الدين والثقافة :
هناك
عدوٌ وهميٌّ، يُرَوَّج له بين حين وآخر، عدوٌّ لا وجود له في الواقع إلا في أذهان
بعض المتوهمين، وهو العداء بين الدين والثقافة، أو بين المتدينين وأهل الفكر. وبحكم
قربي من الأوساط الدينية والعلمية، لم أرَ ولم أسمع قط أن هناك موقفًا عدائيًا من
الدين تجاه المثقف الحقيقي أو المفكّر الصادق، بل العكس تمامًا، هناك تقدير عميق
واحترام راسخ لكل من يحمل فكرًا ناضجًا، أو يُسهم في صناعة وعي المجتمع، سواء كان
هذا المثقف أديبًا، شاعرًا، كاتبًا، أو مفكّرًا حرًا.
الغريب، أن كل هذه الاتهامات بوجود صراع أو
قطيعة بين الدين والفكر، أو بين المتدينين والثقافة، لا أسمعها في أوساط العلماء،
ولا أقرأها بين المثقفين الحقيقيين، بل أجدها تتردد وتُكرّر في فضاءات أخرى،
غالبًا من أولئك الذين لم يقتربوا يومًا من عمق الدين ولا من جوهر الثقافة، بل
اكتفوا بترديد شعارات مستهلكة، وبناء أوهام يُحاربونها وحدهم , المجتمع الذي
يُبجّل العلماء، ويحترم المفكرين، ويُقدّر الكلمة الصادقة، لا يمكن أن يكون
مجتمعًا معاديًا للثقافة، بل ربما الإشكال الحقيقي ليس في وجود العداء، بل في
اختراع معركة وهمية تُغذّيها بعض العقول المتحجرة أو الأقلام المأجورة، بينما
الواقع مختلف تمامًا، حيث تجد عالم الدين الحقيقي يُنصت للمثقف النزيه، ويجد
المفكّر الشريف في الدين عمقًا للفكر الإنساني، لا خصمًا له , نحن لا نُخدع بهذا
العدو الوهمي، ولا نقبل أن يُشوّه وجه الدين أو الفكر باسم صراع غير موجود، فمن
أراد أن يحمل راية الفكر والثقافة بصدق، فالميدان مفتوح، والاحترام محفوظ، بشرط أن
يتحلّى بالصدق، لا أن يعيش في وهم معارك لا وجود لها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق