فلسفة الدعاء والتوسل بأهل البيت (عليهم السلام). . .
✍️
الشيخ عادل الزركاني
📿 كثيرًا ما نُواجَه – بل نُتَّهَم – حين نرفع أيدينا وقلوبنا قائلين: يا
رسول الله... يا علي... يا زهراء... يا حسين... فينهال علينا السفهاء بالتكفير، ويصمونا
بالشرك، ويقولون: أنتم تعبدون غير الله! فأقولها لكم – وبملء اليقين – واللهِ ما
عبدنا غير الله طرفة عين، وما سجدنا إلا له، وما توجّهنا إلا إليه، ولكننا عرفنا
قدر أوليائه، وأدركنا مقام حججه، فطلبناهم شفعاء، وجعلناهم وسيلة، كما أمرنا ربّنا
في كتابه:﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ
الْوَسِيلَةَ﴾ نحن حين نقول: يا أبا الحسن، يا أمير المؤمنين، يا وجيهًا عند الله،
اشفع لنا عند الله، لسنا نقول إنك خالقٌ أو رازق، ولا إن الزهراء تُحيي أو تُميت،
بل نعتقد أن الخالق هو الله وحده لا شريك له، لا وسيط له في الخلق، ولا شبيه له في
الألوهية , ولكننا نقول: يا علي، لأنك باب من أبواب الله... يا فاطمة، لأنك سيدة
نساء العالمين... يا أبا عبد الله، لأنك ذبيح الله، وباب نجاةٍ لمن عرف قدرك , أيها
السائلون: لماذا التوسل؟ لماذا لا ندعو الله مباشرة؟ , أقول: الله لم يمنع الدعاء
المباشر، بل شجّع عليه، ولكن هو الذي أمر بالتوسل! , هو الذي فتح أبوابًا للوصول،
وسُبلاً للهداية، ووسائل للقبول، فما أنكرنا الدعاء لله، ولكننا علمنا أن له
أبوابًا وأهلًا , تقولون: “الله لم يقبل هذا التوسل”؟ دعونا نحن وربنا! , ونحن حين
ندعوه من خلال أوليائه، فإننا نستشعر القرب، ونوقن بالإجابة، ولو لم نوقن أن الله
يستجيب بهذا الطريق، لما طرقنا بابه بهذا المفتاح , أنتم، تقولون إن هؤلاء
"أموات لا ينفعون"! فما بالكم تذكرون أمواتكم وتزورون قبورهم وتطلبون
الرحمة لهم؟ , بل عندكم من يقول – كما قال ابن عبد الوهاب:"عصاي هذه خيرٌ من
محمد لأنه ميت"! فأيّ دين هذا؟ وأيّ فهم هذا؟ إذا كانوا لا ينفعون، فلماذا
ذُكروا في صلاتنا؟ , لماذا لا تُقبل الصلاة إلا بالصلاة على محمد وآل محمد؟ , أذكرتم
الملك أو الرئيس ليستجيب، وتركتم من أمر الله بولايتهم؟ أيّ عقل هذا؟ وأيّ خبث
خفيّ يتدثر باسم الدين وهو دين الأمويين لا دين محمد وآله؟ أما سمعتم حديث النبي
(صلى الله عليه وآله): "يا علي، لا يعرفك إلا الله وأنا، ولا يعرفني إلا الله
وأنت، ولا يعرف الله إلا أنا وأنت"؟ حديث عظيم، يدل على أن معرفة الله لا
تُنال بعقولنا القاصرة، بل من خلال أبواب عرّفنا الله بهم، وطرق أوصلنا إليهم , ومثلما
أرسلهم لهدايتنا، جعلهم أبوابًا للدعاء، ووسائل للقبول، كما أن الصلاة وسيلة،
والصيام وسيلة، كذلك أهل البيت وسيلة، بل الصلاة لا تُقبل من دون ذكرهم، ولا
يُتمّها الله بغير الصلاة عليهم , نحن لا نعبد أهل البيت، بل نُطيعهم كما نُطيع من
أمر الله بطاعته، ونعلم أنهم أبواب القرب، ومصابيح الهداية، وسفن النجاة، وهم مَن
قال عنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله): "إنّي تارك فيكم الثقلين، كتاب
الله وعترتي أهل بيتي، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبدًا".. تأمّلوا
لفظ النبي (ص) قال: "تارك فيكم"، أي أن العترة باقية فيكم، مستمرة، كما
أن القرآن باقٍ فيكم، باقٍ في حياتكم، في عقيدتكم، في عباداتكم، في دعائكم! ,نحن
ندعو الله بآيات كتابه، ونتوسل إليه بكلامه، أفَحلال أن ندعو الله بكتابه، وحرام
أن ندعوه بأهل بيت نبيّه؟ أفَيكون القرآن وسيلة، والعترة لا؟ أيُّ منطقٍ هذا؟
وأيُّ دينٍ هذا الذي يبتر الثقل الثاني؟ , أليس ذلك عنادًا، وتحجّرًا فكريًا،
وخروجًا عن نصٍّ صريحٍ نبويٍّ لا يختلف عليه اثنان؟ , إن مَن يمنع التوسل بالعترة
الطاهرة، مع إقراره بالتوسل بالقرآن، إنما يناقض نفسه، ويطعن في وصية رسول الله
(ص)، ويُطفئ النور الذي أبقاه النبي بيننا
أيها
الإخوة في الله...احذروا ممّن يجعل محبة أهل البيت تهمة، أو يسخر من التوسل بهم،
أو يقول: “هذا شرك”، أو “بدعة”، فإنما يمدّ يده بخيط الجاهلية، ويمشي على أثر بني
أميّة، الذين رأوا في أهل البيت خطرًا على عروشهم، فشوّهوا ذكرهم، وجعلوا المحب مشركًا،
والمُحبّ المتوسل مشبوهًا , ونحن نقولها بملء الفم، وبقلوب مطمئنة: يا علي، يا
فاطمة، يا حسن، يا حسين، يا وجوهًا عند الله... اشفعوا لنا عند الله , ولا تهمّنا
ألسنة الحاقدين، ولا نلتفت إلى صغائر الجاهلين، فالتوسل بكم طريق إلى الله، وهو من
أبواب رحمته.