نظرية سهو النبي (ص) .. عادل الزركاني
سنحاول البحث عن جواز السهو على النبي (ص) وعدمه؟!
ما ورد عن جمهور المسلمين واجماع الشيعة يقتضي الحكم
بنفي السهو عنه لان العصمة في القول والفعل واستحالة السهو عليه مطلقاً., وهناك ابحاث
كثيرة في هذا الموضوع يمكن مراجعتها , نظرية سهو النبي (ص) من المسائل الكلامية الإسلامية
التي كثير الكلام فيها , واتفق علماء الشيعة على نفي السهو والنسيان عن النبي (ص) وهو
معصوم في جميع أعماله واقواله في التبليغ وغيره , قال تعالى (وَمَا يَنْطِقُ
عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) وهذه النظرية غير مقبولة عند
الشيعة كافة , وقد ذكر عن الشيخ الصدوق والسيد المرتضى والطبرسي انهم ذهبوا إلى جوازه
على النبي (ص) في شؤونه الحياتية وأنه معصوم في مقام التبليغ فقط واستدلوا برواية مفادها
أن النبي (ص) سَهى في صلاته، واعتبر أكثر العلماء النافون للسهو عنه (ص) أن هذه الرواية
وأمثالها غير معتبرة، ونعم هذه الرواية من الأخبار الآحاد، وأنَّ السهو لا يجتمع مع
النبوة , روى الشيخ الصدوق في كتابه من لا يحضره الفقيه الحديث بسنده : إن الغلاة من
المفوضة لعنهم الله ينكرون سهو النبي (ص) ، يقولون: لو جاز أن يسهو (ع) في الصلاة جاز
أن يسهو في التبليغ، لأن الصلاة عليه فريضة , وقيل للإمام الرضا(ع) (إن في الكوفة
قوماً يزعمون أن النبي (ص) لم يقع عليه السهو في صلاته, فقال: كذبوا ـ لعنهم الله ـ
إن الذي لا يسهو هو الله الذي لا إله إلا هو) وقال بعض العلماء هناك من يحاول أن
ينسب إلى الشيخ الصدوق : أنه يقول بجواز السهو على النبي (ص)، وأنه يسهو كما يسهو غيره
من البشر.. والحقيقة هي أنه (قدس سره ) لم يقل بجواز السهو على النبي (ص)، بل قال:
إنه يجوز الإسهاء للنبي(ص) , قال الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي: (ذكر السهو في
هذا الحديث وأمثاله ـ يقصد حديث السهو ـ محمول على التقية في الرواية, كما أشار إليه
الشيخ وغيره, لكثرة الادلة العقلية والنقلية على استحالة السهو عليه مطلقاً) فان كل
الروايات التي ظاهرها يوحي الى نسبة السهو للنبي (ص) يجب ان تأول الى ما يتوافق مع
الدليل القاطع، سواءاً كان ذلك الدليل القاطع عقلياً أو نقلياً وعلى هذا الأساس حمل
الشيخ العاملي الروايات على التقية، وسنبين حقيقة قول الشيخ الصدوق ومن تبعه من الاعلام
والقصد من ذلك , لكن هناك الكثير من المسلمين من يفرق بين القول والفعل وليس كل قول
هو من الوحي وتفسير هذه الآية ليس كل كلام ينطق به النبي (ص) ابتداء يكون وحيًا من
عند الله، وإنما معناها أنه (ص) معصوم من الخطأ فيما يبلغه عن الله، بخلاف غيره من
الكلام الذي يحتمل الاجتهاد , وهذا الاجتهاد يمكن ان يصب او يكون خطأ وإذا اجتهد في
حكم وكان صوابًا أُقر عليه، وإن كان خطأً لم يُقر عليه, ونزل الوحي مبينًا ذلك , ودليلهم
في هذا الكلام قوله تعالى (ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض) عوتب على
استبقاء أسرى بدر بالفداء، وعلى الإذن لمن ظهر نفاقهم في التخلف عن غزوة تبوك، والعتاب
لا يكون فيما صدر عن وحي، فيكون عن اجتهاد , واجتهاده (ص) في الأمور الدنيوية وقصة
تلقيح النخل وأنه (ص) مرَّ بقوم يلقحون نخلهم، (أنه مرَّ بقوم يلقحون نخلهم فقال: لو
لم تفعلوا لصلح, فخرج شيصًا، فمر بهم فقال: ما لنخلكم؟ قالوا: قلت كذا وكذا؟ قال: أنتم
أعلم بأمر دنياكم.
فجواز
السهو عليه في أعماله مستلزم لجوز السهو عليه في التبليغ ولا يشك أحد في أنه لو صدر
من النبي (ص) عمل مرة واحدة في عمره لدل صدور ذلك الفعل منه على جوازه كما تمسك المسلمون
قاطبة في أمور كثيرة بعمل النبي (ص) ولو صدر منه مرة واحدة " أقول: إنما يتم هذا
الاشكال إذا كان القائل بالاسهاء أو السهو يعتقد جواز السهو عليه مطلقا لا في موارد
خاصة مع اعلامه بلا فصل فبعد أن أعلم - على فرض صحة الروايات - فلا مجال لهذا الاشكال
, والصدوق لا يعتقد جواز السهو عليه مطلقا , وفي هذه المسألة كلام طويل , لكن نحاول
قد الإمكان بينان شيء منه , نحن الشيعة ندعي أن الأنبياء والأئمة معصومين عن كل شيء
قولا وفعلا , لكن هناك اشتباه عند البعض في قول الشيخ الصدوق (رض) بإمكان سهو النبي
وهذا فهم خاطئ لكلامه طبعا, كلامه صحيح لكن الفهم خطأ , ونحن نقول تبعا لأساتذتنا والعلماء
الإمكان على ثلاث أقسام هي مطالب فلسفية ومنطقية..
اولا..
الإمكان الذاتي.. وكما عرفوه تساوي الطرفين طرف الوجود والعدم , وهناك مقدمة
نمر عليها سريعاً الشيء بما هو شيء اما أن يكون موجود وعرف ثابت عين الذي يخبر عنه
, ويمكن أن يشار إليه , فهذا الذي يشاره اليه بهذه الهاذية سواء كان إشارة حسية للمكنات
أو اشارة عقلية كما في واجب الوجود... هذا يقال له موجود , يقابله الذي لا يمكن أن
يشار إليه هو العدم باعتبار أن العدم لا يشاره له لأنه معدم ، ما بينهم هو الإمكان
الذاتي الذي تساوي طرفيه ، لم يتصف بالوجود بعده ولم يتصف بالعدم بعده ، امكان أن يتصف
بالوجود وامكان أن يتصف بالعدم، فالممكن الذاتي بما هو ممكن متساوي طرفاه الوجود والعدم
,هو لا موجود ولا معدم يقال له الإمكان الذاتي.
ثانيا
: الامكان الاستعدادي: مرتبة ثانية من مراتب الإمكان , وقلنا الإمكان الذاتي
هو إمكان ان يوجد شيء أو إمكان ان يعدم الشيء ، الممكن بما هو ممكن الإنسان بما هو
الإنسان , وزيد بما هو زيد ممكن ان يوجد وممكن أن لا يوجد وأن يكون معدوما , والامكان
الاستعدادي هو مرحلة أشد ومرحلة ثانية من مراحل الإمكان ، وهو كذلك فيه احتمال الأمرين
الوجود والعدم ، لكن هذه المرحلة يعبرون عنها بالإمكان الاستعدادي اي انه فيه استعداد
بأن يتصف بالوجود ، فهذا الإمكان هو أقرب للوجود من الإمكان الذاتي ، لان الإمكان الذاتي
بما هو إمكان والممكن بما هو ممكن لا يوصف بأنه موجود ولا يوصف بأنه معدوم، الإمكان
الاستعدادي كذلك لا يوصف بكلاهما ، لكن وصف الوجود أقرب إليه فهو فيه الاستعداد أن
يصف فيه الوجود يمثلون له بالنطفة، النطفة لم تصبح بعد أنسان لم تصبح بعد زيد، لكن
فيها الإمكان الاستعدادي أن اتصف بالإنسانية وبالموجودية , كذلك العلقة قالوا الإمكان
الاستعدادي يختلف عن الإمكان الذاتي بما يختلف بالشدة والضعف، الإمكان الاستعدادي فيه
مراتب النطفة فيها الإمكان الاستعدادي أن تكون بشرا ، والعلقة فيها الإمكان الاستعداد
أن تكون أيضا أنسان والعلقة أشد امكانية استعداديا من النطفة لتكون أنسانا ، والمضغة
أشد استعداد من العلقة , وعموما كل هذا نطفة وثم علقة وثم مضغة ثم كسونا عظام هذا كل
إمكان استعدادي لأن يوصف بالوجود، هذا كله غير موجود , لكن فيه الإمكان الاستعدادي
ان يكون موجود ، ممكن ان يكون مضغة علقة عظام ثم يموت يعدم فلا يتصف بالوجود , الإمكان
الاستعدادي هو تساوي طرفيه، لكن اتصافه بالوجود أقرب إليه من اتصافه بالعدم ، ففيه
الاستعداد أن يفاض عليه بالوجود.
ثالثاً:
الإمكان الوقوعي هذا الممكن المحتاج إلى علة، بعد اتصافه بالوجود يكون ممكن
وقوعا اي واقعا أي وقع هذا الإمكان النطفة ثم المضغة ثم وكسوناه لحما وعظاما هذا كله
امكان استعدادي لأن يوجد بعد أن تفاض عليه الحياة ويخرج إلى الدنيا يكون واقعا ممكن
واقعا..
بعد
هذه الأقسام الثلاثة نعود الى المطلب الأول هو كلام الشيخ الصدوق وقوله في سهو النبي
ماذا يقصد الشيخ بهذا السهو للأنبياء هل يقصد الإمكان الذاتي أو الإمكان الاستعدادي
أم الإمكان الوقوعي، هذا مبني على مطلب اختلط عند القوم، باعتبار قل إنما أنا بشر مثلكم
يوحى إلي.. بما أنه بشر ممكن، والبشر يخطئ ويصيب ويسهو، والا أن لم يخطئ ولم يسهو خرج
عن كونه ممكنا وصار واجب الوجود، وهم قالوا (نزهونا عن الربوبية وقولوا فينا ما شئتم)
هم عباد الله مخلصون هم عباد الله صادقون.. النبي عيسى يقول أني عبد الله نبينا (ص)
يقول أني عبدا لله أمامنا يقول أني عبد الله، عبد مخلص مطيع ، وهذا لا ينافي
طهارتهم ونزاهتهم وعبادتهم ، كلما خلص الإنسان لمحض العبودية لله ارتقى وارتفع وهم
لا ينكرون أنه عبيد لله و هم من ممكناته ومخلوقاته ومعلولاته ، وهو علة الوجود والعلة
الخلق وهو موجد الكون ، إذن في الإمكان الذاتي والامكان الاستعدادي نعم الآن الأنبياء
بشر ، والبشر لابد أن يخطئ ولابد أن يسهو في هذا القسم من هذه الإمكان ،لما إذا قلنا
لا يمكن السهو ولا الخطأ عليهم ولا النوم والموت عليهم خرجوا من كونهم ممكن صار كونه
واجب وجود وصار شريك للباري وهذا كفر..
ف بالتالي
في الإمكان الذاتي والامكان الاستعدادي، نعم وهو أصل الممكن ناقص محض النقص الممكن
نقص، نعبر عنه هو الاحتياج والنقص، ويقسم الوجود إلى واجب الوجود المستغني في ذاته
عن جميع الاشياء وممكن الوجود المفتقر والمحتاج في إمكانه الاستعدادي الذاتي..
النقاش
في الإمكان الوقوعي هل من الممكن يقع منهم السهو والغفلة، هذا ما لا يلتزم به اي شيعي،
أنه في الامكان الوقوعي لا يقع منهم السهو والغفلة لماذا لا يقع منهم ذلك لأنه يلزم
عليه عدة إشكالات.
اولا: لو انه قبلنا يلزم ترجيح بلا مرجح، معنى
ذلك ما معنى المرجح، إذا كان يسهو يخطئ ويغضب ما هو المرجح أن يكون هو النبي وحجة علينا
دون غيره إذا كان يقع منه هذا الشيء.
ثانيا: يلزم تغير أحكام الله، يكون حلال الله
حرام وحرام حلال، لماذا لان قوله وفعله وتقريره حجة علينا، وإذا قال شيء مخالفا وخطأ
فلزم ان يكون حلال الله حرام وحرام حلال، وهذا لا نقبله على البشر فضلا عن الأنبياء.
الثالث: انه لا يصح في هذا المقام الاحتياج علينا
بهم إذا قلنا بالسهو والنسيان أصلا لا يصح الاحتياج بهم ، ولدينا القاعدة تقول قبح
العقاب بلا بيان الله تعالى كونه عادل واراد ان يعاقب نحتج ونقول لما تعاقبنا انت لم
تبين ، وهي العلة في بعث الأنبياء في بيان والحكمة من بعثهم لهذا، ويقبح من العادل
أن يعاقب بدون بيان، وهذا حتى في الممكنات مثلا ملك مقتدر واراد ان يعاقب بدون بيان
، لأن العقلاء يعاتبوه لأنه يعاقب بدون بيان ، نعم انت قلت للعبد انا عطشان لما تأتي
لي بالماء ، لكن لم تبين ذلك لم تقل له ذلك، أو انت قلت له عطشان ، لكن لم تقل بما
يسد عطشك بالعصير باللبن لم تبين له، فكيف بالله هو سيد الحكماء وسيد العقلاء يعاقب
بدون بيان.
فلابد
أن يرسل الأنبياء والرسل والأئمة لبيان، وإذا كانوا يخطئون وينسون ويسهون ويهمون ويغصبون لما
صح الاحتياج بهم عليه تعالى، لعل ما جاءوا به خطأ.. حتى يصح بها الاحتياج علينا، إذا
كان ممكن عليهم الخطأ والسهو، وقد يكون البيان خطأ وقد يكون الواجب ليس واجبا إذا كان
يقع عليهم ذلك.
فإن
ثبتت العصمة صح الاحتياج بهم علينا هم حجج الله علينا.. بالإمكان الوقوعي لا يمكن أن
يسهو أو يخطئ..
وهناك
مطلب آخر في الإمكان الوقوعي كثر القول في استحالة الظلم على الله تعالى في كتاب الباب
الحادي عشر في بداية الحكمة وعقائد المظفر يستحيل الظلم عليه، ما معنى يستحيل الظلم
معنى الاستحالة في الاصطلاح بمعنى الامتناع، يمتنع عليه ظلم العباد، وإذا قلنا يستحيل
الظلم وكما تسالم عند الفقهاء والعلماء والفلاسفة وكما هو قال ليس الله بظلام للعباد،
وهذه الآية ليست كاملة، بل هناك آيات تكمل هذا الكلام أن شاء يعذبكم وأن شاء يغفر لكم.
ف بالتالي
أنه لو قلنا يستحيل الظلم عليه بمعنى يمتنع الظلم عليه للزم سلب القدرة، ولزم خروج
من أن يكون واجب الوجود إلى ممكن لأنه مسلوب القدرة ف بالتالي فيه نقص فهو ليس واجب
الوجود، واجب الوجود كامل من جميع الجهات، إذن ماذا نفسر الاستحالة يستحيل الظلم عليه،
نفسرها بالإمكان الوقوعي، نقول هو قادر على الظلم...
وقد يقال الظلم فيه اعتبارات باعتبار الشخص نفسه
وباعتبار الله غير ظلم، الظلم نفسه بما هو ظلم بما هو جور ، ممكن يظلم، نعم ممكن ان
يظلم له القدرة أن يظلم، لكن هل يقع منه ، لا يقع منه، له القدرة ان يظلم نعم إلا يلزم سلب القدرة عنه
تعالى وخروجه كونه واجب وجود ، ورد في روايات تدخلنا بالجنة برحمتك وتدخلنا بالنار
بقدرتك، أن شاء يعذب وأن شاء يغفر ، هو قادر لكن هل يقع منه ،ونقول إمكان وقوعي لا
يمكن ،لماذا لأن حكيم يقبح منه الظلم كونه عادل لأن الواجب المستجمع لجميع صفات الكمال
يقبح منه الظلم ، فلا يقع فإمكان وقوعي لا يمكن منه ، هذا لا يلزم القدرة عنه، لا يقع
باعتبار كونه عادل فيقبح منه الظلم وإلا هو قادر أن يظلم ، نعم هو قادر ان يظلم ، هو
الإنسان الممكن قادر أن يظلم فضلا عن واجب الوجود المقتدر المتصف بجميع تلك الصفات
،لا يمكن أن يظلم عبيده ، يقدر أن يظلم يقدر لكن هل يصدر منه هل يقع منه ؟ نقول لا
يقع في الإمكان الوقوعي لا يمكن لأن ينافي عدله، في بالتالي عندما نقول هل ممكن ان
الله تعالى يظلم بالإمكان الوقوعي لا يمكن، لأنه ينافي عدله فيقبح منه، هل ممكن النبي
يسهو لا يمكن في الإمكان الوقوعي لأنه أن أمكن فلا يصح الاحتياج بهم علينا..
يجيب
معرفة الأقسام الثلاثة. الإمكان الذاتي والامكان الاستعدادي والامكان الوقوعي..
حتى
نفهم كلام الله تعالى ونفهم كلام العلماء أيضا، فعندما يقال يستحيل الظلم ليس بمعنى
يمتنع ليس بمعنى سلب القدرة عنه بمعنى يقبح، وإذا قلنا عدم سهو النبي نعم في الإمكان
الوقوعي، وإذا قلنا يمكن ان يسهو نعم يسهو في الإمكان الذاتي والامكان الاستعدادي لأنه
بشر ومقتضى البشر ممكن ومقتضى الممكن تصدر منه هذه الأشياء، وإلا خرج من كونه ممكن
وصار واجب الوجود ويلزم الكفر..
والحمد لله رب العالمين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق