زينب الجبل الصبر..
إذا أراد الكاتب أن يكتب عن زينب (عليها
السلام)، فعليه أن يتوضّأ أولًا، ويتهيّأ لحيرة الكلمات... فبماذا يكتب؟ أيتحدّث
عن صبرها الذي حيّر الصبر نفسه؟ أم عن جهادها الذي لقّن الأبطال دروسًا في الثبات؟
وأيُّ امرأةٍ في التاريخ، يُقتل إخوتُها وأولادُها أمام عينيها، ثم تقف كالجبل
الشامخ، في وجه أراذل الأمّة، تخطب وتُعلّم الدنيا بأسرها؟! ثم تقول بكلّ ثقة
وإيمان: سيُنصب بهذا الطفّ علم، كلّما اجتهد أئمّةُ الجور على محو أثره، فلا يزداد
إلّا علوًّا وارتفاعًا."
من أين جاءها هذا العلم؟! من أين لها هذا اليقين؟ من أين لها أن تقرأ المستقبل بهذه البصيرة، وهذه الحكمة؟ أيتناول الكاتب مواقفها؟ أم دينها؟ أم أخلاقها وعفّتها؟ وهي التي لم تنطق إلّا بالقرآن، ولم تعبّر إلّا بلُغة نبوية، علوية، فاطمية، لا تعرف إلّا الطهر، ولا تقول إلّا الحقّ.. نعم، كلّ هذه المعاني تخجل أمام زينب، لأنّه ما من امرأة في هذا الكون اجتمعت فيها القيم بهذا الكمال، وبهذه الصورة العظيمة... بل لعلّ الصبر نفسه وُلد من قلب زينب، وكلّ القيم انبثقت من ذاتها، فهي لم تتعلّمها نظريًّا، بل خُلقت بها، وجاءت إلى الدنيا كتلة من الكمال الإنساني، هبطت من السماء في هيئة امرأة، لتُعلّم الرجال والنساء معاني الصبر والعفّة والشرف... لا بالقول، بل بالفعل، لا بالنظريات، بل بالمواقف التي خُلّدت في صفحات التاريخ والخلود.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق