الأربعاء، 16 نوفمبر 2022

 حَديثُ الثَّقلَينِ..

 قال رسول الله (ص) (إني تاركٌ فيكم ما إن تمسَّكتُم به لن تضلُّوا: كتاب الله، وعِترتي أهل بيتي؛ فإنَّهما لن يفترقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ) هذا الحديث المعروف الذي كثُر فيها القولُ صِحَّةً وضعفًا، وتباينتْ فيه الأفهام، واشتبه على بعضِهم او حاولوا تضعيف المعنى والغاية منه ؛ بهذه الكلمات نحاول توضيحَ شيء ما قد يكون غائب عن الاذهان , ويعتبر حَديثُ الثَّقلَينِ من أهم الأحاديث التي يمسَّك به الشِّيعةُ في دائرة موضوع الولاية والإمامة ، وتمسَّك بعض أهلُ السُّنَّة بلفظ: (كِتاب الله، وسُنَّتي) وضعفوا لفظ (وعِترتي) وهذا بالحقيقة توهَّم واضح وسنحاول بيانُه من خلال النقل وعمال العقل وبدون تعصب وسنكون مع الدليل والذي أخذناه من بطون الكتب المعتبرة والموثقة عند الطرفين .

 الأول: حديث الثَّقلين جاء عن جمْعٍ من الصَّحابة؛ منهم الإمام علي (ع)، وأبو سعيد الخُدري، وجابر بن عبد الله، وجُبَير بن مُطعِم، وحُذيفة بن أَسيد، وزَيد بن أرقمَ، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن حَنطب، ونُبَيط بن شُرَيط، بألفاظٍ مختلفة، وقد صحح هذا الحديث الألباني وذكرها الكثير من علماء السنة.

والثاني : وجاء بلفظ:(كِتَابَ الله، وسُنَّتي) وأيضا ذكر انه جاء عن جمْعٍ من الصَّحابة , وهذا الحديث مشهور بين العامة ويكرره خطباء المساجد في خطبهم ولا اصل له وعلماء أهل السنة أنفسهم يطعنون به ، بعد التدقيق تبين انه ضعيف من الناحية السند والمتن وبيان سبب ضعف الحديث إضافة الى ما تقدم من تناقض كذلك الراوي إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله بن أبي أويس ابن أخت مالك , روى له الجماعة ، إلا النسائي ، قال أبو طالب عن أحمد لا بأس به ، وكذا قال عثمان الدارمي عن ابن معين، وقال ابن أبي خيثمة عنه صدوق ضعيف العقل ليس بذاك، يعني أنه لا يحسن الحديث ولا يعرف أن يؤديه أو يقرأ من غير كتابه ، وقال معاوية بن صالح عنه: هو وأبوه ضعيفان، وقال عبد الوهاب بن عصمة عن أحمد بن أبي يحيى عن ابن معين: ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث ، وقال إبراهيم بن الجنيد عن يحيى : مخلط يكذب ليس بشيء ، وقال أبو حاتم محله الصدق وكان مغفلا ، وقال النسائي ضعيف ، وقالوا في موضع آخر: غير ثقة , وقال غيرهم مخلط يكذب ليس بشيء , وانه روى عن خاله أحاديث غرائب لا يتابعه عليها أحد , وقالوا كذاب كان يحدث عن مالك بمسائل ابن وهب , وقالوا أن ابن أبي أويس كان يضع الحديث,  قال لي سلمة بن شبيب : سمعت إسماعيل ابن أبي أويس ، يقول : ربما كنت أضع الحديث لأهل المدينة إذا اختلفوا في شيء فيما بينهم.

   و هذا الحديث لا يستقيم أصلا مع الواقع، فكيف يقول الرسول (ص) : تركت فيكم كتاب الله وسنتي , والسنة غير مجموعة ، ومن جانب اخر يستلزم حفظ السنة من الضياع كما هو حال القرآن ، ومن جانب اخر منع تدوين الحديث والنهي عن كتابة سنة النبي في حكم أبي بكر وعمر وعثمان، وقاموا بإحراق الكتب التي حوت أحاديث رسول الله(ص)وقال عمر بن الخطاب بعد هذا المنع: (حَسْبُنا کتابَ الله) وبعض الروايات عن منع كتابة الحديث بدأ في حياة رسول الله (ص) وبنفس الوقت يقول (ص) :(كِتَابَ الله، وسُنَّتي) ويمنع الكتابة وعمر يقول (حَسْبُنا کتابَ الله)! وهناك حديث عُمرَ بن الخطَّاب: (تركتُ فيكم أمرين لن تضلُّوا بعدهما: كتابَ الله جلَّ وعزَّ، وسُنَّةَ نبيِّه..) وهناك خلط وتناقض كما هو واضح، ونحن نعلم ان القرآن الكريم تلقاه النبي (ص)، من جبريل، وتلقته الصحابة وهو محفوظ بحفظ الله له، مصداقا لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) لكن لعمر رأي آخر  خلاف القران حيث أعرض عن التدوين معللا سبب إعراضه بأنه خاف أن يختلط القرآن بالروايات , والله تعالى (وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) والاختلاط معناه الفَوْضى، والبَلْبلة، وهنا يمكن ان يقال الضياع , والقران يختلف بالتأكيد عن السنة اذا كان المراد هناك من يضع او يدلس فيها وهو الحاصل وقوله تعالى : (وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍۢ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍۢ مِّن مِّثْلِهِۦ وَٱدْعُواْ شُهَدَآءَكُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ) , وحتى كلام النبي (ص) لا يصل الى القران الكريم وان كان كلامه عن الله تعالى :(وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) وأنه معصوم فيما يخبر به عن الله تعالى وعن شرعه، لأن كلامه لا يصدر عن هوى، وإنما يصدر عن وحي يوحى , وهذا ما ذكرناه في بحث سهو النبي (ص) في الإمكان الوقوعي هل من الممكن يقع منهم السهو والغفلة، هذا ما لا يلتزم به اي شيعي في الامكان الوقوعي لا يقع منهم السهو والغفلة , لماذا لا يقع منهم ذلك لأنه يلزم عليه عدة إشكالات .

اولا: لو انه قبلنا يلزم ترجيح بلا مرجح، معنى ذلك ما معنى المرجح، إذا كان يسهو وحطئ ويغضب ما هو المرجح أن يكون هو النبي وحجة علينا دون غيره إذا كان يقع منه هذا الشيء.

ثانيا: يلزم تغير أحكام الله، يكون حلال الله حرام وحرام حلال، لماذا لان قوله وفعله وتقريره حجة علينا، وإذا قال شيء مخالفا وخطأ فلزم ان يكون حلال الله حرام وحرام حلال، وهذا لا نقبله على البشر فضلا عن الأنبياء.

الثالث: انه لا يصح في هذا المقام الاحتياج علينا بهم إذا قلنا بالسهو والنسيان أصلا لا يصح الاحتياج بهم ، ولدينا القاعدة تقول قبح العقاب بلا بيان الله تعالى كونه عادل واراد ان يعاقب نحتج ونقول لما تعاقبنا انت لم تبين ، وهي العلة في بعث الأنبياء في بيان والحكمة من بعثهم لهذا، ويقبح من العادل أن يعاقب بدون بيان، وهذا حتى في الممكنات مثلا ملك مقتدر واراد ان يعاقب بدون بيان ، لأن العقلاء يعاتبوه لأنه يعاقب بدون بيان  ، نعم انت قلت للعبد انا عطشان لما تأتي لي بالماء ، لكن لم تبين ذلك لم تقل له ذلك، أو انت قلت له عطشان ، لكن لم تقل بما يسد عطشك بالعصير باللبن لم تبين له، فكيف بالله وهو سيد الحكماء وسيد العقلاء يعاقب بدون بيان , فلابد أن يرسل الأنبياء والرسل والأئمة للبيان، وإذا كانوا يخطئون وينسون ويسهون ويهمون ويغصبون لما صح الاحتياج بهم عليه تعالى، لعل ما جاءوا به خطأ.. حتى يصح بها الاحتياج علينا، إذا كان ممكن عليهم الخطأ والسهو، وقد يكون البيان خطأ وقد يكون الواجب ليس واجبا إذا كان يقع عليهم ذلك، فإن ثبتت العصمة صح الاحتياج بهم علينا هم حجج الله علينا، بالإمكان الوقوعي لا يمكن أن يسهو أو يخطئ.

والصحابة وتعاملهم كما هو واضح مع السنة حسب المصلحة، وبعدهم الرواة والعلماء حيث يناقضون أنفسهم مثلا ابن حجر مثلا يقول عن الراوي في حفظه لين ثم يصحح الرواية! والالباني يضعف رواية رجل ثقه في حفظه لين ثم يناقض نفسه ويحسن رواية رجل صدوق في حفظه لين رغم ان الثقة اعلى رتبة من الصدوق , يضعون القاعدة في مناسبة ثم يخالفونها في مناسبة أخرى , وهذا عمر يقول (حَسْبُنا کتابَ الله) والقران يقول: (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ ۖ) وقوله تعالى: (يَرِثُنِى وَيَرِثُ مِنْ ءَالِ يَعْقُوبَ ۖ وَٱجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) لكن في مطالبة السيدة فاطمة الزهراء (ع) بميراثها الشرعي ترك القران وعاد للسنة , وقال حديث نسبه لرسول الله (ص) :(لا نورث ، ما تركنا صدقة) وتنازلا مع هذا الحديث وانها وعلي (ع) فاطمة يرثون علم النبي(ص) بمعنى اهل البيت (ع) يرثون علم النبي (ص) اذن الحديث الحق عترتي لانهم يرثون علمه وهم الاعلم بسنته , ومطالبته حق لأنها (ع) اعلم من أبو بكر بسنة النبي (ص) أعلم بدين محمد بنص الحديث وهذا الحديث حجة عليهم , وقول الامام علي (ع) حجة في حقه في الإمامة , وللمتابع الاحاديث تربط الاحاديث والمعاني بعضها بعض , ولهذا تم الاستعانة بوضع احاديث تضعف السنة وتشوها حقيقته , والكلام لعلماء السنة الذين يقولون (.. كتاب الله، وعِترتي أهل بيتي؛ فإنَّهما لن يفترقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ) كتاب الله تعالى واضح القران الكريم ومن هي العترة ليس اهل البيت (ع) كما ذكر ابن تيمية : العترة هم بنو هاشم كلهم: ولد العبَّاس، وولد عليٍّ، وولد الحارث بن عبد المُطَّلب، وسائر بني أبي طالب وغيرُهم، وعليٌّ وحده ليس هو العِترة , والألبانيُّ الذي صحح حديث العترة وقالوا عنه متساهل بالتصحيح ولكن لم يبتعد عن المنهج المتبع وما قاله السلف رغم تصحيحه الحديث ولا يختلف عن ابن تيمية قال : أنَّ المراد من حديث (وعِترتي أهْل بيتي)، وأهل بيته في الأصل: هم نِساؤه (ص)، وفيهنَّ الصِّدِّيقةُ عائشةُ , ولا ادري لماذا ذكر عائشة وهي من نساء النبي (ص) لماذا التخصيص والتأكيد؟! , ويقول ايضا : وتخصيص الشِّيعة (أهل البيت) في الآية بعليٍّ وفاطمة والحسن والحسين (ع)، دون نِسائه (ص) من تحريفهم لآياتِ الله تعالى؛ انتصارًا لأهوائهم .. لكن الحقيقة التحريف والتناقض واضح ونترك الحكم للقارئ الكريم، الحديث يقول: حسب تصحيحه: (... وعِترتي أهل بيتي؛ فإنَّهما لن يفترقَا حتى يرِدَا عليَّ الحوضَ) وقول الاخر اين العترة الان مفترقين منذ أكثر من 1000سنة، واذن لا معنى للحديث، وإلا انهم لمن يفترقا الى ان يردا على رسول الله (ص) إلا بالعودة للحديث ومعناه الحقيقي وعلى عقيدة اهل البيت (ع) والتي هي الحق القران والعترة فإنَّهما لن يفترقَا لم يفترقا قال تعالى : (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) وتأويل هذه الآية ولا بقى بعد مشرك وكافر ، إذا خرج القائم (ع) العترة مع القران بدون فصل قال تعالى : (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) يرثها الامام المهدي (ع) وأصحابه في آخر الزمان.

والنتيجة القران والعترة لن يفترقَا حتى يرِدَا على رسول الله تعالى يوم القيامة ..

عادل الزركاني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق