الثلاثاء، 3 يونيو 2025

 

قراءة في نشأة السلاطين والطغاة في الإسلام

منذ بداية التاريخ السياسي الإسلامي، اتسم الحكم بطابع متدرج؛ بدأ بالزهد والعدل كمرحلة أولى فرضتها طبيعة المجتمع حينها، لكنه سرعان ما تحول إلى استحواذ كامل على السلطة، خصوصًا بعد مؤامرة السقيفة. كان أغلب المشاركين على دراية بصاحب الحق الشرعي، إذ شهدوا وصية النبي (ص) في غدير خم لعلي (ع) بالإمامة باعتباره الخليفة الشرعي بعده. ومع ذلك، انقسمت الأمة إلى فريقين؛ فريق أوفى بوصية النبي (ص) وبقي متمسكًا بخلافة الإمام علي (ع)، وفريق آخر انقلب على عقبيه، مكونًا زمرة من المنافقين الذين اجتمعوا في سقيفة بني ساعدة لتنصيب أبي بكر بن أبي قحافة.

في تلك اللحظة، كان أمير المؤمنين (ع) منشغلًا بتجهيز النبي (ص) ومواراته الثرى، بينما كانت المؤامرة تُحاك عبر روايات مصطنعة صاغها الوعاظ لتبرير هذا التغيير المفاجئ في مسار الحكم. تشكّل تحالف بين الأنصار والصحابة بقيادة عمر وأبي بكر وأبي عبيدة، فيما تدخلت قبيلة بني أسلم لتعزيز هذا التحالف من خلال انتشارها المسلح في طرق المدينة لمساندتهم، مما دفع عمر بن الخطاب إلى التصريح قائلًا: "ما هو إلا أن رأيت أسلم، فأيقنت بالنصر."

رغم أن الحكم بدأ بوتيرة هادئة، فإنه تكيف سريعًا مع المستجدات، حيث أُرسيت قواعد تصفية المعارضين والرافضين. ومن أبرز الحوادث الدالة على ذلك، مقتل مالك بن نويرة،حيث قام خالد بن الوليد بالزنا بزوجته بعد قتله، في واحدة من أولى الجرائم السياسية التي شهدها الحكم الجديد. لاحقًا، أتاح عثمان بن عفان الفرصة لبني أمية للهيمنة على موارد الدولة، ما أعاد الاعتبار للأسرة التي كانت الأشد عداءً للنبي (ص) والإسلام.

عندما اجتمع الناس حول الإمام علي (ع) وانتخبوه خليفةً، قبِل بذلك رغم أنه ترك السلطة طوعًا، مؤكدًا أن الخلافة أو السلطة لا تعني له شيئًا، كما قال:"الخلافة التي تُقدم لي لا تساوي قيمة شسع النعل، إلا إذا كان بإمكاني أن أؤدي حقًا أو أدفع باطلًا."

استُشهد الإمام علي (ع) بعد أن بذل كل ما في وسعه لإعادة الإسلام إلى ما كان عليه في عهد النبي (ص)، لكن الخط الأموي الذي ظل يتربص بالإسلام استطاع انتزاع الحكم بالقوة، مستفيدًا من التخطيط المسبق للخلفاء، الذين صاغوا قواعد الحكم الوراثي، محولين الدولة الإسلامية إلى ملكية شبيهة بأنظمة القياصرة والملوك , ولم يُسمح لعائلة النبي (ص) بالمشاركة في الحكم، بل ظلت تحت مراقبة مشددة وتهديد دائم، حيث كانت الاغتيالات ممنهجة ضد أي تحرك سياسي أو اجتماعي ينبع من أهل البيت (ع) أو من المؤيدين لهم. كان الهدف واضحًا: إقصاءهم تمامًا عن السلطة وضمان عدم تهديد الحكم القائم , واستمر حكم بني أمية تحت شعار الفتوحات الإسلامية، لكنها لم تكن سوى غزوات نهب وسلب استهدفت المناطق الغنية بالأموال والجواري والغلمان، بينما تجاهلت تمامًا المناطق التي لا تحمل مكاسب مادية، مثل إفريقيا، باستثناء تلك التي تحتوي على الذهب والعبيد , وسار العباسيون والعثمانيون على ذات النهج، حيث تقاتل الإخوة على الحكم، بل إن الأب كان ينازع أبنائه على العرش. واستمرت سياسات القتل والطغيان، إلى جانب مظاهر التبذير والترف في القصور، تحت مظلة "الإسلام" , وصولًا إلى يومنا هذا، لا يزال الطغاة يتفاخرون بالطغيان، فيما يستمر العبيد في تقديس هؤلاء الطغاة، متماهين مع فلسفة الإنسان العبد الذي يعشق سيده وسياط قهره، بل ويحتفي بإهانته باعتبارها شكلاً من أشكال الولاء.



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق