الثلاثاء، 8 يوليو 2025

 

لماذا تُحارب مائدة الحسين؟

كلّما حلّ موسم ديني، كلّما ارتفعت رايات الحسين، كلّما سارت قوافل الزائرين... خرج علينا من يُنكر ويشتم ويُحقّر! نفس الصوت... نفس السؤال... نفس الأسطوانة المكرّرة: لماذا لا تُعطى هذه الأموال للفقراء؟!"لماذا لا تطوفون ببيوت الفقراء بدل الطواف ببيت الله؟!" الحج الحقيقي أن تطعموا الجياع، لا أن تمشوا إلى كربلاء! "لكن عجيبٌ أمرهم!

أين هم حين تُنفق الأموال على السفرات؟ , أين صوتهم حين تُصرف الملايين على السياحة، وعلى الكماليات، وعلى الحفلات؟ , لماذا فقط إذا رأوا مائدة في طريق الزائرين صاحوا: تبذير! , لماذا فقط إذا سمعوا طبّاخًا يطهو للزوار قالوا: هذا لا ينفع الفقراء! , تعالوا يا أحبة، تعالوا أشرح لكم كيف تُصنع هذه المائدة الحسينية العظيمة: ذاك الطفل الصغير، جمع في حصّالته خمسة آلاف... وتلك العجوز المسكينة، أعطت من راتبها خمسين ألفًا... وذاك العامل البسيط، وفّر من قوته مئة ألف دينار... وذلك الأب، جعل الطعام الذي كان في بيته، مؤدبة على طريق كربلاء! هذه الموائد لا تصنعها أموال الأغنياء فقط، بل تصنعها قلوب الفقراء! إنه تكافل... إنه تضامن... إنه حبّ الحسين الذي يوحّد القلوب ويكسر الحواجز! ووالله، لا يُطرد فقير، ولا يُهمَّش محتاج... بل الفقير في هذه المائدة في الصدارة، والمسكين أول من يُقدَّم له الطعام، والضيف له الكرامة قبل صاحب الدار...والخادم في هذه المواكب لا ينتظر أجرًا، بل يعتبرها كرامةً من الحسين أن يُخدم الزائر، لا منّة عليه! أين أنتم من هذا الفهم؟ أين أنتم من هذا النبل؟ أين أنتم من هذا العطاء الحسيني؟! يا من تعترض على مواكب الحسين... لو علمت أن مائدة الحسين لا تُقصي فقيرًا، ولا تهين محتاجًا، لركضت تمشي حافيًا تخدم فيها قبل أن تنتقدها! يا من تسخر من خدمة الأربعين... اذهب وتعلّم من ذاك الطفل، وتلك العجوز، وذاك الخادم، كيف يكون الحبّ حين يتجسّد فعلًا، لا شعارات! اللهم احشرنا مع الحسين وأصحاب الحسين، اللهم لا تحرمنا شرف الخدمة، ولا تمنعنا من مائدةٍ يجلس عليها الفقراء قبل الأغنياء، ويُذكر فيها اسمك يا الله، ويُبكى فيها على عبدك الحسين


الاثنين، 7 يوليو 2025

 

من قتل الحسين (عليه السلام)؟ كشف الشبهة وتثبيت الحقيقة..

بقلم : عادل الزركاني

في كلّ زمانٍ ومكان، كانت هناك محاولات دنيئة لإخفاء جريمة كربلاء، لتشويه الحقائق، ولزرع الشبهات في عقول الناس... ومن أقبح ما روّجه أعداء الحقيقة، تلك التهمة الباطلة التي يُردّدها بعض الجهّال، أو المغرضين، يقولون: شيعة الحسين هم من قتلوه، وهم أنفسهم يبكون عليه! و هذا من أعجب العجب؟! أليس هذا هو الكذب المفضوح الذي يُراد له أن يُصبح ثقافة؟! تعالوا نقف معًا أمام هذا الادّعاء الواهن، ونكشف زيفه، بالحجّة، وبالدليل، وبالتاريخ الذي لا يُزيّفه الحقد ولا يُحرّفه الجهل.. أيُّ عاقلٍ يقبل أن يقتل الإنسانُ من يحب، ثم يجلس يبكيه، ويُقيم له المجالس، ويُلطم صدره، ويندب اسمه صباحَ مساء؟! , وأيُّ منطقٍ يقبل أن شيعة الحسين، الذين بذلوا دماءهم، وأرواحهم، وأموالهم فداءً له، هم أنفسهم يقتلون إمامهم؟! بل مَن يقرأ التاريخ جيّدًا، يعلم أنّ الشيعة آنذاك كانوا قلّةً مطاردةً مضطهدةً في الكوفة وسائر الأمصار، يُلاحَقون، ويُعتقَلون، ويُقتَلون، على يد سلطة بني أمية وأعوانهم... أما الذي خرج بجيشه، وأحاط بالحسين، وأمر بقتله، وأرسل السهام على صدره الشريف، فهم جيش يزيد بن معاوية، والولاة الأمويّون، والقبائل الطامعة في الدنيا... ولكم الدليل القاطع وادعي لم يذكره احد من قبل  ... ثأر العباسيين وشعار "يا لثارات الحسين", هذا دليل تأريخي لا يُمكن إنكاره ولا تجاهله، وهو موقف الهاشميين ، أبناء عمومة الحسين (عليه السلام)، الذين أسقطوا الدولة الأموية بعد سنوات قليلة من الواقعة، في سنة 132 للهجرة , ماذا كان شعارهم الرئيسي؟ أهو شعار سياسي بحت؟ كلا... بل كان شعارًا عقائديًا واضحًا: "(يا لثارات الحسين") لقد رفعوه في وجه بني أمية، وعمّموه على كلّ بقاع الأرض، وأعلنوا أنّ ثورتهم انتقامٌ لدم الحسين المظلوم، لا طمعًا في حكم، ولا حقدًا شخصيًا، بل ثأرًا لعترة رسول الله، ودفاعًا عن المظلومية التي حاول الأمويّون طمسها... ولم يكتفِ العباسيون (الهاشمين) بإسقاط بني أمية، بل لاحقوهم في كل مدينة، وأباحوا دماءهم في دمشق، وفي العراق، وفي الحجاز، بل وصل انتقامهم إلى حدّ نبش قبور الأمويين، وإهانة رفاتهم، وإحراقها، وتذرية رمادها في الهواء، وهم يردّدون: هذا بدم الحسين، وهذا بدم زيد، وهذا بدم يحيى...وهذا استنتاج لا يقبل الشك , لو كان شيعة الحسين هم من قتلوه، كما يزعم البعض، فلماذا رفع أبناء عمومته شعار الثأر ضد بني أمية تحديدًا؟! ولماذا لم يُوجَّه السلاح إلى الشيعة أنفسهم؟! ولماذا كانت مدن الشيعة هي أوّل من احتضن ثورة "يا لثارات الحسين"؟! إنّ هذه الأكاذيب ، ليست إلّا امتدادًا لفكر بني أمية، الذين قتلوا الإمام، ثم حاولوا تزوير التأريخ، فخرج علينا اليوم مَن يردّد هذا التزوير بلسانٍ جديد.

الحسين (عليه السلام) قُتل مظلومًا، قتله جيش يزيد، وسلطة بني أمية، أما شيعته فقد: قاتلوا معه في كربلاء , وسقطوا شهداء بين يديه وخرجوا في ثوراتٍ متلاحقة بعدها، ثأرًا له , حافظوا على ذكره، وعلى مجالس عزائه، وعلى نهجه، وعلى دمه الذي بقي وسيبقى صرخةً في وجه الظالمين.

أيّها الشيعة ... إنّ دم الحسين (عليه السلام) ليس دمًا ضائعًا... ودموعكم عليه ليست عاطفةً عابرة، بل هي تجديدٌ للعهد، وبقاءٌ للثأر، وتأكيدٌ للولاء... فليُدرك الجميع، أنّ من يروّج الأكاذيب لتشويه الحسين، أو لتحريف مظلوميته، إنّما يردّد صوت يزيد ومعاوية، بثوبٍ جديد... وأنّ الموقف الصادق، هو أن نُحيي ذكر الحسين، ونكشف القتلة الحقيقيّين، ونُربّي الأجيال على الولاء، والصدق، والبراءة من أعداء محمدٍ وآل محمد...


 


فلسفة خلق أهل البيت (عليهم السلام): معرفة دقيقة خارج دائرة الغلوّ

بقلم: عادل الزركاني

حبّ أهل البيت (عليهم السلام) ليس عاطفةً عابرة، ولا علاقةً نابعةً من فراغ، بل هو أمرٌ إلهيٌّ جاء في صريح القرآن الكريم، قال تعالى: ﴿قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى﴾ [الشورى: 23]. والمودّةُ هنا ليست مجرّد لفظٍ عابر، بل تعبيرٌ عمليٌّ عن الحبّ، والالتزام، والارتباط الوثيق بقربى النبي (صلى الله عليه وآله)، أي بأهل بيته الأطهار (عليهم السلام). ومن يُعيب علينا محبّتهم، عليه أن يعتبَ أولاً على القرآن الكريم الذي أمر بتلك المودّة، وعلى الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي جسّدها قولاً وفعلاً.

إنّ السؤال الذي يُطرَح دائماً: كيف نُعبّر عن هذه المودّة عمليّاً؟ لا يكفي الادّعاء اللفظي، فالواقع يشهد للناس أو عليهم، فمن قدّم أعداءهم على أوليائهم، نقضَ المودّة، ومن حزن لحزنهم، وفرح لفرحهم، وسار على نهجهم، جسّد هذه المودّة بصدق. .. أما من يُثير الشبهات حول البكاء واللطم وإحياء الذكرى، فنقول له: المشكلة ليست فينا، بل في كتبكم التي نقلت أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بكى الحسين (عليه السلام) وهو لا يزال حيّاً، بعد أن أطلعه الله تعالى على ما سيجري عليه. أفهل بكى النبيُّ لغوًا أو عبثًا؟!

مدخل إلى فلسفة خلق أهل البيت (عليهم السلام) في هذا السياق، نفتح باباً من أبواب المعرفة العميقة في عقيدة أهل البيت (عليهم السلام)، يتجنّب البعضُ الخوضَ فيه خوفاً من أن يُساء فهمه أو يُتّهم بالغلوّ، مع أنّ هذا البُعد إذا ما طُرح وفق الضوابط القرآنية والروايات المعتبرة، يُصبح نافذةً عظيمةً لفهم أسرار الخلق والتكوين.

أولاً: أهل البيت (عليهم السلام)... خَلقٌ كريمٌ مخصوص _ هم مخلوقون، لا يُقال عنهم إنهم آلهة أو شركاء لله تعالى، بل هم عبادٌ مُكرَّمون، خُلِقوا بنورٍ مخصوص، وتخطيطٍ إلهيٍّ خاص، سبق خلق آدم (عليه السلام) بآلاف السنين، كما دلّت على ذلك الروايات المعتبرة، منها ما رواه الفريقان بألفاظٍ مختلفة، عن النبي (صلى الله عليه وآله):"خُلِقتُ أنا وعليّ من نورٍ واحدٍ قبل أن يُخلَقَ آدم بألفي عام"_ هذا النور لا يخرجهم عن حدود المخلوقية، لكنه يبيّن شرفهم ومكانتهم التكوينية الخاصة.

ثانياً: فاطمة الزهراء (عليها السلام)... تجلّي النبوة والإمامة_ فاطمة الزهراء (عليها السلام) ليست مجرّد ابنة نبي، بل هي تجلٍّ لنور النبوة والإمامة معاً، وبنورها المقدّس تفرّعت الإمامة في ذريّة الحسن والحسين (عليهما السلام)، وبها اكتملت سلسلة الإمامة والولاية.

وهذا ليس غلواً، بل تجسيدٌ لعظمة موقعها، كما قال النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله):فاطمة بهجة قلبي، وسيدة نساء العالمين، وذريّتها هم الأئمة الأطهار".

ثالثاً: التركيب النوراني لأصحاب الكساء (عليهم السلام):اجتمع النور الإلهيّ في أصحاب الكساء الخمسة: النبيّ، علي، فاطمة، الحسن، الحسين (عليهم السلام)، ولم يكن هذا الاجتماع مصادفةً تاريخية، بل جزءاً من تخطيطٍ سماويٍّ دقيق.واستمرّ هذا النور في الإمام السجاد (عليه السلام)، الذي اجتمع فيه نور النبوة، ونور الإمامة، ونور الزهراء، ثم انتقل إلى الإمام الباقر (عليه السلام)، الذي هو ثمرة امتزاج النور الحسني والحسيني، حيث والدته فاطمة بنت الإمام الحسن، ووالده الإمام السجاد ابن الحسين (عليهم السلام).

رابعاً: الحسن السبط (عليه السلام)... جدّ الأئمة إلى الإمام المهدي (عجل الله فرجه الشريف) امتزاج النور الحسني والحسيني في الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ليس مجرد مسألة نسبية، بل له دلالة فلسفية عميقة على وحدة النهج، وتكامل المقامات، وهو إشارة واضحة إلى أنّ مشروع الإمامة ليس بُعداً فردياً لشخصٍ معيّن، بل هو مشروعٌ تكوينيٌّ متكامل، يجمع بين نور النبوة والإمامة، ويُجسّد وحدة الهدف والرسالة السماوية.

خامساً: معرفة دقيقة، لا غلوّ فيها: من يجهل دقائق هذا التخطيط الإلهي قد يتوهّم أن بيان هذه المعاني ضربٌ من الغلوّ، بينما هي في الحقيقة جزءٌ من المعرفة العميقة لمن تأمّل نصوص القرآن الكريم، والروايات المعتبرة في كتب الفريقين، ومنها: حديث النور الواحد. وحديث الكساء. وحديث أنّ الأئمة من ذرّية فاطمة (عليها السلام) وحديث أنّ الله خلق الخلق لأجل محمد وآل محمد (صلوات الله عليهم).

إنّ هذه الفلسفة الإلهية ليست فكرة طارئة، بل هي جزءٌ أصيلٌ من عمق الفكر الإماميّ، الذي يرى أنّ نظام الوجود قائمٌ بنور محمد وآل محمد (عليهم السلام)، وأنّ معرفتهم بهذا المستوى ليست مبالغةً ولا غلواً، بل إدراكٌ لمستوياتٍ رفيعةٍ من معرفة الحقيقة، وسُبُل فهم الخلق الإلهيّ، وغاية وجود الإنسان.

السبت، 5 يوليو 2025

 

أيّها المؤمنون , يا أحرار الدنيا: يا من خُلِقتم لتكونوا مع الحق حيثُ كان، وضد الباطل حيثُ كان , تعالوا اليوم نُسلّط الضوء على مشهدٍ هو أقسى ما رأت عيون البشرية، وأصدق ما فضح وجه الباطل القبيح... مشهد الطفل الرضيع، عبد الله بن الحسين، عليه السلام، يوم العاشر من محرم ، ليس الحديث عن معركة سيوف، ولا عن صراع سياسي، ولا عن خصومة قبائل، بل عن طفلٍ رضيعٍ خرج به سيد الشهداء، حاملًا إيّاه بين يديه، ناطقًا بلغة الإنسان، بلغة الضمير، بلغة لم يعرفها القوم يومذاك ولا يعرفها الحاقدون إلى يومنا هذا , خرج الحسين يحمل طفله الرضيع، ليس بيده سيف، ولا راية، بل بريق عطش، بأنين يُمزّق قلب الحجر، يقول للقوم:إن كنتم تزعمون أن لا ذنب لنا، ولا ذنب لهذا الرضيع، فاسقوه جرعة ماء..." لكن الحقد، حين يعمي البصر والبصيرة، لا يفرّق بين رجل وطفل، بين مقاتل ورضيع، بين العاقل والمجنون , جاء سهمُ الحقد، سهمٌ ثلاثي الشُعب، مزّق رقبة الطفل، ففاض الدم الطاهر، ورمى به الحسين نحو السماء، فلم تقع منه قطرة واحدة على الأرض! أتعلمون لماذا؟ لأن الأرض لم تعد تستحق أن تحتضن هذا الدم الطاهر... لأن السماء وحدها بقيت مأمنًا لدماء أبناء الحسين... لأن يد الغيب كانت حاضرة، شاهدة، لتُري العالم أن معركة كربلاء ليست معركة أرضية، بل قضية إلهية، فيها امتحان البشرية جمعاء , واليوم، بعد ألف وأربعمائة عام، يخرج علينا من لا خجل لهم، من استعبدهم الحقد، من جعلوا عقولهم رهينة التضليل والجهل، يخرجون ليقولوا: الحسين قتله شيعته! فيا للعجب...!

أيُقتل الحسين بيد شيعته وهم يُقطعون بين يديه؟

أيُقتل الحسين وشيعته يموتون عطاشى في سبيله؟

أيُقتل الحسين بيد من تركوا أموالهم، وديارهم، وأعزّ ما يملكون، ليقفوا بين يديه ويُفدوه بأرواحهم؟ لا... والله... الحسين قتله أصحاب السهام المسمومة بالحقد الأموي، قتله أبناء الطغيان، قتله من حاربوا جده عليًا، وقتلوا أمه فاطمة، وسمّموا أخاه الحسن، ثم أتوا ليُكملوا السلسلة السوداء في كربلاء , وأنتم اليوم، يا من ترددون أكذوبة قتله شيعته، تظنون أنكم تُغلقون أبواب الحقيقة، ولكن هيهات...! تاريخ الحسين مكتوبٌ بدماء الأبرياء، بدماء الطفل الرضيع، بدماء السجاد المريض، بدموع زينب الصابرة... ولن تستطيعوا حجب الشمس بغربال كلماتكم الفارغة، ولا بسهام حقدكم المسمومة. الحسين باقٍ... دم الرضيع باقٍ... والعار سيلاحق القتلة وأصحاب التزييف، إلى يوم


.

 

**الحسين (عليه السلام) ليس تنظيماً إنسانياً، ولا عادةً موسميةً يفعلها الناس كل عام، ولا وسيلةً لتحقيق مصالح سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية. الحسين أبعد من كل هذه الأطر الأرضية الضيّقة، وكلّ السياسات، والدول، وأصحاب المصالح المادية، هم في حقيقتهم خصومٌ للحسين، وعداءهم لهذا النهج السماوي مستمرّ منذ أكثر من ألف عام.

منذ ذلك الحين، القتل، والصلب، والتهجير، والتنكيل، والتهم، تُكال على من يبكي الحسين ويقيم العزاء، وتُلصق بأتباع أهل البيت (عليهم السلام)، بينما الحقيقة كلّها تكشف أن هذه التهم وأمراضها فيهم هم، لا في الموالين الصادقين. ومع ذلك، لم يتغيّر شيء، بل زاد كل شيء علوّاً ووضوحاً؛ فالموكب صار العراق كله موكب ، والزائرون للحسين تجاوزوا العشرين مليوناً، وهذا وحده شاهد سماويّ لا يُخطئه العاقل، أنّ الحسين حالة سماوية خالصة، لا تنتمي لهذا التراب , كما قالت زينب (عليها السلام) في حديثها مع الإمام السجاد (عليه السلام) يوم الطفّ: سينصب بهذا الطفّ علمٌ، كلّما اجتهد أئمة الجور على محو أثره، فلا يزداد إلّا علواً وارتفاعاً".. هذا علمٌ من عند الله، الحسين خليفة رسول الله، والله أرسله إلى الموت، فانتصَر عليه، لأنّ حكمة الله وعلمه لا تُحيط بها عقول البشر. ومهما قالوا، وفعلوا، وقتلوا، ستبقى هذه القضية، وهذه المسيرة، مستمرّة، وكلّما اجتهد المدّعون، والمشكّكون، والمتزلّفون، والخائفون، والخانعون، وأعداء القضية، وأعداء الإسلام، في تشويهها أو التدليس عليها، فلا تزداد إلّا علواً وارتفاعاً في قلوب الصادقين.

سيبقى طرف الحقّ الحسيني في مسيرته، وسيبقى الآخرون في مسيرتهم، والتاريخ سيُسجّل لمن النصر. وهذا ما قرّرته السيدة زينب (عليها السلام) بجرأتها النورانية أمام الظلمة وفي قصورهم، حين قال لها ابن زياد: "كيف رأيتِ فعلَ اللهِ بأهلِ بيتك؟"، فقالت: "ما رأيتُ إلّا جميلاً، هؤلاء قومٌ كتب الله عليهم القتل، فبرزوا إلى مضاجعهم، وسيجمع الله بينك وبينهم فتُحاجّون إليه وتختصمون عنده، فانظر لمن الفلج يومئذٍ، ثكلتك أمك يا ابن مرجانة!"...أما نحن، أتباع هذا النهج، وعلى اختلاف مستوياتنا المعرفية، لا ننساق خلف من يحاول النيل من هذه القضية بحجّة النقد أو التساؤل أو التشكيك، وكأنّه الأعلم والأفقه ، وكأنّ لديه علوم الأوّلين والآخرين. لسنا بحاجة إلى القسوة والعداء في الطرح، بل هناك طرق كثيرة للإصلاح، وأسلوب "إيّاكِ أعني واسمعي يا جارة" أبلغ وأحكم من النقد المباشر الذي لا يولد إلّا العناد، ويجعل الطرف الآخر يتوهّم أنّه حامل النور وحده، والوحيد الذي يمتلك المعرفة المطلقة، بينما الآخرون أعداء لهذا العلم، فيتحوّل الحوار إلى أزمة نفسية تنفجر في كل مناسبة، وتصبح القضية أداة صراع لا أكثر , نحن نناقش، نتابع، نتحفّظ، نحترم، لكن لا نقطع بالقول، ولا نتجرّأ على ما لا نحيط به علماً. فالحسين (عليه السلام) أكبر من أن يُختزل في رؤى ضيّقة، أو أهواء شخصية، أو صراعات ظرفية. الحسين قضية السماء، والحقّ، والإنسان، وستبقى كذلك، رغم أنوف أعدائه، وفي قلوب محبّيه.


الجمعة، 4 يوليو 2025

 

الدين والثقافة :

 هناك عدوٌ وهميٌّ، يُرَوَّج له بين حين وآخر، عدوٌّ لا وجود له في الواقع إلا في أذهان بعض المتوهمين، وهو العداء بين الدين والثقافة، أو بين المتدينين وأهل الفكر. وبحكم قربي من الأوساط الدينية والعلمية، لم أرَ ولم أسمع قط أن هناك موقفًا عدائيًا من الدين تجاه المثقف الحقيقي أو المفكّر الصادق، بل العكس تمامًا، هناك تقدير عميق واحترام راسخ لكل من يحمل فكرًا ناضجًا، أو يُسهم في صناعة وعي المجتمع، سواء كان هذا المثقف أديبًا، شاعرًا، كاتبًا، أو مفكّرًا حرًا.

الغريب، أن كل هذه الاتهامات بوجود صراع أو قطيعة بين الدين والفكر، أو بين المتدينين والثقافة، لا أسمعها في أوساط العلماء، ولا أقرأها بين المثقفين الحقيقيين، بل أجدها تتردد وتُكرّر في فضاءات أخرى، غالبًا من أولئك الذين لم يقتربوا يومًا من عمق الدين ولا من جوهر الثقافة، بل اكتفوا بترديد شعارات مستهلكة، وبناء أوهام يُحاربونها وحدهم , المجتمع الذي يُبجّل العلماء، ويحترم المفكرين، ويُقدّر الكلمة الصادقة، لا يمكن أن يكون مجتمعًا معاديًا للثقافة، بل ربما الإشكال الحقيقي ليس في وجود العداء، بل في اختراع معركة وهمية تُغذّيها بعض العقول المتحجرة أو الأقلام المأجورة، بينما الواقع مختلف تمامًا، حيث تجد عالم الدين الحقيقي يُنصت للمثقف النزيه، ويجد المفكّر الشريف في الدين عمقًا للفكر الإنساني، لا خصمًا له , نحن لا نُخدع بهذا العدو الوهمي، ولا نقبل أن يُشوّه وجه الدين أو الفكر باسم صراع غير موجود، فمن أراد أن يحمل راية الفكر والثقافة بصدق، فالميدان مفتوح، والاحترام محفوظ، بشرط أن يتحلّى بالصدق، لا أن يعيش في وهم معارك لا وجود لها.

عادل الزركاني

الخميس، 3 يوليو 2025

 زينب الجبل الصبر..

إذا أراد الكاتب أن يكتب عن زينب (عليها السلام)، فعليه أن يتوضّأ أولًا، ويتهيّأ لحيرة الكلمات... فبماذا يكتب؟ أيتحدّث عن صبرها الذي حيّر الصبر نفسه؟ أم عن جهادها الذي لقّن الأبطال دروسًا في الثبات؟ وأيُّ امرأةٍ في التاريخ، يُقتل إخوتُها وأولادُها أمام عينيها، ثم تقف كالجبل الشامخ، في وجه أراذل الأمّة، تخطب وتُعلّم الدنيا بأسرها؟! ثم تقول بكلّ ثقة وإيمان: سيُنصب بهذا الطفّ علم، كلّما اجتهد أئمّةُ الجور على محو أثره، فلا يزداد إلّا علوًّا وارتفاعًا."

من أين جاءها هذا العلم؟! من أين لها هذا اليقين؟ من أين لها أن تقرأ المستقبل بهذه البصيرة، وهذه الحكمة؟ أيتناول الكاتب مواقفها؟ أم دينها؟ أم أخلاقها وعفّتها؟ وهي التي لم تنطق إلّا بالقرآن، ولم تعبّر إلّا بلُغة نبوية، علوية، فاطمية، لا تعرف إلّا الطهر، ولا تقول إلّا الحقّ.. نعم، كلّ هذه المعاني تخجل أمام زينب، لأنّه ما من امرأة في هذا الكون اجتمعت فيها القيم بهذا الكمال، وبهذه الصورة العظيمة... بل لعلّ الصبر نفسه وُلد من قلب زينب، وكلّ القيم انبثقت من ذاتها، فهي لم تتعلّمها نظريًّا، بل خُلقت بها، وجاءت إلى الدنيا كتلة من الكمال الإنساني، هبطت من السماء في هيئة امرأة، لتُعلّم الرجال والنساء معاني الصبر والعفّة والشرف... لا بالقول، بل بالفعل، لا بالنظريات، بل بالمواقف التي خُلّدت في صفحات التاريخ والخلود.


الأربعاء، 2 يوليو 2025

 التناقض الداخلي..

العداء الخفي المتراكم تجاه الدين كمنظومة اجتماعية أكثر منه كقناعة فردية خاصة من شريحة "المثقفين" أو دعاة التحرر، لا يعادون الدين من حيث الجوهر العقائدي، بل يعادون ما يرونه "احتكارًا اجتماعيًا" للفضاء العام من قِبل المتدينين، خصوصًا في موسم عاشوراء وشهر رمضان، حيث يتحول الشارع والإعلام والطقس العام إلى حالة دينية صاخبة تُقيّد مساحة التعبير "المدني" أو "الثقافي" غير الديني، في نظرهم، والإشكال مع الرموز والسلوكيات أكثر من العقيدة ذاتها المنتقد لا يُهاجم الإمام الحسين (عليه السلام) أو جوهر عاشوراء، بل يسلّط الضوء على ما يعتبره مظاهر مبالغ فيها، أو تصرفات عشوائية من أفراد ينتمون للخط الديني، ثم يُعمّم ذلك ليطعن بالمجتمع المتدين ككل. وهنا مكمن الخلل والمنطق المقلوب؛ إذ يُحاكم المذهب بناءً على أفعال طائشة لأفراد، بينما يغض الطرف عن ملايين المتدينين الذين يتعاملون مع هذه الشعائر بروح حضارية وإنسانية راقية.
الثارات المذهبية العميقة تسكن اللاوعي الجمعي حتى لدى من يدّعي الحياد أو الثقافة وبعض ممن يُحسبون على التيار المدني أو الثقافي الشيعي أنفسهم يحملون في أعماقهم رفضًا دفينًا للهوية الدينية الطاغية، ربما لأسباب نفسية أو اجتماعية أو بسبب صدمات تربوية مع البيئة المتدينة، فتخرج هذه المشاعر سلبية ومشحونة مع كل موسم ديني، وكأنها استعادة لحلقات صراع تاريخي لم يُحسم بعد , في بيئة مثل العراق أو المجتمعات الشيعية عامة، لا يمكن فصل الدين عن الهوية الجمعية، لذلك، الصراع هنا ليس صراع فكر فقط، بل صراع وجود وهُوية، فيُصبح موسم عاشوراء أو شهر رمضان اختبارًا لهوية الناس، ومن يُخالف هذا الجو العام يشعر بالاغتراب، فينفجر بالنقد، وربما بالسخرية، ليُثبت استقلاليته أو تمرّده , وما يحدث ليس مجرد انتقادات سطحية، بل انعكاس لصراع هُويات متراكب؛ بين الدين كمقدس اجتماعي، والمدنية كمشروع فردي، بين التاريخ العاطفي للمذهب الشيعي، والرغبة في الانعتاق من قيود التقليد الجمعي، بين من يرى الحسين رمزًا إنسانيًا خالدًا، ومن يراه جزءًا من صراع تاريخي تجاوزه الزمن , وهنا أعداء المذهب الواضحين مذهبياً، فخصومتهم مفهومة ومباشرة، لكن الإشكال الأخطر هو هذا التناقض الداخلي عند أبناء المذهب أنفسهم الذين يقفون في منتصف الطريق، لا هم يُجاهرون بعداوتهم، ولا يُنصفون الحقائق… بل يُمارسون جلد الذات بطريقة مشوهة في كل موسم ديني