فلسفة الاصطفاء الإلهي ومعنى الإمامة والنبوة..
✍️ بقلم: الشيخ عادل الزركاني
في هذا البحث المقتضب، نحن أمام مسألة إيمانية وعقلية محورية، تفتح لنا أبوابًا لفهم الحق وأهله، وتمنحنا بصيرة في تمييز من اختارهم الله تعالى لهداية خلقه. فالأنبياء والأئمة (عليهم السلام) لم يُختاروا باجتهاد بشر، ولا بوساطة، ولا بطموحٍ شخصي، بل اصطفاهم الله بحكمة، وبعلمٍ محيط بالعوالم الأولى، وبتقديرٍ سبق الزمن والمكان، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾. , الاصطفاء الإلهي: ليس جبريًا بل استحقاقًا , الاصطفاء لا يعني الجبر، بل هو اختيار إلهي لمن بلغوا أعلى درجات القابلية والاستعداد الروحي والأخلاقي. إنهم أصحاب النفوس الطاهرة، والعقول الناضجة، والطينة الصافية. ولذلك فهم معصومون، لا لامتياز عشوائي، بل لأنهم أهل لتحمّل التكليف الرسالي العظيم , الإنسان والمصلحة.. والأنبياء والرسالة , الناس بطبيعتهم تحركهم المصالح: الزواج مصلحة، العلاقات الاجتماعية مصلحة، الحكم مصلحة. أما الأنبياء والأئمة، فتحركهم الرسالة، لا المصلحة , وتاريخ الملوك والسلاطين يشهد أن غايتهم المال والتوريث والسلطة والنساء، حتى وصل الأمر إلى قتل الأخ لأجل الكرسي، أو السبي والنهب باسم الدين. وقد مارس كثير من الحكّام، حتى من لبس عباءة الإسلام، أبشع صور التوحش تحت راية "الفتوحات": من سبي النساء إلى قتل الأبرياء، إلى اختطاف الأطفال، وخصي الصغار ليكونوا خدماً في قصور "الخلفاء" , أيّ شرف هذا؟! وأيّ عفّة يدّعيها من ينتهك أعراض الخلق باسم الدين؟! , وهذه الغزوات باسم الدين.. وهي تزييف للعقيدة ,الله لم يرسل الأنبياء للقتل والسبي، بل للإصلاح. وهو تعالى لم يعاقب الأمم لعدم عبادته، بل لطغيانهم وفسادهم , فكيف يكون منطق السماء: "اقتل لتعبدني"؟! , ولو كانت الفتوحات التي افتخر بها حكّام المسلمين تمثل الدين، لكان الأئمة (عليهم السلام) أول المشاركين. ولكنهم لم يشاركوا في غزوة واحدة، ولم يؤيدوا أي حاكم متسلط. وما يُروى خلاف ذلك إما موضوع أو محرّف يخالف العقل والقرآن , وأكذوبة الفتح الإسلامي ما يُسمّى بالفتح الإسلامي، والذي يتغنى به كثير من المسلمين ــ خاصة الوهابية ــ ليس إلا كذبة كبرى , وهذه العقيدة التي رُسخت في عقول السذّج، أصبحت "مقدسة"، لا يُسمح بمناقشتها. لكن كيف يُعقل أن يُنشر الإسلام بالسيف: إما أن تُقتل، أو تؤمن؟! الإيمان بالخوف لا يختلف عن الإلحاد , الحقيقة أن من كتبوا ذلك التاريخ، مارسوا الطمس والإخفاء، وادّعوا أنهم جاءوا محررين، ناشرين لدين التسامح. لكن الوقائع والمصادر تكشف عكس ذلك تمامًا: لا فقهاء، لا دعوة، لا تواصل حضاري، بل قتل وسبي ونهب فقط , والوجه الحقيقي لبعض الفاتحين وهو صورة لا تختلف عن الباقي من نوعه وقادة مثل عقبة بن نافع، لم يكونوا دعاة، بل غزاة سفّاحين. ويكفي ما ورد في "الكامل في التاريخ" لابن الأثير عن غزو الأمازيغ:"وقتل المسلمون فيهم حتى مَلّوا!"، أي تعبوا من كثرة القتل! , كيف نُصدّق أنهم دعاة وقد قتلوا أبناء بنت نبيهم (ص) ورفعوا رؤوسهم على الرماح؟! وسَبوا نساء آل البيت (ع)؟! , السيطرة العرقية تحت غطاء الإسلام , عقبة بن نافع، كما ذكر المؤرخ أبو عبد الحكم، قال لملك ودّان: "فعلت بك هذا أدبًا لك، وإذا مسست أذنك تذكرته، فلم تحارب العرب؟" , ولم يقل "المسلمين"، ما يدل على أن الهدف لم يكن دينيًا، بل عرقيًا: تمكين العرب من السيطرة على الشعوب , هذا النهج استمر حتى الدولة العثمانية التي نصّبت الأتراك على الشعوب، بما فيها العرب، رغم دخولهم الإسلام , منطق الانتقام لا الدعوة , بعد مقتل عقبة، جاء زهير بن قيس ينتقم، لا يفتح، فقتل المئات من الأمازيغ , وهكذا تحوّلت الغزوات من استعمار إلى ثأر، إلى إبادة جماعية , ويكفي ما ذكره ابن كثير عن موسى بن نصير: سبى من الأندلس ومن غيرها خلقًا كثيرًا، ومن الذهب والجواهر ما لا يُعد، وسبى من الغلمان الحسان والنساء الحسان شيئًا كثيرًا، حتى قيل إنه لم يُسلب أحد مثله! , بل إن خمس السبي بلغ أربعين ألف رأس، فأرسلها إلى الخليفة! والمقارنة مع الجرائم الحديثة هذه الجرائم لا تقلّ وحشية عن جرائم النازية، أو الاستعمار الأوروبي، بل في بعض الجوانب تفوقها، لأن هذه تمّت باسم "الإسلام"! والأسوأ من ذلك: أنها ما تزال تُمجّد، وتُدرّس، وتُلبس لبوس "الفتوحات الإسلامية العظيمة"! النموذج المعاكس: أهل البيت (عليهم السلام) قال الإمام علي (ع): "وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعًا ضاريًا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق." , النبي الأكرم (ص) لم يفرض دعوته بالسيف، بل بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمنطق، لا بالإكراه والقهر , الحكم عند المعصومين: تكليف لا تشريف , وقليل من الأنبياء حكموا: داود، سليمان، يوسف. , والنبي محمد (ص) أقام الدولة الإسلامية لتثبيت الدين، لا من أجل السلطة , أما الإمام علي (ع) فحين غُصِب حقه، قال وهو يخصف نعله: "والله لهي أحب إليّ من إمرتكم، إلا أن أقيم حقًا أو أدفع باطلاً." وكان يأكل من طعام بسيط، ويحمله مختومًا. أما حروبه، فكانت دفاعية لا سلطوية , والإمام الحسن (ع) صالح معاوية حفظًا للدماء. فهل معاوية أصلح من الحسن؟ , والإمام الحسين (ع) خرج حين بلغ الانحراف ذروته، نهض بأمر من الله، ومعه النساء والأطفال، فهل هذا فعل طالب ملك؟! بعد كربلاء.. الخط الرسالي مستمر , ولم يحكم أي إمام بعد الحسين (ع). بل سُجنوا، وقُتلوا، لكنهم ثبّتوا العقيدة، وأعدّوا الأمة لظهور الإمام المهدي (عج) والمهدي (عج) فكرة موجودة في كل الأديان، لكن يختلف المسلمون حول ولادته. من يطعن فيها، إما جاهل أو حاقد , أما من يشتم نسبه أو عرضه، فقد انحدر إلى درك الجهل والحقارة... النتيجة صراع كرسي لا رسالة , ما نُقل من إنجازات وفتوحات كبرى في التاريخ الإسلامي لم يكن لله، بل للكرسي , الأمويون قتلوا واستبدوا باسم الإسلام , العباسيون قتلوا بني أمية وساروا على نهجهم , العثمانيون وسّعوا سلطانهم بالسيف وغطوه بلباس الخلافة , فتوحاتهم لم تكن رسالية، بل لا تختلف عن فتوحات التتار، سوى أنها كانت أكثر خداعًا باسم الدين...الإمامة والنبوة.. تكليف إلهي لا منصب دنيوي والنبوة والإمامة ليستا سلطة، بل مسؤولية سماوية. أصحابها معصومون، زاهدون، مخلصون، لا يحركهم إلا رضا الله , هم حكّام الآخرة، لا حكّام القصور، وهذا ما لا يفهمه أعداء أهل البيت، ولا من عبدوا الكرسي.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق