التناقض الداخلي..
العداء الخفي المتراكم تجاه الدين كمنظومة اجتماعية أكثر منه كقناعة فردية خاصة من شريحة "المثقفين" أو دعاة التحرر، لا يعادون الدين من حيث الجوهر العقائدي، بل يعادون ما يرونه "احتكارًا اجتماعيًا" للفضاء العام من قِبل المتدينين، خصوصًا في موسم عاشوراء وشهر رمضان، حيث يتحول الشارع والإعلام والطقس العام إلى حالة دينية صاخبة تُقيّد مساحة التعبير "المدني" أو "الثقافي" غير الديني، في نظرهم، والإشكال مع الرموز والسلوكيات أكثر من العقيدة ذاتها المنتقد لا يُهاجم الإمام الحسين (عليه السلام) أو جوهر عاشوراء، بل يسلّط الضوء على ما يعتبره مظاهر مبالغ فيها، أو تصرفات عشوائية من أفراد ينتمون للخط الديني، ثم يُعمّم ذلك ليطعن بالمجتمع المتدين ككل. وهنا مكمن الخلل والمنطق المقلوب؛ إذ يُحاكم المذهب بناءً على أفعال طائشة لأفراد، بينما يغض الطرف عن ملايين المتدينين الذين يتعاملون مع هذه الشعائر بروح حضارية وإنسانية راقية.
الثارات المذهبية العميقة تسكن اللاوعي الجمعي حتى لدى من يدّعي الحياد أو الثقافة وبعض ممن يُحسبون على التيار المدني أو الثقافي الشيعي أنفسهم يحملون في أعماقهم رفضًا دفينًا للهوية الدينية الطاغية، ربما لأسباب نفسية أو اجتماعية أو بسبب صدمات تربوية مع البيئة المتدينة، فتخرج هذه المشاعر سلبية ومشحونة مع كل موسم ديني، وكأنها استعادة لحلقات صراع تاريخي لم يُحسم بعد , في بيئة مثل العراق أو المجتمعات الشيعية عامة، لا يمكن فصل الدين عن الهوية الجمعية، لذلك، الصراع هنا ليس صراع فكر فقط، بل صراع وجود وهُوية، فيُصبح موسم عاشوراء أو شهر رمضان اختبارًا لهوية الناس، ومن يُخالف هذا الجو العام يشعر بالاغتراب، فينفجر بالنقد، وربما بالسخرية، ليُثبت استقلاليته أو تمرّده , وما يحدث ليس مجرد انتقادات سطحية، بل انعكاس لصراع هُويات متراكب؛ بين الدين كمقدس اجتماعي، والمدنية كمشروع فردي، بين التاريخ العاطفي للمذهب الشيعي، والرغبة في الانعتاق من قيود التقليد الجمعي، بين من يرى الحسين رمزًا إنسانيًا خالدًا، ومن يراه جزءًا من صراع تاريخي تجاوزه الزمن , وهنا أعداء المذهب الواضحين مذهبياً، فخصومتهم مفهومة ومباشرة، لكن الإشكال الأخطر هو هذا التناقض الداخلي عند أبناء المذهب أنفسهم الذين يقفون في منتصف الطريق، لا هم يُجاهرون بعداوتهم، ولا يُنصفون الحقائق… بل يُمارسون جلد الذات بطريقة مشوهة في كل موسم ديني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق