**الحسين (عليه السلام) ليس تنظيماً
إنسانياً، ولا عادةً موسميةً يفعلها الناس كل عام، ولا وسيلةً لتحقيق مصالح سياسية
أو اقتصادية أو اجتماعية. الحسين أبعد من كل هذه الأطر الأرضية الضيّقة، وكلّ
السياسات، والدول، وأصحاب المصالح المادية، هم في حقيقتهم خصومٌ للحسين، وعداءهم لهذا
النهج السماوي مستمرّ منذ أكثر من ألف عام.
منذ ذلك الحين، القتل، والصلب، والتهجير،
والتنكيل، والتهم، تُكال على من يبكي الحسين ويقيم العزاء، وتُلصق بأتباع أهل
البيت (عليهم السلام)، بينما الحقيقة كلّها تكشف أن هذه التهم وأمراضها فيهم هم،
لا في الموالين الصادقين. ومع ذلك، لم يتغيّر شيء، بل زاد كل شيء علوّاً ووضوحاً؛
فالموكب صار العراق كله موكب ، والزائرون للحسين تجاوزوا العشرين مليوناً، وهذا
وحده شاهد سماويّ لا يُخطئه العاقل، أنّ الحسين حالة سماوية خالصة، لا تنتمي لهذا
التراب , كما قالت زينب (عليها السلام) في حديثها مع الإمام السجاد (عليه السلام)
يوم الطفّ: سينصب بهذا الطفّ علمٌ، كلّما اجتهد أئمة الجور على محو أثره، فلا
يزداد إلّا علواً وارتفاعاً".. هذا علمٌ من عند الله، الحسين خليفة رسول
الله، والله أرسله إلى الموت، فانتصَر عليه، لأنّ حكمة الله وعلمه لا تُحيط بها عقول
البشر. ومهما قالوا، وفعلوا، وقتلوا، ستبقى هذه القضية، وهذه المسيرة، مستمرّة،
وكلّما اجتهد المدّعون، والمشكّكون، والمتزلّفون، والخائفون، والخانعون، وأعداء
القضية، وأعداء الإسلام، في تشويهها أو التدليس عليها، فلا تزداد إلّا علواً
وارتفاعاً في قلوب الصادقين.
سيبقى طرف الحقّ الحسيني في مسيرته، وسيبقى الآخرون في مسيرتهم، والتاريخ سيُسجّل لمن النصر. وهذا ما قرّرته السيدة زينب (عليها السلام) بجرأتها النورانية أمام الظلمة وفي قصورهم، حين قال لها ابن زياد: "كيف رأيتِ فعلَ اللهِ بأهلِ بيتك؟"، فقالت: "ما رأيتُ إلّا جميلاً، هؤلاء قومٌ كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاجّون إليه وتختصمون عنده، فانظر لمن الفلج يومئذٍ، ثكلتك أمك يا ابن مرجانة!"...أما نحن، أتباع هذا النهج، وعلى اختلاف مستوياتنا المعرفية، لا ننساق خلف من يحاول النيل من هذه القضية بحجّة النقد أو التساؤل أو التشكيك، وكأنّه الأعلم والأفقه ، وكأنّ لديه علوم الأوّلين والآخرين. لسنا بحاجة إلى القسوة والعداء في الطرح، بل هناك طرق كثيرة للإصلاح، وأسلوب "إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة" أبلغ وأحكم من النقد المباشر الذي لا يولد إلّا العناد، ويجعل الطرف الآخر يتوهّم أنّه حامل النور وحده، والوحيد الذي يمتلك المعرفة المطلقة، بينما الآخرون أعداء لهذا العلم، فيتحوّل الحوار إلى أزمة نفسية تنفجر في كل مناسبة، وتصبح القضية أداة صراع لا أكثر , نحن نناقش، نتابع، نتحفّظ، نحترم، لكن لا نقطع بالقول، ولا نتجرّأ على ما لا نحيط به علماً. فالحسين (عليه السلام) أكبر من أن يُختزل في رؤى ضيّقة، أو أهواء شخصية، أو صراعات ظرفية. الحسين قضية السماء، والحقّ، والإنسان، وستبقى كذلك، رغم أنوف أعدائه، وفي قلوب محبّيه.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق