مراحل
الحزن ..
الحزن يمر بمراحل متعدّدة، تتفاوت في شدّتها
وفقًا لمكانة الفقيد في القلب، حيث يحمل كل طور ألمه الخاص. في لحظة المصيبة،
تتقارب المشاعر من بعضها، وكأن الحزن يذيب الفوارق بين الأحاسيس، فيكون الأقرب هو
الأكثر تأثرًا بالفاجعة، غارقًا في دوامةٍ من الذهول لا يدرك فيها كيف يتصرف،
بينما يحزن آخرون للفقد، وهناك من يشاركون الألم مجاملةً لأهل المصاب وفق الأعراف
الاجتماعية. ومع انتهاء التعازي، يعود كثيرون إلى حياتهم كما لو أن شيئًا لم يكن،
فهكذا تستمر الحياة، إلا أن العائلة الكبيرة تبقى في حدادها، والعائلة الخاصة تعيش
ذات الوحشة، حيث يظل مكان الفقيد فارغًا، لا يملؤه شيء , ومع المرحلة الثالثة،
تنقضي مراسم الحداد وتبدأ دعوات الفرح والابتهاج مجددًا، وكأن الزمن لا يأبه لمن
مضى، كما حدث مع كل الذين رحلوا من قبل. لكن العائلة وحدها تبقى مشدودة إلى حزنها،
تعيش وجعه الذي، وإن اعتادته، يزداد ألمًا مع مرور الأيام، حتى يصبح أكثر حضورًا،
كأنما يفضح حقيقة الفقد، ويدل على أن الراحل لم يكن مجرد شخص، بل كان قطعة من
السعادة نفسها، رحيله انتزعها من الحياة فبقيت ناقصة , ومع اتساع المسافة الزمنية
بيننا وبين الأحبة الذين غادروا، يتفاقم الشعور بالغربة—غربة المكان والزمان وكأن
المرء أصبح غريبًا في عالمه، ينتظر قطار الرحيل ليصعد ويلتحق بهم، لأن المكان لم
يعد مكانه، والزمن لم يعد زمانه.
الفقد لا يمضي، بل يعيد تشكيل علاقتنا بالزمن والمكان، يحوّل الذكريات إلى وطن مؤقت، ويجعل الغائبين أكثر حضورًا في كل لحظة، كأنهم لم يرحلوا تمامًا، بل أخذوا معهم جزءًا منّا لا يعود..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق