ما هو
العقل؟
مفهوم العقل في اللغة والاصطلاح جاء بعدة
معاني منها الحبس، ونقيض الجهل، يقال عقل يعقل عقل، والحجر والنهي ضد الحمق والجمع
عقول، والعقل اصطلاح جاء بتعريفات كثيرة أيضا بعضها يجعل العقل هو الروح،
لأن العقل لا إدراك له بلا روح، وبعضهم يجعله هو القلب، لأن محل العقل القلب،
وبعضهم يجعله هو الإنسان لأن ما يميز الإنسان عن غيره العقل، وبعضهم يجعله غريزة
تعرف بها العلوم، وبعضهم يجعله ذات العلوم , والعقل في الانسان إذ يدرك بالعقل
التجريدات الخالصة أو المعاني الكلية مثل: الله، الملائكة، الروح، الرياضيات،
الهندسة وغيرها. ويمتلك هذا العقل ثلاث درجات , العقل بالقوة، وهو العقل المنفعل
أو العقل الهيولاني (المادي)، فإذا ما أدرك صور الأجسام في الخارج صار عقلاً
بالفعل، إذ يكون فارغاً من المعلومات، إلا أنه يتقبل المعلومات كلها , ويحتفظ بصور
الموجودات وفقاً لماهياتها وليس لمادياتها، إذ يجرد الموجودات وينزع عنها آليتها
محتفظاً بمعانيها المجردة , والعقل بالفعل، وهو يكون بعد حصول صور الموجودات، إذ
يدرك المعقولات بعد انتقاله من وضع الفعل، وذلك بواسطة المعرفة المكتسبة،
المعقولات التي كانت بالقوة تصبح بعد انتزاعها معقولات بالفعل , وهذه الصور أو
المعقولات ليست كالأشياء خاضعة للأين والمتى والوضع والكيف والكم والفعل والانفعال،
بل هي مجردة عن المادة , وهذا لا يعني أن العقل هو غير المعقولات بل هما شيء واحد
تماماً، كالشمعة المشتعلة يُنقش فيها النقش على السطح وفي أعماقها في آن، والسطح
والعمق منصهران تماماً كالعقل والمعقولات، ولكن عملية هذا الانتقال من القوة إلى
الفعل لا تكون بفعل الإنسان، والعقل المستفاد، وهو العقل الذي أصبح بالفعل يدرك
المعقولات كلها، وقد اكتسبها في نفسه من حيث صورها المجردة لا مادياتها، وأن
الإنسان الذي استكمل عقله المنفعل بالمعقولات كلها، صار عقلاً بالفعل، ومعقولاً
بالفعل، وصار المعقول منه هو الذي يُعقل، عندها يحصل له عقل هو فوق رتبة العقل
المنفعل , وهذا العقل هو أرقى من العقل المنفعل وأكثر كمالاً، وأكثر اقتراباً من
العقل الفعال وابتعاداً عن المادة.
بعد هذه
المقدمة علينا التحدث وباختصار عما تحدث العلماء والفلاسفة عن العقل ومن ثم نضع
النتيجة وما نعتقد به وجاء عن اهل العلم الكرام، وهو ان مفهوم العقل يحتل مكان
بارزة بل يمكن ان يكون الأول عند الفلاسفة والعلماء وهذه في الفلسفة اليونانية وقبلها، وله من المعاني التي أثير بشأنها الجدلُ
قديمًا وحديثًا موضوع متشعب ومثير بين المفكرين ومن تخصصات مختلفة، هل العقل هو
جوهر أم هو عرض؟ وما هي وظيفته؟ ,وهل هو القلب؟ أم هو العلم، أم هو عملٌ بالعلم؟
وما عَلاقة العقل بالدماغ الإنساني؟
تعددت الإجابات منذ بداية الفلسفة والى
زمانا الحاضر , ومن يقال عنهم فلاسفة الإسلام؛ كابن سينا، والكندي، والفارابي هم
على نهج أرسطو وكل ما لديهم متأثر به حيث يحدد أرسطو معنى العقل بأنه جوهر قائم
بنفسه، وله أنواع متعددة؛ العقل الهيولاني، أو العقل بالقوة، وهو الاستعداد المحض
لإدراك المعقولات، وهو قوة محضة خالية من الأفعال، وسمي بالهيولاني نسبة إلى
الهيولَى الأولى الخالية من الصور كلها , والعقل الفعَّال، وهو العقل العاشر، وسمي
فعالاً لكثرة أفعاله في عالم العناصر , والعقل بالفعل؛ أي النفس الناطقة , وهناك
العقل المستفاد والعقل المطلق , ويأتي ابن رشد، ويقسم العقول إلى ثلاثة أنواع ولكل
من الفلاسفة قول لا يبتعد كثيرا عن الاخر إلا بعض الإضافات , وكل هذا هي عبارة عن
فلسفات لا تصمد امام المضمون الحقيقي للعقل وان هذه الأشياء ما هي إلا كلام نظري وناتج
عن تأملات خيالية، نعم هي مقولات محترمة لكن خلاف الواقع , الحديث هنا بتجرد واطلاع
بحذر ولا يعتقد من يقرأ اسم كبير لفيلسوف او كاتب أن النص مطابق للحقيقة ولا يختلف
عن النصوص السماوية وهذا تفكير وتعاطي بسذاجة مع الأفكار حقيقة , وهنا يجب ان يخضع النص الديني
والتاريخي واللاهوتي والعقيدي والتنبؤي والفلسفي الى البحث المعمق واذا كان خلاف
نص السماء هو كما اوضحنا , والفلاسفة ليس
كلهم فلسفتهم آراءٌ وتأملات مبنيَّة على رؤيتهم العقلية للوجود والحياة، وقد تصل
إلى بعض الحقيقة وقد لا تصل، وهنا لا ادعي الانغلاق او اريد ان أقول كل شيء يخرج
من المسجد او الكنيسة او التموقع في النصوص
دون الاستعانة بالفكر والمفكرين لا ابدا ولم يقل احد من العلماء بذلك بل العقل
يقول كل علم يرجع به لأهل الاختصاص لا حسب المذاقات الفكرية او النفسية واستنتاجات
لا أساس لها او التأويل الفلسفي , وكل أصحاب النظريات بشر يدرك المعلومة أو
بالأحرى، كل ما وصل له وجهة نظر , وانا وحسب عقيدتي لا يوجد إلا علم واحد وفهم
واحد كامل وتام أعطاه الله للإنسان من أجل التوصل إلى غاية الحقيقة واحدة ولنجاة
في الدار الآخرة، دار النعيم و الخلود ، وهذا العلم متضمن كله في الكتب السماوية
ومنها القران الكريم وهذا يكون شرحه وتفسيره عن طريق اهل الاختصاص واهل الاختصاص اخذوه
من روايات اهل البيت : قال رسول الله r: (إنّ على كلِّ حقٍّ
حقيقة وعلى كلِّ صوابٍ نوراً ، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فدعوه)([1])
, والنتيجة عندي الإيمان ضروري للعقل، والعقل ضروري للإيمان، وهذا المعنى موجود
حتى عند الفلاسفة في العصور الوسطى: آمِن كي تعقِل , وأبو العلاء المعري يقول العكس ذلك : اعقِل كي تؤمن , وأبو
العلاء المعري هو صاحب منهج الشك و الظاهر كل من جاء بعده اخذ منه .
كذب الظن لا إمام سوى العقل |
|
مشيرا في صبحه والمســاء |
وفي هذا بحث طويل لا يسعه المكان وليس كل ما
يقوله العقل او يؤمن به هو الحقيقة وليس مصدراً موثوقاً للحقيقة، فالعقل مثلاً
يقول أشياء ولكن هذه المعلومة قد تكون خاطئة، وفي الكثير من الإشكاليات المنطقية
يستطيع العقل أن يثبت الشيء، ويثبت عكسه بنفس الكفاءة، انا أقول بما قالوا آمِن كي
تعقِل نعم بالعقل عرفنا الله تعالى والحسِّ والفِطرة والشرع إدراكَ وجود إله خالق،
يَختلف بالكلية عن الإنسان، بل وكل الموجودات , والعقل السليم لا المشوش ولا كفر
ولا شك إلا من الكلام وأهل الكلام والجدال والمراء والخصومة ، بخلاف العقل سليم والفِطرة
النقية التي توصل للحقيقة، مهما كانت التبريرات والنظريات والفروض؛ فالعدم لا
يُنشئ وجودًا، مهما حاول أصحاب تلك النظريات نشرها وإثبات صحتها , وكل النظريات
والتفسيرات، تتغير حسب الأشخاص والظروف , في اغلب الاحيان آراء متناقضة وعبثية",
وهي نظريات وتفسيرات وشكوك لا يعتبر نسقا فلسفياً يقدم إجابات لكل أسئلة الوجود،
إنما هو "موقف"، وموقف محايد أيضا، إن الشاك الحقيقي لا ينفي أي فكر أو
عقيدة كما لا يثبتها أيضاً، إنه أقصى درجات الإحباط، يرى بيرون أننا لا نعرف شيئا
ولن نعرف شيئا، وأن الأسئلة الوجودية الكبرى ستبقى معلقة، دون إجابات , أغلب الفلاسفة
كانوا إما مؤمنين أو شكاكين ، أفلاطون له موقف خاص يدافع من خلاله على وجود عالم
معقول متعال لا يمكن إدراكه إلا بواسطة العقل , وكذلك الفيلسوف الفرنسي باسكال
يقول: (للقلب أسبابه التي لا يدرك العقل عنها شيئاً، فالقلب هو من يشعر بالله
تعالى لا العقل، وهذا هو الإيمان؛ أن تجد الخالق بقلبك لا بعقلك") ولا يمكن
للعقل ان يعرف كل شيء وبعضنا يقحمه في مجالات لا يستطيع استيعابها.
العقل مدرك للحكم لا حاكم وليس منشئاً، الأحكام
العقلية لا تُنشأ؛ لأنها لو أنشِئت لكانت وضعية، بل هي أحكام ثابتة في نفس الأمر
(الواحد نصف الإثنين)، هذا الحكم لم يضعه أحد بل هو ثابت في نفس الأمر، هو مرآة
الوجود، هل المرآة تخطئ! المرآة عاكسة الوجود، المرأة تعطي الوجود ما أعطاها
الوجود، ولو أعطيت له مقدمات غير مطابقة للواقع، سيعطيني نتيجة غير مطابقة للواقع،
فالنتيجة غير المطابقة للواقع هل تسمى خطأ عقلي؟ طبعاً لا، الخطأ هنا لا ينسب
للعقل، بل الخطأ ينسب للواضع لهذه المقدمات، هنا الخطأ، ويكون الخطأ شخصيّاً، هذا
الشخص الذي وضع المقدمات وضعها دون ملاحظة مطابقة الواقع، وبالتالي أصدر أحكاماً
غير مطابقة للواقع، هذه الأحكام ليس منشؤها العقل , والعقل لا يحكم كما تقدم بل
مدرك ولا يدرك الأشياء الا بواسطة حاسة، بعبارة أخرى لا يدرك الجزئيات بذاته من غير
استعانة بآلة ادراكية كالحس والوهم وكذا الوهم لا يدرك بذاته المحسوسات من غير
توسط الحواس والا فلا مدرك بالحقيقة للكليات والجزئيات في الانسان الا القوة
العاقلة وفي الحيوانات لا مدرك للموهومات والمحسوسات الا الوهم , والنتيجة إدراك
العقل مقصور على الكليات وأدراك الحس مقصور على الجزئيات فلو وجب للحاكم على
الجزئي بالكلي , ولدينا العقل نوعين العقل النظري والعقل العملي حيث يُدرك العقل
النظري الواقعيات، والعقل العملي يُدرك الأوامر والقوانين , يعتقد البعض أن
الإنسان ليس لديه نوعين منفصلين من العقل، بل هو عقلٌ واحد وهو آلة الإدراك , وبناءً
على هذه الاعتقاد يكون الفرق بين العقل النظري والعقل العملي يعود إلى أمرٍ واحد
وهو الإدراك , والحكم قد
يقع من الحيوانات التي لا عقل لها إذ لولا ذلك لتعذرت عليها الحياة ولو لم يكن
الشم والشكل دالا لها على الصورة المطلوبة لم تطلبها أو على الصورة المهروب عنها
لم تهرب عنها فظهر ان للمحسوسات الظاهرة اجتماعا في قوه جزئية ادراكية وليس شيء من
الحواس الظاهرة كذلك فلا بد من مدرك باطني جزئي وهو المسمى بالحس المشترك , والحواس الظاهرة
لا تدرك الأمور الماضية والأمور المستقبلة فالبصر لا يدرك لونا موجودا في الأمس
والشم لا يدرك رائحة موجودة في الغد , وادراك المغيبات مقصور على الحس الباطن
لكونها غير منطبعة في المادة , وهناك شيء يقال له الحاسة السادسة (الحس الداخلي)([2])
ويعتقد علماء النفس أن كل شخص يملك حواس خفية موازية للحواس العادية الملموسة على
سبيل المثال، يُمكنك أن تقطف زهرة وتشم رائحتها عبر حاسة الشم، بينما يُمكنك أن
تشم رائحة زهرة غير موجودة اعتماداً على الحاسة الخفية لديك، الموازية لحالة الشم
, وحيث إن هذه القدرة على إدراك الحواس الخفية لا يستشعرها الجميع، لكنها موجودة
عند كل الناس، وبحاجة لتفعيل قبل أن يتمكّنوا من استخدامها , ويقول العلماء هي
قدرة إضافية يمتلكها البشر، لكن نادراً ما يقومون باستخدامها في حياتهم العملية,
والظاهر عند الحيوانات، يبدو الحدس أكثر تطورا، حيث استطاعت الفيلة -على سبيل
المثال- بقدرتها على إدراك الاهتزازات فوق الصوتية للموجات الزلزالية أن تختبئ
وتنجو من إعصار تسونامي الذي ضرب سواحل المحيط الهندي في قارة آسيا عام 2004. ومن
المعروف أن لدى الحيوانات حساسية عالية تجاه التغيرات في الضغط الجوي والمجال
المغناطيسي.
يعدّ التفكير عملية مزاوجة بين الأفكار داخل خزان العقل لإنتاج فكرة
ما، ولا تقتصر مهام العقل على التفكير لإنتاج الأفكار فقط، بل الاحساس والشعور
والسلوك , وتعود دقة التفكير إلى مستوى وعي الفرد فكلما كان مكتسباً للخبرات والعلوم
الحديثة زادت قدرته على طرح أفكار دقيقة والتصرف بسلوك صحيح متوافق مع أعراف
المجتمع وقيمه، ما يزيد شأنه الاجتماعي ويقل شأنه خلاف ذلك.
مفهوم العقل في الفقه الشِّيعي هو مصدراً من
مصادر التَّشريع، إلى جانب الكتاب والسنَّة والإجماع، ويراد منه هنا منظومة الأحكام
القطعية النَّظريَّة والعملية، حينما نراجع المصادر والنصوص الدينية نجد ان الاسلام يؤكد كثيرا على
العقل وهذا الامر من خصائص الدين الاسلامي وهذه المسألة غير موجودة في بقية الأديان، وكما جاء في صحيحة
محمد بن مسلم، عن الامام الباقر×: (لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له
أقبل فأقبل ثم قال له أدبر فأدبر...) وهذا يدل على ان طاعة اوامر الله عز وجل تكون على اساس العقل، فالعاقل
هو الذي يطيع الله عز وجل ومن يعصي الله عز وجل فليس بعاقل. ثم قال (وعزتي
وجلالي ما خلقت خلقا هو أحب الي منك) وهذا يعني انه لا يوجد مخلوق أحب الى
الله أكثر من العقل، وان نعمة العقل أحب النعم الى الله (هو أحب إلي منك ولا
أكملتك إلا فيمن أحب)([3]).
يصرّح الشيخ المفيد1 بعدم وضع العقل مع الكتاب والسنَّة في منزلة
سواء، ويرى أنَّ وظيفته الأساسية هي فهم النُّصوص الشرعية ([4])
وهناك استدلالات عقلية في الكتب الفقهية والاصولية كثيرة , وعندما مراجع
الفقه والاصول وكلمات الفقهاء استدلالات عقلية في النصوص الفقهية والاصولية , مثلا
في باب الحج حينما تطرح مسألة البدار فانهم يقولون (يجب البدار بحكم العقل) فان
الدليل الرصين الذي هو من جملة اهم ادلتهم هو العقل , ومن أهم الادلة التي تذكر للأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر هو العقل , هو وجوب ارشادي اي ان العقل يحكم بوجوب
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر والشارع اكد هذا الحكم , ويشار ايضاً الى العقل
في أبحاث دفع أقل القبيحين ففي مباحث علم الاصول ، وقد طرح في مباحث الالفاظ
الملازمة بين حكم العقل وحكم الشارع والملازمة بين وجوب المقدمة ووجوب ذي المقدمة،
اجزاء الامر الظاهري عن الامر الواقعي وصولا الى بحث النزاع بين الاصولي والاخباري،
والنزاع بين الاخباريين والاصوليين حيث ان الجهة الأولى يتمسكون بأطلاق الرواية
ويقولون لو ان الدليل العقلي القطعي حكم بأمر فنحن لا يحق لنا طبقا لهذه الرواية
ان نأخذ بما يحكم به الدليل العقلي القطعي , والجهة الثانية الأصوليين يقولون ان العقل هو
احد مصادر الاستنباط ومن الادلة الأربعة , ومن جملة المواضع التي يقع النزاع فيها
بين الاخباريين والأصوليين في مسألة العقل هي مسألة الحسن والقبح العقليين والحسن
والقبح الذاتي وهكذا جريان الاستصحاب في الاحكام العقلية وهل ان الاستصحاب يجري في
الاحكام العقلية اولا؟ وهل يجري في الاحكام الشرعية التي تستند الى العقل او لا؟
فالشيخ الانصاري 1لا يرى جريان
الاستصحاب في ذلك , ويقول الشيخ
المظفر في (اصول الفقه): ( ان علماءنا الاصوليين من المتقدمين حصروا الادلة على
الاحكام الشرعية في الاربعة المعروفة التي رابعها الدليل العقلي )) و (لم يظهر لي
بالضبط ما كان يقصد المتقدمون من علمائنا بالدليل العقلي, حتى ان الكثير منهم لم
يذكره من الادلة, أو لم يفسره, أو فسره بما لا يصلح أن يكون دليلا في قبال الكتاب
والسنة) ,والمسلمون جميعا متفقون على أن الحكم لله تعالى, وأنه وحدة الذي له حق
التشريع , والعقل ليس له القدرة على جعل الحكم ,كما أن ليس له القدرة على
الاستقلال بنفسه لأدراك الاحكام الشرعية (لان أحكام الله توقيفية فلا يمكن العلم
بها الا من طريق السماع من مبلغ الاحكام المنصوب من قبله تعالى لتبليغها, ضرورة أن
أحكام الله ليست من القضايا الاولية, وليست مما تنالها المشاهدة بالبصر ونحوه من
الحواس الظاهرة بل الباطنة, وليست أيضا مما تنالها التجربة والحدس, واذا كانت كذلك
فكيف يمكن العلم بها من غير طريق السماع من مبلغها, وشأنها في ذلك شأن سائر
المجعولات التي يضعها البشر كاللغات والخطوط والرموز ونحوها , وكذلك ملاكات
الاحكام كنفس الاحكام، لا يمكن العلم بها الا من طريق السماع من مبلغ الاحكام، لأنه
ليس عندنا قاعدة مضبوطة نعرف بها أسرار أحكام الله وملاكاتها التي انيطت بها
الاحكام عنده, والظن لا يغني عن الحق شيئا)([5]) وكلّ ما حكم به العقل حكم به الشرع : مفاد
هذه القاعدة الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع, فكلّ ما يحكم به العقل يحكم به
الشرع, لكن لم يبيّن الفقهاء مرادهم من دليل العقل تحديداً, ولا حدود هذه
الملازمة, وحدود إدراك العقل, وقد اختلفوا في ذلك اختلافاً شديداً, حتّى يصعب
الوصول إلى محصِّلة من كلماتهم , فعندما يطلقون دليل العقل, لهم في ذلك ثلاث معان:
الأوّل: الأصل المنتج للحكم الشرعي، مثل حكم العقل بالبراءة الأصليّة وقبح
العقاب بلا بيان، كذلك ما يصطلح عليه باستصحاب حال العقل.
الثاني: البحث في الملازمة بين حكم شرعي وحكم عقلي آخر، كما لو حكم الشارع بوجوب
شيء، فإنّ العقل يحكم بوجوب مقدّمته، لأنّه لا يمكن امتثال الواجب من دون توفير
مقدّمته، وكذلك البحث في وجوب الشيء وحرمة ضدّه عقلاً.
الثالث: إدراك العقل بنفسه ومباشرة لحكم الشارع. وفي هذه النقطة بالتحديد
وقع النزاع في حكم العقل.
والثابت
من كلماتهم: الأول : أنّ ما يدركه العقل من الآراء المحمودة التي تطابق عليها
العقلاء, مثل: حسن العدل وقبح الظلم وحسن الصدق وقبح الكذب وحسن الأمانة وقبح
الخيانة ونحو ذلك, فكلّ ذلك كما يحكم به العقل يحكم به الشارع؛ لأنّ الشارع من
العقلاء, بل سيّدهم , لكن ذلك لا يُعين على استكشاف الأحكام الشرعيّة وتعيين
مصاديقها, فإنّ ذلك من المبادئ العامّة, فذلك أشبه بما يذكرونه من تبعيّة الأحكام
للمصالح والمفاسد, فإنّ أصل التبعيّة لا غبار عليها, لكن الكلام كلّ الكلام في
إدراك المصالح والمفاسد , والثاني: ما يدركه العقل ممّن لا يندرج في الآراء
المحمودة, مثل إدراكه ضرورة التوسّع في المعاملات الاقتصادية وتشريع عقود جديدة لم
تكن موجودة في زمن الشارع, وإدراكه لوجوب تصدّي الفقيه لشؤون الاُمّة باعتباره
أكثر الناس حرصاً على مصالحها, ونحو ذلك ممّا يمكن أن يدّعى إدراكه العقل, فهنا
القول بالملازمة يتنافي مع مبدأ توقيفيّة أحكام الشارع, ومع ما ورد من أنّ دين
الله لا يصاب بالعقول.
الا بألة جزئيه واما ثانيا فلان هذا الحكم قد
يقع من الحيوانات التي لا عقل لها إذ لولا ذلك لتعذرت عليها الحياة ولو لم يكن
الشم والشكل دالا لها على الصورة المطلوبة لم تطلبها أو على الصورة المهروب عنها
لم تهرب عنها فظهر ان للمحسوسات الظاهرة اجتماعا في قوه جزئيه ادراكية وليس شيء من
الحواس الظاهرة كذلك فلا بد من مدرك باطني جزئي وهو المسمى بالحس المشترك.
والى اليوم مازال الخلاف بين الفلاسفة
حول حدود العقل وإمكانياته يقول ابن خلدون: إن العقل ميزان صحيح، لكن لا تطمع أن
تزن به أمور التوحيد، فإن ذلك طمع محال" , ويقول ايمانويل كانط : ستطيع أن
أصف لك كيف يبدو لي العالم، لكني لا أستطيع أن أصفه كما هو في الواقع" ,
ويقول بيرون : نحن لا نعرف شيئاً، ولن نعرف شيئاً" , يدركها العقل بسهولة ,. ويرى
لوك : أنه لابد من التسليم عدم قدرة العقل البشري الخوض في المسائل التي تتجاوز
إدراكه، فبعد الفحص الدقيق لكل القضايا تبين أنها تفوق قدرة العقل على استيعابها
"ويقول العقاد : (فالعقل في مدلول لفظه العام ملكة يناط بها الوازع الأخلاقي
أو المنع عن المحظور والمنكر، ومن هنا كان اشتقاقه من مادة (عقل) التي يؤخذ منها
العقال).. وبقدر اختلافهم واختلاف بيئاتهم كانت النتائج مختلفة وخاصة منهج الشك يشكون في العقل
نفسه وليس لديهم ينفي لأي فكر أو عقيدة كما لا يثبتها أيضاً، وقولهم أننا لا نعرف
شيئا ولن نعرف شيئا، وأن الأسئلة الوجودية الكبرى ستبقى معلقة، والنتيجة العقل هو
ملكة الإدراك والتفكير والإبداع وأعلى مراتب الإدراك للعقل، وقد ميز الله تعالى
الإنسان بالعقل المدرك والمميز والواعي والمبدع والمفكر والخلاق، والمخ نعمة إلهية
أنعم الله تعالى بها على الكائنات الحية، القرآن الكريم لا يذكر العقل إلا في مقام
التعظيم والتنبيه إلى وجوب العمل به والرجوع إليه , والتفكير نعمة أنعم الله بها
على كثير من بني البشر وسلبها من بعضهم , وجعل الله تعالى التفكير فريضة قال
تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْ_تِلاَفِ اللَّيْلِ
وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ)([6])
وأولو الألباب هم العقلاء حقا فهم كما قال تعالى: (وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ
السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ) ([7])
[1] _ روى ثقةُ الإسلام
الكليني في الكافي : عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن
أبي عبد الله 7
[2] _ يسميها بعض الناس "الحدس" أو
"الغريزة"، وتُعرف أيضا بـ"الحاسة السادسة"، تقول الكاتبة
ناتالي سابيرو في تقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو" (lefigaro) الفرنسية، إن
"الحاسة السادسة" شيء مدهش لأغلب الناس، فهي عبارة عن معلومات تُفرض
علينا من دون وعي ولا يمكن تفسيرها تفسيرا منطقيا.
[3] _الشيخ الكليني - ج ١ - الصفحة ١٠ - الكافي
[4] _ الشيخ المفيد،
أوائل المقالات، المؤلفات الكاملة، ج4، ص 44 و45.
[5] _ اُصول المظفّر 112 -
111.
[6] _ آل عمران 190
[7] _ آل عمران191