الثلاثاء، 24 يونيو 2025

 

الدين والمذهب لا يحدّه زمان ولا مكان..

التاريخ يُعيد نفسه، والمواقف تتكرّر، وما حدث في كربلاء لم يكن مجرد قصة من الماضي، بل درس خالد يتجدّد في كل زمان ومكان. يومها، وقف القلّة مع الإمام الحسين (عليه السلام) في معركة الحق ضد الباطل، بينما تخلّف الكثيرون، بعضهم من الصحابة، وبعضهم التزم الصمت، وآخرون كانوا ينتظرون سقوط الحسين ليبرّروا خذلانهم وضعفهم , اليوم، المعركة أكبر وأوضح، والعدو لم يعد بحاجة إلى تزييف الحقائق أو تبرير عدوانه، فالمواقف مكشوفة، والأقنعة ساقطة، وأدوات العدوان ظاهرة للعيان. وقد رسم القرآن الكريم الصورة الحقيقية حين قال:﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ﴾ لم يُفرّق بين مذهب وآخر، ولم يتحدث عن "شيعة" أو "روافض" كما يروج البعض، بل أشار إلى الإيمان كمنظومة جامعة، وكل من يتمسك بهذا الإيمان، أيّاً كان انتماؤه المذهبي، سيكون هدفاً لمشروع الاستكبار والعدوان.

والمؤلم اليوم أن بعض أبناء الأمة، ومن مختلف المدارس الإسلامية، بل حتى من أبناء المذهب أنفسهم ممن باعوا ضمائرهم، وسمحوا للجبن والانحراف بالسيطرة عليهم، باتوا أدوات رخيصة في يد المشروع الصهيوني، يُشاركون عملياً في استهداف أبناء جلدتهم ودينهم، بينما تتسابق أنظمة عربية نحو التطبيع والمهادنة مع إسرائيل، في تناقض صارخ مع تعاليم الدين، وأحكام القرآن، وقيم الإنسانية والأخلاق , القضية ليست مع اليهود كدين أو كأفراد، فاليهود يعيشون في دول عديدة، ومنها إيران، حيث يتمتعون بحقوقهم الكاملة، ولم يُمسّهم أحد بسوء. المشكلة الحقيقية مع المشروع الصهيوني الاستعماري، الذي يعادي الإسلام والإنسانية، ويؤمن بعقيدة التفوّق والهيمنة، ويسعى لإعادة رسم خارطة المنطقة وفقاً لمخططاته الدينية والسياسية.

الدين والمذهب، تماماً كالعائلة الواحدة، قد يسكن الأبناء في بيوت متفرّقة، لكن يجمعهم الدم، والولاء، والمصير المشترك. أما من يتنكّر لهذا الرابط، ويفرح باستهداف أبناء مذهبه وشعبه تحت شعارات وطنية زائفة، فهو جزء من مشروع الانحراف، مهما ادّعى من شعارات مضلّلة , كل الأحداث، من الحروب إلى المؤامرات والفتن الداخلية، كشفت بوضوح الدور الصهيوني المباشر، الذي لم يعد يقتصر على العدوان الخارجي، بل تسلّل إلى الداخل، يُحرّك أذرعه، ويبثّ الفتنة، ويزرع بذور الانقسام، ويشعل الصراعات، حتى تجد من يرفع شعار: "نسقط هذا النظام"، و"نحارب ذاك البلد"، في حالة هياج أشبه بالثور الذي تزعجه الألوان، دون وعي أو بصيرة , اليوم لم يعد العدو يُخفي نواياه، فنتنياهو يعلنها صراحة بأن "محور الشر" هو إيران، في إشارة واضحة لمحور المقاومة بأكمله، مستهدفاً الإسلام الأصيل، وكل من يرفع راية الحق، وليس إيران وحدها. وفي الوقت نفسه، يحاول تقديم إسرائيل للعالم كحمامة سلام، بينما دماء الفلسطينيين، واللبنانيين، والسوريين، وبقية شعوب الأمة، شاهدة على سجلّ القتل، والاغتيالات، والدمار المستمر منذ عقود _ معركتنا ليست مع مذهب أو قومية، بل مع مشروع صهيوني توسّعي، لا يُخفي أطماعه، ولا يتوقف عن زرع الفتن، وتمزيق الصفوف. وما لم ندرك هذه الحقيقة، وما لم نتوحّد على أساس العقيدة والموقف، سيبقى العدو يراهن على ثغراتنا، ويستغل خلافاتنا، لضرب وحدتنا، ووجودنا، ومستقبلنا.

عادل الزركاني


 "لا يطيق أهل الدناءة أن يروا الطيبين في مواضعهم الرفيعة، لذا يحاولون تلويث صورتهم، رغم علمهم العميق أنهم لا يبلغون طهرهم ولا يدركون مقامهم."


 

"كل إنسان مسؤول عن نفسه، عن أفعاله، عن كلماته، عن نواياه، أما ما يفسّره الآخرون ويظنّونه، فهذه مشكلتهم لا مشكلتك. لا أحد يستطيع أن يتحكّم في طريقة فهم الناس أو تأويلهم، لكن كلّ ما عليك هو أن تكون صادقًا مع نفسك وواضحًا في تصرفاتك."


الثلاثاء، 10 يونيو 2025

 

"وكأن المقبرة نافذةٌ تفتح للحظة على الحقيقة، ثم تُغلق سريعًا عندما يعود الإنسان إلى إيقاع حياته المعتاد، وكأن شيئًا لم يكن! رغم أن الأرض احتضنت أعزّ الناس، ورغم أن العيون اغرورقت بالدموع، إلا أن الزمن يمضي دون أن ينتظر أحدًا، والإنسان بطبيعته يتشبث بالحياة، حتى وهو يدرك نهايتها.

في ذلك حكمةٌ خفية؛ فلو ظل أثر الفقد حاضرًا بنفس قوته، لما استطاع المرء أن يكمل طريقه، ولعل النسيان نعمةٌ تحفظ للإنسان قدرته على الاستمرار. نعم، حالات النسيان تختلف، فهناك من لا يفارقهم الحزن، ويبقى يرافقهم العمر كله، وآخرون تتلاشى آثار الفقد لديهم سريعًا.

الموت درسٌ لا يمكن للصالحين تجاهله، لكنه لمن استسلم للغفلة يبدو وكأنه حدثٌ بعيدٌ لا يعنيه، حتى يحين دوره..."



 

"نحن نقرأ ونكتب بحثًا عن المعنى في الكلمات، وعن الفكر في العقول. المعرفة ليست مجرد تراكم معلومات متناثرة، بل تأملٌ في الرؤى التي تكوّن منها تاريخ الإنسان، وفلسفة وجوده، وما يتركه من أثر في الزمن.

نتنقل بين المعارف كما يتنقل المسافر بين المدن، نكتشف الأسئلة قبل أن نبلغ الإجابات، ونسعى لفهم كيف تلتقي الحكمة بالخيال، وكيف يصوغ الفكر مسارات الحياة.. نعم، الحقيقة ليست دائمًا واضحة، وتحتاج إلى من يتأملها دون تحيّز. وعلينا أن نُدرك قوة الكلمة؛ فهي قادرة على بناء عالم أو على هدمه. أما الماضي، فلا يموت، لكنه بالحاضر والمستقبل يُعاد بناء الإنسان."


السبت، 7 يونيو 2025

 

الانحراف الفكري، سواء كان أخلاقيًا أو دينيًا، ليس إلا انعكاسًا لاستلاب العقل وسط متاهات الجهل، حيث يتم استدراج الوعي إلى العبودية الفكرية ضمن منظومات تصنع الوهم بدلاً من الحقيقة. فالتحرر الحقيقي لا يكون برفض الهيمنة فقط، بل في إعادة تشكيل الوعي ليكون نابعًا من إدراك ذاتي عميق، بعيدًا عن التلاعب والإملاءات.

أما التنويم الإيحائي، فهو سلاح خفي يستخدم للهيمنة على العقول، مؤثرًا حتى على أصحاب الفكر والعلم، إذ يستغل اللاوعي والانفعالات ليعمّق الاستلاب دون أن يكون واضحًا, هل يمكن للعقل أن يتحصن ضد هذه الأدوات، أم أن الاستحمار أصبح قيدًا يصعب الفكاك منه..



الخميس، 5 يونيو 2025

 

الحقيقة اليوم، العالم المحافظ يواجه أعتى حربٍ على الأخلاق والقيم، وقذائف الإفساد والفساد تصل إلى كل مكانٍ دون استثناء، بينما نحن عاجزون عن إيصال ما نؤمن به إلى مواقعهم ومناطقهم. ولأسبابٍ عديدة، يصعب تناول هذه المسألة في مقالٍ واحد.

هذا الواقع يفرض تحديات غير مسبوقة على القيم والمبادئ التي حافظت عليها المجتمعات لقرون، حيث تبدو موجات التحلل الأخلاقي وكأنها تجتاح كل زاوية بلا استثناء، مدعومة بأدوات حديثة تجعل انتشارها واسعًا وسريعًا. غير أن العجز الحقيقي لا يكمن فقط في عدم القدرة على الوصول إلى تلك المساحات التي تنشر الفساد، بل أيضًا في افتقاد استراتيجيات فعالة لمواجهة هذا المدّ، وغياب الخطاب القوي والمؤثر في هذا الصراع الفكري. هناك حاجة ملحة لإعادة النظر في أساليب نشر القيم، بحيث لا يكون الأمر مجرد ردة فعل دفاعية، بل خطة متكاملة تُبنى على فهم عميق لما يحدث، وعلى استخدام الأدوات المناسبة لإيصال الصوت الأخلاقي بقوة إلى حيث يجب أن يكون.

وبنفس الأدوات، ولكن بأسلوب مختلف، وبدون ملل، فإنهم يتمتعون بشهرةٍ أكبر ودعمٍ أوسع. لكن الحل يكمن في العمل الدؤوب كما عمل الصالحون، الذين لم ينتظروا إلا النصر من الله. فإن تحقق الهدف، فهو نصرٌ، وإن لم يتحقق، فقد أدى الإنسان ما عليه من تكليف. إصلاح فرد أو منعه من الضياع له عند الله شأنٌ عظيم، وقد قيل: "وأيم الله لأن يهدي الله على يديك رجلًا، خير لك مما طلعت عليه الشمس."

على كل منا أن يكون سفيرًا للقيم في محيطه، مستخدمًا أدوات الإعلام الرقمي مثل صفحات الفيس بوك وغيرها لنشر الرسالة، خاصةً أن العالم الافتراضي أصبح ساحةً مفتوحةً تُرسم فيها توجهات مختلفة؛ بعضها يحمل رسالة معرفية وتواصلًا نقيًا، وبعضها الآخر يستغل الاحتياجات النفسية ليجذب الأفراد إلى دوائر من الابتذال والتشويه الأخلاقي.

الجانب الأخلاقي لهذه المسألة ليس مجرد نتيجة عرضية، بل هو جزءٌ من منظومة تهدف إلى إعادة تشكيل القيم، سواء عبر التطبيع مع سلوكيات معينة أو خلق تصورات جديدة عن الحرية والتفاعل الاجتماعي. البعض يبرر هذه الظاهرة كوسيلةٍ للتعبير وكسر القيود المجتمعية، لكن تأثيرها العميق يتجاوز ذلك ليصل إلى إعادة تشكيل الوعي بطرق قد تكون بعيدة عن المبادئ الأصيلة التي تحافظ على تماسك الفرد والمجتمع.


  الدين لو الوطن أولى ؟ ليس بين الدين والوطن صراع، بل الصراع الحقيقي في العقول الساذجة , فالدين أكبر من أن يُقاس بالمادة، لأنه عقيدة تتجاوز ...