الثلاثاء، 28 سبتمبر 2021

 الشيعة والتاريخ ..

بقلم عادل الزركاني

الحلقة الثامنة ..

وبعد البحث الطويل لم اجد كتاب فيه روايات إسرائيلية أكثر من تفسير الطبري وصحيح البخاري , من أين جاءت هذه الروايات الى التراث الإسلامي ؟ كما بينا سابقا شيء منها إضافة الى أن اليهود كانوا في المدينة المنورة ومختلطين بالمسلمين، وبعضهم دخل الإسلام، إما نفاقًا وإما عن قناعة، فنتيجة هذا الاختلاط روى الصحابة عن اليهود بعض الروايات، ودخلت ضمن كتب التراث الإسلامي ، وضمن كتب الحديث، وهناك إتهام كما هو المعتاد ان هذه الروايات تسربت الى الشيعة أكثر من السنة لان المذهب كله أسسه يهودي اسمه ابن سبأ , وكما بينا في الحلقات السابقة عن هذه الشخصية الأسطورية والتي لا توجد له رواية واحدة لا في كتب الشيعة ولا حتى السنة مجرد إسم نقل في الكتب والكثير من الباحثين يقول أصلاً هذه قضية مختلقة لا وجود لهذه الشخصية , لكن العقل المخالف لا يمكن له إلا ان يقول موجودة لعذر نفسه في ما يأخذ أو يراعي حقده في ما يقول , وصانع هذه القصة سيف بن عمر، وسيف بن عمر في كتب علماء الرجال عند السنة لا الشيعة قدحوا في دينه وعبروا عنه بالزندقة فضلاً عن الكذب، هذا الذي روى القصة كلها، ومن رواية الإسرائيليات مستشار معاوية عمر بن العاص نقل عن أبن جرير الطبري، راجع تفسير أبن كثير، الجزء الأول، صفحة 253، نقل عن ابن جرير عن عبد الله بن عمرو، عبد الله بن عمرو بن العاص كان من رواة الإسرائيليات، كان دائمًا يروي إسرائيليات، لأنه ذهب إلى الشام في تجارة، ووجد خرجين من كتب اليهود والنصارى، فحملهما إلى المدينة وصار ينقل عنهما، فهو من رواة الروايات الإسرائيليات , وهؤلاء طبعا بعد أعمدة الرواية الإسرائيليات أمثال كعب الأحبار وقد استصفاه معاوية وجعله من مستشاريه ، وكذلك كان يروي الإسرائيليات وهب بن منبه، وعبد الله بن سلام.

ورجال مخلصون جاهـدوا في نشر السنة الحقيقية أمثال الصحابي ابو ذر الغفاري كما ذكرنا في الحلقة السابعة , جاء بعده الصحابي الجليل رشيد الهجري، فإنه لما تولى ابن زياد الكوفة قطع يده ورجله، فلما حمل الى أهله عاده الناس وهم باكون، فقال لهم: أيها الناس، ائتوني بصحيفة ودواة اكتب لكم ما يكون الى يوم القيامة، فاخبر ابن زياد فامر بقلع لسانه, ومن بعده صاحب امير المؤمنين (ع) ميثم التمار، نتوقف قليلا مع هذه الشخصية الكبيرة , وهو من اهل الكوفة والوقوف على قراءة منصفة وصحيحة للشيعة في الكوفة , وقبل الأيام لمجيء الإمام الحسين (ع) الى كربلاء وعند وصول عبيد الله بن زياد الى الكوفة وسيطرته على المدينة أخذ يزجّ أصحاب آل البيت في السجون ويقتل البعض منهم وكان من ضمن الذين زجّهم في السجن هو ميثم التمّار , قبل وصول مسلم بن عقيل حسب الظاهر , والتقى بالمختار في ما بعد في السجن , وقال له ميثم: انك وتخرج من السجن ثائراً بدم الحسين(ع) ، ناقلاً عن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) : (إنك تفلت وتخرج ثائراً بدم الحسين عليه السلام فتقتل هذا الذي قتلنا...). وكما رد في دعاء الإمام الحسين (ع): (اللهمّ احبس عنهم قطر السّماء، وابعث عليهم سنين كسنيّ يوسف، وسلّط عليهم غلام ثقيف يسقيهم كأساً مصبرة، فإنّهم كذبونا وخذلونا، وأنت ربّنا عليك توكّلنا وإليك المصير. والله لا يدع أحداً منهم إلاّ انتقم لي منه، قتلةً بقتلة وضربةً بضربة، وإنّه لينتصر لي ولأهل بيتي وأشياعي) , والمختار والكثير من الشيعة , وهذا دليل واضح ان البارزين من الشيعة بل أغلبهم وهم القلة كانوا في السجون والآخرين تم تصفيتهم , وكبار قادة الجيش المحارب للإمام الحسين(ع) كان من الكوفة ، أمثال: شبث بن ربعي وغيرهم , لكن لم يعرف عنهم التشيع , وكل هذا الكلام والذي قد نقل في الكتب والنقل هو من قلم واحد وحسب ما يريده الحزب الأموي من تشويهات تاريخيّة أسّسها وسار عليها أتباعهم لغرض النّيل من التّشيّع بشتّى الطّرق والمستويات.

والى ثورة الدم الكبرى شهادة الإمام الحسين (ع) التي حطمت هذه الخطط وهدمت ما بنوه , وفتحت باب كبير للمذهب آل محمد (ص) وكان لأئمة اهل البيت (ع) الفضل في نشر سنة رسول الله (ص) وفي هذا الخلط والمنع من واجبنا ان لا نقبل رواية إلا من أهل البيت (ع) والائمة فقط (ع) لانهم ال النبي (ص) وهم أعرف واحصر من الجميع على سنة جدهم المصطفى (ص) وهذا الكلام العقل والمنطق يقبله , وأنا اعلم ان هذا الكلام وهذه الروايات والأحاديث الصحيحة عن أهل البيت (ع) عن رسول اللّه (ص) جيل بعد جيل سلسلة ذهبية تزعج اولئك التابعين للمدرسة الأموية , في علم الدراية كل من يروي عن أهل البيت (ع) ومحب لعلي بالضعيف , وفي علم الرواية والحديث فدونوا كتبا واسقطوا منها هذا النوع من الأحاديث وكذا الأحاديث التي تمس بشخصية الحكام والخلفاء بعد الرسول(ص) فسموا هذه الكتب المدونة على هذا الشكل والأسلوب بالصحيح، حتى بلغ ‌عددها ستة، وكان حظ صحيح البخاري من حيث الإعتبار والوثوق أكثر من سائر الصحاح، لأن البخاري كان أكثر اعتقادا وتمسكا بالأصلين المذكورين، ولذا تراه يروي عن الخوارج، مثل: عمران بن حطان , ويقتطع وينقص الأحاديث التي تمس بكرامة الخلفاء، وعلى هذا الاساس نرى أتباع اسلام الخلفاء يعتقدون بان صحيح البخاري أصح كتاب بعد القرآن , أصح كتب التاريخ والسير لديهم تاريخ الطبري ، لأن الطبري انتهج في أسلوبه ما انتهجه البخارى من حيث التزامه بالاصلين المذكورين، فهو يترقب بان لا يروي حديثا فيه ما يخدش هوية هذه الفئة من الصحابة الموثوقين عندهم، ويروي كل حديث مزور ليبرر المواقف الظالمة لبعض الصحابة والخلفاء , ومن هذا المنطلق ترى الطبري يروي مئات الأحاديث التي دستها ايادي الزنادقة بحيث أنه اثبت القضايا والحوادث الواقعة في عهد النبي (ص) والخلفاء الاوائل مقلوبة ومعكوسة , ولما كان الطبري ملتزما ومقيدا للحفاظ على مصالح الخلفاء والصحابة الموثوقين عندهم حاز من العظمة والاحترام حتى سموه امام المؤرخين، من بعده ابن اثير وابن كثير وابن خلدون اقتبسوا ما كتبوه في كتبهم من كتاب الطبري , حتى بعض كتاب الشيعة تأثروا بهذه الكتب ,واعتبروا بعضها من الدين وهو من صناعة الأيادي الاجيرة والوضاعة للحديث , وبعد هذه المراحل من الدولة الإسلامية وكيف كانت وما هو طابعها , وهنا نريد ان نصل الى حقيقة الإتجاه الأول (الشيعة) وما هو موقفهم وعددهم في قبال الإتجاه الثاني ومتى اصبح مذهب متكامل من حيث العقيدة والقيادة الدينية والسياسية في قبال الإتجاه الثاني مذهب أهل السنة والجماعة , كان أتباع علي (ع) يقال لهم شيعته كانوا نخبة متميزة من صحابة الرسول (ص) أمثال : سلمان الفارسي المحمدي ، وأبي ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، لكن كيف بدأت الشيعة كعقيدة علينا أن نعود إلى البداية , هل كان مفهوم الشيعة كما اليوم , لم يكن أي خلاف عقائدي بين الاتجاهين كانت بداية الخلاف حول الخلافة الشيعة ومنهجهم التعبد بحرفية النص الديني , وكان النص الوصي الإمام علي (ع) وأيد هذا الرأي مجموعة من الصحابة من المهاجرين والأنصار امثال العباس بن عبد المطلب، والفضل بن العباس، والزبير بن العوام بن العاص، وخالد بن سعيد، والمقداد بن عمرو وسلمان الفارسي، وأبو ذر الغفاري، وعمار بن ياسر، والبراء بن عازب، وأبي بن كعب , واصح الاقوال اسم الشيعة كان يُطلق في عهد الرسول(ص) على بعض الصحابة واختصَّ بأربعةٍ منهم هم سلمان الفارسيُّ وأبو ذرٍ الغفاريّ وعمّار بن ياسر والمقداد بن أسود، وكانوا يتصرَّفون في حياة النبيِّ(ص) باعتبارهم شيعة علي(ع)، وكان ذلك يُعرف عنهم إذ خاطب النبي(ص) علياً(ع) بقوله: (يا علي أنت وأصحابك في الجنّة ) ولا تخفى صلات هؤلاء الأربعة بالإمام علي(ع) في حياة النبيّ(ص) وبعد وفاته، فكانوا يرون فيه المرجع الروحيّ والدينيّ والقائد السياسيّ، الأمر الذي تجلَّى في موقفهم الرافض لنتائج السقيفة ومطالبتهم بالخلافة لعلي واعتصامهم في بيت فاطمة الزهراء (ع) العدد اربعة وبعد وفاة النبي(ص) ..

التكملة في الحلقة القادمة

الشيعة والتاريخ .. بقلم عادل الزركاني

الحلقة التاسعة ..

عن أبن عساكر عن جابر بن عبد الله قال : كنا عند النبي (ص) فأقبل علي فقال النبي (ص) : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة ، ونزلت : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) , فكان أصحاب النبي (ص) إذا أقبل علي قالوا : جاء خير البرية . وأخرج ابن عدي وابن عساكر عن أبي سعيد مرفوعاً : علي خير البرية , وأخرج ابن عدي عن ابن عباس قال لما نزلت : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) ، قال رسول الله (ص) لعلي : هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين .

ولا تخفى صلات هؤلاء الأربعة بالإمام علي(ع) في حياة النبيّ(ص) وبعد وفاته، فكانوا يرون فيه المرجع الروحيّ والدينيّ والقائد السياسيّ ، الأمر الذي تجلَّى في موقفهم الرافض لنتائج السقيفة ومطالبتهم بالخلافة لعلي(ع) واعتصامهم في بيت فاطمة الزهراء (ع) وكان العدد أربعة وبعد وفاة النبي(ص) ,عدد الشيعة ثمانية لا يتجاوز أصابع اليدين , بعد انتخابات السقيفة ,وهناك من البحاثين والمؤرخين من العامة الذين ذهبوا إلى أنّ التشيع ظهر يوم السقيفة , وهذا الكلام لا دليل عليه ولا يناسب العقل والمنطق لأنّه من غير المعقول أن يتبلور التشيع بأسبوع واحد بعد وفاة النبي (ص) لأن كل فكرة بحاجة الى وقت حتى تتكون وتتبلور , بل كانت فكرة العقيدة السماوية تام وواضحة وكان هنا وموقف الممتنعين الشيعة عن بيعة أبي بكر وحجاجهم في ذلك الموضوع , وان ينظر الى مصلحة الإسلام والمسلمين في اجتهاده على النص .

والروايات الصحيحة تؤكد ان أمير المؤمنين (ع) جلس خمساً وعشرين سنة في بيته وولداه (ع) لم يفارقاه , ولم يكن مفهوم التشيع كما هو الآن فقط عند الشيعة كسلمان وابو ذر وعمار , وكان المسلمين رغم ان الكثير منهم كان حاضر في بيعة الغدير , لكن يميل إلى تقديم الإجتهاد في تقدير المصلحة , والإمام علي (ع) في نظرهم لا يصلح للخلافة لأنه حدث السن , قال الإمام علي (ع) : (أنا أحَقّ بهذا الأمر منه ، وانتم أولى بالبَيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار ، واحتَجَجْتُم عليهم بالقرابة من الرسول (ص) ، وتأخذونه منا أهل البيت غَصباً , ألستُم زعمتم للأنصار أنَّكم أولى بهذا الأمر منهم لِمكانكم من رسول الله (ص) ، فأعطوكم المَقادة ، وسلَّموا لكم الإمارة , وأنا احتَجُّ عليكم بمثل ما احتَجَجْتُم على الأنصار ، أنا أولى برسول الله (ص) حيّاً وميّتاً , وأنا وصيُّه ووزيره ، ومستودَع سِرِّه وعِلمِه ، وأنا الصِّدِّيق الأكبر ، والفاروق الأعظم ، أول من آمن به وصدَّقه ، وأحسنُكُم بلاءً في جهاد المشركين ، وأعْرَفُكُم بالكتاب والسنة ، وأفقهُكُم في الدِّين ، وأعلمُكُم بعواقب الأمور ، وأذرّ بكم لِساناً ، وأثبَتُكم جناناً , فعلامَ تُنازِعونا هذا الأمر ؟ أنصفونا إن كنتم تخافون الله من أنفسكم واعرفوا لنا من الامر مثل ما عرفته الأنصار لكم، وإلا فبوؤا بالظلم وأنتم تعلمون )..

كانوا ينظرون له كصحابي وابن عم رسول الله (ص) حيث كان منطقهم في السقيفة منكم أمير ومنا أمير هو حكم متداول فقط , وأن كان بعضهم يعلم بالوصية ان الحق للإمام (ع) وجاء هؤلاء القوم إلى أمير المؤمنين بأجمعهم فقالوا يا أمير المؤمنين تركت حقا أنت أحق به وأولى منه، لأنا سمعنا رسول الله (ص) يقول: (علي مع الحق والحق مع علي يميل مع الحق كيف مال) ولقد هممنا أن نصير إليه فننزله عن منبر رسول الله (ص) (يقصدون أبو بكر ,) فجئناك نستشيرك ونستطلع رأيك فيما تأمرنا، فقال أمير المؤمنين (ع): وأيم الله لو فعلتم ذلك لما كنتم لهم إلا حربا، ولكنكم كالملح في الزاد، وكالكحل في العين، وأيم الله لو فعلتم ذلك لأتيتموني شاهرين أسيافكم مستعدين للحرب والقتال إذا لأتوني فقالوا لي بايع، وإلا قتلناك، فلابد من أن أدفع القوم عن نفسي، وذلك أن رسول الله (ص) أو عز إلى قبل وفاته قال لي: يا أبا الحسن إن الأمة ستغدر بك بعدي، وتنقض فيك عهدي، وإنك مني بمنزلة هارون من موسى، وإن الأمة من بعدي بمنزلة هارون ومن اتبعه والسامري ومن اتبعه، فقلت يا رسول الله فما تعهد إلى إذا كان ذلك؟ فقال: إن وجدت أعوانا فبادر إليهم وجاهدوهم إن لم تجد أعوانا كف يدك واحقن دمك حتى تلحق بي مظلوما.

وأول من تكلم بهذا الأمر حق الإمام (ع) بالخلافة خالد بن سعيد بن العاص ثم باقي المهاجرين ثم من بعدهم الأنصار، وروى أنهم كانوا غيبا عن وفات رسول الله (ص) فقدموا وقد تولى أبو بكر وهم يومئذ أعلام مسجد رسول الله (ص) فقام خالد بن سعيد بن العاص وقال: اتق الله يا أبا بكر فقد علمت أن رسول الله (ص) قال - ونحن محتوشوه يوم قريظة حين فتح الله له وقد قتل على يومئذ عدة من صنا ديد رجالهم، وأولى البأس والنجدة منهم: يا معاشر المهاجرين والأنصار إني موصيكم بوصية فاحفظوها ومودعكم أمرا فاحفظوه، ألا إن علي بن أبي طالب (ع) أميركم بعدي، وخليفتي فيكم، بذلك أوصاني ربي ألا وإنكم إن لم تحفظوا فيه وصيتي وتوازروه وتنصروه، اختلفتم في أحكامكم، واضطرب علكيم أمر دينكم، ووليكم شراركم ألا إن أهل بيتي هم الوارثون لأمري، والعالمون بأمر أمتي من بعدي اللهم من أطاعهم من أمتي وحفظ فيهم وصيتي فاحشرهم في زمرتي، واجعل لهم نصيبا من مرافقتي، يدركون به نور الآخرة، اللهم ومن أساء خلافتي في أهل بيتي فأحرمه الجنة التي عرضها كعرض السماء والأرض.

وبعد كتب للقوم: ليس إلى خروجي حيلة لأني في جمع كتاب الله الذي قد نبذتموه، وألهتكم الدنيا عنه، وقد حلفت أن لا أخرج من بيتي ولا أضع ردائي على عاتقي، حتى أجمع القرآن.

التكملة في الحلقة القادمة

تعّر تحميل '219422322_671653153759936_2129460323122685555_n.jpg'. TransportError: There was an error during the transport or processing of this request. Error code = 103, Path = /_/BloggerUi/data/batchexecute



 الشيعة في التاريخ ..

بقلم : عادل الزركاني

(الحلقة الخامسة)

ومن اولئك الذين دونوا الحديث على عهد النبي J ابو بكر , ومنهم عبداللّه بن عمرو بن العاص الذي قال: (كنت اكتب كل شيء اسمعه من رسول اللّه J اريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا: تكتب كل شيء تسمعه من رسول اللّه J، ورسول اللّه J بشر يتكلم في الرضا والغضب فقال J: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه الا حق واشار بيده الى فيه) , ولكن بعد وفاة النبي J وقع الاختلاف بين الاصحاب، فمنهم من كان يصد عن التدوين، واعتبر ذلك امرا غير شرعي، واصر على رايه هذا اصرارا كثيرا، مثل: ابو بكر، عمر بن الخطاب، ابن مسعود، ابو سعيد الخدري وغيرهم، وفي مقابلهم فئة كانت تلح وتحث على تدوين الحديث ، وكانوا يكتبون الحديث ويدونونه كما كان على عهد رسول اللّه J، مثل: امير المؤمنين على A وشيعته وبالأخص ابنه السبط الاكبر الامام المجتبى A , روى البخاري في صحيحه عن أمير المؤمنين  انه قال:( الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا )([1]) , وفي زمن الخلفاء منعوا التحديث عن رسول الله J ومن هنا فلم يستطع احد من اصحاب الرسول J ان يروي او يكتب ما سمعه من النبي J، بل القوا ما كتبوا من الاحاديث في الماء او احرقوها بالنار، وتبريرا لما فعلوه تجاه الحديث وتثبيتا لهذه الخطيئة الغير علمية اختلقوا احاديث ونسبوها الى رسول اللّه J نحو: (لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)([2]) منع في عهد ابي بكر الناس بعد وفاة نبيهم J فقال: انكم تحدثون عن رسول اللّه J احاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم اشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول اللّه J شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب اللّه، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه.

وقالت عائشة: جمع ابي الحديث عن رسول اللّه J وكانت خمسمائة حديث فبات ليلة يتقلب كثيرا قالت: فغمني فقلت: اتتقلب لشكوى اولشي بلغك؟ فلما اصبح قال: اي بنية عندك، فجئته بها، فدعا بنار فحرقها فقلت: لم احرقتها؟ قال: خشيت ان اموت وهي عندي فيكون فيها احاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فاكون قد نقلت ذلك هذا ثلاث سنوات بعد وفاة النبي J ولا يوجد تدوين بل حرق كل ما كتب ومنع الحديث عن النبي J حصر اهتمام المسلمين على الآيات القرآنية فقط , ودون مراجعة التفسير والبيان، وتركوا نقل الحديث وكتابته, وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي كان اكثر خشونة تحول المنع في عهد لنقل الحديث وتدوينه بالقهر والقوة , قال الشعبي: جالست ابن عمر سنة كاملة فما سمعته يحدث عن رسول اللّه J وهذا عشرة سنوات اخرى بعد وفاة النبي J والمنع قائم بالقوة , وفي عهد الخلفية عثمان كان المنع اشد واستعمال القوة , نفي الصحابي ابي ذر الغفاري الى الشام، ومنها الى صحرا الربذة ، وضرب الصحابي عبداللّه بن مسعود وسط المسجد ، وضرب عمار بن ياسر وغيره الكثير العشرات من الصحابة والمسلمين الاوائل، وهذه اثنتي عشرة سنة اخرى بعد وفاة النبي J خمس وعشرين سنة والمنع على اشده , ولا يحل لاحد ان يروي حديثا عن رسول اللّه J ..

 الشيعة والتاريخ ..

بقلم عادل الزركاني

الحلقة السادسة ..

ومن اولئك الذين دونوا الحديث على عهد النبي J ابو بكر , ومنهم عبداللّه بن عمرو بن العاص الذي قال: (كنت اكتب كل شيء اسمعه من رسول اللّه J اريد حفظه، فنهتني قريش وقالوا: تكتب كل شيء تسمعه من رسول اللّه J، ورسول اللّه J بشر يتكلم في الرضا والغضب فقال J: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منه الا حق واشار بيده الى فيه) ([3]), ولكن بعد وفاة النبي J وقع الاختلاف بين الاصحاب، فمنهم من كان يصد عن التدوين، واعتبر ذلك امرا غير شرعي، واصر على رايه هذا اصرارا كثيرا، مثل: ابو بكر، عمر بن الخطاب، ابن مسعود، ابو سعيد الخدري وغيرهم، وفي مقابلهم فئة كانت تلح وتحث على تدوين الحديث ، وكانوا يكتبون الحديث ويدونونه كما كان على عهد رسول اللّه J، مثل: امير المؤمنين على A وشيعته وبالأخص ابنه السبط الاكبر الامام المجتبى A , روى البخاري في صحيحه عن أمير المؤمنين A انه قال:( الْمَدِينَةُ حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ، فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا، أَوْ آوَى مُحْدِثًا، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفًا، وَلَا عَدْلًا ) ([4]), وفي زمن الخلفاء منعوا التحديث عن رسول الله J ومن هنا فلم يستطع احد من اصحاب الرسول J ان يروي او يكتب ما سمعه من النبي J، بل القوا ما كتبوا من الاحاديث في الماء او احرقوها بالنار، وتبريرا لما فعلوه تجاه الحديث وتثبيتا لهذه الخطيئة الغير علمية اختلقوا احاديث ونسبوها الى رسول اللّه J نحو: (لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه) منع في عهد ابي بكر الناس بعد وفاة نبيهم J فقال: انكم تحدثون عن رسول اللّه J احاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم اشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول اللّه J شيئا، فمن سألكم فقولوا: بيننا وبينكم كتاب اللّه، فاستحلوا حلاله وحرموا حرامه.

    وقالت عائشة: جمع ابي الحديث عن رسول اللّه J وكانت خمسمائة حديث فبات ليلة يتقلب كثيرا قالت: فغمني فقلت: اتتقلب لشكوى اولشي بلغك؟ فلما اصبح قال: اي بنية عندك، فجئته بها، فدعا بنار فحرقها فقلت: لم احرقتها؟ قال: خشيت ان اموت وهي عندي فيكون فيها احاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فاكون قد نقلت ذلك هذا ثلاث سنوات بعد وفاة النبي J ولا يوجد تدوين بل حرق كل ما كتب ومنع الحديث عن النبي J حصر اهتمام المسلمين على الآيات القرآنية فقط , ودون مراجعة التفسير والبيان، وتركوا نقل الحديث وكتابته, وفي عهد الخليفة عمر بن الخطاب الذي كان اكثر خشونة تحول المنع في عهد لنقل الحديث وتدوينه بالقهر والقوة , قال الشعبي: جالست ابن عمر سنة كاملة فما سمعته يحدث عن رسول اللّه J وهذا عشرة سنوات اخرى بعد وفاة النبي J والمنع قائم بالقوة , وفي عهد الخلفية عثمان كان المنع اشد واستعمال القوة , نفي الصحابي ابي ذر الغفاري الى الشام، ومنها الى صحرا الربذة ، وضرب الصحابي عبداللّه بن مسعود وسط المسجد ، وضرب عمار بن ياسر وغيره الكثير العشرات من الصحابة والمسلمين الاوائل، وهذه اثنتي عشرة سنة اخرى بعد وفاة النبي J خمس وعشرين سنة والمنع على اشده , ولا يحل لاحد ان يروي حديثا عن رسول اللّه J ..

التكملة في الحلقة القادمة


[1] _ صحاح الاحاديث فيما اتفق عليه اهل الحديث 1-9 ج4

[2] _ بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٣٠ - الصفحة ٤٠١

[3] _ وسائل الشيعة (آل البيت) - ج ١ - الصفحة مقدمة التحقيق ٧

[4] _ الراوي : علي بن أبي طالب | المحدث : البخاري | المصدر : صحيح البخاري

الصفحة أو الرقم: 6755  



الأحد، 19 سبتمبر 2021

 الشيعة في التاريخ ..

بقلم : عادل الزركاني

(الحلقة الرابعة)

   قال يعقوب بن سفيان: حدثنا حرملة، ثنا أبن وهب، أخبرني أبن لهيعة عن أبي الأسود قال: دخل معاوية على عائشة فقالت: ما حملك على قتل أهل عذراء حجرا وأصحابه؟

فقال: يا أم المؤمنين إني رأيت قتلهم إصلاحا للأمة وأن بقاءهم فسادا.

فقالت: سمعت رسول الله J يقول: ( سيقتل بعذراء ناس يغضب الله لهم وأهل السماء ) , قال معاوية لها النبيُّ J يقولُ: مَن أتاكم وأمرُكمْ جميعٌ على رجلٍ واحدٍ يريدُ أنْ يشُقَّ عَصاكم، أو يُفرِّقَ جماعتَكم فاقتُلوه! وقال لها: وأمَّا حُجْرٌ وأصحابُه، فإنَّني تخوَّفْتُ أمرًا، وخَشِيتُ فِتنةً تكونُ تُهراقُ فيها الدِّماءُ وتُستحَلُّ فيها المحارمُ وأنت تَخافيني، دَعيني، واللهُ يفعَلُ بي ما يشاءُ، قالت: تركتُكَ واللهِ، تركتُكَ واللهِ، تركتُكَ واللهِ !! , وان كان هذا نص وعن النبي J (يغضب الله لهم وأهل السماء) لكن تقديم الإجتهاد في تقدير المصلحة ، دَعيني، واللهُ يفعَلُ بي ما يشاءُ! أنا وغضب الله وكلام الرسول ليس فيه مصلحة , والمصلحة في قتلهم ! ما هي هذه المصلحة شخصية أم مصلحة المسلمين بقتله خير الصحابة الذي يغضب الله لهم وأهل السماء , وما معنى قول النبي J هذا هل هو تحذير أو ما هو القصد منه , والظاهر المصلحة الشخصية وهي المحافظة على الحكم وان كان الامر يغضب الله وأهل السماء , وإلا هنا تعارض في قول النبي J في غضب الله تعالى وأهل السماء على اناس يسببون الفتنة , وإذا كان اجتهاد في قبال النص عمر بن سعد أيضا له اجتهاد في مقابل النص في قتاله الحسين A ومصلحته ملك الري وفعل ذات الموضوع لكن أكثر صراحة من معاوية ..

يقولونَ إن اللّه خالقُ جنةٍ *** ونارٍ وتعذيـبٍ وغـلِّ يدينِ

فإن صدقوا فيما يـقولون إنني *** أتوبُ إلى الرحمـنِ من ســنتينِ

وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمةٍ *** وملكٍ عظيمٍ دائمِ الحجلينِ

وهذا الامور ليست جديدة بل هو منهج هذه المدرسة وينقل لنا التاريخ كلام مؤسس هذه المدرسة كما جاء في تاريخ أبي الفداء: وعندما انتقلت الخلافة لعثمان بن عفان الاموي فقد ابو سفيان توازنه واسكره النصر الكبير , ولما دخل عثمان بيته دخل إليه بنو أمية حتى امتلأت ببني أمية الدار ثم أغلقوها عليهم، فقال أبو سفيان بن حرب: أعندكم أحد من غيركم، قالوا: لا، قال: يا بني أمية تلقفوها تلقف الكرة فو الذي يحلف به أبو سفيان، ما من عذاب ولا حساب ولا جنة ولا نار ولا بعث ولا قيامة! قال: فانتهره عثمان، وساءَه بما قال، وأمر بإخراجه!. لان كلام ابو سفيان كفر صريح لا يمكن لخليفة رسول الله ان يسمعه ولا يرد عليه! ان فرحة وصول اموي للخلافة جعلت ابو سفيان ينتطلق دون مواربة في اعلان انتصاره على الاسلام.

التكملة في الحلقة القادمة



  الشيعة في التاريخ ..

بقلم : عادل الزركاني

(الحلقة الثالثة)

ومازلنا في الآراء الرأي ثالث: يقول أنّ التشيّع وليد زمن الإمام علي A لمّا تسلم اُمور الخلافة بحيث كانت الأرضيّة السياسيّة ملائمة ، والرأي الرابع : يقول نشأة التشيّع بعد حرب صفين والتحكيم يرى أصحاب هذا الرأي أنّ التشيّع قد ظهر بعد رفض الخوارج لنتائج التحكيم وانشقاقهم عن حزب عليّ، الأمر الذي أدّى إلى نشوء التشيّع كردِّ فعلٍ دينيّ على عقيدة الخوارج في الإمامة , والرأي الخامس: يقول نشأة التشيّع بعد استشهاد الحسين  Aوشكّل نقطة تحوّلٍ مهمّة في التاريخ الفكريّ والعقيديّ للتشيّع، إذ تحوَّل التشيّع من اتِّجاهٍ سياسيّ وميلٍ عاطفيّ إلى عقيدةٍ دينيّةٍ راسخةٍ , والرأي السادس : يرى أحمد محمود صبحي أنّ: (دم الحسين هو الذي أنبت العقيدة الشيعيّة في صورتها النهائيّة إذ أدرك الشيعة بعد مجزرة كربلاء استحالة الانتصار على بني أميّة بالقوّة والسيف في تلك المرحلة، فلجأوا إلى قوّة أُخرى معنويّة هي قوة الفكر المرتبط بالدين، واستعانوا بمبدأ التقيّة لستر أمرهم ), وذكر الدكتور رضوان السيّد قريب الى نفس الرأي حركة التوّابين بقيادة شيخ الشيعة سليمان بن صرد بتنظيمها وأهدافها ورموزها، (بداية التشيّع باعتباره اتِّجاهاً في فهم النّص القرآني، والعلاقة مع السلطة، والحركة للتغيير) محاولات الى تقسيم التشيّع الى سياسي ، ومذهبي , والقصد منه ضربة التشيّع في الصميم , وكان قصد بالتشيّع السياسي هو حالة المشايعة التي عرفها آل البيت من أجل الحصول على السلطة السياسيّة وخصوصاً بعد استشهاد الإمام الحسين A، ممّا أدّى إلى تشكيل طائفة سياسيّة تعلن الولاء السياسي لآل البيت D , الرأي السابع : نشأة التشيّع مع الإمام جعفر الصادق A وتلامذته من المتكلِّمين كهشام بن الحكم وزرارة بن أعين وصاحب الطاق وهشام بن سالم , ويذهب مارشال هودجسون إلى أنّ تاريخ فكرة الإمامة بالنصّ يعود على الأرجح إلى عهد الإمام الباقر A ثمّ تبلوّرت الفكرة في عهد الصادق A ومن طرق الاكثر دهاءً التشويش على أصل الفكرة حتى تصير صعبة الاستقبال من طرف الناس ويسهل الإضافة عليها , وإبداء آرائهم ووجهات نظرهم فيها في ما بعد ووضع روايات وحكايات تناسب التوجه السياسي للدولة وحسب ما يرى السلطان , وكل هذه الروايات والحكايات بسند متصل عن الرواة من الصحابة والتابعين واغلبهم مؤدلج ويميل إلى تقديم الاجتهاد في تقدير المصلحة , والمؤرخين الذين اشتراهم الحزب الاموي , وذكر المؤرِّخ الذَّهبيّ :(وخلْفَ مُعاويةَ خَلْقٌ كثيرٌ يُحبِّونَه ويَتغالَوْن فيه ويُفضِّلونه، إمَّا قد ملَكَهم بالكَرَمِ والحِلمِ والعَطاءِ، وإمَّا قد وُلِدوا في الشَّامِ على حُبِّه، وتَربَّى أولادهم على ذلك , وفيهم جَماعةٌ يَسيرةٌ من الصحابةِ، وعدَدٌ كثيرٌ من التابعين والفُضَلاءِ، وحارَبوا 

معه أهلَ العِراقِ، ونَشَؤوا على النَّصْبِ، نعوذُ باللهِ من الهَوى...) وبلَغَ بهم الحال إلى درَجة أنَّ كلَّ طرَفٍ منهم يضَعَ أحاديثَ على لِسانِ النبيِّ J يُقوِّي بها مَوقِفَه لدى معاوية وحزبه , لقضاعة الكذب قال ابنُ الجَوزيِّ: (قد تعصَّبَ قومٌ ممَّن يَدَّعي السُّنَّةَ، فوضَعوا في فضلِه أحاديثَ ليُغضِبوا الرافضةَ، وتعصَّبَ قومٌ من الرافضةِ، فوضَعوا في ذَمِّه أحاديثَ، وكِلَا الفريقينِ على الخطَأِ القبيحِ) وان كان لا يحتاج ان يضع له شيء الرافضة لكثر ما فيه ..

التكملة في الحلقة القادمة 


 الشيعة في التاريخ ..

بقلم : عادل الزركاني

(الحلقة الثانية)

كما تقدم في الجزء الأول معرفة مفهوم الشيعة وسبب التسمية , وكمصطلح لغوي يقصد بها جماعة من المتعاونين على أمر واحد ، ويقال تشايع القوم إذا تعاونوا ، وربّما يطلق على مطلق التابع , وقد أستعمل الله تعالى هذا اللفظ في كتابه العزيز في قوله (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) [1]وقوله تعالى : (وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [2]ولم يقتصر استخدام توصيف الشيعة على أتباع الإمام علي A فقط بل ذكر المؤرخين كالمسعودي في كتابه (التنبيه والإشراف) وابن تغري بردي في كتابه (النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة) توصيف المطالبين بالثأر لعثمان بن عفان من الأمويين وأهل الشام، بأنهم (شيعة العثمانية) , ومؤيدو الدولة الأموية في عصر عبد الملك بن مروان، وفي أثناء الصراع مع عبد الله بن الزبير في مكة, بإسم (شيعة بني مروان)، ذكر ذلك ابن جرير الطبري في تاريخه , وفي العهد العباسي تسمية مناصري الثورة العباسية بإسم الشيعة أو شيعة العباسيين أو شيعة بني العباس, واستعمل الإمام الحسين A لفظ الشيعة في معركة كربلاء قال (يا شيعة آل أبي سفيان إن لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحرارا في دنياكم وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم أعرابا) [3]ومع الزمن ربط هذا الاصطلاح (الشيعة) بأنصار الإمام علي A ومؤيديه , يقول سعد الأشعري، صاحب كتاب (المقالات والفرق): (فأوّل الفرق الشيعيّة وهي فرقة عليِّ بن أبي طالب رضوان الله عليه المسمّون شيعة عليِّ في زمان الرسول وبعده معروفون بالانقطاع إليه والقول بإمامته، منهم المقداد، وسلمان المحمدي، وأبو ذر ,وعمار بن ياسر، وغيرهم ممن وافق مودّته مودّة علي بن أبي طالب، وهم أوَّل من سمّوا باسم التشيّع من هذه الأمّة) , ويقول الكلام ذاته معظم علماء ومؤرّخي الشيعة وكتّابهم , قال الشيخ المفيد (اتبعوا أمير المؤمنين صلوات الله عليه على سبيل الولاء والاعتقاد لإمامته بعد الرسول، بلا فصل ونفي لإمامته عمن تقدمه في مقام الخلافة وجعله في الاعتقاد متبوعًا لهم غير تابع) , وقال العلاّمة الشيخ محمد حسين كاشف الغطاءH: (إنَّ أوَّل من وضع بذرة التشيّع في حقل الإسلام هو صاحب الشريعة الإسلاميّة نفسه، يعني أنّ بذرة التشيّع وضعت مع بذرة الإسلام جنباً إلى جنب وسواءً بسواء) ويستدلّ على ذلك بما رُويَ عن النبي J في تفسير قوله تعالى:(أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) أنّه قال J مشيراً إلى علي A: (والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة).

   كانت وما تزال محاولات كُتَّاب التاريخ الذين أعتادوا على تزوير وتزييف التاريخ وتميّع الحقائق وخاصة مع أتباع أهل البيت D لأنهم يشكلون المعارضة دائما , الرأي الاول : قال بعضهم تاريخ التشيّع ظهر بعد وفاة الرسول J من قبل بعض أنصار الإمام علي A الذين اجتمعوا في بيت فاطمة h ، الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر وهم قوم من المهاجرين والأنصار ، ومالوا مع علي بن أبي طالب ، منهم العبّاس بن عبد المطلب ، والفضل بن العبّاس ، والزبير بن العوام وخالد بن سعيد والمقداد بن عمرو ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر والبراء بن عازب وأبي بن كعب ... 

 الرأي الثاني : يقول التشيّع وليد الفتنة التي وقعت في عهد عثمان ..

التكملة في الحلقة القادمة  



[1] _ القصص _ 15

[2] _ الصافات _ 84

[3] - بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٤٥ - الصفحة ٥١










 الشيعة في التاريخ ..

بقلم عادل الزركاني

(الحلقة الاولى..)

    في بداية المرحلة الأولى للإسلام كان هناك اتجاهين رئيسين ومختلفين , الاتجاه الاول يؤمن بالتعبد بالدين وتحكيمه والتسليم المطلق للنص الديني في كل جوانب الحياة , وفي قبال اتجاه الثاني لا يرى أن بالدين يتطلب منه التعبد إلا في نطاق خاص من العبادات والغيبيات، ويؤمن بإمكانية الاجتهاد وجواز التصرف على أساسه بالتغيير والتعديل في النص الديني وفقا للمصالح في غير ذلك النطاق من مجالات الحياة .

     الاتجاه الاول : هم الشيعة اتباع الإمام عليA ومنهجهم التعبد بحرفية النص الديني.

    الاتجاه الثاني : جزء كبير من الصحابة يميل إلى تقديم الاجتهاد في تقدير المصلحة، واستنتاجها من الظروف، وقد تحمل الرسول J من هذا الاتجاه المرارة في كثير من الحالات , وهناك شواهد كثيرة الاعتراض كصلح الحديبية واحتجاجه عليه ، والموقف من تأمير أسامة ابن زيد على الجيش وخرج النبي Jهو مريض فخطب الناس وقال: (يا أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة، ولئن طعنتم في تأميري أسامة لقد طعنتم في تأمير أبيه من قبل، وأيم الله إن كان لخليقا بالإمارة، وإن ابنه من لخليق بها)[1] وغيرها من الواقف , وقد أدى هذا الاختلاف بين الاتجاهين إلى انقسام عقائدي عقيب وفاة الرسول الكريم Jمباشرة , وكان الاتجاه الثاني قد سيطر على الحكم فاستطاع أن يستوعب أكثرية المسلمين، أقصي الاتجاه الثاني وهو الاقلية والعدد بسيط جدا هم اتباع الإمام A (الشيعة) ولهذه الحقيقة تشير الأحاديث المتواترة التي ذكرها غير واحد من المفسرين والمحدثين والمؤرخين نذكر منهم على سبيل المثال الكنجي : أبو عبد الله محمد بن يوسف بن محمد القرشي الكنجي الشافعي، عن جابر بن عبد الله ، قال : كنا عند النبي J ، فاقبل علي بن أبي طالب A فقال النبي J : قد أتاكم أخي , ثم التفت إلى الكعبة فضربها بيده ، ثم قال : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة ، ثم إنه أولكم إيمانا ، و أوفاكم بعهد الله ، وأقومكم بأمر الله ، وأعدلكم في الرعية ، وأقسمكم بالسوية ، وأعظمكم عند الله مزيّة , قال : ونزلت :﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾([2]) وقال ابن عساكر : أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله الشافعي ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كنا عند النبي J فأقبل عليA ، فقال ـ أي النبي ـ : والذي نفسي بيده إن هذا وشيعته لهم الفائزون يوم القيامة , فنزل قوله تعالى : ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ , وعن ابن حجر : أحمد بن حجر الهيثمي ، عن ابن عباس قال : لما أنزل الله تعالى :﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ ، قال رسول الله JلعليA : هم أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتي عدوّك غِضابا مقمحين , وعن الطبري : أبو جعفر محمد بن جرير الطبري ، ، عن محمد بن علي ، قال : لما نزلت الآية :﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [3] ، فقال رسول الله J: أنت يا علي وشيعتك , وعن السيوطي : جلال الدين بن أبي بكر ، عن علي ، قال : قال رسول الله J لي : ألم تسمع قول الله تعالى :﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ[4] ، أنت وشيعتك ، وموعدي و موعدك الحوض إذا جاءت الأمم للحساب تدعون غرّا محجلين ".إلى غيرها من المصادر الكثيرة التي ذكرت الألفاظ الدالة على أن النبي J هو الذي استعمل مصطلح " الشيعة " ومشتقاتها في الموالين لعلي A.

                                     التكملة في الحلقة القادمة .



[1] بحار الأنوار - العلامة المجلسي - ج ٢١ - الصفحة ٤١٠

[2] _ البينة - الآية 7

[3] البينة - الآية 7

[4] _ البينة - الآية 7