الازدواجية
السياسية وضياع الموقف العربي
نحن
في زمنٍ انقلبت فيه المعايير، وتبدّلت فيه المواقف، نرى العجب من أناسٍ يُحسبون
على العرب، وما هم منهم! فما رأينا العربي الأصيل يفرح بضرب مسلم، أو يُطبّل لقصف
بلدٍ جار، أو يتمنى زوال دولةٍ لأنها اختلفت معه في السياسة أو المذهب! , العربي
الحقّ، صاحب الغيرة، لا يستقوي بالأجنبي على أخيه، ولا يرقص على جراح الأمّة، ولا
يهلل لكل صاروخ يُطلقه نتنياهو، أو صفعة يوجهها ترامب، أو قصفٍ يهدم بيتاً في
طهران أو بغداد أو غزة! , لقد رأينا كيف تهتف بعض الألسن فرحاً: "غداً تُضرب
إيران!"، "غداً يُسحق حزب الله!"، "قريباً تسقط دمشق أو تُقسم
بغداد!"، وكأنهم على موعد مع النصر، لا على عدو، بل على أنفسهم! هل نسي هؤلاء
من قصف فلسطين؟ من هدم العراق؟ من احتل الكويت؟ ومن أسقط صدام؟ من بنى قواعده في
قلب جزيرة العرب؟ أليسوا هم نفسهم من قاد الحروب علينا؟ , أليسوا من دمّروا شعوبنا
بأموالنا وأرضنا وأصواتنا؟
يا أيها الناس، يا أبناء الأمة: بالأمس قالوا: إيران حليفة إسرائيل! , ثم قالوا: المعركة مسرحية! , ثم قالوا: الله يضرب الظالمين بالظالمين! , ثم قالوا: هذا نصر لأهل السنة! , وغداً يقولون: نحن المنتصرون! , وكل يوم حكاية، وكل ساعة رأي، وكأنهم بلا عقل، ولا ضمير، ولا ذاكرة! يا للأسف! صار بعض أبناء العرب، أدوات بيد العدو، وأبواقاً لسياسات الغرب، ومجرد أزرارٍ تضغطها واشنطن، فيتحرك الإعلام، وتُشنّ الحملات، وتُبدّل البوصلات! أين الغيرة يا عرب؟ أين الحميّة؟ أين المبادئ؟ هل بلغ بكم الأمر أن تفرحوا لخراب ديار المسلمين؟ هل بلغ الحقد أن تتوسلوا العدو لضرب أبناء دينكم؟ هل نسيتم قول الله تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر)؟ أيها الإخوة المؤمنون: لا يغرّنّكم إعلامهم، ولا تُخدعنّكم شعاراتهم، فهؤلاء لا يريدون تحريراً، ولا إصلاحاً، بل يريدون مزيداً من الانقسام، والدمار، والهيمنة , العاقل من ثبت على الحق، لا من تغيّر كلما تغيّر مزاج السادة الكبار! , المؤمن من يزن الأمور بميزان الدين، لا بميزان الطائفية والمصالح! , الشريف من يرفض الظلم... أيّاً كان الظالم، وأيّاً كان المظلوم! , فاثبتوا، وكونوا مع الحق حيث كان، ومع المظلوم ولو خذله الناس جميعاً، وكونوا رجال موقف لا عبيد زمن! , نسأل الله أن يهدي هذه الأمة إلى رشدها، وأن يُبصرها بعدوها، وأن يجعلنا ممن يقولون كلمة الحق، ولا يخافون في الله لومة لائم
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق