الدين والمذهب لا يحدّه زمان ولا مكان..
التاريخ يُعيد نفسه، والمواقف تتكرّر، وما حدث
في كربلاء لم يكن مجرد قصة من الماضي، بل درس خالد يتجدّد في كل زمان ومكان.
يومها، وقف القلّة مع الإمام الحسين (عليه السلام) في معركة الحق ضد الباطل، بينما
تخلّف الكثيرون، بعضهم من الصحابة، وبعضهم التزم الصمت، وآخرون كانوا ينتظرون سقوط
الحسين ليبرّروا خذلانهم وضعفهم , اليوم، المعركة أكبر وأوضح، والعدو لم يعد بحاجة
إلى تزييف الحقائق أو تبرير عدوانه، فالمواقف مكشوفة، والأقنعة ساقطة، وأدوات
العدوان ظاهرة للعيان. وقد رسم القرآن الكريم الصورة الحقيقية حين قال:﴿لَتَجِدَنَّ
أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ﴾ لم يُفرّق بين مذهب
وآخر، ولم يتحدث عن "شيعة" أو "روافض" كما يروج البعض، بل
أشار إلى الإيمان كمنظومة جامعة، وكل من يتمسك بهذا الإيمان، أيّاً كان انتماؤه
المذهبي، سيكون هدفاً لمشروع الاستكبار والعدوان.
والمؤلم اليوم أن بعض أبناء الأمة، ومن مختلف
المدارس الإسلامية، بل حتى من أبناء المذهب أنفسهم ممن باعوا ضمائرهم، وسمحوا
للجبن والانحراف بالسيطرة عليهم، باتوا أدوات رخيصة في يد المشروع الصهيوني،
يُشاركون عملياً في استهداف أبناء جلدتهم ودينهم، بينما تتسابق أنظمة عربية نحو
التطبيع والمهادنة مع إسرائيل، في تناقض صارخ مع تعاليم الدين، وأحكام القرآن،
وقيم الإنسانية والأخلاق , القضية ليست مع اليهود كدين أو كأفراد، فاليهود يعيشون
في دول عديدة، ومنها إيران، حيث يتمتعون بحقوقهم الكاملة، ولم يُمسّهم أحد بسوء.
المشكلة الحقيقية مع المشروع الصهيوني الاستعماري، الذي يعادي الإسلام والإنسانية،
ويؤمن بعقيدة التفوّق والهيمنة، ويسعى لإعادة رسم خارطة المنطقة وفقاً لمخططاته
الدينية والسياسية.
الدين والمذهب، تماماً كالعائلة الواحدة، قد
يسكن الأبناء في بيوت متفرّقة، لكن يجمعهم الدم، والولاء، والمصير المشترك. أما من
يتنكّر لهذا الرابط، ويفرح باستهداف أبناء مذهبه وشعبه تحت شعارات وطنية زائفة، فهو
جزء من مشروع الانحراف، مهما ادّعى من شعارات مضلّلة , كل الأحداث، من الحروب إلى
المؤامرات والفتن الداخلية، كشفت بوضوح الدور الصهيوني المباشر، الذي لم يعد يقتصر
على العدوان الخارجي، بل تسلّل إلى الداخل، يُحرّك أذرعه، ويبثّ الفتنة، ويزرع
بذور الانقسام، ويشعل الصراعات، حتى تجد من يرفع شعار: "نسقط هذا
النظام"، و"نحارب ذاك البلد"، في حالة هياج أشبه بالثور الذي تزعجه
الألوان، دون وعي أو بصيرة , اليوم لم يعد العدو يُخفي نواياه، فنتنياهو يعلنها
صراحة بأن "محور الشر" هو إيران، في إشارة واضحة لمحور المقاومة بأكمله،
مستهدفاً الإسلام الأصيل، وكل من يرفع راية الحق، وليس إيران وحدها. وفي الوقت
نفسه، يحاول تقديم إسرائيل للعالم كحمامة سلام، بينما دماء الفلسطينيين،
واللبنانيين، والسوريين، وبقية شعوب الأمة، شاهدة على سجلّ القتل، والاغتيالات،
والدمار المستمر منذ عقود _ معركتنا ليست مع مذهب أو قومية، بل مع
مشروع صهيوني توسّعي، لا يُخفي أطماعه، ولا يتوقف عن زرع الفتن، وتمزيق الصفوف.
وما لم ندرك هذه الحقيقة، وما لم نتوحّد على أساس العقيدة والموقف، سيبقى العدو
يراهن على ثغراتنا، ويستغل خلافاتنا، لضرب وحدتنا، ووجودنا، ومستقبلنا.
عادل الزركاني