من ذويهم
منذ سنين , وسأحاول ان اكون لهم الولد البار وتركت جون الذي لم يعد عظيماً لكَلْابه وقطَطَهُ !!..
عادل الزركاني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق