الأحد، 13 يوليو 2025

الكرم بين الفضيلة والتوحّش. . .

الشيخ عادل الزركاني

الكرم، بلا شك، صفة جميلة وممدوحة، وهو من الأخلاق التي تحبّها النفوس وتقدّرها المجتمعات ’ لكن حين يتحوّل الكرم إلى مشهدٍ يخالف الذوق، وينحدر عن رُقيّ الطبع الإنساني، يفقد الكثير من بهائه ويقترب من صور الافتراس! ’ كم من مأدبةٍ بُنيت على نية الإكرام، فإذا بها تتحول إلى مشهد فوضوي، تُذبح فيها الشهية قبل أن تُلامس اللقمة، ويُجرَح فيها الذوق قبل أن يُخدش الجوع , حين ترى عددًا من الرجال يتزاحمون حول خروفٍ مذبوح، وُضع كاملًا على صحن كبير، أو حول جزور بتمامه، ينهشون منه دون ترتيب أو احترام، فإن الصورة أقرب إلى تجمّع للسباع حول فريسة، أو ذئاب تقتسم الغنيمة، منها إلى صورة الكرم الجميل , الكرم لا يعني ملء الموائد فحسب، بل يشمل أيضًا طريقة التقديم، وهدوء التناول، واحترام الحاضرين بعضهم لبعض , فالطعام ليس فقط ما يُؤكل، بل أيضًا ما يُقدَّم بذوق، ويُؤكل بأدب، ويُشارك فيه الآخرون بطمأنينة نفس، لا بزحام الأيدي ونهم الأبصار , الكرم فضيلة، لكنه يفقد نوره إذا غابت عنه الأناقة الإنسانية، وتحول إلى بهرج بصري أو فوضى بدائية , فلا تجعلوا موائدكم مسارح للغريزة، بل مجالس للبركة، والتهذيب، والمودّة.


 

بين الشعار والواقع مسافة الأمل..

الشيخ عادل الزركاني

كثيرًا ما يُتَّهم أصحاب الشعارات، أو الكلمات الإيجابية والإصلاحية، بأنهم يبيعون الوهم أو يتهرّبون من مواجهة الحقيقة، لكن الواقع أن هؤلاء يسيرون في طريقها، ويحاولون الوصول إليها وسط دربٍ وعرٍ وشاقّ. فالحقيقة نفسها أعقد من أن تُختصر بوقائع اليوم أو معطيات اللحظة، إن الشعارات، وإن لم تكن دائمًا انعكاسًا مباشرًا للواقع، إلا أنها تُمثّل ما هو أعمق: الأمل الذي نتمسّك به، والطموح الذي نرغب أن نصير إليه. ليست كل الشعارات كاذبة، وليست المقالات التربوية أو الإصلاحية مجرّد ترف فكري، أو كلامًا لا يُطبّقه قائله. فالتربية كلمات، والإرشاد توعية، والرسالات السماوية نفسها حكمٌ ومواعظ، وإن لم تُطبَّق في كل زمان ومكان، وهي – أي الرسالات – الحقيقة التي لا تصل إليها حقيقة بشرية أخرى، نعم، ليست كل الحقائق الإنسانية عادلة، بل إن الشعارات في كثير من الأحيان هي ما يُبقي الإنسان واقفًا في وجه الانكسار، هي خارطة الحلم في زمن الانهيار، وهي البوصلة التي تشير إلى ما ينبغي أن يكون، لا ما هو كائن.

الشعارات قد لا تكون الحقيقة، لكنها قد تكون الأمل، أو الطموح الذي يُضيء الطريق نحوها , الفرق بين الواعين وغيرهم، أن الواعين يدركون الفارق بين التمنّي والعمل، بين الحلم والواقع، ويعلمون أن كل حقيقة كبرى بدأت يومًا بشعارٍ صادق، تَبنّاه أصحاب عزيمة لا تُهزم.


 

السبت، 12 يوليو 2025

نقد منهجي للرواية الحديثية في المدرسة السنية

الشيخ عادل الزركاني

في هذا البحث المختصر، نسعى إلى تقديم قراءة نقدية منهجية للرواية الحديثية في المدرسة السنية، وذلك من خلال تفكيكها على عدّة مستويات: تاريخية، وروائية، ومنهجية، وبمقاربة موضوعية تسعى للإنصاف، لا للطعن ولا التسقيط، بل للفهم والتقييم على أسس معرفية ومنهجية. كما سنقارن ذلك بمنهج أهل البيت (عليهم السلام) في التعامل مع الرواية، من حيث مصادر التلقّي، وآليات التوثيق، ومعايير القَبول والرد.

أولًا: هل الأحاديث السنية ذات أسانيد متصلة إلى النبي (ص)؟ من حيث المنهج الظاهري، نعم، فإن غالبية الأحاديث في الصحاح السنية (كالبخاري ومسلم) تُروى بأسانيد تُعتبر متصلة إلى النبي (ص). غير أن هذا الاتصال لا يكفي لإثبات الصحة الواقعية؛ إذ إنّ صحة السند ليست مساوية لصحة المضمون والمتن , فثمة عوامل مؤثرة لا يمكن تجاوزها، منها: عدالة الرواة، وهي محل جدل واسع، خاصة لدى من ارتبطوا ببلاط السلطة الأموية أو ممن عُرفوا ببغضهم لأهل البيت (عليهم السلام) سلامة المتن من الشذوذ أو مخالفته للقرآن أو السنة الثابتة , الظروف السياسية التي أحاطت بالرواية ونقلت عبرها.

ثانيًا: كتابة الحديث والمنع المبكر : ثبت تاريخيًا ـ وبالاعتماد على روايات صحيحة عند أهل السنة أنفسهم ـ أن النبي (ص) نهى عن كتابة الحديث في بداية الإسلام، فقد ورد في صحيح مسلم: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه", واستمر هذا المنع في عهد الخليفتين الأول والثاني، خوفًا – كما يُقال – من اختلاط الحديث بالقرآن، أو ربما لأسباب سياسية تتعلق بتضخم النصوص المعارضة. ولم يُرفع هذا الحظر إلا في عهد عمر بن عبد العزيز (توفي 101هـ) الذي أمر بتدوين الحديث خشية ضياعه , لكن الفترة الواقعة بين وفاة النبي (ص) سنة 11 هـ، إلى بداية القرن الثاني الهجري، شهدت فراغًا حديثيًا كبيرًا، كانت الرواية خلالها شفهية، وهي بطبيعتها عرضة: للنسيان، والتحريف، والتسييس، والوضع المقصود لخدمة أغراض معينة , لقد اعتمد المحدثون على روايات منقولة شفاهة مثل روايات أبي هريرة، الذي رُوي عنه آلاف الأحاديث رغم أنه لم يصحب النبي (ص) إلا قرابة ثلاث سنوات، فكيف له أن يروي ما يناهز ستة آلاف حديث؟ بل أكثر من مجموع ما روي عن الخلفاء الأربعة مجتمعين؟ هذا يطرح تساؤلًا جديًا عن منهجية النقل والضبط , ونجد أن بعض الروايات صُنعت لدواعٍ دعائية؛ كما في الرواية التي تنسب إلى النبي (ص) أنه قال: "من أكل بصل عكة زار مكة". من المعلوم أن هذه الرواية رُتّبت ترويجًا لبائع بصل، كما يفعل بعض مشاهير اليوم في الإعلان لمنتجٍ رديء! , فلو أمعنا النظر بموضوعية، بعيدًا عن المذهبية، وطبقنا منهج النقد العلمي والرجالي، لتبيّن أن كثيرًا من الأحاديث الواردة في الصحاح تعاني إشكالات منهجية. فمثلًا، البخاري انتقى 7275 حديثًا من أصل 600,000 حديث، فأين ذهبت بقية هذه الأحاديث؟ ومن كتبها؟ ومن قال بأن ما اختاره البخاري هو وحده الصحيح سندًا ومتنًا؟ , الفجوة الزمنية بين النبي (ص) وتدوين الحديث الرسمي تتجاوز 90 سنة، أي أن التواتر المزعوم هو تواتر انقطاعي، وإذا كان عمر الراوي يجب أن يمتد قرابة 150 سنة ليعاصر هذا التسلسل، فإن ذلك غير منطقي، بل ولا واقعي، خاصة مع ضعف الذاكرة البشري، واحتمال النسيان، أو الدخول في مراحل الخرف والزهايمر في الكِبَر!

ثالثًا: هل لعبت الدولة الأموية دورًا في صناعة الحديث؟ نعم، وبلا شك تاريخي، فإن السلطة الأموية مارست توجيهًا ممنهجًا لصناعة الحديث، من خلال: تشجيع وضع فضائل للخلفاء الثلاثة الأوائل، وخصوصًا أبي بكر وعمر، ولو على حساب الحقيقة التاريخية , معاوية بن أبي سفيان أمر بوضع فضائل لعثمان، في مقابل التحريض على الإمام علي (ع)، كما أشار ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة , استُخدم رواة مثل: سمرة بن جندب، ومروان بن الحكم، وكعب الأحبار (الذي أدخل الإسرائيليات إلى التراث الإسلامي)، رغم أنهم معروفون بوضع الحديث , هذا التسييس أفرز روايات تخدم المشروع السياسي، وتشوّه صورة أهل البيت (ع)، أو تُعلي من شأن خصومهم التاريخيين.

رابعًا: التحيّز المذهبي في قبول الرواة: من الملاحظ أن المدرسة السنية غالبًا ما تُجرّح الرواة الشيعة، خاصة إذا أبدوا ولاءً واضحًا لأهل البيت (ع)، فيُتّهمون بالرفض والغلو، ويُضعّفون تلقائيًا، كما حصل مع: زرارة بن أعين ومحمد بن مسلم ,وأبو بصير وهم من كبار الرواة في مدرسة أهل البيت (ع). في المقابل، تم توثيق رواة نصّابين أو نواصب مثل: عكرمة مولى ابن عباس وعمران بن حطان (مادح قاتل الإمام علي!) سمرة بن جندب، الذي وضع رواية أن آية: "ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا..." نزلت في علي (ع)! , هذه الأمثلة توضح أن منهج الجرح والتعديل عند بعضهم كان مسيّسًا ومتحيّزًا، مما أثر على مصداقية البناء السندي الظاهري.

خامسًا: النتائج والخلاصة: نعم، السند الظاهري المتصل موجود، لكنه لا يكفي وحده للحكم على صحة الرواية , المنع المبكر من التدوين ولّد فراغًا سمح بالتلاعب والوضع , والدولة الأموية لعبت دورًا حاسمًا في توجيه الرواية وفلترة الموالين لأهل البيت (ع) , والتحيّز المذهبي والسياسي أثّر بوضوح في اعتماد الرواة وتصنيفهم , منهج أهل البيت (عليهم السلام) في الرواية يعتمد على النقل المتسلسل المعنعن عن إمامٍ عن إمام، ضمن دائرة العصمة والمعرفة الإلهية، مع عرض كل رواية على القرآن الكريم، فما خالفه يُطرح، وهذه قاعدة منهجية أصيلة , وبالتالي، فإن القول بأن ما في الصحاح السنية قطعي الثبوت والدلالة غير دقيق، بل هو مخالف للعقل والمنطق والتاريخ، بينما تحفظ مدرسة أهل البيت (ع) للحديث توازنًا معرفيًا وروحيًا، يقوم على الثقة بالإمام المعصوم كميزان للصدق والدين، لا على الظواهر الشكلية للسند فحسب....


الجمعة، 11 يوليو 2025

 

فلسفة الاصطفاء الإلهي ومعنى الإمامة والنبوة..

بقلم: الشيخ عادل الزركاني

في هذا البحث المقتضب، نحن أمام مسألة إيمانية وعقلية محورية، تفتح لنا أبوابًا لفهم الحق وأهله، وتمنحنا بصيرة في تمييز من اختارهم الله تعالى لهداية خلقه. فالأنبياء والأئمة (عليهم السلام) لم يُختاروا باجتهاد بشر، ولا بوساطة، ولا بطموحٍ شخصي، بل اصطفاهم الله بحكمة، وبعلمٍ محيط بالعوالم الأولى، وبتقديرٍ سبق الزمن والمكان، كما قال تعالى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾. , الاصطفاء الإلهي: ليس جبريًا بل استحقاقًا , الاصطفاء لا يعني الجبر، بل هو اختيار إلهي لمن بلغوا أعلى درجات القابلية والاستعداد الروحي والأخلاقي. إنهم أصحاب النفوس الطاهرة، والعقول الناضجة، والطينة الصافية. ولذلك فهم معصومون، لا لامتياز عشوائي، بل لأنهم أهل لتحمّل التكليف الرسالي العظيم , الإنسان والمصلحة.. والأنبياء والرسالة , الناس بطبيعتهم تحركهم المصالح: الزواج مصلحة، العلاقات الاجتماعية مصلحة، الحكم مصلحة. أما الأنبياء والأئمة، فتحركهم الرسالة، لا المصلحة , وتاريخ الملوك والسلاطين يشهد أن غايتهم المال والتوريث والسلطة والنساء، حتى وصل الأمر إلى قتل الأخ لأجل الكرسي، أو السبي والنهب باسم الدين. وقد مارس كثير من الحكّام، حتى من لبس عباءة الإسلام، أبشع صور التوحش تحت راية "الفتوحات": من سبي النساء إلى قتل الأبرياء، إلى اختطاف الأطفال، وخصي الصغار ليكونوا خدماً في قصور "الخلفاء" , أيّ شرف هذا؟! وأيّ عفّة يدّعيها من ينتهك أعراض الخلق باسم الدين؟! , وهذه الغزوات باسم الدين.. وهي تزييف للعقيدة ,الله لم يرسل الأنبياء للقتل والسبي، بل للإصلاح. وهو تعالى لم يعاقب الأمم لعدم عبادته، بل لطغيانهم وفسادهم , فكيف يكون منطق السماء: "اقتل لتعبدني"؟! , ولو كانت الفتوحات التي افتخر بها حكّام المسلمين تمثل الدين، لكان الأئمة (عليهم السلام) أول المشاركين. ولكنهم لم يشاركوا في غزوة واحدة، ولم يؤيدوا أي حاكم متسلط. وما يُروى خلاف ذلك إما موضوع أو محرّف يخالف العقل والقرآن , وأكذوبة الفتح الإسلامي ما يُسمّى بالفتح الإسلامي، والذي يتغنى به كثير من المسلمين ــ خاصة الوهابية ــ ليس إلا كذبة كبرى , وهذه العقيدة التي رُسخت في عقول السذّج، أصبحت "مقدسة"، لا يُسمح بمناقشتها. لكن كيف يُعقل أن يُنشر الإسلام بالسيف: إما أن تُقتل، أو تؤمن؟! الإيمان بالخوف لا يختلف عن الإلحاد , الحقيقة أن من كتبوا ذلك التاريخ، مارسوا الطمس والإخفاء، وادّعوا أنهم جاءوا محررين، ناشرين لدين التسامح. لكن الوقائع والمصادر تكشف عكس ذلك تمامًا: لا فقهاء، لا دعوة، لا تواصل حضاري، بل قتل وسبي ونهب فقط , والوجه الحقيقي لبعض الفاتحين وهو صورة لا تختلف عن الباقي من نوعه وقادة مثل عقبة بن نافع، لم يكونوا دعاة، بل غزاة سفّاحين. ويكفي ما ورد في "الكامل في التاريخ" لابن الأثير عن غزو الأمازيغ:"وقتل المسلمون فيهم حتى مَلّوا!"، أي تعبوا من كثرة القتل! , كيف نُصدّق أنهم دعاة وقد قتلوا أبناء بنت نبيهم (ص) ورفعوا رؤوسهم على الرماح؟! وسَبوا نساء آل البيت (ع)؟! , السيطرة العرقية تحت غطاء الإسلام , عقبة بن نافع، كما ذكر المؤرخ أبو عبد الحكم، قال لملك ودّان: "فعلت بك هذا أدبًا لك، وإذا مسست أذنك تذكرته، فلم تحارب العرب؟" , ولم يقل "المسلمين"، ما يدل على أن الهدف لم يكن دينيًا، بل عرقيًا: تمكين العرب من السيطرة على الشعوب , هذا النهج استمر حتى الدولة العثمانية التي نصّبت الأتراك على الشعوب، بما فيها العرب، رغم دخولهم الإسلام , منطق الانتقام لا الدعوة , بعد مقتل عقبة، جاء زهير بن قيس ينتقم، لا يفتح، فقتل المئات من الأمازيغ , وهكذا تحوّلت الغزوات من استعمار إلى ثأر، إلى إبادة جماعية , ويكفي ما ذكره ابن كثير عن موسى بن نصير: سبى من الأندلس ومن غيرها خلقًا كثيرًا، ومن الذهب والجواهر ما لا يُعد، وسبى من الغلمان الحسان والنساء الحسان شيئًا كثيرًا، حتى قيل إنه لم يُسلب أحد مثله! , بل إن خمس السبي بلغ أربعين ألف رأس، فأرسلها إلى الخليفة! والمقارنة مع الجرائم الحديثة هذه الجرائم لا تقلّ وحشية عن جرائم النازية، أو الاستعمار الأوروبي، بل في بعض الجوانب تفوقها، لأن هذه تمّت باسم "الإسلام"! والأسوأ من ذلك: أنها ما تزال تُمجّد، وتُدرّس، وتُلبس لبوس "الفتوحات الإسلامية العظيمة"! النموذج المعاكس: أهل البيت (عليهم السلام) قال الإمام علي (ع): "وأشعر قلبك الرحمة للرعية، والمحبة لهم، واللطف بهم، ولا تكوننّ عليهم سبعًا ضاريًا تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق." , النبي الأكرم (ص) لم يفرض دعوته بالسيف، بل بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمنطق، لا بالإكراه والقهر , الحكم عند المعصومين: تكليف لا تشريف , وقليل من الأنبياء حكموا: داود، سليمان، يوسف. , والنبي محمد (ص) أقام الدولة الإسلامية لتثبيت الدين، لا من أجل السلطة , أما الإمام علي (ع) فحين غُصِب حقه، قال وهو يخصف نعله: "والله لهي أحب إليّ من إمرتكم، إلا أن أقيم حقًا أو أدفع باطلاً." وكان يأكل من طعام بسيط، ويحمله مختومًا. أما حروبه، فكانت دفاعية لا سلطوية , والإمام الحسن (ع) صالح معاوية حفظًا للدماء. فهل معاوية أصلح من الحسن؟ , والإمام الحسين (ع) خرج حين بلغ الانحراف ذروته، نهض بأمر من الله، ومعه النساء والأطفال، فهل هذا فعل طالب ملك؟! بعد كربلاء.. الخط الرسالي مستمر , ولم يحكم أي إمام بعد الحسين (ع). بل سُجنوا، وقُتلوا، لكنهم ثبّتوا العقيدة، وأعدّوا الأمة لظهور الإمام المهدي (عج) والمهدي (عج) فكرة موجودة في كل الأديان، لكن يختلف المسلمون حول ولادته. من يطعن فيها، إما جاهل أو حاقد , أما من يشتم نسبه أو عرضه، فقد انحدر إلى درك الجهل والحقارة... النتيجة صراع كرسي لا رسالة , ما نُقل من إنجازات وفتوحات كبرى في التاريخ الإسلامي لم يكن لله، بل للكرسي , الأمويون قتلوا واستبدوا باسم الإسلام , العباسيون قتلوا بني أمية وساروا على نهجهم , العثمانيون وسّعوا سلطانهم بالسيف وغطوه بلباس الخلافة , فتوحاتهم لم تكن رسالية، بل لا تختلف عن فتوحات التتار، سوى أنها كانت أكثر خداعًا باسم الدين...الإمامة والنبوة.. تكليف إلهي لا منصب دنيوي والنبوة والإمامة ليستا سلطة، بل مسؤولية سماوية. أصحابها معصومون، زاهدون، مخلصون، لا يحركهم إلا رضا الله , هم حكّام الآخرة، لا حكّام القصور، وهذا ما لا يفهمه أعداء أهل البيت، ولا من عبدوا الكرسي.


الخميس، 10 يوليو 2025

 

الازدواجية السياسية وضياع الموقف العربي

نحن في زمنٍ انقلبت فيه المعايير، وتبدّلت فيه المواقف، نرى العجب من أناسٍ يُحسبون على العرب، وما هم منهم! فما رأينا العربي الأصيل يفرح بضرب مسلم، أو يُطبّل لقصف بلدٍ جار، أو يتمنى زوال دولةٍ لأنها اختلفت معه في السياسة أو المذهب! , العربي الحقّ، صاحب الغيرة، لا يستقوي بالأجنبي على أخيه، ولا يرقص على جراح الأمّة، ولا يهلل لكل صاروخ يُطلقه نتنياهو، أو صفعة يوجهها ترامب، أو قصفٍ يهدم بيتاً في طهران أو بغداد أو غزة! , لقد رأينا كيف تهتف بعض الألسن فرحاً: "غداً تُضرب إيران!"، "غداً يُسحق حزب الله!"، "قريباً تسقط دمشق أو تُقسم بغداد!"، وكأنهم على موعد مع النصر، لا على عدو، بل على أنفسهم! هل نسي هؤلاء من قصف فلسطين؟ من هدم العراق؟ من احتل الكويت؟ ومن أسقط صدام؟ من بنى قواعده في قلب جزيرة العرب؟ أليسوا هم نفسهم من قاد الحروب علينا؟ , أليسوا من دمّروا شعوبنا بأموالنا وأرضنا وأصواتنا؟

يا أيها الناس، يا أبناء الأمة: بالأمس قالوا: إيران حليفة إسرائيل! , ثم قالوا: المعركة مسرحية! , ثم قالوا: الله يضرب الظالمين بالظالمين! , ثم قالوا: هذا نصر لأهل السنة! , وغداً يقولون: نحن المنتصرون! , وكل يوم حكاية، وكل ساعة رأي، وكأنهم بلا عقل، ولا ضمير، ولا ذاكرة! يا للأسف! صار بعض أبناء العرب، أدوات بيد العدو، وأبواقاً لسياسات الغرب، ومجرد أزرارٍ تضغطها واشنطن، فيتحرك الإعلام، وتُشنّ الحملات، وتُبدّل البوصلات! أين الغيرة يا عرب؟ أين الحميّة؟ أين المبادئ؟ هل بلغ بكم الأمر أن تفرحوا لخراب ديار المسلمين؟ هل بلغ الحقد أن تتوسلوا العدو لضرب أبناء دينكم؟ هل نسيتم قول الله تعالى: (وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر)؟ أيها الإخوة المؤمنون: لا يغرّنّكم إعلامهم، ولا تُخدعنّكم شعاراتهم، فهؤلاء لا يريدون تحريراً، ولا إصلاحاً، بل يريدون مزيداً من الانقسام، والدمار، والهيمنة , العاقل من ثبت على الحق، لا من تغيّر كلما تغيّر مزاج السادة الكبار! , المؤمن من يزن الأمور بميزان الدين، لا بميزان الطائفية والمصالح! , الشريف من يرفض الظلم... أيّاً كان الظالم، وأيّاً كان المظلوم! , فاثبتوا، وكونوا مع الحق حيث كان، ومع المظلوم ولو خذله الناس جميعاً، وكونوا رجال موقف لا عبيد زمن! , نسأل الله أن يهدي هذه الأمة إلى رشدها، وأن يُبصرها بعدوها، وأن يجعلنا ممن يقولون كلمة الحق، ولا يخافون في الله لومة لائم


 

الشعائر دين، والدين أخلاق، ولا دين بلا أخلاق!

ما قيمة الدين إذا تجرد من الأخلاق؟ وما نفع الشعائر إن لم تُهذّب النفوس وتُزكّي الأرواح؟ نعم، الشعائر من الدين، لكنها ليست بديلًا عن جوهره… وأول الدين أخلاق، فمن لا أخلاق له، لا دين له، وإن لبس زيّ التدين، وتكلّم بألف لطمية! كلّ من يردّد: "النية تكفي"، وهو يسلك طريق الجهل والتزييف… نقول له: النية لا تكفي! الدين معرفة، وفهم، وعلم… لا إحساسًا عابرًا، ولا عاطفةً فارغة , الدين ليس شكلًا ولا مظهرًا، ولا زيًّا يُرتدى في موسم معين، ثم يُخلع عنه كل خُلقٍ وقيمة! , من تلبس زيّ المتدينين، وتدّعي حب زينب، وتُقيم العزاء، لكنّ سلوكها نهج عبيدالله بن زياد، ولسانها لسان يزيد… فهذه ليست على درب الحسين، ولو بكت حتى جفّت مآقيها! الحسين ليس وسيلةً للشهرة، ولا سلّمًا للمكاسب، ولا ساحةً لتصفية الحسابات، ولا أداةً لتسقيط المؤمنين وخدّام الحسين! , الحسين ثورة على التزييف، لا غطاء له , لا تسمحوا للنوع غير المحترم أن يتصدر مجالسكم، أو يدخل مواكبكم، أو يزيّن صفحاتكم، إلا أن يكون قادمًا للتوبة، راغبًا في الإصلاح، طالبًا لاحترام النفس والعفّة والأخلاق , لا تتركوا صورةً غير لائقة، بقصد أو بغير قصد، يستغلّها أعداء الحسين للنيل من طهارتكم وعفّتكم… هؤلاء الأعداء لا يعرفون من الحسين شيئًا، ويتكلّمون من حيث هم، من مستنقعات التدني والقذارة، والحقد الفكري والمذهبي وحتى القومي.

أيّها الاحبة : الحسين مدرسة… بابُ توبة… بابُ صعودٍ نحو القيم، والأخلاق، والاحترام , هو النور الذي يعيد للناس إنسانيّتهم، لا مظاهر تُستغل، ولا مشاعر تُباع في سوق المصالح , احذروا أن يتحول الدين إلى صناعة بشرية تُفصّل على المقاس، وتُركّب على الأهواء, واحذروا أن يُفرّغ الدين من جوهره، فيُصبح طقوسًا بلا روح، وشعارات بلا سلوك، وشعائر بلا مضمون! الدين ليس ما يُقال، بل ما يُفعل… وليس ما يُظهر، بل ما يُبطن… وما قيمة فعلٍ بلا أخلاق؟ وما وزن شعيرة بلا معرفة؟ , الحسين لا يريد دموعًا فقط… بل يريد يقظةً، ونهضةً، وثورةً على الجهل، والرياء، والنفاق! فكونوا صادقين مع الحسين، ومع أنفسكم… ولا تسيئوا لمدرسةٍ رفعت راية الكرامة باسم الطمع، أو الغفلة، أو الادّعاء.


الثلاثاء، 8 يوليو 2025

 

لماذا تُحارب مائدة الحسين؟

كلّما حلّ موسم ديني، كلّما ارتفعت رايات الحسين، كلّما سارت قوافل الزائرين... خرج علينا من يُنكر ويشتم ويُحقّر! نفس الصوت... نفس السؤال... نفس الأسطوانة المكرّرة: لماذا لا تُعطى هذه الأموال للفقراء؟!"لماذا لا تطوفون ببيوت الفقراء بدل الطواف ببيت الله؟!" الحج الحقيقي أن تطعموا الجياع، لا أن تمشوا إلى كربلاء! "لكن عجيبٌ أمرهم!

أين هم حين تُنفق الأموال على السفرات؟ , أين صوتهم حين تُصرف الملايين على السياحة، وعلى الكماليات، وعلى الحفلات؟ , لماذا فقط إذا رأوا مائدة في طريق الزائرين صاحوا: تبذير! , لماذا فقط إذا سمعوا طبّاخًا يطهو للزوار قالوا: هذا لا ينفع الفقراء! , تعالوا يا أحبة، تعالوا أشرح لكم كيف تُصنع هذه المائدة الحسينية العظيمة: ذاك الطفل الصغير، جمع في حصّالته خمسة آلاف... وتلك العجوز المسكينة، أعطت من راتبها خمسين ألفًا... وذاك العامل البسيط، وفّر من قوته مئة ألف دينار... وذلك الأب، جعل الطعام الذي كان في بيته، مؤدبة على طريق كربلاء! هذه الموائد لا تصنعها أموال الأغنياء فقط، بل تصنعها قلوب الفقراء! إنه تكافل... إنه تضامن... إنه حبّ الحسين الذي يوحّد القلوب ويكسر الحواجز! ووالله، لا يُطرد فقير، ولا يُهمَّش محتاج... بل الفقير في هذه المائدة في الصدارة، والمسكين أول من يُقدَّم له الطعام، والضيف له الكرامة قبل صاحب الدار...والخادم في هذه المواكب لا ينتظر أجرًا، بل يعتبرها كرامةً من الحسين أن يُخدم الزائر، لا منّة عليه! أين أنتم من هذا الفهم؟ أين أنتم من هذا النبل؟ أين أنتم من هذا العطاء الحسيني؟! يا من تعترض على مواكب الحسين... لو علمت أن مائدة الحسين لا تُقصي فقيرًا، ولا تهين محتاجًا، لركضت تمشي حافيًا تخدم فيها قبل أن تنتقدها! يا من تسخر من خدمة الأربعين... اذهب وتعلّم من ذاك الطفل، وتلك العجوز، وذاك الخادم، كيف يكون الحبّ حين يتجسّد فعلًا، لا شعارات! اللهم احشرنا مع الحسين وأصحاب الحسين، اللهم لا تحرمنا شرف الخدمة، ولا تمنعنا من مائدةٍ يجلس عليها الفقراء قبل الأغنياء، ويُذكر فيها اسمك يا الله، ويُبكى فيها على عبدك الحسين


  يعود التاريخ بوجه أكثر قبحًا.. بقلم: عادل الزركاني لقد تحدث أئمة أهل البيت (ع)، كما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، عن أن...